کتاب الطهاره المجلد 2

اشارة

سرشناسه : خمینی، روح الله، رهبر انقلاب و بنیانگذار جمهوری اسلامی ایران، 1368 - 1279

عنوان و نام پديدآور : کتاب الطهاره/ تالیف الامام الخمینی

مشخصات نشر : تهران: موسسه تنظیم و نشر آثار الامام الخمینی(س)، 1380.

مشخصات ظاهری : ج 4

شابک : 964-335-460-1(دوره) ؛ 964-335-485-x(ج.1) ؛ 964-335-459-811000ریال:(ج.2) ؛ 964-335-380-x13000ریال:(ج.3) ؛ 964-335-381-811000ریال:(ج.4)

يادداشت : عربی

يادداشت : فهرستنویسی براساس اطلاعات فیپا.

یادداشت : کتابنامه

موضوع : طهارت

موضوع : فقه جعفری -- رساله عملیه

شناسه افزوده : موسسه تنظیم و نشر آثار امام خمینی(س)

رده بندی کنگره : BP185/2 /خ75ک2 1380

رده بندی دیویی : 297/342

شماره کتابشناسی ملی : م 80-2199

[مقدمة المؤلف]

بِسْمِ اللّٰهِ الرَّحْمٰنِ الرَّحِيمِ

الحمد لله رب العالمين و صلى اللّٰه على محمد و آله الطاهرين و لعنة اللّٰه على أعدائهم أجمعين.

و بعد فلما انجرّ بحثنا إلى الطهارة الترابية أحببت أن أفرد فيها رسالة لذكر مهمات أحكامها، و لما كان التيمم ماهية ذات اضافة الى المتيمم و الى ما يتيمم به و لها احكام صارت المباحث فيها أربعة:

بحث في ماهيته، و آخر في المتيمم، و ثالث فيما يتيمم به، و رابع في الاحكام، و نحن نذكر المباحث على ترتيب الشرائع لكون بحثنا موافقا له و ان كان الترتيب الطبيعي يقتضي غير ذلك، و قبل الورود في المباحث لا بأس بذكر أمور:

منها انه لا إشكال في مشروعية التيمم كتابا، و سنة و إجماعا، و اما كونه من ضروريات الدين ففيه تأمل، و ان لا يبعد في الجملة كما ان كون منكر الضروري كافرا محل إشكال يأتي الكلام فيه في مباحث النجاسات ان ساعدنا التوفيق إن شاء اللّٰه، و الاشكال فيه ناش من ان إنكار الضروري هل هو بنفسه موجب للكفر، أو إذا لزم منه إنكار اللّٰه أو توحيده أو رسالة

النبي صلّى اللّٰه عليه و آله و الأظهر هو الثاني، و لا مجال لتفصيل ذلك.

و منها ان التحقيق عدم اتصاف الطهارات الثلث بالوجوب لا نفسيا و لا غيريا و لا بعنوان آخر كالنذر و شبهه.

اما عدم الوجوب النفسي فلقصور الأدلة عن إثباته، لأن الظاهر من كل ما ورد فيها من الأوامر و غيرها هو الإرشاد إلى الشرطية، لأن الأوامر المتعلقة بالاجزاء و غيرها من متعلقات المركبات لا ظهور لها في المولوية بحسب فهم العرف، فقوله

كتاب الطهارة (للإمام الخميني، ط - القديمة)، ج 2، ص: 3

تعالى إِذٰا قُمْتُمْ إِلَى الصَّلٰاةِ فَاغْسِلُوا وُجُوهَكُمْ إلخ لا يدل الا على ان تلك الماهيات أو أثرها شرط للصلاة و الأوامر المتعلقة بها للإرشاد إلى الشرطية.

لا أقول باستعمال الهيئة في غير ما وضعت له، فان التحقيق ان هيئة الأمر الموضوعة لنفس البعث و الإغراء استعملت في مثل المقام فيما وضعت له، لكن البعث لداعي افادة الشرطية كما ان النهى في مثل المقام كقوله: «لا تصل في وبر ما لا يؤكل لحمه» استعمل في الزجر، لكن لإفادة مانعيته للصلاة، بل الظاهر من قول أبى جعفر عليه السّلام في صحيحة زرارة: «الوضوء فريضة» «1» أيضا كونه فريضة في الصلاة و هو لا يفيد إلا الشرطية و الدليل عليه صحيحته عن أبى جعفر عليه السّلام أيضا بالسند المتقدم «قال: سألت أبا جعفر عليه السّلام عن الفرض في الصلاة؟ فقال: الوقت و الطهور و القبلة و التوجه و الركوع و السجود و الدعاء» «2» فعدّ الوقت من فرائض الصلاة في عرض الطهور، و لا إشكال في ان الوقت فرض فيها بالمعنى الذي ذكرنا.

و كيف كان لا إشكال في عدم الوجوب النفسي في الطهارات كما

يدل عليه بعض الروايات، كرواية الكاهلي و غيرها، كما ان التحقيق عدم الوجوب الغيري أيضا لما ذكرنا في محله من عدم وجوب المقدمة شرعا، بل عدم إمكان وجوبها، بل لو قلنا بوجوب المقدمة أيضا لا يلزم منه وجوب تلك العناوين بما هي، لما حقق من وجوب المقدمة الموصلة أي عنوان الموصل بما هو موصل، فلا يسرى الوجوب منه الى ما يتحد معه وجودا فلا تقع الطهارات الثلث الا على وجه واحد هو الاستحباب، و انما جعلت شرطا و مقدمة للصلاة بما هي مستحبات و عبادات، فما هو شرط لها هو الوضوء العبادي و التيمم العبادي، فتكون عباديتها قبل تعلق الأمر الغيري بها على فرض تصوير الأمر الغيري، فلا يمكن أن تكون عباديتها لأجل الأمر الغيري المتعلق بها، لأن الأمر الغيري لا يتعلق الا بما هو شرط للصلاة، فان كان الشرط ذات تلك الافعال بلا اعتبار

______________________________

(1) الوسائل: أبواب الوضوء، ب 1 ح 2

(2) الوسائل: أبواب الوضوء، ب 1، ح 3

كتاب الطهارة (للإمام الخميني، ط - القديمة)، ج 2، ص: 4

قيد العبادية و القربة لكان اللازم صحتها و صحة الصلاة مع إتيانها بلا قصد التقرب، كما ان الأمر كذلك في الستر و التطهير من الخبث، و هو كما ترى و ان كان الشرط هي مع قيد العبادية فلازمه كون عباديتها مقدمة على شرطيتها المتقدمة على الأمر الغيري، و كون عباديتها للأمر النفسي المتعلق بالصلاة أسوء حالا منه و التفصيل موكول الى محله.

فتحصل مما ذكر ان التيمم بما هو عبادة جعل شرطا للصلاة فلا بد و ان يكون مستحبا نفسيا مثل الوضوء، مع ان الأصحاب لم يلتزموا باستحبابه النفسي على حذو الوضوء، و يحسم الاشكال بإمكان أن

يكون التيمم مستحبا نفسيا في ظرف خاص هو ظرف وجوب الإتيان بما هو مشروط به، أو إرادة ذلك أو يكون مستحبا نفسيا بحسب ذاتها مطلقا لكن عرض له عنوان مانع عن التعبد به في غير الظرف الكذائي هذا.

لكن التحقيق ان الوضوء أيضا ليس مستحبا نفسيا الا باعتبار حصول الطهارة به، و اما نفس الافعال بما هي فلا تستحب و التيمم مع تلك الغاية أيضا مستحب و سيأتي التفصيل في بعض المباحث الآتية.

و اما عدم وجوبها بسائر العناوين فلان النذر و شبهه إذا تعلق بعنوان لا يوجب الا وجوب الوفاء به و هو لا يوجب سراية الوجوب من عنوان الوفاء به الى عنوان آخر بل لا يعقل ذلك و ان كان متحدا معه في الوجود، فالواجب في النذر هو الوفاء به لا الوضوء المنذور المتحد معه وجودا لا عنوانا.

و منها انه لا إشكال في ان التكليف إذا تعلق بعنوانين متقابلين مثلا كالمسافر و الحاضر و الواجد للماء و الفاقد، و كذا إذا كان التعلق مشروطا كما إذا قيل إذا كنت في السفر كذا، و ان كنت في الحضر كذا، لا يجب على المكلف حفظ العنوان في الغرض الأول، و حفظ الشرط في الثاني، فيجوز تبديل أحد العنوانين بالآخر و رفع الشرط، سواء كان قبل تحقق التكليف و تنجزه أولا لعدم اقتضاء التكليف حفظ موضوعه و لا المشروط حفظ شرطه، فيجوز للحاضر السفر قبل الوقت و بعده. و للواجد

كتاب الطهارة (للإمام الخميني، ط - القديمة)، ج 2، ص: 5

اراقة الماء قبله و بعده.

كما لا ريب في انه إذا توجه التكليف بنحو الإطلاق بالمكلف لا يجوز تعجيز نفسه، لأن القدرة ليست من القيود و العناوين المأخوذة في

المكلف، و لا شرطا للتكليف لا شرعا و لا عقلا، لكن العاجز معذور في ترك التكليف المطلق الفعلي، فلو قال يجب على الناس إنقاذ الغرقى لا يكون هذا التكليف المتعلق بالعنوان الكلي مشروطا بحال القدرة شرطا شرعيا، و الا لكان للمكلف تعجيز نفسه، و لما وجب عليه الاحتياط في الشك في القدرة و ليس للعقل تقييد حكم الشرع، بل هو حاكم بمعذورية العبد عند مخالفة التكليف في صورة عجزه، و عدم معذوريته مع قدرته.

و توهم لزوم تعلق التكليف و البعث على العاجز قد فرغنا من دفاعه في الأصول كما انه لو فرض استفادة وجود اقتضاء التكليف من الأدلة في صورة عروض عنوان على المكلف يوجب تعلق تكليف آخر به يكون حكمه حكم العجز العقلي، كما لو فرض استفادة اقتضاء لزومي للطهارة المائية أو الصلاة معها، حتى في حال عروض فقدان الماء، فلا يجوز إراقته أو تحصيل العجز في هذه الصورة أيضا، هذا كله مما لا اشكال فيه.

انما الإشكال في ان حال الطهارة المائية و الترابية ما ذا؟ و هل التكليف متعلق بالواجد و بالفاقد كتعلقه بالحاضر و المسافر أو يكون التكليف بالطهارة المائية مطلقا و له اقتضاء حتى في صورة فقدان الماء، و الطهارة الترابية مصداق اضطراري سوغه العجز عن المائية مع بقاء الاقتضاء اللزومي، فلا يجوز تحصيل الاضطرار؟

فاللازم صرف الكلام أولا إلى الآية الشريفة ثم الى مقتضى الروايات قال تعالى في المائدة يٰا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِذٰا قُمْتُمْ إِلَى الصَّلٰاةِ فَاغْسِلُوا وُجُوهَكُمْ وَ أَيْدِيَكُمْ إِلَى الْمَرٰافِقِ وَ امْسَحُوا بِرُؤُسِكُمْ وَ أَرْجُلَكُمْ إِلَى الْكَعْبَيْنِ وَ إِنْ كُنْتُمْ جُنُباً فَاطَّهَّرُوا وَ إِنْ كُنْتُمْ مَرْضىٰ أَوْ عَلىٰ سَفَرٍ أَوْ جٰاءَ أَحَدٌ مِنْكُمْ مِنَ الْغٰائِطِ أَوْ لٰامَسْتُمُ النِّسٰاءَ

فَلَمْ تَجِدُوا مٰاءً فَتَيَمَّمُوا صَعِيداً طَيِّباً فَامْسَحُوا بِوُجُوهِكُمْ وَ أَيْدِيكُمْ مِنْهُ مٰا يُرِيدُ اللّٰهُ

كتاب الطهارة (للإمام الخميني، ط - القديمة)، ج 2، ص: 6

لِيَجْعَلَ عَلَيْكُمْ مِنْ حَرَجٍ وَ لٰكِنْ يُرِيدُ لِيُطَهِّرَكُمْ وَ لِيُتِمَّ نِعْمَتَهُ عَلَيْكُمْ لَعَلَّكُمْ تَشْكُرُونَ أمر تعالى شأنه بالوضوء أولا، و مع فرض الجنابة بالغسل لظهور قوله «فَاطَّهَّرُوا» بعد قوله «فَاغْسِلُوا» و قبل فرض العجز عن الماء في التطهير بالماء و إطلاقها يقتضي مطلوبيتهما مطلقا، و اقتضائهما كذلك حتى في فرض العجز و الفقدان، و ليس لأحد أن يقول ان عدم ذكر قيد الوجدان لحصوله غالبا و ندرة فقدانه، فان ندرة فقدانه في تلك الا زمان و الأسفار ممنوعة، و لو سلم ندرته لكن العجز المطلق المستفاد من الآية بذكر المرض و إلقاء الخصوصية بالنسبة إلى سائر الأعذار كما يأتي بيانه ليس بنادر، كما ان كونها بصدد بيان كيفية الوضوء لا ينافي الإطلاق من جهة أخرى، فالآية الشريفة بصدد بيان تكليف صنوف المكلفين من الواجد و الفاقد و الجنب و غيره، و قوله تعالى:

«فَلَمْ تَجِدُوا» لا يصلح لتقييد الصدر بحيث صار معنونا بعنوان الواجد، فيكون العنوانان عدلين كالحاضر و المسافر.

أما أولا: فلان العرف يفهم من عنوان الفاقد و عدم الوجدان و نظيرهما من العناوين الاضطرارية ان الحكم المتعلق به انما هو في فرض الاضطرار و العجز عن المطلوب الأصلي، و في مثله لا يكون التكليفان في عرض واحد على عنوانين.

و اما ثانيا: فلان جعل المرضى قرين المسافر، دليل على ان الحكم كما في المرضى اضطراري الجائي كذلك في سائر الأصناف.

و اما ثالثا: فلان التذييل بقوله «مٰا يُرِيدُ اللّٰهُ لِيَجْعَلَ عَلَيْكُمْ مِنْ حَرَجٍ» الظاهر عرفا في كونه مربوطا بالتيمم في حال المرض و السفر،

و ان الأمر بالتيمم لأجل التسهيل و رفع الحرج، فإن الأمر بالمرضي بالطهارة المائية، و بالمسافر بتحصيل الماء كيف ما اتفق حرجي، و ما يريد اللّٰه ذلك يدل على ان التيمم سوغ لأجل التسهيل و رفع الوضوء و الغسل للحرج، و لا يكون ذلك الا مع تحقق الاقتضاء، فيفهم منه ان التكليف الأولي الأصلي هو الطهارة المائية، و له اقتضاء حتى في صورة العجز

كتاب الطهارة (للإمام الخميني، ط - القديمة)، ج 2، ص: 7

فلا يجوز تحصيل العجز و يجب عليه تحصيل المائية حتى الإمكان مع عدم الوصول الى حد الحرج. و تدل عليه أيضا روايات:

منها صحيحة محمد بن مسلم عن أبى عبد اللّٰه عليه السّلام قال: سألت عن رجل أجنب في سفر و لم يجد الا الثلج أو ماء جامدا؟ فقال: هو بمنزلة الضرورة، يتيمم و لا أرى ان يعود الى هذه الأرض التي يوبق دينه» «1» و الظاهر ان المراد من عدم وجدان غير الثلج و الماء الجامد عدم وجدان ما يتوضأ به لا ما يتيمم به اختيارا، كما زعمه صاحب الوسائل فحينئذ تدل على ان التيمم مصداق اضطراري سوّغ في حال الضرورة، و يدل ذيلها على عدم جواز تحصيل الاضطرار اختيارا، و ان الترابية ما وفت بما وفت المائية، و الذهاب الى تلك الأرض لأجل تفويت التكليف الأعلى، من قبيل هلاك الدين و تفويت ما يجب تحصيله.

و منها ما دلت على وجوب شراء الماء على قدر جدته و لو بمائة ألف، و كم بلغ قائلا و ما يشترى بذلك مال كثير «2» فان المتفاهم منها وجوب حفظ الموضوع و يرى العرف جواز إراقته بعد الشراء منافيا لها، خصوصا مع قوله: ما يشترى

بذلك مال كثير، و الظاهر ان المراد ليس نفس الماء بل ما يترتب عليه من الخاصية، و لو ترتبت تلك الخاصية بعينها على التراب لا يكون ذلك مالا كثيرا، مع كون وجوده و عدمه على السواء، و التعليل دليل على ان وجوب الشراء انما هو لتحصيل المصلحة الملزمة لا لكونه واجد الماء، حتى يتوهم عدم المنافاة بين وجوب شرائه و جواز إراقته لتبديل الموضوع، و بالجملة لا شبهة في ان المتفاهم منها لزوم تحصيل الماء، و كون الصلاة مع المائية مطلوبة حتى الإمكان، و انها الفرد الأعلى.

و منها ما دلت على وجوب الطلب «3» و من الغرائب بل الباطل لدى العرف

______________________________

(1) الوسائل أبواب التيمم، ب 9، ح 9

(2) الوسائل أبواب التيمم، ب 26.

(3) الوسائل أبواب التيمم، ب 1

كتاب الطهارة (للإمام الخميني، ط - القديمة)، ج 2، ص: 8

وجوب تحصيل الماء بالطلب و جواز إراقته بعد الوجدان، و ان أمكن ان يقال ان الطلب واجب لتحصيل العلم بتحقق الموضوع، فلا ينافي رفع الموضوع اختيارا، لكنه احتمال عقلي لا يساعد عليه العرف، بحسب ما يتفاهم من الروايات.

نعم هنا روايات ظاهرها ينافي ما تقدم كرواية إسحاق بن عمار «قال: سألت أبا إبراهيم عليه السّلام عن الرجل يكون مع أهله في السفر فلا يجد الماء يأتي أهله فقال: ما أحب أن تفعل ذلك الا أن يكون شبقا أو يخاف على نفسه» «1».

و عن السرائر نقلا من كتاب محمد بن على بن محبوب مثله و زاد: «قلت يطلب بذلك اللذة؟ قال: هو له حلال، قلت: فإنه روى عن النبي صلّى اللّٰه عليه و آله ان أبا ذر سأله عن هذا فقال: ائت أهلك تؤجر» إلخ.

بدعوى أنها بإلقاء الخصوصية عرفا

أو بالأولوية تدل على جواز نقض الوضوء أيضا، فتدل على ان الترابية و المائية سواء، و رواية السكوني (الموثقة برواية المفيد مع نحو اشكال فيها و هو احتمال الإرسال) «عن جعفر عن أبيه عن آبائه عن أبى ذر رضى اللّٰه عنه، انه أتى النبي صلّى اللّٰه عليه و آله فقال: يا رسول اللّٰه هلكت، جامعت على غير ماء! قال:

فأمر النبي صلّى اللّٰه عليه و آله بمحمل فاستترنا به و بماء، فاغتسلت انا و هي ثم قال: يا با ذر يكفيك الصعيد عشر سنين» «2».

و الظاهر من ذيلها دفع توحش أبى ذر بأنه هلك و عمل على خلاف التكليف، و المتفاهم منه ان الصعيد لا ينقص عن الماء مطلقا و لا يختص الجواز بالجماع.

و صحيحة حماد بن عثمان» قال: سألت أبا عبد اللّٰه عليه السّلام عن الرجل لا يجد الماء أ يتيمم لكل صلاة؟ فقال: لا، هو بمنزلة الماء» «3».

و صحيحة محمد بن حمران و جميل بن دراج عن أبي عبد اللّٰه عليه السّلام في حديث «قال:

______________________________

(1) الوسائل أبواب التيمم، ب 27، ح 1

(2) الوسائل أبواب التيمم، ب 14 ح 12.

(3) الوسائل أبواب التيمم، ب 23، ح 2.

كتاب الطهارة (للإمام الخميني، ط - القديمة)، ج 2، ص: 9

ان اللّٰه جعل التراب طهورا كما جعل الماء طهورا «1». الى غير ذلك كقوله: ان اللّٰه عز و جل جعلهما طهورا الماء و الصعيد «2» و ان رب الماء هو رب الصعيد «3» و ان التيمم أحد الطهورين «4» و ان التيمم بالصعيد لمن لا يجد الماء كمن توضأ من غدير ماء، أ ليس اللّٰه يقول «فَتَيَمَّمُوا صَعِيداً طَيِّباً». «5»

أقول: مضافا الى ترجيح الروايات الأولى الموافقة للكتاب و فتوى

الأصحاب على ما حكى عن الحدائق: ان ما دلت على جواز الجماع مخصوصة بموردها، و لا يتعدى منه و دعوى الأولوية أو إلقاء الخصوصية في غير محلها، مع وجود الخصوصية في الجماع الذي هو من سنن المرسلين و التضييق فيه ربما يورث الوقوع في الحرام، و لعل أبا ذر رضى اللّٰه عنه تخيل عدم صحة صلوته فقال: «هلكت» و رفع النبي صلّى اللّٰه عليه و آله هذا التوهم بقوله:

«يكفيك» فلا يدل ذلك على مساواة الترابية و المائية، لأن الكفاية و الاجزاء غير المساواة في المصلحة و المطلوبية، و قوله: «هو بمنزلة الماء» ليس بصدد بيان عموم المنزلة حتى بالنسبة إلى المورد جزما، بل الظاهر أنه بمنزلته في عدم وجوب الإعادة أو في الطهورية و الاجزاء، و كذا سائر الروايات ليست بصدد التسوية بينهما من جميع الجهات ضرورة عدم التسوية التي تتوهم من ظاهرها بينهما، و الا لكان التيمم سائغا مع وجدان الماء فلا يستفاد منها الا التسوية في أصل الطهورية و أجزاء الصلاة.

و رواية العياشي «6» مع ضعفها بالإرسال لا تدل الأعلى تسويتهما في تصحيح الصلاة بهما، و لهذا استدل فيها بالاية الشريفة الظاهرة في صحة الصلاة به، مع كونه

______________________________

(1) الوسائل أبواب النميم، ب 23، ح 1

(2) الوسائل أبواب التيمم، ب 25، ح 3

(3) الوسائل أبواب التيمم، ب 3، ح 2

(4) الوسائل أبواب التيمم، ب 23، ح 5

(5) الوسائل أبواب التيمم، ب 19، ح 6

(6) الوسائل أبواب التيمم، ب 19، ح 6

كتاب الطهارة (للإمام الخميني، ط - القديمة)، ج 2، ص: 10

طهارة اضطرارية، فالأقوى عدم جواز اراقة الماء و تحصيل الاضطرار في غير المورد المنصوص فيه.

نعم يبقى اشكال و هو انه لو كان الأمر

كذلك لوجب الاكتفاء على قدر الضرورة و الاضطرار مع عدم إمكان الالتزام به لما سيأتي من جواز البدار و جواز الاستيجار و الاستباحة لسائر الغايات التي لا يضطر المكلف إليها، و صحة الاقتداء بالمتيمم الى غير ذلك مما لا يمكن الجمع بينها و بين القول بكون الطهارة الترابية اضطرارية، و الغايات معها أنقص مما تحصل بالمائية بنحو يلزم مراعاته، و لعله لذلك التزم المحقق (ره) في محكي معتبره بجواز الإراقة، و هو كما ترى مخالف لظاهر الأدلة كتابا و سنة و فتاوى الأصحاب، كما ان الالتزام بلزوم الاكتفاء بمقدار الضرورة غير ممكن مخالف للأدلّة الآتية خصوصا في بعض الفروع.

و قد التزم بعض أهل التحقيق بأن للطهارة المائية من حيث هي لدى الإتيان بشي ء من غاياتها الواجبة مطلوبية وراء مطلوبيتها مقدمة للواجبات المشروطة بالطهور و وجوب حفظ الماء، و حرمة تحصيل العجز لأجل ذلك، لا لكون الغايات لأجل المائية تصير واجدة لخصوصية واجبة المراعاة.

و هو كما ترى ليس جمعا بين الأدلة و تصحيحا لها، بل هو طرح طائفة منها كظاهر الآية الشريفة الدالة على ان الطهارة بمصداقيها شرط للصلاة، و لازمة كون الصلاة معهما مختلفة المرتبة، كما يتضح بالتأمل في الآية، و لا يجوز رفع اليد عن هذا الظاهر بلا حجة، مع ان هذه المطلوبية النفسية خلاف ارتكاز المتشرعة و جميع الأدلة.

و الذي يمكن ان يقال في رفع الاشكال: أن الصلاة مع المائية أكمل منها مع الترابية بمقدار يجب مراعاته كما هو ظاهر الأدلة المتقدمة، و مع العجز تتحقق مفسدة واقعية مانعة عن عدم تجويز البدار و عدم تجويز سائر الغايات و هكذا، فوجوب حفظ الماء لأجل وجوب تحصيل المصلحة اللزومية، و بعد فقد الماء و

عروض

كتاب الطهارة (للإمام الخميني، ط - القديمة)، ج 2، ص: 11

العجز تجويز الإتيان بسائر الغايات و تجويز البدار و غير ذلك لأجل التخلص عن مفسدة واقعية لازمة المراعاة، و هذا الوجه و ان كان صرف احتمال عقلي لكن يكفى ذلك في لزوم الأخذ بالظواهر و عدم جواز طرحها كما لا يخفى.

و اما الالتزام بحصول جهة مقتضية في ظرف الفقدان توجب تسهيل الأمر على المكلفين فغير دافع للإشكال، لأن الجهة المقتضية ان كانت مصلحة جابرة يجوز للمكلف تحصيل العجز، و الا لا يعقل تفويت المصلحة بلا وجه تأمل.

ثم انه لا فرق في وجوب حفظ الطهور و عدم جواز تحصيل العجز بين قبل حضور زمان التكليف و بعده، و ما يتخيل من الفرق بان التكليف غير متعلق بذي المقدمة قبل حضور الوقت، أو غير فعلى، أو غير منجز، و المقدمة تابعة لذيها، غير مسموع لما قلنا بعدم وجوبها شرعا، بل وجوب الإتيان بها عقلي محض، و على فرض وجوبها حديث تبعيتها لذيها لا أصل له، بل يمكن تعلق الإرادة الغيرية بها قبل تعلق الإرادة بذيها بناء على كون الوقت شرطا و عدم وجوب المشروط قبل شرطه، لأن مبادي تعلق الإرادة الغيرية غير مبادي الإرادة النفسية، و التفصيل موكول الى محله و لعله يأتي من ذي قبل بعض الكلام فيه.

و كيف كان لا بد من ملاحظة حكم العقل، و لا إشكال في ان العقل حاكم بعدم جواز تحصيل العجز عن تكليف يعلم بحضور وقته، و حصول جميع ما يوجب الفعلية و التنجيز فيه، فإنه مع العلم بالغرض المطلق الاستقبالي لا يجوز عقلا تفويته بتعجيز نفسه، بل لا يجوز تفويت المقدمة و لو مع احتمال حصول القدرة عند

حضور وقت العمل.

و اولى بذلك ما إذا كان واجدا في الوقت، و ان احتمل الوجدان فيه، فلا يجوز عقلا اراقة الموجود بمجرد احتمال تجدده بعد ذلك، لحكم العقل بلزوم الخروج عن عهدة التكليف المنجز، و احتمال التجدد ليس عذرا عند العقلاء ولدي العقل.

و ما قيل من جريان البراءة عن التكليف المتعلق بهذه المقدمة بعد كون الشك في انحصارها و الشك في توقف ذي المقدمة على هذا الماء بالخصوص و الشك في وجوب حفظه.

كتاب الطهارة (للإمام الخميني، ط - القديمة)، ج 2، ص: 12

غير وجيه لعدم وجوب المقدمة و عدم كون مخالفتها على فرض وجوبها موجبة لاستحقاق العقاب عليها فلا مجرى للبراءة فيها، و اما ذو المقدمة فواجب مطلق منجز فرضا يجب عقلا الخروج عن عهدته، و مجرد احتمال تجدد القدرة لا يوجب التعذير العقلي لو فرض عدم التجدد، و الشاهد حكم العقل في نظائره، فمن كان مكلفا بضيافة ضيف لمولاه، و كانت موجبات ضيافته و أسبابها حاصلة لديه، و احتمل عدم إمكان حصولها بعد ذلك احتمالا عقلائيا، هل ترى من نفسك معذوريته في تفويت المقدمات؟ و هل له الاعتذار باحتمال تجدد القدرة بل و ظنه به؟

فما اختاره بعض أهل التحقيق من جواز الإراقة حتى في الوقت باحتمال الوجدان بعد ذلك تمسكا بالبراءة غير سديد، و مما ذكر تعلم حرمة إبطال الطهارة و نقض الوضوء مع العلم بعدم تمكنه أو الاحتمال العقلائي المعتد به، سواء في ذلك قبل حضور الوقت و بعده.

ثم اعلم ان المراد بحرمة نقض الوضوء أو وجوب حفظ الطهارة ليس الا عدم المعذورية بالنسبة الى ما يفوت منه لأجل الطهارة المائية من التكليف النفسي، و الا فترك التكليف الغيري على فرضه لا يوجب

العقوبة، بل لا يكون حفظ المقدمة واجبا شرعا، و لا تفويتها حراما كذلك كما مر.

إذا عرفت ما ذكر فالمباحث كما تقدم أربعة:

المبحث الأول فيمن يشرع له التيمم،

اشارة

و ان شئت قلت فيما يصح معه التيمم، و هو أشخاص أو أمور يحويهم المعذور عقلا أو شرعا عن الطهارة المائية أو يحويها العذر كذلك عنها، و المراد من العذر هو ما بحسب الواقع لا الظاهر، كالقاطع بعدم الماء مع وجوده فإنه معذور عن الوضوء عقلا لكن لا يشرع له التيمم واقعا.

و لعل ما ذكرنا اولى مما في القواعد حيث عدّ الشي ء الواحد الجامع للمسوغات

كتاب الطهارة (للإمام الخميني، ط - القديمة)، ج 2، ص: 13

هو العجز عن استعمال الماء فان العجز ان كان عقليا يخرج منه كثير من المسوغات و ان كان أعم من العقلي و الشرعي كما في الجواهر يخرج منه أيضا بعضها كالخوف على مال لا يجب حفظه، أو بعض مراتب النفس ان قلنا بعدم حرمته، و كباب المزاحمة مع الأهم، فإن فيها لا يعجز عقلا و لا شرعا، اما عقلا فواضح و اما شرعا فلعدم الحرمة الشرعية فيها، بل التحقيق عدم سقوط الأمر عن المهم كما ذكرنا في باب التزاحم، فحينئذ يكون التعبير عن الجامع بان المسوغ سقوط وجوب الطهارة المائية غير وجيه أيضا لعدم السقوط في موارد التزاحم، و ان كان المكلف معذورا في تركه كما حقق في محله.

و اما عنوان المعذور عقلا أو شرعا عن المائية فالظاهر جمعه لجميع المسوغات حتى ضيق الوقت، فان في بعضها يكون العذر عقليا و في بعض شرعيا و في بعض شرعيا و عقليا، و لا يهم البحث عنه، و الاولى صرف عنان الكلام الى مفاد الآية الكريمة، ليعلم مقدار سعة دلالتها

للأعذار.

فنقول ان قوله «وَ إِنْ كُنْتُمْ مَرْضىٰ» لا يتفاهم منه عرفا ان للمرض موضوعية و استقلالا في تشريع التيمم، بحيث يكون الحكم دائرا مدار عنوانه، بل الظاهر منه هو المرض الذي يكون عذرا عند العقلاء من استعمال الماء، و يكون الغسل و الوضوء منافيا له، و مضرا بحال المريض دون ما لا يضره، فضلا عما إذا كان نافعا.

و يمكن ان يقال ان العرف كما يقيد المرض بذلك، كذلك يلغى خصوصية عنوان المريض، و يفهم منه ان الميزان هو العذر عن استعماله و لو لم يكن عذره المرض كالذي يكون كسيرا أو به جرح و قرح، يكون استعماله مضرا بحاله، فالمفهوم من الآية تشريع التيمم للمعذور عن استعمال الماء لمرض و شبهه، و كذا لا يرى العرف خصوصية للسفر و موضوعية له، بل يرى ان ذكره لأجل كون الابتلاء بالفقدان فيه غالبا، خصوصا في الأسفار التي في تلك الأزمنة و الأمكنة.

فما عن أبي حنيفة من ان الفقدان في السفر يوجب التيمم لا في الحضر ليس بشي ء كما لا يرى الخصوصية للمجي ء من الغائط أو لمس النساء، بل يرى ان الميزان

كتاب الطهارة (للإمام الخميني، ط - القديمة)، ج 2، ص: 14

حصول الحدث الأصغر أو الأكبر، كما ان المراد من عدم الوجدان الذي هو قيد لقوله على سفر هو الوجدان بنحو يمكن معه الوضوء، فيشمل عدم الوصلة ككونه في بئر أو محفظة لا يتيسر الوصول اليه، و كذا يشمل ما إذا كان الماء قليلا لا يفى بالاحتياج فلا يكون وجدانه بعنوانه موضوعا للحكم، بل هو عنوان طريقي إلى تيسر استعماله أو كناية عنه، فلو وجد الماء لكن لا يكون تحت سلطته بحيث جاز استعماله شرعا و عقلا

لا يعد واجدا.

و قوله «مٰا يُرِيدُ اللّٰهُ لِيَجْعَلَ عَلَيْكُمْ مِنْ حَرَجٍ» بناء على ما تقدم من كونه مربوطا بقوله «إِنْ كُنْتُمْ مَرْضىٰ أَوْ عَلىٰ سَفَرٍ» و يكون بيانا لنكتة تشريع التيمم، يدل على انه كلما كان الوضوء و الغسل حرجيا سواء كان الحرج في نفسهما أو مقدماتهما يتبدلان بالتيمم، فيكون المتفاهم من الآية صدرا و ذيلا بإلغاء الخصوصيات عرفا، و مناسبات الحكم و الموضوع، ان التيمم طهور اضطراري مشروع عند كل عذر شرعي أو عقلي، و لو فرض عدم استفادة بعض الموارد منها، لكن بعد العلم بعدم سقوط الصلاة بحال، و ان لا صلاة الا بطهور، و ان التيمم أحد الطهورين، لا يبقى إشكال في توسعة نطاق شرعه لكل الاعذار هذا مع ان الحكم مستفاد من التدبر في مجموع روايات الباب فراجع.

و كيف كان لا بد من التعرض لبعض أسباب العذر تفصيلا و هو أمور:

[السبب] الأول عدم الماء

اشارة

و لا اشكال نصا و فتوى في كونه من المسوغات من غير فرق عندنا بين السفر و الحضر، كان السفر طويلا أو قصيرا، و ما عن السيد ليس خلافا في هذه المسألة بل في مسألة الاجزاء.

نعم خالف في ذلك أبو حنيفة و أحمد في إحدى الروايتين و زفر على ما حكى عنه فقالوا: ان الحاضر العادم الماء لا يصلى، بل عن زفر لا يصلى قولا واحدا، و لا اعتداد بخلافهم، و يردهم ظاهر الآية كما عرفت.

كتاب الطهارة (للإمام الخميني، ط - القديمة)، ج 2، ص: 15

كما لا إشكال في وجوب الطلب و الفحص عن الماء في الجملة، و حكى الإجماع عليه عن الخلاف و الغنية و المنتهى و التذكرة و جامع المقاصد و إرشاد الجعفرية و التنقيح و المدارك و

المفاتيح و ظاهر المعتبر، بل عن السرائر دعوى تواتر الاخبار به.

و يدل عليه إطلاق الآية الشريفة لما عرفت من ان الظاهر منها ان التكليف بالصلاة مع المائية غير مقيد بحال الاختيار بل مطلق، و ان التعليق بعنوان اضطراري هو عدم وجدان الماء ظاهر عرفا في أن الترابية طهارة اضطرارية سوّغها الاضطرار و الإلجاء، مع بقاء المطلوبية المطلقة في المائية على حالها، و معه يجب عقلا الفحص و الطلب في تحصيل المطلوب المطلق الى زمان اليأس، أو حصول عذر آخر، و ليس الشك في العذر عذرا عند العقلاء، نظير الشك في القدرة في الاعذار العقلية، بل الظاهر من الآية ان تعليق التيمم على عدم الوجدان ليس لأجل تحديد موضع المائية فقط، بل لما كان حكم العقل مع فقد الماء هو سقوط الصلاة لعدم القدرة عليها مع المائية أفادت الآية الكريمة مطلوبيتها مع الترابية، و عدم سقوط أمرها بمجرد العجز عن المائية، و ان الترابية مصداق اضطراري يجب عند فقدان الماء، (فح) يحكم العقل بوجوب الطلب الى حدّ الياس، و إحراز العذر بل يمكن استفادة لزوم الطلب من قوله تعالى فَلَمْ تَجِدُوا فان الظاهر منه عدم الوجدان بعد الفحص و الطلب كما يظهر بالتأمل في صيغ الماضي و المضارع، منه و من مرادفاته في الفارسية.

و لا يلزم ان يكون المتفاهم من جميع الصيغ حتى اسم الفاعل و المفعول كذلك، فلا ينتقض بالواجد و الموجود فإنه قد يدل بعض المشتقات و لو انصرافا على معنى لا يفهم من الأخر، كالماء الجاري حيث يدل على الجريان من مبدأ نابع بخلاف جرى الماء، لصدقه على ما جرى من الكوز، و العمدة في وجوب الطلب هو ما ذكر.

و اما رواية السكوني

عن جعفر بن محمد عن أبيه عن على عليه السّلام «قال: يطلب الماء في السفر ان كانت الحزونة فغلوة، و ان كانت سهولة فغلوتين، لا يطلب أكثر

كتاب الطهارة (للإمام الخميني، ط - القديمة)، ج 2، ص: 16

من ذلك» «1» ففيها اشكال لا لضعف سندها، فإن الأرجح وثاقة النوفلي و السكوني، كما يظهر بالفحص و التدبر في رواياتهما، و عمل الأصحاب بها، و عن الشيخ إجماع الشيعة على العمل بروايات السكوني، و قلما يتفق عدم كون النوفلي في طريقها، و عن المحقق في المسائل الغرية انه ذكر حديثا عن السكوني في ان الماء يطهر و أجاب عن الإشكال: بأنه عامي، بأنه و ان كان كذلك فهو من ثقات الرواة و في طريقها النوفلي و لم يستشكل فيه.

و بالجملة لا ضعف في سندها و لو سلم فهي مجبورة بعمل الأصحاب قديما و حديثا بل لدلالتها فان الظاهر منها انها بصدد بيان مقدار الفحص بعد مفروضية أصله، و اما كونه واجبا أو مستحبا فلا تتعرض له، فقوله: يطلب في الحزونة كذا و في السهولة كذا، يراد به ان مقدار الطلب المفروض كذا، و لا يطلب زائدا من ذلك، و ذلك مثل ان يقال يغتسل للجمعة من بين طلوع الفجر الى الزوال، فان الظاهر منه بيان زمان إتيان الغسل لا وجوبه بين الحدين، و كيف كان لا نحتاج في أصل الوجوب الى تلك الرواية بعد حكم العقل و دلالة الآية الكريمة.

و اما رواية على بن سالم عن أبي عبد اللّٰه عليه السّلام «قال: قلت أ يتيمم؟» الى أن قال: «فقال له داود بن كثير الرقي: فأطلب الماء يمينا و شمالا؟ قال: لا تطلب يمينا و لا شمالا و

لا في بئر، إن وجدته على الطريق فتوضأ و ان لم تجده فامض» «2» فبعد ضعف سندها بعلى بن سالم المشترك بين المجهول و البطائني الضعيف، و قرب احتمال كونها عين الواقعة التي نقلها داود، «قال: قلت لأبي عبد اللّٰه عليه السّلام أكون في السفر فتحضر الصلاة و ليس معى ماء، و يقال ان الماء قريب منا أ فأطلب الماء و انا في وقت يمينا و شمالا قال: لا تطلب الماء و لكن تيمم، فإني أخاف عليك التخلف عن أصحابك فتضل و يأكلك السبع» لبعد سؤاله عنه مرتين، و لشباهة ألفاظهما و ان ترك بعض الخصوصيات في كل منهما.

______________________________

(1) الوسائل أبواب التيمم، ب 2، ح 2

(2) الوسائل أبواب التيمم، ب 3، ح 3.

كتاب الطهارة (للإمام الخميني، ط - القديمة)، ج 2، ص: 17

فمحمولة على الخوف من اللص و السبع، و الإطلاق لأجل كون الأسفار في تلك الأزمنة و الأمكنة مظنة الخطر نوعا، و لهذا نهى عن الطلب في رواية داود من غير فصل معللا بما ذكر.

بل في رواية يعقوب بن سالم «قال: سألت أبا عبد اللّٰه عليه السّلام عن رجل لا يكون معه ماء و الماء عن يمين الطريق و يساره غلوتين أو نحو ذلك؟ قال: لا آمره ان يغرر بنفسه فيعرض له لص أو سبع» «1» فمع فرض وجود الماء عن يمين الطريق و يساره غلوتين قال: لا آمره لأجل تغرير النفس و تعرض اللص و السبع، فيتضح منه ان الطلب واجب لو لا ذلك، و انه عليه السّلام مع الأمن من ذلك يأمره به، لكن لما كانت تلك الحوادث في تلك الاسفار كثيرة نوعا قال ما قال، و كيف كان لا يمكن الاتكال

برواية على بن سالم.

فتحصل مما ذكر وجوب الطلب، و لا إشكال في ان حكم العقل بوجوبه بعد دلالة الآية على المطلوبية المطلقة للطهارة المائية هو الفحص الى زمان اليأس أو ضيق الوقت، كما تدل عليه صحيحة زرارة عن أحدهما عليهما السلام «قال: إذا لم يجد المسافر الماء فليطلب ما دام في الوقت، فإذا خاف ان يفوته الوقت فليتيمم و ليصل في آخر الوقت، و إذا وجد الماء فلا قضاء عليه و ليتوضأ لما يستقبل» «2» لكن موثقة السكوني حاكمة على حكم العقل، و شارحة لمفاد الآية الكريمة، و مبينة لمقدار الطلب و نافية لوجوب الزيادة.

و اما صحيحة زرارة فكما انها معارضة لرواية السكوني، معارضة لطائفة من الروايات الآتية في محلها الدالة على جواز البدار، و صحة الصلاة في سعة الوقت مع التيمم، كصحيحة زرارة «قال قلت لأبي جعفر عليه السّلام: فإن أصاب الماء و قد صلى بتيمم و هو في وقت قال: تمت صلوته و لا اعادة عليه» «3» و مثلها غيرها و موافقة لطائفة اخرى

______________________________

(1) الوسائل أبواب التيمم، ب 3 ح 2.

(2) الوسائل أبواب التيمم، ب 14، ح 2.

(3) الوسائل أبواب التيمم، ب 14، ح 9

كتاب الطهارة (للإمام الخميني، ط - القديمة)، ج 2، ص: 18

الدالة على عدم جواز البدار، سواء في ذلك «فليطلب» كما في رواية الكليني أو «فليمسك» كما في رواية الشيخ بطريق آخر غير الكليني، فإن وجوب الإمساك عن الصلاة إلى ضيق الوقت كما هو مخالف لما دل على جواز البدار، كذلك وجوب الطلب اليه مخالف له، و الجمع العقلائي بينها و بين مخالفاتها هو حملها و حمل سائر ما أمر فيها بالتأخير إلى ضيق الوقت على الاستحباب، فيرتفع التعارض

بين جميعها. و منها رواية السكوني الدالة على أن مقدار الطلب غلوة سهم أو سهمين.

و هذا الجمع أقرب بنظر العرف من الجمع الذي صنع بعض المحققين بحمل رواية السكوني على من أراد الصلاة في مكان مخصوص، كما لو نزل المسافر بعد الظهر منزلا و أراد ان يصلى فيه، و حمل صحيحة زرارة على من ضرب في الأرض فله الضرب في جهة من الجهات و لو في الجهة الموصلة إلى المقصود برجاء تحصيل الماء الى أن يتضيق الوقت فان العود الى المكان الأول ليس واجبا تعبديا، فحيثما طلب الماء في جهة و لو في الجهة المؤدية إلى المقصود بمقدار رمية سهم أو سهمين، فله أن يصلى في المكان الذي انتهى اليه طلبه، لكن يجب عليه الفحص فيما حوله بالنسبة إلى المكان الذي انتهى اليه، فله في هذا المكان كالمكان الأول أن يختار أولا الضرب الى مقصده، و هكذا الى أن يتضيق الوقت، فثمرة العود الى المكان الأول جواز الصلاة و لو مع عدم الضيق بعد الفحص عن سائر الجهات، فتقيد صحيحة زرارة بغير هذه الصورة «انتهى».

لان الجمع المذكور مضافا الى كونه بهذا الوجه الدقيق مخالفا للأنظار العرفية مع ان الميزان في الجمع بين الاخبار هو فهم العرف العام و مقبوليته عندهم، و مضافا الى إباء العرف من تقييد الصحيحة القائلة بأنه فليطلب ما دام في الوقت، فإذا خاف أن يفوته الوقت فليتيمم، بأنه كلما أراد الصلاة لا يجب الفحص الى ضيق الوقت، بل يكفى مقدار سهم أو سهمين، ان الصحيحة محمولة على الاستحباب على اىّ تقدير. لمعارضتها لروايات جواز البدار الآتية، فلا تعارض رواية السكوني

كتاب الطهارة (للإمام الخميني، ط - القديمة)، ج 2، ص: 19

ثم انه يجب التنبيه على أمور:

الأول: قد عرفت ان خبر السكوني ليس بصدد إيجاب الطلب بل بصدد بيان مقداره،

فيكون إيجابه بحكم العقل و دلالة الآية كما مر، و قد مر ان حكم العقل بوجوبه لتحصيل المطلوب المطلق انما هو في جميع الوقت، و في كل جهة محتملة الى حد اليأس ففي كل جهة يحتمل وجود الماء يحكم بالفحص إلى اليأس لو لا دليل على عدم لزومه و قد دلت رواية السكوني على تقدير الفحص بغلوة أو غلوتين لا أزيد، فالرواية في مقام تقدير ما وجب عقلا، فالرواية مع حكم العقل دالة على لزوم الفحص في الجهات الى الحد المذكور فيها و المراد من الجهات الأربع ليس الخطوط المتقابلة، بل كل جهة هي ربع الدائرة، فلا بدّ من الفحص في جميع سطح الأرض في الجهات، فيكون محل المصلى كالمركز الذي تحيط به دائرة قطرها، غلوة أو غلوتين، و يجب الفحص في جميع تلك الدائرة اى السطح المحاط بالخط الموهوم، و هذا هو المراد من النص و الفتوى.

الثاني: الحزونة و السهولة

الواردتان في رواية السكوني يحتمل أن تكونا بمعنى ما غلظ من الأرض و ضده. بان يكون عنوان الأرض مأخوذا في مفهومهما كما يظهر من بعض تعبيرات اللغويين، ففي الصحاح: السهل نقيض الجبل، و الحزن ما غلظ من الأرض.

و عن الأصمعي: الحزن الجبال الغلاظ و يحتمل أن تكونا بمعنى الغلظة و ضدها من غير اعتبار الأرض فيهما، و انما نسبتا إليها، و قيل السهل من الأرض و الحزن منها كما يظهر من بعض تعبيراتهم، ففي الصحاح بعد قوله: و الحزن ما غلظ من الأرض قال: و فيها حزونة، يظهر منه ان الحزونة الغلظة، و يقال في الأرض حزونة اى غلظة.

و في المنجد: حزن يحزن حزونة المكان صار حزنا اى غليظا، و هو كصريح في ان الحزن هو نفس

الغلظة، لا ما غلظ من الأرض، و ان قال بعده: الحزن ما غلظ من الأرض، و لا يبعد ان يكون الاحتمال الثاني أرجح فيقال: أرض سهلة و حزنة، و رجل سهل الخلق

كتاب الطهارة (للإمام الخميني، ط - القديمة)، ج 2، ص: 20

و نهر سهل اى ذو سهولة، و سهل الموضع، بل و أسهل الدواء بمعنى، و يفهم بالانتساب الى المتعلقات كيفية السهولة، و كذا الحزن فإذا قيل للجبال الغلاظ الحزن كصرد و للشاة السيئة الخلق الحزون، و لقدمة العرب على العجم في أول قدومهم الذي اسحقوا فيه ما اسحقوا من الدور و الضياع الحزانة، يكون بمعنى واحد. بل لا أستبعد أن يكون الحزن مقابل الفرح من هذا الأصل و ان اختلفت الهيئات.

ثم على الاحتمال الأول يكون الميزان في الغلوة و الغلوتين سهولة الأرض و حزونتها ذاتا، سواء كانتا في الخبر خبرا و الكون ناقصا أو فاعلا و هو تاما، لان المفروض مأخوذية عنوان الأرض فيهما، و لا ريب في انهما إذا كانتا صفة الأرض تلاحظ غلظتها و سهولتها الذاتية ككونها جبلا و بسيطا فلا تنافي السهولة الأشجار فيها، فاراضى العراق سهلة مع ما فيها من الأشجار، فلا بد من اسراء الحكم الى غيرها كالأراضي المشجرة من دعوى إلغاء الخصوصية و العهدة على مدعيها.

و اما على الاحتمال الثاني الراجح فان كان الكون ناقصا و قدرت الأرض اسما له بقرينة المقام يكون الأمر كما مرّ و ان كان تاما و يكون المعنى ان تحققت حزونة فكذا من غير انتساب إلى الأرض، يمكن استفادة سائر الموانع كالشجر و الثلج الغليظ منها، و لو لم يمكن استظهار تمامية الكون و الوثوق بترجيح ثاني الاحتمالين فلا محيص عن الاحتياط،

لما عرفت من حكم العقل و دلالة الآية، و ان رواية السكوني لتقدير المقدار فمع إجمالها يحتاط في موارد الاحتمال بالأخذ بأكثر الحدين، و كذا في كل مورد مشكوك فيه.

و اما الغلوة بفتح المعجمة: المرة من غلا. و هي رمية بأبعد المقدور.

قال في الصحاح: غلوت بالسهم غلوا إذا رميت به أبعد ما تقدر عليه، و الغلوة الغاية رمية سهم، و قال: غلا يغلو غلوا اى جاوز فيه الحد و يظهر منه مجيئها بمعنى رمية سهم أيضا.

و في القاموس: غلا فى الأمر غلوا: جاوز حده، و بالسهم غلوا و غلوا رفع

كتاب الطهارة (للإمام الخميني، ط - القديمة)، ج 2، ص: 21

يديه لأقصى الغاية، الى ان قال: فهو رجل غلاء كسماء اى بعيد الغلو بالسهم، و السهم ارتفع في ذهابه و جاوز المدى (أي الغاية).

و في المنجد غلا يغلو غلوا و غلوا السهم و بالسهم: رمى به أقصى الغاية، غالا غلاء و مغالاة السهم و بالسهم: رمى به أقصى الغاية الى أن قال: الغلوة المرة من غلا الغاية و هي رمية سهم أبعد ما تقدر عليه المغلي، و المغلاة سهم يغلى به أي يرمى به أقصى الغاية.

و الظاهر ان الغليان و الغلو في باب المبالغة و الغلاء في السعر كلها من هذا الباب و هو التجاوز إلى أقصى الغاية.

نعم في مجمع البحرين و في الحديث ذكر الغلوة و هي بالفتح: مقدار رمية سهم، الظاهر منه انها لغة كذلك و قد عرفت ما في اللغة، و لا يبعد ان يكون استعمالها في مطلق رمية بنحو من التوسع، و الا ففي كل مورد استعملت تكون بالمعنى المعروف المتقدم، بل لا يبعد أن تكون الغالية المركبة من عدة من

الطيب أيضا بلحاظ المعنى المتقدم هذا حال اللغة.

و اما الفقهاء فقد اختلفت كلماتهم: فمنهم من قدر المقدار برمية سهم كالشيخ في نهايته و عن مبسوطة، و عن المفيد و أبى الصلاح مثله، و في الوسيلة و الغنية و اشارة السبق كذلك.

و منهم من قدّره بغلوة سهم أو غلوتين كالمراسم، و عن ابن إدريس وحده ما وردت به الروايات و تواتر به النقل في طلبه، إذا كانت الأرض سهلة غلوة سهمين، و إذا كانت حزنة فغلوة سهم، و في الشرائع و النافع و القواعد و الإرشاد التعبير بالغلوة و الغلوتين، و عن المعتبر و التقدير بالغلوة و الغلوتين رواية السكوني و هو ضعيف غير ان الجماعة عملوا بها، و منه يظهر عمل الجماعة بها بما لها من التعبير و الظاهر ان التفسير بالرمية و الرميتين اجتهاد منهم، ضرورة انه لا يكون في الباب غير رواية السكوني و مرسلات الحلي، و فيها الغلوة و الغلوتين، فلا يكون دليل على

كتاب الطهارة (للإمام الخميني، ط - القديمة)، ج 2، ص: 22

الرمية و الرميتين، و لهذا ترى ان بعضهم فسرت الغلوة بالرمية.

قال في كشف الغطاء: الغلوة الرمية بالسهم المتوسط في القوس المتوسط من الرامي المتوسط، مع الحالة المتوسطة في الهواء المتوسط، و الوضع المتوسط و الجذب و الدفع المتوسطين.

و في المسالك الغلوة مقدار الرمية من الرامي المعتدل بالالة المعتدلة. و مثلهما ما في بعض كتب من قارب عصرنا، و قد عرفت ان هذا التفسير مخالف للغة بل العرف، فالمعتبر في الرمي هو الى أقصى الغاية و أبعد ما يكون مقدورا، نعم يعتبر في الرامي و الإله و غيرهما المتوسط المتعارف لانه المتفاهم من التحديدات كالشبر و الذراع و هكذا.

لكن

الإشكال في المقام هو عدم إمكان تعيين المقدار خارجا لعدم تداول الرمي في هذه الأعصار، و ما هو المعتبر هو الغلوة و الغلوتين من الرامي المتدرب في الفن، كما كان في عصر صدور الرواية، و معلوم ان الرامي الذي فنه ذلك يرمى بما لا يمكن لغيره (فح) لا محيص عن الاحتياط و الأخذ بالمقدار المحتمل العقلائي، فإن الدليل على الوجوب ليس رواية السكوني حتى يقال بعدم الوجوب الا بمقدار متيقن فينفى الزائد بالأصل، بل يحكم العقل بالوجوب الى ان يحرز المعذّر مضافا الى ان شرع التيمم معلق على عدم الوجدان، فلا بد من إحراز موضوعه لدى الشك.

الثالث [ما المراد من عدم وجدان الماء]

لا شبهة في ان المتفاهم عرفا من الآية الكريمة و لو بسبب مناسبة الحكم و الموضوع و ما هو مرتكز في الذهن، ان المراد بعدم الوجدان هو عدم وجدان ما يمكن أن يستعمل في الوضوء و الغسل، بل هو الظاهر من قوله «فَلَمْ تَجِدُوا» بعد قوله: «إِذٰا قُمْتُمْ إِلَى الصَّلٰاةِ فَاغْسِلُوا إلخ» «وَ إِنْ كُنْتُمْ جُنُباً فَاطَّهَّرُوا» فعدم الوجدان أعم من عدم الوجود واقعا، و من الوجود مع عدم العثور و عدم التقصير في الفحص بالمقدار المأثور.

فلا يكون الموضوع في تشريع التيمم عدم الماء فقط، و لا يكون عنوان عدم

كتاب الطهارة (للإمام الخميني، ط - القديمة)، ج 2، ص: 23

الوجدان معتبرا فيه حتى يقال لازم الأول بطلان التيمم لو كان الماء موجودا واقعا مع عدم العثور عليه و لو بعد الفحص الكامل، و لازم الثاني عدم الصحة حتى مع العلم بعدم الماء حتى مع موافقته للواقع، بل لا بد له من الضرب في الأرض بالمقدار المأثور حتى يصير الفقدان وجدانيا، للفرق بين العلم بالعدم و عدم الوجدان،

فان الاحتمالين خلاف المتفاهم العرفي، فإن الطلب المتفاهم من قوله «فَلَمْ تَجِدُوا» لأجل تحقق موضوع تشريع التيمم، و هو عدم الماء الذي يمكن عقلا و شرعا استعماله في الطهارة، فإذا علم بعدم وجوده علم بتحققه، فلا وجه بعد للطلب كما انه لو طلب الغلوة أو الغلوتين، و لم يجد يتحقق الموضوع و هو عدم الماء الذي يمكن له استعماله خارجا للعجز عن استعمال ما لا يعثر عليه.

فتحصل مما ذكر أن عدم الماء الكذائي موضوع لشرع التيمم، فإذا تفحص قبل الوقت أو في الوقت و علم بعدم الماء يستصحب الى زمان قيام الامارة على وجوده و هو يحرز ما هو موضوع من غير فرق بين قبل الوقت و بعده، بل و لا بين الارتحال من مكان الطلب و العود اليه و بين عدمه، و من غير فرق بين صلاة واحدة و صلوات عديدة، فما عن المحقق في المعتبر و العلامة و الشهيد من عدم الاعتداد بالطلب قبل الوقت بل يجب إعادته الا أن يعلم استمرار العدم الأول، فغير وجيه.

و ان استدل عليه في الجواهر تارة بظاهر ما دلّ على وجوبه من الإجماعات و غيرها و هو لا يتحقق الا بعد الوقت، و اخرى بأن صدق عدم الوجدان يتوقف عليه سيما بعد ظهور الآية الدالة على اشتراطه في إرادة عدم الوجدان عند ارادة التيمم للصلاة، و ثالثة بصحيحة زرارة المتقدمة، و رابعة بأنه لو اكتفى به قبل الوقت لصح الاكتفاء به مرة واحدة للأيام المتعددة و هو معلوم البطلان، و خامسة بأن المنساق الى الذهن من الأدلة إرادة الطلب عند الحاجة الى الماء، ثم استشكل في الاستصحاب بأنه لا يعارض ما ذكرنا من ظهور الأدلة في شرطية

الطلب أن يكون بعد الوقت «انتهى ملخصا» و فيه ما لا يخفى فان الوجوب لا يكون شرعيا بل يكون عقليا محضا، لأجل حفظ

كتاب الطهارة (للإمام الخميني، ط - القديمة)، ج 2، ص: 24

المطلوب المطلق و لا دليل غيره على الوجوب، فضلا عن استفادة الوجوب الشرعي منه، لعدم ثبوت غير ما هو حكم العقل من الإجماعات، لعدم كشفها عن دليل آخر مع وجود حكم العقل، و احتمال استفادتهم الوجوب من الأدلة اللفظية أيضا.

و اما صحيحة زرارة فقد عرفت لزوم حملها على الاستحباب، و عرفت حال رواية السكوني من عدم دلالتها على الوجوب.

و اما الآية فلا يدل ذيلها اى قوله «فَلَمْ تَجِدُوا» على وجوب الطلب، بل يدل على شرطية عدم الوجدان لشرع التيمم، نعم هو ظاهر في عدم الوجدان في الوقت و قد عرفت ان الموضوع عدم الماء في الوقت و هو يحرز بالاستصحاب، و بكون الأصل حاكما على الآية، و محققا لموضوع وجوب التيمم و مشروعيته، فلا دليل على وجوب الطلب بنحو يقدم على الاستصحاب و هو حاكم أو وارد على حكم العقل.

و اما النقض بلزوم الاكتفاء بالطلب مرة لصلوات عديدة، و دعوى معلومية بطلانه فلا يتضح وجهها بعد جريان الاستصحاب و إحراز موضوع التيمم، فالأقوى بحسب القواعد كفاية الطلب الواحد مطلقا سواء كان قبل الوقت أو بعده، و سواء كان تجدد الماء محتملا أو مظنونا نعم مع قيام الامارة المعتبرة أو الوثوق بالتجدد يجب الطلب و ينبغي الاحتياط مطلقا.

و مما ذكرنا يظهر حال وجوب الطلب فإنه عقلي محض غير مرتبط بالتيمم، بل هو لأجل إحراز العذر عن ترك المطلوب المطلق أي الصلاة مع المائية، و ليس في المقام دليل لفظي يدل على الوجوب حتى

يبحث عن كونه نفسيا أو شرطيا أو غيريا كما عرفت، و لو سلم دلالة مثل رواية السكوني على وجوبه أو عدم حمل صحيحة زرارة على الاستحباب فلا شبهة في عدم دلالتهما على الوجوب النفسي، لظهور الأوامر في مثل المقام على الإرشاد، اما الى الشرطية أو الى حكم العقل، فاحتمال النفسية في غاية الضعف.

و احتمال الوجوب الشرطي أيضا ضعيف لان الظاهر من قوله في الصحيحة: «إذا

كتاب الطهارة (للإمام الخميني، ط - القديمة)، ج 2، ص: 25

لم يجد المسافر الماء فليطلب ما دام في الوقت فإذا خاف ان يفوته الوقت فليتيمم و ليصل إلخ» ان وجوب الطلب انما هو لتحصيل الماء لا لتحقق موضوع التيمم، و ان التيمم مشروع عند خوف فوت الوقت و شرطه ذلك لا الطلب، و قوله في رواية السكوني «يطلب الماء في السفر» ظاهر في ان الطلب واجب لتحصيل الماء لا لشرطيته للتيمم، و قد مرّ تحقيق مدلول الآية.

فتحصل من جميع ذلك ان الروايات بناء على تسليم دلالتها على الوجوب إرشاد إلى حكم العقل، أو تحديد لما يحكم به كما مر في رواية السكوني.

الرابع: إذا أخل بالطلب و تيمم و صلى مع سعة الوقت

ففي الجواهر بطلانه قطعا و إجماعا منقولا ان لم يكن محصلا، لما دل على اشتراط صحته به، و لا فرق بين ان يصادف عدم الماء بعد الطلب و عدمه.

أقول: اما دعوى الإجماع في مثل هذه المسألة الفرعية الاجتهادية المتراكمة فيها الأدلة العقلية و النقلية فغير وجيهة، و اما أدلة الاشتراط المدعاة فقد تقدم عدم دلالتها على اشتراط الطلب، بل الظاهر من الأدلة ان عدم الماء الذي يمكن استعماله في الوضوء و الغسل اما لفقده أو لعدم وجدانه موجب لانقلاب المائية بالترابية من غير دخالة للطلب موضوعا، و لا

لعنوان عدم الوجدان، اى هذا الأمر الانتزاعي فيه، و لهذا لو علم بعدم الماء لا يجب عليه الطلب و ان لم يصدق عدم الوجدان عليه، لانه عنوان منتزع من عدم العثور عليه بالقوى الجزئية كالبصر، و مع فرض عدم وجوب الطلب مع العلم بعدم الماء لا محيص عن القول بان عدم الماء واقعا موضوع للانقلاب و إلا لزم موضوعية العلم و لو بنحو جزء الموضوع و هو كما ترى خلاف ارتكاز العقلاء و المتفاهم من الأدلة فيكون عدم الماء واقعا تمام الموضوع للانقلاب، و ان جهل المكلف فلزوم الطلب عقلا أو شرعا لإحراز الواقعة لا لتحقق الموضوع، فلو كان الماء غير موجود في محل الطلب أو كان بوجه لا يهتدى إليه لو طلبه صحّ تيممه و صلوته، اما إذا كان بحيث لم يوجد الى آخر الوقت فظاهر بما مر.

كتاب الطهارة (للإمام الخميني، ط - القديمة)، ج 2، ص: 26

و اما إذا حدث بعد الصلاة فلا طلاق الآية فإن الظاهر من صدرها انه إذا قام المكلف إلى الصلاة يجب عليه الوضوء أو الغسل و لو في سعة الوقت، و مقتضى عطف المرضى و المسافر الفاقد عليه جواز التيمم في السعة، و بعد ما علم ان المراد بعدم الوجدان عدم الاهتداء الى ما يمكن استعماله تمت الدلالة على صحة التيمم و الصلاة، لتحقق الموضوع، و ظهور الآية في الاجزاء.

و يمكن الاستدلال على المطلوب بما دل على عدم وجوب الإعادة لو وجد بعد الصلاة مع بقاء الوقت، كصحيحة زرارة «قال: قلت لأبي جعفر عليه السّلام: فإن أصاب الماء و قد صلى بتيمم و هو في وقت؟ قال: تمت صلوته و لا اعادة عليه» «1» و مثلها غيرها و

هي و ان كانت في مقام بيان حكم آخر لكن يستفاد منها ان من كان تكليفه التيمم فصلى بتيمم لا اعادة عليه و ان وجد الماء في الوقت و لو أخل بالطلب حتى ضاق الوقت تيمم و صلى و لا قضاء عليه، و عن المدارك انه المشهور، و عن الروض نسبته الى فتوى الأصحاب و في الجواهر انه الأظهر الأشهر.

و يمكن استفادته من الآية بمناسبات مغروسة في الأذهان بأن يقال: ان المراد من عدم وجدان الماء عدم وجدان ما يمكن استعماله مع حفظ الوقت، و الا فلو لم تلاحظ مصلحة الوقت أو كانت مصلحة المائية مقدمة على مصلحته لم يشرع التيمم مع عدم الوجدان، ضرورة أن عدمه لم يستمر الى آخر العمر، فإيجاب التيمم مع الفقد لأجل عدم فوت الصلاة و حفظ مصلحة الوقت، فالمراد بعدم الوجدان عدم وجدان ما يغتسل و يتوضأ به في الوقت، و مع الضيق يكون فاقدا للماء الكذائي و ان كان واجدا للطبيعة، و الظاهر من تعليق الحكم عليه انه تمام الموضوع للتبديل من غير دخالة شي ء آخر.

و دعوى الانصراف الى ما لا يكون سببه المكلف عصيانا، في غير محلها لان الظاهر منها ان الترابية مع فقد الماء طهور قائمة مقام المائية من غير دخالة لأسباب الفقد فيه بل المناسبات المغروسة في الذهن توجب إلغاء بعض القيود لو كان في الكلام و معه لا

______________________________

(1) الوسائل أبواب التيمم، ب 14. ح 9.

كتاب الطهارة (للإمام الخميني، ط - القديمة)، ج 2، ص: 27

معنى لدعوى الانصراف. و تدل عليه أيضا صحيحة زرارة المتقدمة عن أحدهما عليهما السلام «قال: إذا لم يجد المسافر الماء فليطلب ما دام في الوقت، فإذا خاف أن يفوته

الوقت فليتيمم و ليصلّ» إلخ «1» فإن وجوب الطلب ما دام في الوقت على فرضه لأجل تحصيل الماء لا لاشتراط التيمم به، و قوله: «فإذا خاف» إلخ ظاهر في ان خوف الفوت سبب و موضوع تام لوجوب التيمم من اى سبب حصل، فلو أراق الماء أو قصر في الطلب أو ترك الوضوء بالماء الموجود حتى خاف الفوت يجب عليه التيمم و تتم صلوته و لا قضاء عليه لظاهر الصحيحة، بل يستفاد ذلك من مجموع الأدلة، فإنه يعلم منها ان للوقت منزلة لدى الشارع ليس لغيره و ان الصلاة لا تترك بحال.

و ما قيل ان التيمم في هذه الحال يمكن أن يكون مبغوضا فضلا عن أن يقع عبادة فاسد، فان المبغوض هو ترك الصلاة مع المائية لا إتيانها مع الترابية و لا الطهارة الترابية لعدم وجه لمبغوضيتهما.

و مما ذكرنا يتضح عدم وجوب الاحتياط بدعوى تردد المكلف به المعلوم بالإجمال لما عرفت من التكليف بالترابية و اجزائها.

الخامس: قد مرّ ان الموضوع لانقلاب التكليف بالترابية

هو عدم الاهتداء الى ما يمكنه الاستعمال، و ان شئت قلت: كون الواقعة بحيث لا يهتدى المكلف بماء يمكنه استعماله عقلا و شرعا، أو قلت: عدم الوجدان الأعم من عدم الوجود للماء الكذائي (فح) نقول: لو تفحص عن الماء بما قرره الشارع و لم يقصر فيه صح تيممه و صلوته، و لو كان الماء موجودا بحسب الواقع لتحقق موضوع الانقلاب، و اما لو قطع بعدم الماء أو عدم الاهتداء اليه أو قامت البينة على عدمه، أو عدم الاهتداء به بطلا لعدم تحقق الموضوع لعدم كون الواقعة بحيث لا يهتدى بالماء فهو واجد للماء، و ان كان قاطعا بعدمه و غير معذور واقعا، و ان كان معذورا ظاهرا و غير معاقب

على ترك الصلاة مع المائية، فيجب عليه الإعادة و كذا يجب الإعادة على الناسي لماء في رحله، سواء طلب في خارجه غلوة

______________________________

(1) الوسائل أبواب التيمم، ب 14، ح 2.

كتاب الطهارة (للإمام الخميني، ط - القديمة)، ج 2، ص: 28

أو غلوتين أولا، لأنه واجد و ان كان غافلا عنه و عدم الوجدان في خارج الرحل مع كونه واجدا فيه لا يوجب الانتقال.

و يدل عليه موثقة أبي بصير أو صحيحته «قال: سألته عن رجل كان في سفر و كان معه ماء فنسيه فتيمم و صلى ثم ذكر أن معه ماء قبل ان يخرج الوقت؟ قال: عليه أن يتوضأ و يعيد الصلاة» «1» و مقتضى إطلاقها لزوم الإعادة، و لو طلب خارج رحله، و المفروض فيها عدم الطلب في رحله.

السادس: الظاهر من الآية الكريمة كما مر عدم وجدان ما يمكن معه الوضوء

أو الغسل فعدم الماء بمقدار الكفاية كعدمه المطلق، لعدم تبعض الطهارة و عدم تلفيقها من الماء و التراب، فما يقال من استعمال ما وجد في بعض الأعضاء و التيمم غير وجيه مخالف لظاهر الآية، و لما ورد من وجوب التيمم على الجنب مع وجدان الماء بقدر الوضوء كصحيحة الحلبي «أنه سأل أبا عبد اللّٰه عليه السّلام عن الرجل يجنب و معه قدر ما يكفيه من الماء لوضوء الصلاة أ يتوضأ بالماء أو يتيمم؟ قال: بل يتيمم ألا ترى انه انما جعل عليه نصف الوضوء» «2» و مثلها رواية الحسين بن أبي العلاء «3» الا ان في آخرها بدل «نصف الوضوء» «نصف الطهور» و صحيحة محمد بن مسلم عن أحدهما عليهما السلام في رجل أجنب في سفر و معه قدر ما يتوضأ به؟ قال: يتيمم و لا يتوضأ» «4» و من هنا يظهر ان التمسك بمثل قاعدة الميسور

في غسل ما يمكن أن يغتسل ليس في محله بعد تسليم جريانها في مثل المقام.

السابع: لو تمكن من مزج الماء الذي لا يكفيه

بما لا يسلبه الاسم فتحصل به الكفاية فهل يجب ذلك كما عن جماعة من المتأخرين منهم العلامة أولا كما عن الشيخ و أتباعه؟

مقتضى ما مرّ مرارا من ان التيمم مصداق اضطراري لدى العجز عن المصداق الاختياري

______________________________

(1) الوسائل أبواب التيمم، ب 14، ح 5

(2) الوسائل أبواب التيمم، ب 24، ح 1.

(3) الوسائل أبواب التيمم، ب 24، ح 3

(4) الوسائل أبواب التيمم، ب 24، ح 4

كتاب الطهارة (للإمام الخميني، ط - القديمة)، ج 2، ص: 29

و ان التكليف بالصلاة مع المائية مطلق يحكم العقل بلزوم تحصيله و لو بحفر بئر أو اذابة ثلج ما لم يكن حرجيا، أو غير ذلك من أنحاء التوصل اليه لزوم مثل هذا العلاج لتحصيل المطلوب المطلق، و المتفاهم من الأدلة تعليق التيمم على العجز عن الماء، و ليس المراد من عدم الوجدان هو ما يقتضي الجمود عليه، و لهذا يجب الوضوء و الغسل مع وجود ثلج أو ماء جامد مع إمكان اذابتهما أو دلكهما على الجسد بنحو يحصل مسماهما بواسطة الإذابة بحرارته، ففي رواية محمد بن مسلم «قال: سألت أبا عبد اللّٰه عليه السّلام عن الرجل يجنب في السفر لا يجد الا الثلج؟ قال: يغتسل بالثلج أو ماء النهر» «1» (يعنى هما سواء) و في رواية معاوية بن شريح «قال: سأل رجل أبا عبد اللّٰه عليه السّلام فقال: يصيبنا الدمق و الثلج و نريد أن نتوضأ و لا نجد الا ماء جامدا فكيف أ توضأ أدلك به جلدي؟

قال: نعم» «2» فيظهر منهما و من غيرهما ان الجمود على عدم الوجدان غير وجيه، و يؤيد ذلك رواية

الحسين بن أبي طلحة «قال: سألت عبدا صالحا عن قول اللّٰه عز و جل- أَوْ لٰامَسْتُمُ النِّسٰاءَ فَلَمْ تَجِدُوا مٰاءً فَتَيَمَّمُوا صَعِيداً طَيِّباً- ما حدّ ذلك؟ قال: فان لم تجدوا بشراء و غير شراء» «3».

فلو كان عنده المادتان اللتان يتركب منهما الماء حسب التجربيات الحديثة و يمكنه مزجهما حتى يحصل الماء يجب عليه، و لا أظن التزامهم بعدم الوجوب و الانتقال الى التيمم.

و ما يقال من عدم اعتناء العرف و العقلاء بهذا النحو من القدرة الحاصلة بالمعالجات غير المتعارفة، و قياسه بخلط الحنطة بالتراب غير وجيه، و القياس مع الفارق، فان المدعى اما ان العرف لا يستفيد من الآية المطلوبية المطلقة للمائية و هو كما ترى، بل

______________________________

(1) الوسائل أبواب التيمم، ب 10، ح 1.

(2) الوسائل أبواب التيمم، ب 10، ح 2

(3) الوسائل أبواب التيمم، ب 26، ح 2.

كتاب الطهارة (للإمام الخميني، ط - القديمة)، ج 2، ص: 30

لا يلتزم به القائل، أو ان عدم الوجدان صادق، و لا يجب على المكلف إيجاد الماء و انسلاك نفسه في الواجد، و هو أيضا غير وجيه و لا أظن التزامه به، و ترده الروايات المتقدمة، أو ان العقلاء يرون نفوسهم عاجزة و لا يكون العلاج المذكور تحصيلا للقدرة أو لا يكون تحصيلها كذلك واجبا، و ان التكليف بمثله قبيح، فهو أيضا بجميع تقاديره ممنوع لعدم العجز بحسب الواقع مع إمكان المزج، و عدم وجوبه اما ناش من عدم التكليف المطلق أو من حصول شرط التيمم و هما ممنوعان، و اما غفلتهم عن إمكان تحصيل الماء بمثل ذلك فلا يضر بالمطلوب و ليس ذلك الا كغفلتهم عن وجود الماء، و قد عرفت بطلان التيمم معه، و كيف كان

الأقوى وجوب العلاج بأيّ نحو يمكنه بلا حرج و مشقة

السبب الثاني عدم الوصلة إلى الماء،

و هو قد يكون للتعذر العقلي أو العادي كما لو كان في بئر لا يمكنه إخراجه، و الوصول اليه بوجه، أو كان في محل لا يمكنه الوصول اليه لكبر و نحوه، و منه عدم الثمن لشرائه، و هذا مما لا إشكال في التبديل به، لما عرفت من استفادته من الآية بالبيان المتقدم، و قد يكون الوصول اليه حرجيا كما كان في بئر يمكنه الوصول اليه مع الحرج و العسر، و يدل على التبديل فيه أدلة نفى الحرج.

و قد يقال: ان الظاهر من نفى الحرج في الدين ان أحكام الدين سهلة غير حرجية فإذا لزم من الوضوء أو الغسل أو نحوهما حرج يرفع بدليله، و اما إذا كان الحرج في المقدمات فلا، لان المقدمات ليست من الدين و وجوبها عقلي لا شرعي، فما هو من الدين كالوضوء في المقام ليس حرجيا، و ما فيه الحرج ليس مجعولا و لا من الدين، و فيه ان المتفاهم من آية نفى الحرج بمناسبة كونه تعالى في مقام الامتنان انه تعالى لم يجعل تكليفا ينشأ من قبله الحرج، كان في نفس المتكلف به أو مقدماته أو نتائجه.

و يؤيد ما ذكرنا بل يدل عليه استشهاد أبى عبد اللّٰه عليه السّلام في رواية عبد الأعلى الصحيحة على الأصح بالاية الكريمة «قال: قلت لأبي عبد اللّٰه عليه السّلام عثرت فانقطع ظفري فجعلت على إصبعي مرارة فكيف أصنع بالوضوء؟ قال: يعرف هذا و أشباهه من كتاب اللّٰه عز و جل

كتاب الطهارة (للإمام الخميني، ط - القديمة)، ج 2، ص: 31

قال اللّٰه تعالى مٰا جَعَلَ عَلَيْكُمْ فِي الدِّينِ مِنْ حَرَجٍ امسح عليه» «1»

فان الحرج ليس في مسح الإصبع برطوبة اليد بل في مقدماته من نزع الخرقة و رفع المرارة.

هذا مضافا الى إمكان استفادته من ذيل آية التيمم قال تعالى وَ إِنْ كُنْتُمْ مَرْضىٰ أَوْ عَلىٰ سَفَرٍ .. فَلَمْ تَجِدُوا مٰاءً الى ان قال مٰا يُرِيدُ اللّٰهُ لِيَجْعَلَ عَلَيْكُمْ مِنْ حَرَجٍ فان الظاهر ارتباط هذه الجملة بالمريض و المسافر و لا وجه لاختصاصها بالأول، فتكون حرجية الوضوء بالنسبة إلى المسافر الفاقد في مقدمات تحصيل الماء كالتخلف عن الرفقة و غيره، فيستفاد منها أعمية الحرج عن كونه في الطبيعة المأمور بها.

و اما روايات الركية كصحيحة الحلبي «أنه سال أبا عبد اللّٰه عليه السّلام عن الرجل يمرّ بالركية و ليس معه دلو؟ قال: ليس عليه أن يدخل الركية لأن رب الماء هو رب الأرض فليتيمم» «2» و مثلها صحيحة الحسين بن أبى العلاء على الأصح «3» و صحيحة عبد اللّٰه ابن أبى يعفور عنه «قال: إذا أتيت البئر و أنت جنب فلم تجدد دلوا و لا شيئا تغرف به فتيمم بالصعيد فان رب الماء هو رب الصعيد و لا تقع في البئر و لا تفسد على القوم مائهم» «4» ففي دلالتها على المطلوب إشكال.

أما الاوليتان فلاحتمال أن يكون ذلك لخوف السقوط و العطب أو للحرج أو لا فساد الماء على القوم لأجل سقوط الوحل و التراب من جدار البئر، و ان كان الأخير غير مناسب لقوله: «ليس عليه ان يدخل» بل المناسب له «ليس له أن يدخل» و كيف كان دلالتهما على التبديل في الجملة ظاهرة، لكن كونه للحرج غير ظاهر، الا ان يقال بشمول إطلاقهما له، أو يقال: ان خوف الضرر موجب لحرجية التكليف.

و اما صحيحة ابن أبى يعفور

الواردة في الجنب فليست مربوطة بالحرج بل النهي

______________________________

(1) الوسائل: أبواب الوضوء، ب 39، ح 5

(2) الوسائل أبواب التيمم، ب 3 ح 1.

(3) الوسائل أبواب التيمم، ب 3، ح 4

(4) الوسائل أبواب التيمم، ب 2، ح 2

كتاب الطهارة (للإمام الخميني، ط - القديمة)، ج 2، ص: 32

عن الدخول انما هو لا فساد الماء المعدّ لشرب القوافل و المارّة، و تلك الآبار في الطرق انما حفرت لاستقاء المارّة للشرب و سائر الحاجات، و لا يجوز إفسادها و الدخول فيها لعدم كونها كالمياه المباحة، و لا يجوز التصرف فيها بغير ما جعلت له و كيف كان لا ربط لها بالحرج الذي يكون الكلام فيه، و من الحرج الشراء الموجب للشدة و الضيق في المعيشة، أو للوهن في وجاهته و اعتباره من غير فرق بين ان يكون أزيد من ثمن المثل أولا، و لا في حصول الحرج في الحال أو في الاستقبال مما يعدّ بنظر العرف حرجا، و ما دل على وجوب شرائه بمائة درهم بل بما بلغ لو سلم إطلاقه بالنسبة إلى مورد الحرج و الغض عن ان قوله في صحيحة صفوان و هو واجد لها ظاهر في انه ميسور له كما هو ظاهر ذيل خبر الحسين بن طلحة، و هو قوله «على قدر جدته» فمحكوم لدليل نفى الحرج كما هو واضح.

و من الحرج الخوف من السبع و اللص و لو كان على أخذ ماله لا على نفسه، لأن لأخذ اللص ماله و التسلط عليه مهانة و ذلة و وهنا تأبى عنها النفوس غالبا و يكون تحملها حرجيا.

و منه الخوف على العرض، فان الوقوع في معرض هتك الاعراض من أوضح موارد الحرج، و تدل على جواز التيمم

عند خوف السبع و اللص مضافا الى دليل نفى الحرج رواية داود بن كثير الرقي و لا يبعد صحتها لعدم بعد وثاقة داود «قال:

قلت لأبي عبد اللّٰه عليه السّلام: أكون في السفر فتحضر الصلاة و ليس معى ماء و يقال ان الماء قريب منا أ فأطلب الماء و أنا في وقت يمينا و شمالا؟ قال: لا تطلب الماء و لكن تيمم فإني أخاف عليك التخلف عن أصحابك فتضل و يأكلك السبع» «1» و رواية يعقوب بن سالم «قال: سألت أبا عبد اللّٰه عن رجل لا يكون معه ماء و الماء عن يمين الطريق و يساره غلوتين أو نحو ذلك قال: لا آمره أن يغرر بنفسه فيعرض له لص أو سبع» «2» و هما مختصتان بالخوف على نفسه، و لعل اللصوص في تلك الأزمنة

______________________________

(1) الوسائل أبواب التيمم، ب 2، ح 1

(2) الوسائل أبواب التيمم، ب 2، ح 2

كتاب الطهارة (للإمام الخميني، ط - القديمة)، ج 2، ص: 33

و الأمكنة كانوا كثيرين، و التخلف عن الرفقة كان تغريرا بالنفس نوعا لعدم إبائهم عن اراقة الدماء، و لهذا أجاب الإمام عليه السّلام بما أجاب، مع إطلاق السؤال بل لا يبعد ان يكون السؤال قرينة على الخوف، و الا فمع الأمن و وجود الماء لا يحتمل سقوط الوضوء.

و قد يكون في الوصول الى الماء ضرر مالي من غير حصول عنوان آخر كالحرج فقد استدل على سقوط المائية به بدليل «لا ضرر و لا ضرار»، و بالإجماع المحكي عن الغنية و المعتبر و المنتهى و التذكرة و كشف اللثام و المدارك، و بروايتي داود و يعقوب المتقدمتين، و باستقراء أخبار التيمم في سقوط المائية بأقل من ذلك.

و فيه ما

ذكرناه في رسالة مستقلة من ان دليل الضرر ليس بصدد رفع الأحكام الضرورية كما أفادوا، بل حكم سياسى سلطاني صدر من رسول اللّٰه صلّى اللّٰه عليه و آله بما هو سلطان على الناس فراجع، و الإجماع المحكي مع كونه موهونا لأجل احتمال استنادهم إلى الأدلة مثل دليلي الضرر و الحرج و غيرهما من الاخبار، لا يبعد أن يكون معقده هو الخوف عن اللص في ماله و قد مرّ أنه حرجي مرفوع بدليله.

ففي الغنية ادعى الإجماع على الجواز عند حصول خوف لعدو من غير ذكر المال و في المنتهى ادعى عدم وجدان الخلاف في الخوف على المال من لص أو عدو أو حربي، و عن المعتبر و كشف اللثام مثله، و في المدارك هذا الحكم مجمع عليه بين الأصحاب على ما نقله جماعة بل قال في المنتهى: انه لا يعرف فيه خلافا بين أهل العلم «انتهى» و القيد الأخير ليس في النسخة الموجودة عندي.

و كيف كان هذه العبارات كما ترى ظاهرة في دعوى الإجماع في مورد الخوف من اللص و مثله، و هو حرجيّ كما مرّ، و الروايتان موردهما الخوف من اللص و السبع أيضا بل ظاهرهما الخوف على النفس.

و التمسك بالاستقراء في غير محله بعد ورود وجوب شراء ماء الوضوء بالغا ما بلغ، بل يمكن استفادة وجوب صرف المال لتحصيل الماء للطهارة من صحيحة

كتاب الطهارة (للإمام الخميني، ط - القديمة)، ج 2، ص: 34

صفوان في غير مورد المنصوص فيه، «قال: سأل أبا الحسن عليه السّلام عن رجل احتاج الى الوضوء للصلاة و هو لا يقدر على الماء فوجد بقدر ما يتوضأ به بمائة درهم أو بألف درهم و هو واجد لها أ يشتري و

يتوضأ أو يتيمم؟ قال: لا بل يشترى، قد أصابني مثل ذلك فاشتريت و توضأت، و ما يشترى بذلك مال كثير» «1» حيث قال: ان ماء الوضوء مال كثير و هو بمنزلة التعليل. فيستفاد منه ان صرف المال لتحصيل المال الكثير عقلائي، فإذا كان تحصيل ذلك المال الكثير لازما يجب صرف المال لأجله و لو بغير شرائه كشراء الآلات و حفر البئر و إعطاء المال للإذن على الدخول في ملكه، و العبور عنه للوصول اليه، و استيجار الغير لتحصيله، بل و لو خاف من ضياع ماله في سبيل تحصيله ما لم يكن حرجيا، بل و شق الثوب النفيس إذا لم يكن فيه محذور شرعي على تأمل في الأخير، لأجل احتمال انصراف الدليل من مثله، و صدق عدم الوجدان و عدم القدرة عرفا على تحصيله.

السبب الثالث كون الاستعمال حرجيا و لو لم يخف الضرر

كالبرد الشديد الذي يكون التوضي و الاغتسال معه ذا مشقة، و يعد التكليف معه حرجيا، أو كان في استعمال الماء ضرر موجب للهلاك أو عيب أو حدوث مرض أو شدته أو طول مدته أو صعوبة علاجه، أو عدم برئه، أو خاف على نفسه مما ذكر و أمثاله من الأمراض المعتد بها حتى مثل الشين الذي يعلو البشرة من الخشونة المشوهة للخلقة مما يعتنى به العقلاء، و لا عبرة باليسير الغير المعتنى به مما لا يعد ضررا و لا حرجا و لا مرضا.

و تدل على ذلك كله الآية الكريمة وَ إِنْ كُنْتُمْ مَرْضىٰ أَوْ عَلىٰ سَفَرٍ الى قوله تعالى مٰا يُرِيدُ اللّٰهُ لِيَجْعَلَ عَلَيْكُمْ مِنْ حَرَجٍ فان عنوان المرض و ان كان صادقا على مطلقه حتى ما لا يكون استعمال الماء منافيا له أو مضرا به، لكن المناسبة بين الحكم و الموضوع، و

ذكر المرض عقيب وجوب المائية توجب الانصراف الى ما تكون المائية منافيا لمرضه و مضرا به. كما يستفاد منه التبديل إذا اضرته المائية و لو لم يندرج تحت عنوان المرض

______________________________

(1) الوسائل أبواب التيمم، ب 26، ح 1

كتاب الطهارة (للإمام الخميني، ط - القديمة)، ج 2، ص: 35

كما لو كان به قرح أو جرح، فإنهما لا يعدان مرضا عرفا، فإنه عبارة عن اختلال مزاجىّ كالحمى و السل و غيرهما، كما ان الظاهر ان الرمد و بعض الأوجاع أيضا لا يعد مرضا عرفا.

و كيف كان يستفاد حكم جميع ما ذكر من ذكر المرض ذيل الوضوء و الغسل بمناسبة الحكم و الموضوع، هذا مع قطع النظر عن قوله «مٰا يُرِيدُ اللّٰهُ» إلخ و الا يكون الحكم أوضح فتدل الآية صدرا و ذيلا على التبديل في مطلق ما ينافيه المائية، و مطلق الحرج و لو كان مأمونا من المرض، بل يكون في نفس الوضوء لأجل البرد حرج، و تدل عليه آية عدم جعل الحرج في الدين أيضا.

نعم تنصرف الأدلة عن اليسير الغير المعتنى به كما أشرنا اليه، و لعل مراد المحقق (ره) و غيره من المرض الشديد هو مقابل اليسير المذكور، و لا أظن أن يكون مرادهم اعتبار الشدة احترازا عن أول مراتب الحمى مثلا و لو كان الغسل معه مضرا به.

ثم انه يستفاد من ذيل الآية رفع المائية مع خوف المذكورات فان التكليف بها مع الخوف ضيق و حرج و تشديد على المكلف، فيعد التكليف مع خوف الهلاك أو حدوث العيوب و الأمراض تضييعا و تحريجا عليه، و مخالفا لقوله «مٰا يُرِيدُ اللّٰهُ» إلخ.

و تدل على ما ذكر مضافا الى الآية و الإجماع المتكرر في ألسنتهم روايات

مستفيضة لو لم تكن متواترة ففي صحيحة محمد بن سكين عن أبى عبد اللّٰه عليه السّلام «قال: قيل له ان فلانا أصابته جنابة و هو مجدور فغسلوه فمات؟ قال: قتلوه ألا سألوا ألا يمموه؟ ان شفاء العيّ السؤال» «1» و في صحيحة محمد بن مسلم: «قال: سألت أبا جعفر عليه السّلام عن الرجل يكون به القرح و الجراحة يجنب؟ قال: لا بأس بان لا يغتسل يتيمم» «2»

______________________________

(1) الوسائل أبواب التيمم ب 5، ح 1.

(2) الوسائل أبواب التيمم، ب 5، ح 5.

كتاب الطهارة (للإمام الخميني، ط - القديمة)، ج 2، ص: 36

و في صحيحة ابن أبى نصر عن الرضا عليه السّلام «في الرجل تصيبه الجنابة و به قروح أو جروح أو يكون يخاف على نفسه من البرد؟ فقال: لا يغتسل و يتيمم» «1» و نحوها صحيحة داود بن السرحان عن أبى عبد اللّٰه عليه السّلام «2» الى غير ذلك.

و لا فرق فيما ذكر بين الحدث الأصغر و الأكبر، و لا بين حدوثه اختيارا أولا، لكن وردت روايات منافية لذلك كصحيحة سليمان بن خالد و أبى بصير عن أبى عبد اللّٰه عليه السّلام «انه سئل عن رجل كان في أرض باردة تتخوف ان هو اغتسل أن يصيبه عنت من الغسل كيف يصنع؟ قال: يغتسل و ان أصابه ما أصابه، قال: و ذكر انه كان وجعا شديد الوجع فأصابته جنابة و هو في مكان بارد و كانت ليلة شديدة الريح باردة فدعوت الغلمة فقلت لهم: احملوني فاغسلوني، فقالوا: انا نخاف عليك؟ فقلت: ليس بدّ فحملوني و وضعوني على خشبات ثم صبوا علىّ الماء فغسلوني» «3» و صحيحة محمد بن مسلم «قال: سألت أبا عبد اللّٰه عليه السّلام عن

رجل تصيبه الجنابة في أرض باردة و لا يجد الماء و عسى ان يكون الماء جامدا؟ فقال: يغتسل على ما كان، حدثه رجل انه فعل ذلك فمرض شهرا من البرد؟ فقال: اغتسل على ما كان فإنه لا بد من الغسل، و ذكر أبو عبد اللّٰه عليه السّلام انه اضطر اليه و هو مريض فأتوه به مسخنا فاغتسل و قال: لا بد من الغسل» «4».

و قد يجمع بينهما و بين ما تقدم بحملهما على الجنابة الاختيارية، و حمل ما سبق على الاحتلام بشهادة مرفوعة على بن أحمد عن أبى عبد اللّٰه عليه السّلام «قال: سألته عن مجدور أصابته جنابة، قال: ان كان أجنب هو فليغتسل و ان كان احتلم فليتيمم» «5» و مرفوعة

______________________________

(1) الوسائل أبواب التيمم، ب 5، ح 7

(2) الوسائل أبواب التيمم، ب 5، ح 8.

(3) الوسائل أبواب التيمم، ب 17 ح 3

(4) الوسائل: أبواب التيمم، ب 17، ح 4

(5) الوسائل أبواب التيمم، ب 17، ح 1.

كتاب الطهارة (للإمام الخميني، ط - القديمة)، ج 2، ص: 37

إبراهيم بن هاشم «قال؟ ان أجنب فعليه أن يغتسل على ما كان منه و ان احتلم فليتيمم» «1» بل عن الخلاف دعوى إجماع الفرقة على وجوب الغسل على من أجنب اختيارا، و عن المفيد و الصدوق اختياره.

و فيه ان مرفوعة ابن هاشم لا يعلم كونها رواية بل لا يبعد أن يكون ذلك فتواه جمعا بين الروايات، و مرفوعة على بن احمد مع رفعها و جهالة ابن احمد و مخالفتها للروايات الكثيرة في المجدور مع كونها آبية عن التقييد، لا تصلح للشهادة على الجمع، مع ان مثل هذا الجمع غير عقلائي و لا مقبول، و ان المذكور في صحيحة

ابن مسلم «أصابته الجنابة» و لا يبعد ظهوره في غير الاختيارية و كذا الحال في صحيحتي البزنطي و ابن السرحان.

و ذكر أبى عبد اللّٰه عليه السّلام لإصابته الجنابة مع كونه منزها عن الاحتلام لا يصير شاهدا على كون السؤال عن حصولها باختياره، و التعبير عن جنابة نفسه بالإصابة التي يجب صرفها إلى الاختيارية لا يوجب ظهورها في نفسها في الاختيارية، بل لعله يوجب وهنا في الرواية.

و كيف كان هذا الجمع ضعيف غير مقبول، و أضعف منه الاتكال بدعوى إجماع الخلاف مع كون خلافه مظنة الإجماع، بل عن ظاهر المنتهى الإجماع عليه، قال:

لو أجنب مختارا و خشي البرد تيمم عندنا. و في الجواهر المشهور بين الأصحاب نقلا و تحصيلا عدم الفرق بين متعمد الجنابة و غيره.

هذا كله مع منافاة ما ذكر للكتاب و السنة و إباء أدلة نفى الحرج من التقييد و مخالفته لسهولة الملة و سماحتها، و مخالفة بعض مراتبه للعقل كخوف تلف النفس، و لهذا خصه بعضهم بما إذا لم يخف منه زاعما لكونه جمعا بين الاخبار، و بين مثل صحيحة عبد اللّٰه بن سنان عن أبى عبد اللّٰه عليه السّلام «في الرجل تصيبه الجنابة في الليلة الباردة فيخاف على نفسه التلف ان اغتسل؟ فقال: يتيمم و يصلى فإذا أمن البرد اغتسل

______________________________

(1) الوسائل أبواب التيمم، ب 17، ح 2

كتاب الطهارة (للإمام الخميني، ط - القديمة)، ج 2، ص: 38

و أعاد» «1».

و يتلو الجمع المتقدم في الضعف لو لم يكن أضعف منه حمل الصحيحتين على الاستحباب، بدعوى ان الغالب ان الخوف على النفس بمرض شديد أو تلف من البرد عند صحة المزاج كما هو منصرف السؤال، انما ينشأ عن احتمال موهوم في الغاية لا

يجب رعايته، و المظنون الغالب في مثل الفرض الأمن من الضرر لو فرض التحمى و التحفظ بل ربما يكون الخوف من التلف و المرض من تسويلات النفس تنشأ من مشقة الفعل كما تشهد به صحيحة سليمان، حيث فرض اصابة العنت و هو المشقة فقول الامام «يغتسل و ان اصابه ما أصابه» يعنى من العنت. و اما الخوف من التلف أو المرض الواجب التحرز فلا يكون غالبا الا على الاحتمال الموهوم، و لا مانع من حمل الصحيحتين على مثل الفرض و حملهما على الاستحباب، و لا يعارضهما عمومات نفى الحرج و الصحاح المتقدمة إذ لا يفهم من العمومات إلا الرخصة، و لا من النهي في الصحاح الوارد في مقام توهم الوجوب الا جواز الترك «انتهى».

و ذلك لان دعوى موهومية الاحتمال في المقام في غاية الضعف، و كيف يكون الاحتمال موهوما في مورد الصحيحتين مع ذكر الامام عليه السّلام في صحيحة سليمان الأمر باغتساله في ليلة باردة شديدة الريح مع الوجع الشديد، بحيث لم يتمكن من الحركة و لا من الاغتسال بنفسه فحملوه و غسلوه، و لم يقل في جواب الغلمة حيث قالوا: «انا نخاف عليك»: لا خوف علىّ، بل قال: ليس بدّ اى و لو مع الخوف، و مع حديث الرجل في صحيحة ابن مسلم «انه فعل ذلك فمرض شهرا من البرد؟ فقال عليه السّلام: اغتسل على ما كان فإنه لا بد من الغسل» مما هو كالصريح في لابدية الغسل و لو مع الخوف من المرض كائنا ما كان، بل و لو مع العلم بحدوثه، بل مع المرض الفعلي كما حكى عن غسله في مرضه.

و يتلوه في الضعف دعواه انصراف السؤال إلى صحيح المزاج و سليمة،

فإنه

______________________________

(1) الوسائل أبواب التيمم، ب 16، ح 1.

كتاب الطهارة (للإمام الخميني، ط - القديمة)، ج 2، ص: 39

في نفسه و ان لا يبعد انصرافه اليه لكن الجواب و حكاية أبي عبد اللّٰه عليه السّلام مرضه و وجعه الشديد صريح في لابدية الغسل، و لو كان مريضا و سقيما، و في معرض الازدياد بل التلف و قوله في صحيحة سليمان «نتخوف ان هو اغتسل أن يصيبه عنت من الغسل» الذي استشهد به لمرامه من ان العنت عبارة عن المشقة و قوله عليه السّلام «يغتسل و ان اصابه ما أصابه» أي من العنت و المشقة غير صالح للاستشهاد، لان العنت كما جاء بمعنى المشقة جاء بمعنى الهلاك و الفساد، و ظاهر قوله «نتخوف ان يصيبه عنت» اصابة فساد أو هلاك و الا فأصل المشقة في الأرض الباردة معلومة، و لا يقال معها نتخوف أن يصيبه، و لو سلم لكن لحن قوله: «و ان اصابه ما أصابه» لا يلائم الحمل على المشقة فقط، و لو سلم لكن حكاية أبى عبد اللّٰه عليه السّلام اغتساله مع الوجع الشديد و الليلة الباردة و الريح الشديد، و قول الغلمة و غير ذلك مخالف لما ذكر و لو سلم ذلك في صحيحة سليمان لا يأتي احتماله في صحيحة ابن مسلم.

و أضعف من جميع ذلك حملهما على الاستحباب مع إبائهما عنه و كيف يحمل عليه قوله «يغتسل و ان اصابه ما أصابه» و قوله عليه السّلام في جواب الغلمة من الخوف على نفسه «ليس بدّ» و قوله: «يغتسل على ما كان» و قوله بعد قول الرجل: فمرض شهرا من البرد:

«اغتسل على ما كان» و قوله بعد حكاية غسله في حال المرض: «لا

بد من الغسل» و لعمري ان طرح الرواية أولى من هذا النحو من الجمع!.

و كيف كان لا محيص عن طرحهما و ردّ علمهما إلى أهله بعد وهنهما بظهورهما في اصابة الجنابة عليه عليه السّلام من غير اختيار، و هو منزه عنها، و بغاية بعد الاختيارية منها في هذه الحال و في هذه الأرض الباردة المخوفة على النفس، و لمخالفتهما للعقل و الكتاب و السنة، و باعراض المشهور عنهما على ما حكى، و موافقتهما للمحكي عن أصحاب الرأي و أحمد في إحدى الروايتين.

ثم قد مرّ انه لا فرق في خوف المرض و غيره بين الشديد و الضعيف، إلا إذا كان يسيرا غير معتنى به، و اما الشين الذي ادعى عدم وجدان الخلاف في جواز التيمم معه،

كتاب الطهارة (للإمام الخميني، ط - القديمة)، ج 2، ص: 40

و عن المعتبر و المنتهى و المدارك و الكفاية جوازه عند علمائنا، و هو ظاهر في الإجماع بل عن جامع المقاصد دعواه صريحا، فان كان المراد منه بعض الأمراض الجلدية من قبيل الجرب و السوداء فلا إشكال في صحة التيمم معه، لإطلاق الآية، بل يستفاد حكمه من أدلة القرح و الجرح، اما بدعوى اندراجه فيها أو بدعوى إلغاء الخصوصية عرفا مضافا الى أدلة نفى الحرج، و ان كان المراد منه هو الخشونة التي تعلو البشرة، و قد تنتهي إلى انشقاق الجلد فمع خوف الانشقاق المعتد به ينسلك في الأدلة و لو بإلغاء الخصوصية، و مع عدمه فلا دليل عليه الا أدلة نفى الحرج، فلا بد من كونه بحد يصدق معه الحرج و المشقة، و صار التوضي مع خوفه مندرجا في التضييق و التحريج.

ثم اعلم ان ظاهر بعضهم في المقام الذي هو

من جزئيات الحرج تقييده بما لا يحتمل عادة، و الظاهر منه ان الحرج عبارة عن المشقة التي لا تتحمل عادة.

و يؤيده قول بعض أهل اللغة على ما قيل ان الحرج أضيق الضيق، و في المجمع:

مٰا جَعَلَ عَلَيْكُمْ فِي الدِّينِ مِنْ حَرَجٍ اى من ضيق بأن يكلفكم ما لا طاقة لكم به و ما تعجزون عنه: يقال: حرج يحرج من باب علم اى ضاق.

و في كلام الشيخ على بن إبراهيم الحرج الذي لا مدخل له و الضيق ما يكون له مدخل «انتهى».

و في الصحاح مكان حرج و حرج اى ضيق كثير الشجر لا تصل إليه الراعية، و نقل ذلك عن ابن عباس أيضا هذا.

لكن الظاهر من كثير من كتب اللغة تفسيره بالضيق من غير تقييد بما لا يتحمل أو غيره.

ففي الصحاح و القاموس التحريج التضييق، و تقدم عن المجمع حرج من باب علم اى ضاق.

و في المنجد حرج الشي ء ضاق. حرجه ضيقه.

و عن النهاية الحرج في الأصل الضيق.

و حكى في مجمع البيان تفسيره بالضيق و العنت عن جميع المفسرين، بل

كتاب الطهارة (للإمام الخميني، ط - القديمة)، ج 2، ص: 41

فسره به في صحيحة زرارة المتقدمة عن المشايخ الثلاثة، قال لأبي جعفر عليه السّلام «أ و لا تخبرني من أين علمت و قلت ان المسح ببعض الرأس؟» و الحديث طويل متعرض لتفسير الآية و النكات التي فيها و قال في آخره: «ثم قال مٰا يُرِيدُ اللّٰهُ لِيَجْعَلَ عَلَيْكُمْ مِنْ حَرَجٍ و الحرج الضيق» «1» و عن قرب الاسناد عن الصادق عن أبيه عن النبي صلّى اللّٰه عليه و آله «قال: أعطى اللّٰه أمتي و فضلهم به على سائر الأمم» الى أن قال: «و ان اللّٰه تعالى

أعطى أمتي ذلك حيث يقول وَ مٰا جَعَلَ عَلَيْكُمْ فِي الدِّينِ مِنْ حَرَجٍ يقول من ضيق» «2» و في موثقة أبي بصير في أبواب المياه «قال: قلت لأبي عبد اللّٰه عليه السّلام: انا نسافر فربما بلينا بالغدير من المطر» الى ان قال «اخرج الماء بيدك ثم توضأ، فإن الدين ليس بمضيق فان اللّٰه يقول مٰا جَعَلَ عَلَيْكُمْ فِي الدِّينِ مِنْ حَرَجٍ» «3» و يظهر أيضا من بعض موارد تمسكهم بدليل نفى الحرج أوسعية الأمر مما قيل، كرواية عبد الأعلى، فإن رفع المرارة ليس مما لا يتحمل عادة بل له مشقة و كلفة.

و في الرواية المحكية عن حمزة الطيار عن أبى عبد اللّٰه عليه السّلام و الحديث طويل قال فيه: «و كذلك إذا نظرت في جميع الأشياء لم تجد أحدا في ضيق» «4» و عن قرب الاسناد: «عن الصادق عليه السّلام عن أبيه عن آبائه عليهم السلام قال: لا غلظ على مسلم في شي ء» مضافا الى أن لسان الآيات الشريفة الواردة في مقام الامتنان لسان عدم جعل مطلق الضيق كقوله يُرِيدُ اللّٰهُ بِكُمُ الْيُسْرَ وَ لٰا يُرِيدُ بِكُمُ الْعُسْرَ و قوله لٰا تَحْمِلْ عَلَيْنٰا إِصْراً كَمٰا حَمَلْتَهُ عَلَى الَّذِينَ مِنْ قَبْلِنٰا».

السبب الرابع الخوف من العطش في استعمال الماء

على نفسه أو أولاده و عائلته أو صديقه، بل

______________________________

(1) الوسائل أبواب الوضوء، ب 23، ح 1.

(2) قرب الاسناد ص 41.

(3) الوسائل أبواب الماء المطلق ب 9، ح 16.

(4) رواه الكليني في الكافي في باب حجج اللّٰه من كتاب التوحيد.

كتاب الطهارة (للإمام الخميني، ط - القديمة)، ج 2، ص: 42

كل ما يتعلق به من الإنسان و الحيوان من تلف أو حدوث مرض أو علة أو عروض حرج أو مشقة من فقد الماء لأدلة نفى الحرج،

ضرورة انه كما يكون التكليف بالوضوء مع خوف ما ذكر على نفسه تحريجا و تضييقا، كذلك إذا خاف على أطفاله و عياله أو صديقه بل غلمته بل حيوانه الذي يحتاج إليه في سفره بل مطلقا، إذا كان في حفظه غرض عقلائي، سواء أخذ للذبح لكن لا يكون في السفر محل ذبحه و يشق عليه حمله أو لم يؤخذ لذلك نعم لو أخذ له و لا يتعلق الغرض ببقائه و لا يكون في ذبحه أو حمله حرج، فلا يستفاد حكمه من دليل نفى الحرج و ان لا يبعد استفادته من سائر الأدلة كموثقة سماعة «قال:

سألت أبا عبد اللّٰه عليه السّلام عن الرجل يكون معه الماء في السفر فيخاف قلته؟ قال: يتيمم بالصعيد و يستبقي الماء فان اللّٰه عز و جل جعلهما طهورا الماء و الصعيد» «1» لصدق خوف القلة على من كان في سفر مع عائلته و كل ما يتعلق به و يرتبط اليه إنسانا أو حيوانا، ذميا أو مسلما، بل لعله يشمل الخوف على الحربي المتعلق به و ان كان الأقرب انصرافه عن مثل الحربي الذي يجب على الناس قتله بأية وسيلة ممكنة، نعم لو لم يكن مهدور الدم لكن يكون مرتكبا لما يكون حده القتل كالقاتل و الزاني المحصن ممن يكون قتله بيد شخص خاص أو بنحو خاص، فالظاهر شمول الرواية له.

بل لا يبعد شمولها للخوف على غير ما يتعلق به آدميا كان أو غيره مما له كبد حرى، ضرورة انه مع رؤية الإنسان إنسانا أو حيوانا يتلظى عطشا بمحضر منه يكون التكليف بالوضوء عليه تحريجا و تضييقا، لان النفوس الشريفة بل الغير القاسية و الشقية تأبى عن ذلك (فح) مع خوف حصول ذلك

يصدق خوف القلة بل تشمله أدلة نفى الحرج، و لا يبعد استفادته من صحيحة ابن سنان عن أبى عبد اللّٰه عليه السّلام «انه قال في رجل أصابته جنابة في السفر و ليس معه الإماء قليل و يخاف ان هو اغتسل أن يعطش؟ قال: ان خاف عطشا فلا يهريق منه قطرة و ليتيمم بالصعيد فان الصعيد أحب الىّ» «2» فإن

______________________________

(1) الوسائل أبواب التيمم، ب 25، ح 3

(2) الوسائل أبواب التيمم، ب 25، ح 1

كتاب الطهارة (للإمام الخميني، ط - القديمة)، ج 2، ص: 43

تغيير الجواب عما هو متعارف و تنكير العطش مما يشعر أو يدل على توسعة الموضوع عن عطاش نفسه، و الا كان حق الجواب اما ان يقول: فليتيمم، أو يقول ان خاف ان يعطش أو خاف العطش، فتبديل الجواب بما هو غير متعارف لا بد فيه من نكتة و هي افادة توسعة الحكم لخوف عطش على نفسه أو غيره آدمي أو غيره.

ثم ان الظاهر من خوف العطش و القلة أن يكونا مخوفين و لا يطلق عرفا ذلك الا على ما يكون في احتمالهما خطر هلاك أو مرض أو مشقة، و اما إذا احتمل العطش المتعارف فلا يقال يخاف من العطش أو القلة، فليس المراد احتمال حصول أول مراتب العطش، و منه يظهر ان احتمال قلة الماء لمثل الطبخ و القهوة و القليان خارج من مصب الرواية لأن القلة لا تكون مخوفة معه عادة ضرورة ان احتمال القلة لكل حاجة لا يوجب الخوف، و لا يطلق عليه- فخوف القلة ينحصر عرفا بما يكون معرضا لخطر أو حرج أو مشقة.

السبب الخامس ما إذا استلزم من استعمال الماء في الوضوء أو الغسل محذور شرعي

من ترك واجب، كما لو لزم من الاشتغال بأحدهما و الصلاة ترك إنقاذ غريق دون

التيمم أو تأخير أداء الدين المطالب به و نحوهما، أو فعل محرم كاستعمال ماء مغصوب، أو العبور من طريق مغصوب أو استعمال آنية الذهب و الفضة و نحوها، أو ترك شرط معتبر في الصلاة كما لو لزم منه نجاسة مسجد الجبهة مع الانحصار و عدم إمكان التحرز أو حصول مانع كما لو لزم منه نجاسة الساتر، و منه ما لو كان الماء بقدر تطهير الثوب النجس أو الوضوء، لا ريب في صحة التيمم بل لزومه في بعض تلك الموارد، فهل يكون في جميع الأعذار الشرعية كذلك أو يكون من باب الأهم و المهم؟ و لا بد من ملاحظة قاعدة باب التزاحم.

قد يقال باستفادة كون كل عذر شرعي أو عقلي موجبا للتيمم من الآية الكريمة بدعوى ان الظاهر من ذكر عدم الوجدان عقيب الأمر بالوضوء و الغسل عدم وجدان

كتاب الطهارة (للإمام الخميني، ط - القديمة)، ج 2، ص: 44

ما يستعمل في الطهور بلا محذور مطلقا، الا ترى انه لو وجد بأقل من الوضوء أو كان الماء للغير لا ينقدح في الذهن صدق وجدانه و عدم صحة التيمم معه، فيظهر منه ان الموضوع هو الوجدان من غير محذور.

و فيه انه لا ريب في ان الظاهر من الآية و لو بمناسبة الحكم و الموضوع هو وجدان ما يمكن استعماله في الطهارة كما مرّ ففي صورة كون الماء غير واف يتيمم كما انه لو كان الماء للغير يصدق عدم الوجدان عرفا، فإنه غير واجد لمال الغير، كما انه يستفاد حكم عدم إمكان التوصل به من الآية كما مر، لكن إلحاق كل محذور شرعي به غير ظاهر، فان الوجدان صادق بلا شبهة مع وجوده في آنية الذهب و الفضة

أو كان في التوصل اليه و في طريقه محذور شرعي، فعدم الوجدان و ان عمّ ما تقدم لكنه لا يعم لمثل المحذور الشرعي، و ليس في الآية الكريمة صدرا و ذيلا ما يدل على ذلك، و لو بالارتكاز العرفي و المناسبات.

و بالجملة ان عدم الوجدان هو العرفي منه كما في جميع الموضوعات المتعلقة للأحكام و هو صادق مع ما تقدم دون مطلق المحذور الشرعي، و قياس سائر المحاذير بمثل التصرف في مال الغير اى غصب مائه في غير محله، لصدق عدم الوجدان عرفا مع كونه للغير، لا لأجل حكم الشارع بالحرمة بل لحكم العقلاء بأن الإنسان لم يكن واجدا لمال غيره، و اما إذا كان الماء له و الانية من الذهب أو من مال الغير فلا شبهة في صدق الوجدان، و عدم إشعار في الآية على الإلحاق.

نعم يمكن ان يستدل على المطلوب ببعض الروايات:

منها صحيحة محمد بن مسلم عن أبى عبد اللّٰه عليه السّلام «قال: سألت عن رجل أجنب في سفر و لم يجد الا الثلج أو ماء جامدا؟ فقال: هو بمنزلة الضرورة يتيمم» «1» حيث يظهر منها ان الضرورة أو ما هو بمنزلتها موضوع لصحة التيمم، و موردها و ان كان من الضرورات التكوينية لكن لا تقيد ما هو بمنزلة التعليل أو الكبرى بالمورد،

______________________________

(1) الوسائل أبواب التيمم، ب 8، ح 9

كتاب الطهارة (للإمام الخميني، ط - القديمة)، ج 2، ص: 45

و لا ريب في ان التخلص عن ارتكاب المحرم أو ترك الواجب أو شرطه أو إتيان مانعة من الضرورات عرفا و عقلا، و لا يمكن ان يقال ان المحذور الشرعي ليس محذورا في نظر العرف مع كونه متعبدا بحكم هذا الشرع، فأيّ ضرورة أعظم

من التخلص عن مخالفة المولى؟.

و دعوى عدم الإطلاق في الرواية، غير وجيهة فإنه لو كان موضوع التبديل عنوانا آخر لكان قوله: «هو بمنزلة الضرورة» في غير محله خصوصا مع كونه بمنزلة التعليل فالظاهر ان كل ضرورة موجب للانتقال.

و منها صحيحة أبي بصير عن أبى عبد اللّٰه عليه السّلام «قال: إذا كنت في حال لا تقدر على الطين فتيمم به فان اللّٰه أولى بالعذر» «1» حيث يظهر منها ان موضوع التبديل هو العذر من التيمم بالتراب، و هي و ان كانت في مورد آخر لكن يمكن الاستشهاد بها للمورد. تأمل.

و منها صحيحة عبد اللّٰه بن يعفور عن أبى عبد اللّٰه عليه السّلام «قال: إذا أتيت البئر و أنت جنب فلم تجد دلوا و لا شيئا تغرف به فتيمم بالصعيد، فان رب الماء هو رب الصعيد و لا تقع في البئر و لا تفسد على القوم مائهم» «2» بدعوى ان الظاهر من قوله: «لا تفسد على القوم مائهم» ان فساد الماء عليهم محذور يوجب الانتقال و المحذور، أما الحرمة الشرعية فيفهم انه مع وقوع الحرام لا يجوز التوضي و الغسل، و اما الغضاضة العرفية مع عدم محذور شرعي فيدل على التبديل مع المحذور الشرعي قطعا لدلالتها على صحة التيمم بأدنى شي ء و لو بمثل تنفر الطباع عن الورود في الماء.

و منها دعوى ان المتفاهم من مجموع الروايات كقوله: «انه أحد الطهورين و ان ربهما واحد و يكفى عشر سنين» و ما دل على عدم لزوم الفحص عن الماء أكثر من غلوة

______________________________

(1) الوسائل أبواب التيمم، ب 8، ح 7

(2) الوسائل: أبواب التيمم، ب 3، ح 2

كتاب الطهارة (للإمام الخميني، ط - القديمة)، ج 2، ص: 46

و غلوتين

مع احتمال وجوده بل الظن به و اخبار الركية، و ما دل على جواز إجناب النفس مع عدم الماء، و ما دل على جواز إتمام الصلاة مع التيمم لو وجد الماء بعد الدخول في الركوع، بل بعد الدخول في الصلاة على الأقرب، و ما دل على جواز البدار و جواز التيمم مع خوف العطش و لو على الذمي و الحيوان، ان الأمر في التبديل سهل يوجبه أدنى عذر.

و الانصاف ان الخدشة لو أمكنت في كل واحد مما ذكر لكن من مجموع ما ذكر تطمئن النفس بان المحذور الشرعي مطلقا يوجب التبديل، و اما لو أغمض عن ذلك و رجعنا الى باب المزاحمة فمع إحراز الأهمية في طرف يؤخذ بالأهم، و كذا مع احتمالها بناء على التعيين في دوران الأمر بين التعيين و التخيير و مع التساوي بينهما يتخير.

و قد يقال: ان الوضوء لما كان له البدل يتأخر في الدوران عما لا يكون له البدل لكن ان أريد به دعوى إحراز الأهمية فيما ليس له البدل بذلك فهي كما ترى، و ان أريد ان الأخذ بالبدل جمع بين الغرضين في مرتبة و العقل حاكم بلزومه، ففيه ان المفروض ان احتمال الأهمية في الغرض الأقصى مساو لاحتمالها فيما ليس له البدل، فليس الأخذ به جمعا بين الغرضين.

نعم في خصوص دوران الأمر بين الوضوء و الغسل، و رفع النجاسة عن البدن و الثوب ادعى الإجماع على تقديم التطهير عن الخبث، كما عن المعتبر و التذكرة و تشهد له رواية أبى عبيدة «قال: سألت أبا عبد اللّٰه عليه السّلام عن المرأة الحائض ترى الطهر و هي في السفر و ليس معها ماء يكفيها لغسلها و قد حضرت الصلاة؟ قال:

إذا كان معها بقدر ما تغسل به فرجها فتغسله ثم تتيمم و تصلى» «1» فأمر بغسل البدن دون الوضوء و قد مر وجوب الوضوء مع كل غسل إلا الجنابة.

و يؤيده الأدلة الواردة في تتميم الصلاة مع التيمم إذا دخل فيها أو ركع، فأصاب الماء قائلا ان التيمم أحد الطهورين، و ما ورد في عروض النجاسة في الأثناء من وجوب

______________________________

(1) الوسائل أبواب الحيض، ب 21، ح 1.

كتاب الطهارة (للإمام الخميني، ط - القديمة)، ج 2، ص: 47

غسلها أو انتزاع الثوب، و مع عدم الإمكان تبطل الصلاة فيستشعر من الطائفتين كون إزالة النجاسة أهم في نظر الشارع.

السبب السادس ضيق الوقت،

اشارة

فقد يلزم من الطهارة المائية فوت جميع الوقت و قد يلزم فوت بعضه و على الثاني قد تدرك ركعة من الوقت و قد لا تدرك، و على اىّ تقدير قد يدرك مع التيمم جميع الوقت و قد يدرك بعضه بمقدار ركعة أو أقل أو أكثر لكن يكون الإدراك معه أكثر من الإدراك مع المائية.

و كيف كان فعن المعتبر و جامع المقاصد و كشف اللثام و المدارك عدم مشروعية التيمم لضيق الوقت لاشتراط الصلاة بالطهارة المائية، و عدم ثبوت مسوغية ضيق الوقت للتيمم لتعليقه بعدم الوجدان، و المكلف واجد للماء متمكن من استعماله، غاية الأمر أن الوقت لا يتسع له.

و عن المنتهى و التذكرة و المختلف و الروضة و غيرها مشروعيته، بل عن الرياض انه الأشهر و اختاره صاحب الجواهر (ره) و غيره ممن تأخر عنه من المحققين و هو الأقوى للاية الكريمة، فإن الظاهر منها بعد تعلق الطلب المطلق في صدرها على الوضوء و الغسل و تعليق الترابية على بعض العناوين العجزية اى المرض و الفقدان، ان التنزل الى

المصداق الاضطراري و رفع اليد عن المطلوب المطلق انما هو لإلجاء المكلف بإتيان الصلاة في الوقت، فيكون حفظ مصلحة الوقت موجبا لإلجاء المكلف بإتيان الصلاة فيه كائنة ما كانت، و هذا الإلجاء و الاضطرار صار سببا لعجز المكلف عن المائية و تشريع الترابية له، فلو لا حفظ الوقت لم يكن مضطرا و لا معنى لقبول الفرد الاضطراري، و ترك المصلحة المطلقة، (فح) يستفيد العرف و العقلاء من الآية بلا اشكال ان مصلحة الترابية المتروكة لحفظ الوقت لا تدفع مصلحة الوقت، و لا تصير سببا لترك الصلاة في وقتها المضروب لها.

كتاب الطهارة (للإمام الخميني، ط - القديمة)، ج 2، ص: 48

و بالجملة إذا صارت أهمية الوقت موجبة لرفع اليد عن مصلحة المائية كيف يمكن مصادمة المائية مع مصلحته، و لا مجال لتوهم ان فقدان الماء صار موجبا لحدوث مصلحة في الصلاة مع الترابية، لأن ذلك خلاف ظاهر الأدلة آية و رواية، فإن الظاهر منها ان الترابية مرتبة ناقصة كما عبر عنها في الروايات بنصف الطهور ففي رواية ابن أبي يعفور عن أبي عبد اللّٰه عليه السّلام: «الا ترى انه انما جعل عليه نصف الطهور» «1» و مثلها رواية الحسين بن أبي العلاء و ان احتمل ان يكون المراد بهما نصف الوضوء كما في صحيحة الحلبي، فيكون المقصود المسح على بعض الوجه و اليد، لكن لا ينافي ذلك فهم قصور الترابية عن المائية بل قد عرفت سابقا دلالة الآية عليه.

و بالجملة لا قصور في دلالة الأدلة على ان الوجدان المنافي لدرك الوقت يعد عدم الوجدان، و عدم مزاحمة المائية للوقت، هذا مضافا الى ان الفحص عن موارد الاعذار و ان الشارع لم يرفع اليد عن الصلاة في

وقتها لأجل عذر من الاعذار و يكون التخلف عنه في غاية القلة يوجب الاطمئنان بل العلم بان للوقت أهمية لا يزاحمها شي ء من الاعذار، بل يشعر بذلك تسمية ترك الإتيان في الوقت بالفوت دون فقدان غيره من الاجزاء و الشرائط فالآتي بها بعد الوقت جامعة لسائر ما يعتبر فيها فاتت منه، و الآتي بها فيه مع فقد جل الاجزاء و الشرائط لم تفت منه، بل الناظر فيما وردت في تارك الصلاة و ان من تركها متعمدا فهو كافر أو برئت منه ذمة الإسلام، و ان تركها أعظم من سائر الكبائر، يرى ان المراد من تركها عدم إتيانها في وقتها الى غير ذلك مما يستنبط منها ان الصلاة لا تترك بحال.

و تدل على المقصود أيضا صحيحة زرارة عن أحدهما «قال: إذا لم يجد المسافر الماء فليطلب ما دام في الوقت فإذا خاف ان يفوته الوقت فليتيمم و ليصل في آخر الوقت» «2»

______________________________

(1) الوسائل أبواب التيمم، ب 25، ح 4

(2) الوسائل أبواب التيمم ب 4، ح 2.

كتاب الطهارة (للإمام الخميني، ط - القديمة)، ج 2، ص: 49

فان الظاهر منها ان وجوب الطلب أو استحبابه لأجل التوصل الى المطلوب الأعلى، لا لأجل دخالته في موضوع الصلاة مع التيمم. و ان الأمر بالتيمم مخافة فوت الوقت انما هو لتقديم الشارع حفظ الوقت على الطهارة المائية، و الا فلا وجه لرفع اليد عن المطلوب المطلق فلو علم المكلف بوجود الماء بعد الوقت ليس له تركها فيه و إتيانها مع المائية في خارجه، كل ذلك لأجل رعاية الوقت و أهميته و مع ذلك كيف يحتمل أن يكون وجدان الماء المفوّت للوقت موجبا لترك الصلاة فيه مع المائية و الترابية.

فمما ذكرنا يعلم

أن عدم الوجدان ليس قيدا للموضوع، بل مخافة الفوت تمام الموضوع لوجوب التيمم و عدم ترك الصلاة في الوقت.

و توهم ان التيمم انما هو لمن سبق ذكره في الرواية، و هو من لم يجد ماء فكأنه قال:

إذا كان الفاقد خائفا فوت الوقت فليتيمم، في غير محله لما أشرنا إليه من ان الأمر بالتيمم عند خوف الفوت انما هو لرعاية الوقت، و كونه أهم من المائية، و معه كيف يمكن مزاحمتها للوقت و إيجابها ترك الصلاة فيه مطلقا، و لعمري ان الحكم بعد التأمل فيما ذكرنا واضح.

هذا كله مع إدراك جميع الوقت مع الترابية و عدم إدراك شي ء منه مع المائية.

و اما إذا أدرك مع المائية ركعة من الوقت و مع الترابية جميعه، فقد يقال بتقديم المائية بدليل من أدرك.

و تفصيل الحال انه بعد البناء على دلالة صحيحة زرارة المتقدمة على ان خوف فوت الوقت تمام الموضوع لصحة التيمم، يقع الكلام في ان المراد من قوله: «إذا خاف ان يفوته الوقت» هو خوف فوت جميع الوقت بحيث لو علم إدراك بعضه وجب أو استحب الطلب لإدراك المائية، فتكون غاية الطلب و لزوم التيمم خوف فوت تمام الوقت، و عليه إذا كان الماء موجودا و لم يخف فوت الوقت لزم الوضوء من غير احتياج الى دليل من أدرك، بل يكون مفادها أعم من دليل من أدرك أو ان المراد منه خوف فوت الوقت المضروب للصلاة، اى خوف أن يفوته ما هو ظرف لطبيعة

كتاب الطهارة (للإمام الخميني، ط - القديمة)، ج 2، ص: 50

الصلاة فمع خوف وقوع جزء منها خارج الوقت فقد خاف أن يفوته الوقت الذي هو ظرفها، فان ظرفها هو مقدار من الوقت يسع جميع

الصلاة، و مع ذهاب جزء منه لا يكون الوقت وقتا لها و ان كان جزء من النهار (فح) تدل الرواية على انه مع خوف فوت الوقت و لو بجزء منه لا بد من التيمم.

و يمكن ان يقال: ان دليل من أدرك حاكم على الصحيحة و موسع لموضوعها فإنه يدل على ان إدراك ركعة من الوقت إدراك للوقت، و مع تنزيل الوقت الخارج منزلة الوقت أو تنزيل إدراك ركعة منه منزلة إدراك جميعه، أو تنزيل إدراك ركعة من الصلاة في الوقت منزلة إدراك الصلاة فيه يتم المطلوب، و يرفع خوف فوت الوقت، لكنه غير وجيه.

أما أولا: فلان ما روى عن النبي صلّى اللّٰه عليه و آله: «من أدرك ركعة من الصلاة فقد أدرك الصلاة» «1» و عن الوصي عليه السّلام: «من أدرك ركعة من العصر قبل أن تغرب الشمس فقد أدرك العصر» «2» و عنه عليه السّلام «من أدرك من الغداة ركعة قبل طلوع الشمس فقد أدرك الغداة تامة» «3» و في لفظ آخر «من أدرك ركعة من الوقت فقد أدرك الوقت» على ما في المنتهى و المدارك، روايات ضعاف بعضها بالإرسال و بعضها بضعف السند، و دعوى الجبر بالاشتهار بين الأصحاب مشكلة لعدم ثبوت كون اتكالهم في صحة الصلاة مع إدراك ركعة من الوقت بتلك الروايات، لورود موثقة عمار بن موسى عن أبى عبد اللّٰه (ع): «قال فان صلى ركعة من الغداة ثم طلعت الشمس فليتم فقد جازت صلوته» «4» و احتمال اتكالهم بها مع إلغاء الخصوصية الا أن يقال: ليس بناء أصحابنا خصوصا قدمائهم على التعدي من مثل الموثقة الواردة في الغداة إلى غيرها، فلا محالة يكون مستندهم تلك الروايات.

______________________________

(1) الوسائل أبواب المواقيت، ب

30، ح 4.

(2) الوسائل أبواب المواقيت، ب 30، ح 5.

(3) الوسائل أبواب المواقيت، ب 30، ح 2.

(4) الوسائل أبواب المواقيت، ب 30، ح 1.

كتاب الطهارة (للإمام الخميني، ط - القديمة)، ج 2، ص: 51

و عن المدارك بعد ان نقل الروايات قال، و هذه الاخبار و ان ضعف سندها الا ان عمل الطائفة عليها، و لا معارض لها فتعين العمل بها، و الانصاف ان المناقشة فيها من هذه الجهة غير وجيهة.

و اما ثانيا: فلان قوله في النبوي: «من أدرك ركعة من الصلاة فقد أدرك الصلاة» و كذا ما في العلوي يحتمل في بادى الأمر أحد معان: اما توسعة الوقت حقيقة لمن أدرك الركعة فيكون خارج الوقت وقتا اضطراريا، و اما تنزيل الصلاة الناقصة بحسب الوقت منزلة التامة، و اما تنزيل مقدار ركعة من الوقت منزلة تمام الوقت، و اما تنزيل خارج الوقت منزلة الوقت.

و انما يتم المطلوب و توجه الحكومة أو الورود لو كان المراد منها المعنى الأول، فإنه مع توسعة الوقت حقيقة يرفع خوف الفوت وجدانا، فيصير دليله حاكما على الصحيحة و نتيجتها الورود، و منفيا لموضوعها تكوينا، الا ان يقال: ان الموضوع في الصحيحة خوف فوت الاختياري من الوقت، اى الوقت المضروب بحسب الأدلة الأولية المحددة للأوقات.

لكن مع ذلك الا وجه ان التوسعة الحقيقية توجب رفع خوف فوت طبيعة الوقت المأخوذة في الصحيحة، و ليس موضوعها متقيدا بالاختياري، و ان كان المنصرف مع عدم الدليل هو الوقت المضروب بحسب الأدلة الأولية لكن بالنظر الى من أدرك و تحكيمه على الأدلة يكون مقتضاه ما ذكر، و لا ينافي ذلك عدم جواز تأخير الصلاة إلى الوقت الادراكى الاضطراري كما لا يخفى.

و كيف كان لو تمت الحكومة

انما هي في هذا الفرض، و اما في سائر الفروض فلا يرفع الخوف الوجداني المأخوذ في الموضوع، أما على فرض تنزيل الصلاة الناقصة منزلة التامة فواضح، و أما على فرض تنزيل الوقت سواء كان متوجها الى الوقت الناقص أو الى خارج الوقت، فلان دليل التنزيل لا يوجب رفع خوف فوت الوقت فان وقتها حسب الفرض هو ما قرره الشارع من دلوك الشمس الى غروبها، فمع

كتاب الطهارة (للإمام الخميني، ط - القديمة)، ج 2، ص: 52

احتمال ضيقه بمقدار لا يسع أربع ركعات لا محالة يخاف فوت الوقت المقرر، و التنزيل لا يرفع هذا الخوف، كما ان استصحاب بقاء الوقت لا يرفعه، فلا يجوز الاتكال على الاستصحاب و إتيان الطهارة المائية، لعدم زوال الخوف الوجداني به، مع انه اولى بذلك من دليل من أدرك، لأن المستصحب هو الوقت المضروب فيكون الاستصحاب حاكما ببقاء الوقت، لكن مع ذلك لا يرفع به موضوع دليل التيمم، فدليل تنزيل الوقت لا يرفع خوف فوته لا وجدانا و هو ظاهر، و لا تعبدا لعدم توجه التنزيل اليه و تنزيل الوقت الخارج منزلة الداخل أو الوقت الناقص منزلة التام غير تنزيل خوف الفوت منزلة عدمه.

هذا كله مع ان ما هو المشهور الذي يمكن دعوى جبره هو النبوي الظاهر في تنزيل الصلاة الناقصة منزلة التامة من غير تعرض لتنزيل الوقت فضلا عن تنزيل خوف فوته منزلة العدم.

ثم ان ظاهر قوله: «من أدرك» هو التنزيل فيما إذا فات الوقت و لم يبق إلا ركعة و هو لا يوجب جواز تفويته اختيارا، فح يقم التزاحم بين الوقت و الطهور، فلا بد من إثبات أهمية الوقت حتى في هذه الصورة حتى يحكم بوجوب التيمم و هو

مشكل بعد ورود مثل من أدرك، و الذي يسهل الخطب عدم المجال للتزاحم بعد ما قدمناه.

ثم انه يظهر الكلام مما تقدم فيما إذا لم يدرك مع المائية ركعة و أدرك جميع الوقت مع الترابية، و اما إذا أدرك ركعة مع الترابية ففي شمول من أدرك له نوع خفاء لاحتمال ان يكون المراد إدراك ركعة حسب وظيفته مع قطع النظر عن الوقت، و ان كان الأقرب صحة الترابية و لزومها بعد عدم ترك الصلاة بحال، و ان التراب أحد الطهورين، و ان الصلاة معه صلاة، و الظاهر ان هذا التنزيل بملاحظة أهمية الوقت و عدم ترك الصلاة حتى الإمكان، فلا يبعد التمسك بإطلاق من أدرك، فإنه مع إدراك ركعة مع الترابية يصدق إدراك ركعة من الصلاة، و ان شئت قلت: ان دليل تنزيل الترابية منزلة المائية حاكم على دليل من أدرك و محقق لموضوعه.

كتاب الطهارة (للإمام الخميني، ط - القديمة)، ج 2، ص: 53

و ان أدرك مع المائية ركعة و مع الترابية أزيد منها ففي تقديم الترابية بدعوى أهمية الوقت و عدم سقوط الميسور بالمعسور، أو تقديم المائية لعدم شمول أدلة الوقت مطلقا للمقام ضرورة فوت الصلاة مع فوت بعض الوقت بحسبها فيبقى دليل من أدرك و ظاهره أن إدراك ركعة إدراك للصلاة تامة كما صرح به في العلوي من طريقنا فلا فرق بحسبه بين إدراك ركعة أو أزيد، فحينئذ لا وجه لرفع اليد عن الطهارة المائية وجهان، أقربهما الثاني، لكن الالتزام ببعض لوازمه في غاية الإشكال كتجويز تأخير الصلاة مع إدراك ثلث ركعات منها مثلا الى بقاء الوقت بمقدار إدراك ركعة.

و ينبغي التنبيه على أمور:

الأول- هل الخوف المأخوذ في الأدلة هو مطلق الخوف

أو ما يكون حاصلا من منشأ مخوف عرفا، فان الخوف الوجداني قد يحصل من

منشأ مخوف كالخوف الحاصل من مفازة تكون في معرض السباع و اللصوص، و لو باحتمال عقلائي أو من قلة الماء في مفازة قفر، و كخوف فوت الوقت الحاصل من ضيقه و هكذا، و قد يحصل من اعتقاد باطل كما لو اعتقد كونه في مفازة كذائية مع كونه في محل أمن كثير الماء، أو اعتقد ضيق الوقت مع كونه في سعته و هكذا.

مقتضى الأدلة هو الثاني، اما غير دليل الحرج فلان ما في الباب من الاخبار ظاهرة فيه أو منصرفة إليه ففي صحيحة داود الرقي بناء على وثاقته كما لا يبعد «قال: قلت:

لأبي عبد اللّٰه عليه السّلام أكون في السفر فتحضر الصلاة و ليس معى ماء و يقال ان الماء قريب منا أ فأطلب الماء و أنا في وقت يمينا و شمالا؟ قال: لا تطلب الماء و لكن تيمم فإني أخاف عليك التخلف عن أصحابك فتضل و يأكلك السبع» «1» و في رواية يعقوب عنه عليه السّلام بعد فرض كون الماء عن يمين الطريق و يساره غلوتين «قال: لا آمره ان يغرر بنفسه فيعرض له لص أو سبع» «2» و الظاهر منهما ان في المحل المخوف الذي يكون معرضا للخطر و

______________________________

(1) الوسائل أبواب التيمم، ب 2، ح 1.

(2) الوسائل أبواب التيمم، ب 2، ح 2.

كتاب الطهارة (للإمام الخميني، ط - القديمة)، ج 2، ص: 54

يخاف منه على النفس يتيمم، و اما محل الأمن الذي لا يكون معرضا لذلك لكن حصل الخوف لخطإ في الاعتقاد فغير مشمول لهما، خصوصا ان المارة في تلك الأزمنة و الأمكنة كانوا يمرون على مفاوز مخوفة على النفوس غالبا.

و في صحيحتي ابن أبى نصر و ابن السرحان عن الرضا و أبى

عبد اللّٰه عليهما السّلام «في الرجل تصيبه الجنابة و به جروح أو قروح أو يخاف على نفسه من البرد؟ فقال:

لا يغتسل و يتيمم» «1».

و الظاهر منهما الخوف من البرد المحقق لا من تخيله فكأنه قال: إذا كان الهواء باردا فخاف على نفسه، و لا ريب في عدم شمولهما لمن خاف على نفسه من تخيل البرد مع كون الهواء حارا، و في رواية زرارة عن أحدهما (ع) «قال: قلت: رجل دخل الأجمة ليس فيها ماء و فيها طين ما يصنع؟ قال: يتيمم فإنه الصعيد، قلت: فإنه راكب لا يمكنه النزول من خوف و ليس هو على وضوء؟ قال: ان خاف على نفسه من سبع أو غيره و خاف فوات الوقت فليتيمم، يضرب بيده على اللبد أو البرذعة و يتيمم و يصلى» «2» و هي أيضا ظاهرة فيما ذكرناه خصوصا إذا كانت الأجمة بمعنى محل الأسد كما في المنجد و على أى تقدير لا تشمل الخوف من اعتقاد باطل، و كذا الكلام في روايات خوف العطش فإنها أيضا ظاهرة في ان المحل كان بحيث يخاف فيه من قلة الماء أو من العطش.

و كذا في صحيحة زرارة عن أحدهما (ع) «قال: إذا لم يجد المسافر الماء فليطلب ما دام في الوقت فإذا خاف ان يفوته الوقت فليتيمم و ليصل في آخر الوقت» «3» إلخ لأن الظاهر منها الخوف الحاصل من ضيق الوقت كما هو واضح.

و اما دليل نفى الحرج فقد يمكن ان يقال بصدقه فيما إذا خاف على نفسه، من

______________________________

(1) الوسائل أبواب التيمم، ب 5، ح 7.

(2) الوسائل أبواب التيمم، ب 9، ح 5.

(3) الوسائل أبواب التيمم، ب 14، ح 3.

كتاب الطهارة (للإمام الخميني، ط - القديمة)،

ج 2، ص: 55

أىّ منشأ كان، فيكون التكليف بالوضوء حرجيا على المكلف المعتقد و لو خطأ معرضية المحل للخطر، لكنه أيضا مشكل لان الظاهر الاولى من دليل نفى الحرج عدم جعل الحرج في الدين أي الأحكام المجعولة فيه، و غاية ما يمكن الاستفادة منه بالتقريب المتقدم في ذيل آية التيمم ان ما يلزم منه الحرج و المشقة سواء كان في مقدماته كتحصيل الماء للوضوء، أو ما يترتب عليه كأن لزم من التكليف به عطاش في المستقبل فهو أيضا غير مجعول، و اما الحرج الحاصل من تخيل باطل أو تخيل الحرج كما لو تخيل المرض مع عدمه أو البرد في مكان حارّ فليس مشمولا للأدلّة، لعدم الحرج في الدين و لا من قبله واقعا، و لا يمكن إلغاء الخصوصية بالنسبة الى ما يلزم من اعتقاد باطل.

و من هنا يمكن دعوى الفرق بين ما إذا شك في ضيق الوقت وسعته و بين ما إذا علم ضيقه و شك في كفايته لتحصيل المائية بالبناء على بقاء الوقت في الأول للاستصحاب دون الثاني، لا لما قيل من صدق خوف الفوت في الثاني دون الأول، ضرورة تحقق خوفه في الصورتين، لان احتمال الضيق موجب له وجدانا، بل لان الموضوع في الدليل هو الخوف الناشئ من ضيق، و في الصورة الاولى يكون الخوف من احتماله لا من نفسه فيجري الاستصحاب بلا دليل حاكم عليه، بخلاف الثانية للدليل الحاكم الا أن يقال: ان المتفاهم من صحيحة زرارة ان الأمر بالتيمم عند خوف الفوت انما هو لترجيح إدراك الوقت على الإدراك مع المائية فأهمية الوقت أوجبت الأمر بالتيمم مع خوف فوته، و هو حاصل في الصورة الأولى أيضا، فالشارع أسقط الاستصحاب في المقام

لأجل أهمية الوقت، و اعتنى بخوف فوته لذلك، فمع الدوران بين احتمال فوت الوقت و فوت الطهارة المائية يلاحظ حال الأهم، فيحكم العقل بالتيمم و أسقط الشارع الأصل لذلك، فلا فرق حينئذ بين الفرعين في لزوم التيمم.

الثاني: هل الخوف المأخوذ في موضوع الأدلة على نسق واحد

بمعنى ان الموضوع لتشريع التيمم في جميع الموارد هو الخوف، أو الموضوع في جميعها هو

كتاب الطهارة (للإمام الخميني، ط - القديمة)، ج 2، ص: 56

الواقع الذي خاف منه، فإذا تيمم من خوف العطش و لو في محل مخوف ثم تبين عدم حصول العطش على فرض استعمال الماء بطل على الثاني دون الأول، و كذا في سائر موارد الخوف أو يفصل بين المقامات؟ التحقيق هو التفصيل، فان الظاهر من الأدلة غير دليل ضيق الوقت ان صرف معرضيته للخطر الموجبة للخوف موضوع لتشريع التيمم و رفع الوضوء، فقوله في صحيحة ابن سنان: «ان خاف عطشا فلا يهريق منه قطرة و ليتيمم بالصعيد، فان الصعيد أحب الىّ» «1» ظاهر في ان مجرد خوف العطش يوجب محبوبية الصعيد، و قوله في موثقة سماعة بعد فرض خوف قلة الماء: «يتيمم بالصعيد و يستبقي الماء فان اللّٰه عز و جل جعلهما طهورا الماء و الصعيد» «2» و قوله في رواية ابن أبى- يعفور بعد فرض انحصار الماء بمقدار شربه: «يتيمم أفضل الا ترى انه انما جعل عليه نصف الطهور» «3» ظاهران في مشروعية التيمم و انه أحد الطهورين، و ان عليه نصف الطهور في هذا الحال و كذا الحال في سائر الموارد.

و بالجملة الظاهر من تلك الموارد ان الشارع لاحظ حال المكلف لئلا يقع في معرض الخطر، و هذه المعرضية أوجبت رفع الوضوء و تشريع التيمم، بل الظاهر ان في تلك الموارد انما

رفع الوضوء لنكتة رفع الحرج عن المكلف و لا شبهة في ان الإلزام بالإقدام على ما هو معرض الخطر حرج عليه، ففي تلك الموارد إذا تيمم و صلى صحت صلوته و لا اعادة عليه، و لو انكشف عدم اللص و عدم إضرار الماء و هكذا.

و اما صورة خوف فوت الوقت فالظاهر انه ليس على مساق سائر الموارد، بل الشارع لاحظ فيه حفظ التكليف الأهم لدى الدوران بينه و بين المهم، فأمر بالتيمم لا لأجل صيرورة خوف الفوت موجبا لإسقاط المائية و محبوبية الترابية، بل لأجل الاعتناء باحتمال فوت الأهم في قبال المهم، بل يمكن ان يقال بعدم تشريع التيمم

______________________________

(1) الوسائل أبواب التيمم، ب 25، ح 1.

(2) الوسائل أبواب التيمم، ب 25، ح 3.

(3) الوسائل أبواب التيمم، ب 25، ح 4.

كتاب الطهارة (للإمام الخميني، ط - القديمة)، ج 2، ص: 57

في هذا الحال فقوله: «إذا خاف أن يفوته الوقت فليتيمم» إرشاد إلى أهمية الوقت، و انه مع الدوران بين احتمال فوت الوقت و فوت الطهارة المائية توجب أهمية الوقت تقديمه من غير تشريع للتيمم في هذا الحال، و معه لا وجه للاجزاء، فلو صلى ثم تبين سعة الوقت لإعادتها مع المائية تجب الإعادة، و كذا لو تبين صلوح الوقت للمائية و لو فات بواسطة الصلاة مع الترابية يجب عليه القضاء.

كل ذلك لما تقدم من عدم استفادة التشريع من الرواية بل لا معنى للتشريع بعد حكومة العقل بتقديم الأهم، و تقديم احتمال فوت الأهم على احتمال فوت المهم بل يكفي في عدم الاجزاء احتمال ما ذكرناه، لان الاجزاء متقوم بالتشريع و مع عدم إحرازه يحكم بالإعادة و القضاء، و ان كان في الحكم بالقضاء اشكال يحتاج

الى بسط في المقال و تأمل في المسألة.

الثالث- قد اشتهر بينهم حتى صار كالأصول المسلمة أن أدلة الحرج

لمكان ورودها في مقام الامتنان و بيان توسعة الدين لا تدل الا على نفى الوجوب، و لا يستفاد منها عدم الجواز فالتيمم فيما نحن فيه إذا ثبت تشريعه بدليل نفى الحرج رخصة لا عزيمة، فلو تحمل المكلف المشقة الرافعة للتكليف و توضأ و اغتسل لم يرتكب محذورا و صحت طهارته، و لا توجب حكومة أدلة الحرج على الأدلة الأولية، و تخصيصها بغير مورد الحرج بطلان العبادة، و لو قلنا بعدم بقاء الجواز، لأن غاية ذلك عدم بقاء الحكم الشرعي على جواز المائية، لكي لا يقتضي ذلك رفع مقتضى الطلب و محبوبية الفعل، و هو يكفي في صحة العبادة كما قرر في مبحث الضد.

فهاهنا مقامان من البحث: أحدهما: أن المستفاد من الأدلة هل هو السقوط على نحو العزيمة أو الرخصة؟ و ثانيهما: انه لو خالف و اتى بما فيه الحرج بطلت عبادته أولا؟ و لا ملازمة بينهما كما سيأتي في الأمر الرابع البحث عنه و عن المقام الثاني.

اما المقام الأول: فغاية ما يدعى عدم دلالة قوله «مٰا جَعَلَ عَلَيْكُمْ فِي الدِّينِ مِنْ حَرَجٍ» على كون الرفع على وجه العزيمة. و اما الدلالة على كونه على وجه

كتاب الطهارة (للإمام الخميني، ط - القديمة)، ج 2، ص: 58

الرخصة فلا، فلو دل دليل على كونه على وجه العزيمة لا يعارضه ذلك و يمكن استفادة العزيمة من قوله تعالى وَ مَنْ كٰانَ مَرِيضاً أَوْ عَلىٰ سَفَرٍ فَعِدَّةٌ مِنْ أَيّٰامٍ أُخَرَ يُرِيدُ اللّٰهُ بِكُمُ الْيُسْرَ وَ لٰا يُرِيدُ بِكُمُ الْعُسْرَ فان اللّٰه تعالى إذا أراد بنا اليسر في أحكامه لا يجوز علينا مخالفة إرادته بإيقاع العسر على أنفسنا. فكما انه لو أراد

منا شيئا لا يجوز لنا التخلف عن إرادته تعالى، كذلك لو أراد في حقنا شيئا لا يجوز التخلف عنها خصوصا مع وقوعه في ذيل قوله «مَنْ كٰانَ مَرِيضاً أَوْ عَلىٰ سَفَرٍ» حيث يكون الصوم على المسافر بل المريض الذي يضر به الصوم حراما، و يكون السقوط عنهما على سبيل العزيمة، فدلت الآية على ان إرادته تعالى اليسر في سائر الموارد التي تشملها بالإطلاق كارادته في صيام المسافر و المريض، و التفكيك بينهما غير جائز إلا مع قيام دليل في مورد فان قوله «يُرِيدُ اللّٰهُ بِكُمُ الْيُسْرَ» كالتعليل لرفع الصوم من المسافر و المريض، و لا يصح التعليل بشي ء ظاهر في عدم الإلزام على أمر إلزامي، فلا يمكن ان يقال إلزامية الإرادة فيهما تفهم من الخارج.

فان قلت: يستفاد عدم الجواز في المريض و المسافر من قوله «فَعِدَّةٌ مِنْ أَيّٰامٍ أُخَرَ» فأوجب تعالى بمجرد السفر و المرض عدة من غير أيام شهر رمضان.

قلت: مضافا الى ان مجرد جعل عدة أخر لا يدل على حرمة صوم شهر رمضان انه لو دل عليه يوجب تأكد المطلوب، بأن إرادة اليسر إلزامية و انها في سائر الموارد كارادته في الموردين.

و تدل على العزيمة أيضا رواية يحيى بن أبى العلاء عن أبى عبد اللّٰه عليه السّلام «قال:

الصائم في السفر في شهر رمضان كالمفطر فيه في الحضر، ثم قال: ان رجلا اتى النبي صلّى اللّٰه عليه و آله فقال: يا رسول اللّٰه أصوم شهر رمضان في السفر؟ فقال: لا فقال: يا رسول اللّٰه انه علىّ يسير؟ فقال رسول اللّٰه صلّى اللّٰه عليه و آله: ان اللّٰه تصدق على مرضى أمتي و مسافريها بالإفطار في شهر رمضان أ يحب أحدكم لو تصدق بصدقة أن

ترد عليه صدقته؟» «1» لان استشهاد

______________________________

(1) الوسائل أبواب من يصح منه الصوم، ب 1 ح 5.

كتاب الطهارة (للإمام الخميني، ط - القديمة)، ج 2، ص: 59

أبي عبد اللّٰه عليه السّلام فيها لقوله: «الصائم في السفر» إلخ بقول رسول اللّٰه صلّى اللّٰه عليه و آله دليل على ان رد صدقته تعالى غير جائز، و الا لما صح الاستشهاد للقول بالحرمة بأمر لا يكون محرما، مع ان رد الصدقة مبغوض و ثقيل على النفوس الشريفة فيكون قوله: «أ يحب أحدكم» إلخ تقريبا لمبغوضيته عند اللّٰه بما هو مبغوض عندهم، و ليس المراد من قوله: «أ يحب أحدكم» رفع محبوبيته الأعم من المبغوضية، بل الظاهر من مثله حصول المبغوضية كقوله تعالى أَ يُحِبُّ أَحَدُكُمْ أَنْ يَأْكُلَ لَحْمَ أَخِيهِ مَيْتاً فتدل الرواية على ان رد صدقته تعالى و هديته مبغوض محرم، و لا شبهة في ان الرفع بدليل نفى الحرج صدقة من اللّٰه تعالى و تفضل على الأمة و هدية منه تعالى لهم كما هو مقتضى الامتنان و يدل عليه بعض الروايات.

و في موثقة السكوني عن جعفر بن محمد عن أبيه عليه السّلام «قال: قال رسول اللّٰه صلّى اللّٰه عليه و آله:

ان اللّٰه عز و جل اهدى الىّ و الى أمتي هدية لا يهديها الى أحد من الأمم كرامة من اللّٰه لنا، فقالوا:

ما ذاك يا رسول اللّٰه؟ قال: الإفطار في السفر و التقصير في الصلاة فمن لم يفعل فقد ردّ على اللّٰه عز و جل هديته» «1» تدل على ان وجه حرمة الصوم في السفر و إتمام الصلاة هو كونه ردّ هدية اللّٰه تعالى.

و يؤيد المطلوب ما عن تفسير العياشي عن عمرو بن مروان الخزاز «قال: سمعت أبا

عبد اللّٰه عليه السّلام يقول: قال رسول اللّٰه صلّى اللّٰه عليه و آله: رفعت عن أمتي أربع خصال ما اضطروا اليه و ما نسوا و ما أكرهوا عليه و ما لم يطيقوا، و ذلك في كتاب اللّٰه قوله: ربنا لا تؤاخذنا إن نسينا أو أخطأنا ربنا و لا تحمل علينا إصرا كما حملته على الذين من قبلنا ربنا و لا تحملنا ما لا طاقة لنا به، و قول اللّٰه إِلّٰا مَنْ أُكْرِهَ وَ قَلْبُهُ مُطْمَئِنٌّ بِالْإِيمٰانِ» «2» حيث ذكر الآية المربوطة بالتقية في سياق حديث الرفع، مع ان التقية واجبة ليس للمكلف تركها كما قررناه في رسالة مفردة في التقية، فتشعر الرواية بأن الرفع عن الأمة في موارده

______________________________

(1) الوسائل أبواب صلاة المسافر: ب 22، ح 11.

(2) الوسائل أبواب الأمر و النهى: ب 25، ح 9.

كتاب الطهارة (للإمام الخميني، ط - القديمة)، ج 2، ص: 60

على نحو العزيمة، كما تشعر به ما عن الطبرسي في الاحتجاج عن الكاظم عليه السّلام و الرواية طويلة جدا و فيها عدّ عدة موارد رفعت الآصار عن الأمة بدعاء رسول اللّٰه صلّى اللّٰه عليه و آله و هو قوله: ربنا و لا تحمل علينا إصرا كما حملته على الذين من قبلنا.

منها: رفع قرض أذى النجاسة من أجسادهم و جعل الماء طهورا للأمة.

و منها رفع الصلوات المفروضة على سائر الأمم في ظلم الليل و انصاف النهار و جعلها في أطراف الليل و النهار و في أوقات نشاطهم.

و منها رفع خمسين صلاة و جعل الخمس في أوقات خمسة فيستشعر ان ما رفع عن الأمة من التكاليف مثل تلك الموارد ليس لهم التكلف بإتيانها.

فتحصل من جميع ذلك ان ثبوت الترابية و سقوط المائية

انما هو على وجه العزيمة و ليس للعبد اختيار المائية، اما لأجل إرادة اللّٰه التوسيع على العباد، و اما لأجل انطباق عنوان رد الهدية على الإتيان بها، و اما لأجل حرمة الرد لا حرمة المائية لكن لأجل اتحادهما في الخارج يتعين عليه الترابية، و سيأتي في الأمر الآتي الفارق بين الاحتمالات و ما هو الأظهر بينها.

ثم من المحتمل ان يكون رفع الحرج عن العباد و ارادة التوسيع عليهم لا لصرف الامتنان عليهم حتى يقال: انه لا يقتضي الإلزام أو لا يناسبه، بل لانه تعالى لا يرضى بوقوع عباده في المشقة و الحرج كالأب الشفيق الذي لا يرضى بوقوع ابنه المحبوب في الحرج و لو باختياره فيمنعه إشفاقا عليه.

و يحتمل ان يكون رفع الحرج في عباداته و من قبله لعدم رضائه بوقوع العبيد في المشقة من ناحيتها، لكونه مظنة لانزجارهم عنها فينتهي الى ادبار نفوسهم عن عبادة اللّٰه و دينه و هو أمر مرغوب عنه.

ففي رواية عمرو بن جميع «قال: قال رسول اللّٰه صلّى اللّٰه عليه و آله: يا على ان هذا الدين متين فأوغل فيه بالرفق و لا تبغض الى نفسك عبادة ربك ان المنبت يعنى المفرط لا ظهرا أبقى و لا أرضا قطع» «1».

______________________________

(1) الوسائل أبواب مقدمة العبادات، ب 26، ح 7.

كتاب الطهارة (للإمام الخميني، ط - القديمة)، ج 2، ص: 61

و عن أبى عبد اللّٰه عليه السّلام بسند صحيح «قال: لا تكرهوا على أنفسكم العبادة» «1» و لا يبعد عدم جواز ذلك إذا كانت مخافة الوقوع في الانزجار من دين اللّٰه و العياذ باللّه.

و اما ما ورد من بعض الأئمة المعصومين عليهم السلام من إيقاع المشقة على نفوسهم الشريفة فلأنهم مأمونون من خطوات

الشيطان و خطراته و اما سائر الناس فانى لهم بالعلم أو الاطمئنان من الأمن من كيده و وسوسته، بل لنفوسهم الشريفة مقامات من الحب الى عبادة اللّٰه و الاشتياق الى لقاء اللّٰه ربما لا يكون ما هو مشاق على سائر النفوس مشقة عليهم بل لهم لذات في عباداتهم و رياضاتهم كما هو معلوم رزقنا اللّٰه تعالى الاقتداء بهم، و قد خرج الكلام من طرز البحث الفقهي الى واد يتحير فيه العقول، مع ان ما ورد من تحمل المشاق منهم انما هو في المستحبات دون الواجبات، و ما ورد في غسل أبى عبد اللّٰه عليه السّلام في ليلة باردة قد مر الكلام فيه، و في المستحبات كلام آخر، و لا يبعد عدم شمول أدلة الحرج لها لعدم حرجية الأمر الاستحبابي. تأمل، هذا كله في مورد الحرج.

و اما سائر الموارد فالميزان في كون التيمم متعينا و سقوط المائية على وجه العزيمة هو لزوم محذور شرعي من الوضوء و الغسل، و لو لم يلزم منه حرمتهما كما لو كان في التوصل الى الماء خوف التلف كما إذا خاف من السبع أو السقوط في البئر فتلف أو خاف من استعمال الماء العطش المهلك أو خاف الهلاكة من البرد أو المرض أو غير ذلك أو لزم منه ارتكاب محرم كالوضوء من آنية الذهب أو الفضة، أو المرور من طريق مغصوب أو ترك واجب كإنقاذ نفس محترمة أو لزم منه فوت الوقت الى غير ذلك، و لا اشكال فيما إذا أحرز المحذور الشرعي.

نعم في بعض موارد الضرر على النفس كلزوم طول المرض أو حدوث مرض غير مهلك أو الضرر على الجرح و القرح أو لزوم طول زمان البرء، أو لزوم ضرر

غير مهلك على النفس في طي الطريق الى الماء، أو خوفه من الموارد التي قد يتردد في قيام الدليل على الحرمة، هل يمكن استفادة تعين التيمم و كون سقوط المائية عزيمة من أدلة الباب أولا؟ لا يبعد ذلك من مجموع الروايات، فإن طائفة منها وردت فيما كان الغسل ضرريا

______________________________

(1) الوسائل أبواب مقدمة العبادات، ب 26، ح 2.

كتاب الطهارة (للإمام الخميني، ط - القديمة)، ج 2، ص: 62

كصحيحة محمد بن سكين عن أبى عبد اللّٰه عليه السّلام «قال: قيل له ان فلانا أصابته جنابة و هو مجدور فغسلوه فمات؟ فقال: قتلوه ألا سألوا، ألا يمموه؟ ان شفاء العي السؤال» «1» و قريب منها مرسلة ابن أبى عمير و رواية الجعفري عن أبي عبد اللّٰه عليه السّلام «قال: ان النبي صلّى اللّٰه عليه و آله ذكر له ان رجلا أصابته جنابة على جرح كان به فأمر بالغسل فاغتسل فكز فمات فقال رسول اللّٰه صلّى اللّٰه عليه و آله: قتلوه قتلهم اللّٰه انما كان دواء العي السؤال» «2».

و إطلاق هذه الروايات يقتضي شمولها لما إذا خاف على نفسه التلف أولا، بل لا يبعد خروج خوف التلف منها فإن أحدا من العقلاء لا يرتكب الاغتسال أو الأمر به عند خوف تلف النفس فيكون خوفه مفروض العدم، فتدل الروايات باشتمالها على اللوم الشديد و الدعاء على الأمر بالغسل و أنه إذا سألوا لكان الجواب تعين التيمم على كون السقوط عزيمة لا رخصة و الا لما توجه التقصير عليهم بعد كونه رخصة و الغسل جائزا.

و قوله: «قتلوه» لا يدل على انهم تعمدوا في قتله أو كان في معرض الموت، بل تصح النسبة بوجه لأجل انتهاء أمر الأمر إلى فوته و

لو لم يكن المفروض خوف الموت بل الظاهر منها ان التعبير و اللوم على الأمر بما هو خلاف حكم الشرع أو العمل على خلاف التكليف من غير دخالة للانتهاء الى الموت في ذلك.

و بالجملة بعد إطلاق الروايات لصورة عدم الخوف على الهلاك يستفاد منها تعين التيمم في مطلق الخوف على النفس، من غير فرق بين الجدري و الجرح و غيرهما كما لا يخفى.

و مثلها في الدلالة أو أدل منها صحيحة ابن أبى نصر عن الرضا عليه السّلام «في الرجل تصيبه الجنابة و به قروح أو جروح أو يخاف على نفسه من البرد؟ فقال: لا يغتسل و يتيمم» «3» و مثلها صحيحة داود بن السرحان عن أبي عبد اللّٰه عليه السّلام «4»

______________________________

(1) الوسائل أبواب التيمم، ب 5، ح 1.

(2) الوسائل أبواب التيمم، ب 5، ح 6.

(3) الوسائل أبواب التيمم، ب 5، ح 7.

(4) الوسائل أبواب التيمم، ب 5، ح 8.

كتاب الطهارة (للإمام الخميني، ط - القديمة)، ج 2، ص: 63

و الخوف على النفس من البرد اما ظاهر في خوف التلف أو أعم منه فشموله له هو القدر المتيقن، فحينئذ لا يمكن حمل النهى عن الاغتسال و الأمر بالتيمم على رفع الوجوب و الترخيص، بدعوى ان النهى في مقام توهم الوجوب و الأمر في مقام توهم الحظر، ضرورة انه مع الخوف على النفس من الهلاك لا يمكن الترخيص، و تجويز الإلقاء في الهلكة فلا أقل من كون المقام في نظر السائل من قبيل الدوران بين المحذورين لأجل خوف الضرر و التلف، فلا يرفع اليد معه عن ظاهر النهى و الأمر فحينئذ يقتضي ذكر القروح و الجروح مع خوف النفس ان يكون الأمر بالتيمم و النهى عن الغسل

في جميعها على نسق واحد و هو العزيمة.

و اما صحيحة محمد بن مسلم «قال: سألت أبا جعفر عليه السّلام عن الرجل يكون به القرح و الجراحة يجنب؟ قال: لا بأس بان لا يغتسل يتيمم» «1» و قريب منها روايته الأخرى- و الظاهر وحدتهما- لا تقاوم الروايات المتقدمة، فإن غاية ما في نفى البأس الاشعار بالترخيص لا الدلالة عليه، فنفى البأس انما هو لرفع توهم عدم جواز ترك الغسل، فهو نص في جواز ترك الغسل و اما لزوم التيمم و كونه على وجه العزيمة أو كونه على وجه الرخصة فلا تعرض فيها له لو لم نقل بظهورها في العزيمة أخذا بقوله «يتيمم» فلا يجوز رفع اليد عن ظاهر الأدلة به، مع ان كثيرا ما يعبر بمثله في مورد لزوم فعله كما في روايات التيمم بالطين إذا لم يجد غيره، كقول أبى جعفر عليه السّلام:

«إذا كنت في حال لا تجد الا الطين فلا بأس ان يتيمم به» «2» مع لزومه عند عدم وجدان غيره.

ثم ان هذه الطائفة و ان وردت في الغسل لكن يستفاد منها حكم الوضوء بلا ريب، فإن الأمر بالتيمم انما هو لخوف الضرر الأعم من الهلاك، فإذا خاف على نفسه في الوضوء كخوفه في الغسل بتعين التيمم، و يستفيد العرف من الروايات حكمه و لعل ذكر الغسل لأجل كون الخوف غالبا فيه.

______________________________

(1) الوسائل أبواب التيمم، ب 5، ح 5.

(2) الوسائل أبواب التيمم، ب 9، ح 3.

كتاب الطهارة (للإمام الخميني، ط - القديمة)، ج 2، ص: 64

و هنا طائفة أخرى من الروايات و هي ما وردت في مورد خوف العطش كموثقة سماعة «قال: سألت أبا عبد اللّٰه عليه السّلام عن الرجل يكون معه الماء في

السفر فيخاف قلته؟ قال: يتيمم بالصعيد و يستبقي الماء فان اللّٰه عز و جل جعلهما طهورا الماء و الصعيد» «1» و ما عن الحلبي «قال: قلت لأبي عبد اللّٰه عليه السّلام: الجنب يكون معه الماء القليل فان هو اغتسل به خاف العطش أ يغتسل به أو يتيمم؟ فقال: بل يتيمم و كذلك إذا أراد الوضوء» «2» و خوف القلة و العطش أعم من خوف الهلاك على نفس محترمة و غيره، و لا يكون الخوف من الهلاك في تلك الاسفار و تلك الأمكنة في تلك الأعصار بعيدا قليلا، (فح) تدل الروايتان على تعين التيمم و وجوب استبقاء الماء.

و اما صحيحة عبد اللّٰه بن سنان عن أبى عبد اللّٰه عليه السّلام «قال: ان خاف عطشا فلا يهريق منه قطرة و ليتيمم بالصعيد فان الصعيد أحب الىّ» «3» و رواية ابن أبى يعفور عنه عليه السّلام فيما إذا كان الماء بقدر شربه «قال: يتيمم أفضل الا ترى انما جعل عليه نصف الطهور» «4» فلا يراد بأفعل التفضيل إثبات الجواز و المحبوبية لإهراق الماء، فإنه مضافا الى ان خوف العطش أعم من خوف التلف و في فرضه لا يمكن تجويز الإهراق، بل في فرض حصول الحرج أيضا لا يكون الإيقاع في الحرج بإهراقه محبوبا كما عرفت ان قوله عليه السّلام «لا يهريق منه قطرة» لا يناسب إثبات الفضل لإهراق جميعه بالاغتسال، كما ان قوله في الثانية: «الا ترى انما جعل عليه نصف الطهور» المراد منه التيمم الظاهر في حصر جعل التيمم عليه لا يناسب كونه أفضل فردي التخيير، ثم انه لا يبعد استفادة حرمة إيقاع الضرر على النفس من مجموع الروايات في موارد متفرقة كأبواب الصوم الضرري و الوضوء

و الغسل و التيمم و غيرها.

الرابع هل يصح الوضوء أو الغسل في موارد تعين عليه التيمم؟
اشارة

لا بد من البحث أولا

______________________________

(1) الوسائل أبواب التيمم، ب 25، ح 3.

(2) الوسائل أبواب التيمم. ب 25، ح 2.

(3) الوسائل أبواب التيمم، ب 25، ح 1.

(4) الوسائل أبواب التيمم، ب 5، ح 4.

كتاب الطهارة (للإمام الخميني، ط - القديمة)، ج 2، ص: 65

على مقتضى القواعد ثم النظر في مقتضى الأدلة الخاصة.

فنقول: لا إشكال في صحتهما إذا كان التعين لأجل توقفهما على مقدمة محرمة كطيّ طريق مغصوب أو مخوف، فلو عصى و أتى الماء تجب عليه المائية و صحت، و اما إذا كان المحرم من العناوين المتحدة مع فعلهما.

فقد يقال: بالبطلان بدعوى ان الفعل الخارجي الذي تعلق به النهى و صح العقاب عليه لا يعقل أن يقع عبادة لتوقفها على الأمر الممتنع تعلقه بالمنهي عنه لتعذر الامتثال، و لكون النهي ناشيا عن قبح الفعل بلحاظ مفسدته الملزمة القاهرة المقبحة له، فيقبح الأمر بإيجاده.

و فيه أن هذه الدعوى تنحل الى دعويين: إحديهما امتناع تعلق الأمر و النهى بالفعل الخارجي اما لأجل الامتناع الذاتي للتضاد بينهما أو العرضي لأجل تعذر الامتثال «و فيها» انه قد فرغنا من جواز اجتماع الأمر و النهى، و قلنا بأن الأوامر و النواهي متعلقة بالطبائع لا المصاديق الخارجية، بل و لا الوجودات العنوانية، فموضوع تعلق كل غير الآخر في وعاء تعلقهما، و ظرف اتحاد المتعلقين هو الخارج، و لا يمكن ان يكون ظرف تعلقهما للزوم طلب الحاصل و الزجر عنه و هو محال فقوله: الفعل الخارجي الذي تعلق به النهي، ان كان المراد ظاهره فهو كما ترى، فان الفعل لا يصير خارجيا الا بتحققه و وجوده، و بعده لا يمكن تعلق الأمر و النهى عليه، و

ان كان المراد الوجود العنواني كما لا يبعد فمع كونه خلاف التحقيق لا يلزم منه الامتناع، لان الوجود العنواني للمنهى عنه لا يتحد مع الوجود العنواني للمأمور به، و انما اتحدا في المصداق الخارجي.

و الحاصل ان هاهنا أمورا: الأول، ماهية الوضوء و الغسل و طبيعتهما، و ماهية الغصب و التصرف في مال الغير، الثاني: الوجود العنواني للقبيلتين و الثالث: الإيجاد العنواني لهما و الرابع: الوجود الخارجي العيني أو الإيجاد الخارجي.

لا إشكال في عدم لزوم الامتناع للتضاد إذا تعلق الأمر و النهى بالماهيات و الطبائع كما هو الحق المحقق في محله، مع ذب ما يتخيل من الاشكال فيه لاختلافهما ذاتا، و

كتاب الطهارة (للإمام الخميني، ط - القديمة)، ج 2، ص: 66

كذا لو تعلقا بالوجود العنواني أو الإيجاد كذلك لأنهما مفهوم الوجود و الإيجاد المضاف الحاكي عن المعنون، و المفهومان مختلفان متغايران في وعاء المفهومية لا اتحاد بينهما، هذا مضافا الى ان تعلقهما بهما خلاف التحقيق. فلا يبقى الا الوجود و الإيجاد أي الخارجيين المتحدين، و المتحد معهما كل العناوين الصادقة عليهما، و لا ريب في امتناع تعلقهما بهما.

لا يقال: ان الوجودات العنوانية بل نفس الطبائع إنما تصير متعلقة للأمر و النهى حال كونها مرآة للخارج لعدم تعقل تعلقهما بالوجود الذهني بما هو كذلك، و لا بالماهية من حيث هي، فإنها ليست إلا هي فمع المرآتية لا يمكن اجتماعهما للتضاد أو لرؤيته.

فإنه يقال: مضافا الى امتناع تعلقهما بالعناوين المرآتية ان أريد تعلقهما بالمرئى دون المرآة لعين ما ذكر آنفا، ان كان للمرئى وجود و حقيقة، و الا فلا محالة يتعلق بعنوان لا وعاء له الا الذهن و في هذا الوعاء لا يتحدان واقعا و لا في

نظر المولى حتى يلزم منه محذور ان العناوين المرآتية لا يمكن ان تحكي إلا عن نفس الطبائع بوجودها الخارجي، لا عن مقارناتها و متحداتها، فعنوان الصلاة لا يمكن الحكاية عن الغصب أو الصلاة في الدار المغصوبة لعدم التناسب الحقيقي و لا الجعلي بينهما، و لا يمكنه ان يكون المرئي مغايرا ذاتا لمرآته و المحكي لحاكيه.

و التحقيق ان متعلقهما هو نفس الطبائع و الماهيات من حيث هي، و الهيئة دالة وضعا أو عقلا على الإيجاد لتحصيل المكلف الوجود الخارجي و التفصيل موكول الى محله، و مما ذكرنا يظهر بطلان دعوى الامتناع عرضا لتعذر الامتثال، ضرورة إمكانه بعد كون الطبائع مأمورا بها و منهيا عنها و سيأتي ما في توهم تعذره عن قريب.

و الدعوى الثانية أنه يقبح الأمر بإيجاد ما هو القبيح فإن النهي ناش عن قبح الفعل بلحاظ مفسدته فالفعل قبيح، و لا يمكن أن يتعلق الأمر بما هو قبيح.

و فيها ان الأمر متعلق بطبيعة المأمور به و هي حسن، و لا يتعلق بالغصب و لا بالوجود الخارجي المتحد معه حتى يكون قبيحا، و لا يمكن أن يتعدى كل من الأمر و النهى عن

كتاب الطهارة (للإمام الخميني، ط - القديمة)، ج 2، ص: 67

متعلقهما الى مقارناته و متحداته، فالأمر بالوضوء ليس إلا أمرا بهذه الطبيعة و هي ليست بمنهي عنها. و لا مشتملة على مفسدة حتى يكون التعلق بها قبيحا و الظاهر ان الدعويين نشأتا من مبدأ واحد هو الخلط بين متعلقات الأوامر و النواهي، و قد تقرر الدعوى بأن إيجاد الفرد الخارجي يعرضه صفة الحسن أو القبح باعتبار جهته القاهرة، فلا يكون ما يوجده المكلف من حيث صدوره منه الا حسنا أو قبيحا على

سبيل منع الجمع، لامتناع توارد الوصفين المتضادين على الفعل الخاص الصادر من المكلف من حيث صدوره منه الذي لا يتصف بشي ء من الوصفين الا من هذه الحيثية، فالفرد الخارجي من الصلاة الذي يتحقق به الغصب المحرم على الإطلاق يمتنع أن يطلبه الشارع، فإن الأمر بشي ء في الجملة ينافي النهي عنه على الإطلاق.

و فيها ان هذه الدعوى أيضا تنحل الى دعويين، إحديهما: و هي التي ذكرها أخيرا ترجع الى امتناع تعلق الطلب بشي ء في الجملة مع تعلق النهى عنه مطلقا، و قد مر مورد الخلط فيها و قلنا: ان الأمر لا يمكن ان يتعلق بغير عنوان متعلقه و هو الصلاة في المثال، كما ان النهى أيضا لا يمكن ان يتعلق بغير عنوان الغصب، فلا يتحد المتعلقان في وعاء التعلق و الخارج ليس وعائه.

و ثانيتهما: ان الفعل الخارجي لا يمكن ان يكون حسنا و قبيحا، لأنهما وصفان متضادان لا يمكن تواردهما على الفعل الخاص الصادر من المكلف، و فيها ان الحسن و القبح ليسا من الاعراض و الكيفيات الخارجية الحالة في الموضوع كالسواد و البياض حتى لا يكفى اختلاف الجهة في رفع التضاد بينهما، فقبح الظلم لا يكون له صورة خارجية حالة في الجسم، بل هو أمر عقلي منتزع من التصرف عدوانا في مال الغير، أو من قتل نفس محترمة عدوانا مثلا، و كذا حسن العدل ليس من الاعراض الخارجية بل من الانتزاعيات فيمكن ان يكون شي ء خارجي ذا عناوين حسنة و قبيحة، فالفعل الخاص الخارجي ليس قبحه لأجل كونه من مقولة خاصة، أو كونه صادرا من فاعل كذا أو في وقت كذا أو حال في محل كذا مع ان كلها عناوين متحدة معه بل انما هو

لأجل كونه

كتاب الطهارة (للإمام الخميني، ط - القديمة)، ج 2، ص: 68

ظلما و عدوانا، فإذا لم يسر قبحه إلى سائر الجهات و بقيت هي على ما هي عليها بلا اقتضاء الحسن و القبح، يعلم ان القبح لا يسرى من عنوانه و حيثيته إلى حيثية أخرى و عنوان آخر و كذا الحسن.

فلا مانع من أن يكون عنوان الحسن و القبح صادقين على موجود خارجي، فيكون حسنا بوجه و قبيحا بوجه، و الجهات في العقليات تقييدية فتكون الحيثيات بما هي موضوعة للحسن و القبح، فالصلاة في الدار المغصوبة حسنة بما هي صلاة ليست الا، و الغصب في حال الصلاة قبيح ليس الا، من غير سراية ما لكل عنوان و حيثية إلى عنوان آخر و حيثية أخرى.

و مما ذكرنا يظهر النظر فيما يقال بوقوع الكسر و الانكسار في الجهات المقتضية و بعد قاهرية جهة يتمحض الفعل في الجهة القاهرة، فإذا كانت مقبحة يتمحض في القبح فقط، فالفعل الخاص الصادر من المكلف لا يكون الا حسنا أو قبيحا على سبيل منع الجمع و ذلك لما عرفت من ان الفعل الخارجي مجمع لعناوين و له جهات فإذا فرض في إحدى عناوينه جهة مقبحة و في الأخرى جهة محسنة و فرض غلبة المقبحة على المحسنة، لا توجب خروج الجهة المحسنة عن كونها جهة محسنة، لان معنى قاهرية احدى الجهتين ليس سراية القبح منها إلى الجهة التي هي حسنة، بل لا يكون الا كتقديم الأهم على المهم، و الفارق الذي بينهما ليس فارقا من الجهة المنظورة عقلا، لأن شأن العقل تحليل الجهات و تكثير الحيثيات و عدم الإهمال فيها.

و بالجملة: لا يعقل أن تكون نتيجة الكسر و الانكسار إعدام الجهة المقهورة،

فما فيه الجهتان يكون كل منهما ممحضا فيما هو شأنه فالوضوء من الماء المغصوب و الصلاة في الدار المغصوبة مع قاهرية حيثية الغصب على حيثيتهما، لا يمكن ان يخرجا من الجهة المحسنة التي فيهما بعنوانهما و حيثيتهما الذاتية، و ان حكم العقل بلزوم تركهما و الأخذ بما هو ذو جهة قاهرة.

و نحن الان بصدد بيان مقتضى حكم العقل لا الترجيحات التي وقعت من الشارع

كتاب الطهارة (للإمام الخميني، ط - القديمة)، ج 2، ص: 69

في مقام التشريع، بل الكلام بعد التشريع على العناوين و اتفاق اتحادها في الخارج فلا يرد علينا الإشكال بأن الشارع إذا رجح احدى الجهتين على الأخرى في مقام التشريع ليس للمكلف الأخذ بالجهة المرجوحة، فليس النظر بقاهرية بعض الجهات على بعضها في مقام تشريع الاحكام، بل في القاهرية التي يدركها العقل بعد التشريع في إحدى التكليفين، و التحقيق فيها ما عرفت.

و بالتأمل فيما ذكرنا ينحل سائر الشبهات كامتناع كون شي ء واحد شخصي مقربا و مبعدا و ذا مصلحة و مفسدة الى غير ذلك، كما انه مما ذكرنا ظهر وجه الصحة في المسألة الأخرى، و هي ما إذا توقف فعل الوضوء أو الغسل على مقدمة مقارنة محرمة بل الأمر هاهنا أوضح، فان ذات الوضوء و الغسل لا تتحدان مع المحرم حتى يأتي فيه بعض ما تقدم مع جوابه.

نعم قد يقال هاهنا: بان الأمر بما يتوقف على القبيح قبيح، كالأمر بالقبيح بل هو هو، فان الأمر بالشي ء يقتضي إيجاب ما يتوقف عليه، و لا أقل من أنه يقتضي جوازه و المفروض حرمة المقدمة فيمتنع أن يكون ما يتوقف عليه واجبا، و فيه: انه ان أريد بالامتناع ما يلزم من اجتماع الأمر و النهى،

فمع الغض عن عدم وجوب المقدمة انه قد ذكرنا في محله ان ما هو الواجب على فرضه هو المقدمة الموصلة بما هي كذلك أي حيثية ما يتوصل به الى ذي المقدمة فيكون الوجوب متعلقا على هذا العنوان لا ذات المقدمة و لا عنوان ما يتوقف عليه ذو المقدمة و قد دفعنا الإشكالات التي أوردوها على صاحب الفصول (ره) و نقحنا مقصده بما لا مزيد عليه فراجع.

(فح) نقول: ان ما يتعلق به الأمر الغيري ليس هو عنوان الاغتراف، و لا الاغتراف الذي هو موصل بل عنوان الموصل بما هو كذلك، و هو متحد الوجود مع الاغتراف الخارجي المتحد مع كونه من الآنية المغصوبة أو آنية الذهب و الفضة، و ما هو المحرم هو عنوان التصرف في مال الغير بلا اذنه و استعمال الآنيتين المتحن في الخارج، فيندفع الاشكال بما دفعناه في المسألة الاولى.

كتاب الطهارة (للإمام الخميني، ط - القديمة)، ج 2، ص: 70

و بما ذكرنا يظهر دفع توهم قبح تعلق الأمر على ما يتوقف على مقدمة محرمة، لمنع القبح على فرض، و منع التعلق على آخر يتضح بالتأمل فيما مر فلا نعيده، و اما سائر الإشكالات المتقدمة فلا يتأتى فيها.

و قد يقال: بعدم إمكان تصحيح الوضوء المتوقف على الاغتراف من الآنية المغصوبة لاشتراط تحققه في الخارج بقصد حصول عنوانه، بداعي التقرب فيكون القصد المحصل لعنوانه من مقومات ماهية المأمور به، فيشترط فيه عدم كونه مبغوضا للشارع، فغسل الوجه انما يقع جزء من الوضوء إذا كان الآتي به بانيا على إتمامه وضوءا و هذا البناء ممن يرتكب المقدمة المحرمة قبيح يجب هدمه، و العزم على ترك الوضوء بترك الغصب فلا يجوز ان يكون هذا العزم من مقومات

العبادة، بل العزم على ذي المقدمة عزم على إيجاد مقدمته إجمالا، ولدي التحليل لا انه موقوف عليه.

و فيه: ان ما هو القبيح العزم على الغصب لا العزم على إتمام الوضوء، و حكم العقل بلزوم ترجيح جانب الغصب و هدم العزم ليس لأجل كون الوضوء أو عزمه قبيحا أو حراما، بل لأجل ترجيح الأهم، فما هو من مقومات ماهية الوضوء هو العزم على الوضوء، متقربا به الى اللّٰه لا العزم على المعصية و التصرف في الانية المغصوبة و ما هو قبيح يجب هدمه هو هذا العزم لا الأول، فلو فرض تحليل العزم الى العزم على التصرف عدوانا، و العزم على الوضوء يكون الأول قبيحا دون الثاني، و لزوم هدم الثاني عقلا ليس لقبحه، و عدم إمكان وقوعه مقوما لماهية العبادة، بل لاتحاده مع الأول و حكم العقل بالترجيح.

هذا مع ان ما ذكره أخيرا من ان العزم على ذي المقدمة عزم على مقدمته إجمالا ولدي التحليل لا يمكن مساعدته، ضرورة ان العزم و الإرادة و غيرهما من الأوصاف ذات الإضافة انما يكون تشخصها بمتعلقاتها، و مع كثرة المتعلقات لا يمكن وحدتها فالعزم المتعلق على الكون على السطح لا يمكن أن يصير متشخصا الا بالوجود العنواني، لذلك العنوان لا العنوان الأخر، و لا يمكن أن يكون الوجودان

كتاب الطهارة (للإمام الخميني، ط - القديمة)، ج 2، ص: 71

مشخصا لإرادة واحدة.

مضافا الى ان مبادي ارادة ذي المقدمة غير مبادي ارادة مقدمته، فارادة ذي المقدمة موقوفة على تصوره و التصديق بفائدته إلى آخر المبادي، و ارادة المقدمة موقوفة على تصورها و تصور توقف ذي المقدمة عليها و كونها موصلة اليه، و التصديق به الى آخرها فلا معنى لانحلال ارادة ذي

المقدمة إلى إرادتها و هو معلوم جدا، فإذا اختلفت الارادتان لا يبقى مجال للقول بقبح العزم على إتمام الوضوء، و لو فرض لزوم ارادة اخرى بمقدماتها على حصول المعصية.

و بما ذكرنا ظهر فساد ما ربما يقال: لا يعقل الأمر بالوضوء مع المقدمة المحرمة المنحصرة، للزوم الأمر بما يلازم الحرام و هو قبيح، بل محال مع بقاء النهى على فعليته كما هو المفروض، لما عرفت من تعلق الأمر و النهى على العناوين، و عدم سراية حكم كل على الأخر و ان اتحدا في الخارج، و لا يكون الحاكم ناظرا في مقام جعل الحكم الى حال الخارج و حال مقارنات الموضوع في ظرفه، و كيفية الامتثال، و ترجيح الراجح على المرجوح، بل الحاكم فيها هو العقل، بل لو ورد حكم في هذا المقام من الشارع لا يكون إلا إرشادا بحكم العقل أو إرشادا، بأهمية أحد التكليفين.

نعم إذا كان بين العنوانين تلازم لا يمكن جعل الحكمين المتضادين عليهما لامتناع الامتثال و لكنه خارج عن محط البحث.

ثم انه قد يقال في تصوير الأمر بالوضوء في المقدمة المقارنة بالترتب لا بان يكون العصيان الخارجي شرطا فيه، لأنه متأخر عن الشروع في الفعل، و يمتنع تقدم المعلول على علته، و لا بأن يكون العزم على المعصية شرطا للوجوب، فان العزم عليها لا يبيحها و لا يخرج فعلها من كونه مقدمة لإيجاد ذي المقدمة حتى يتنجز التكليف به على تقدير حصول العزم، بل يجب عليه نقض العزم و ترك المحرم لا إيجاد ما يقتضيه بل عنوان كونه عاصيا في الواقع شرط، بمعنى ان الطلب الشرعي

كتاب الطهارة (للإمام الخميني، ط - القديمة)، ج 2، ص: 72

تعلق بمن يعصى في فعل المقدمة، و

يقدر على إيجاد المأمور به، فعزمه على المعصية طريق لإحراز كونه من مصاديق هذا العنوان من دون أن يجب عليه تحصيله.

و فيه: ان كشفه عن تحقق عنوان كونه ممن يعصى من عزمه المعصية لا يوجب سقوط النهى المتعلق بالمقدمة، و مع تحقق النهي الفعلي لا يمكن الأمر بها بناء على هذا النبي فكما ان العزم على المعصية لا يبيحها و يجب عليه نقضه و ترك المعصية، كذلك العزم الكاشف عن المعصية، و كذا صدق عنوان كونه ممن يعصى لا يوجبان إباحتها و سقوط النهى، بل يجب عليه نقض العزم و هدم العنوان.

و بالجملة إذا كان القبيح أو الممتنع تعلق الأمر بالوضوء اللازم منه تعلق الأمر بمقدماته المحرمة أو تجويزها، لا يمكن التخلص عنهما في المقدمات المقارنة بالترتب، سواء جعل الشرط المعصية أو عزمها أو عنوان من يعصى، لكن التحقيق، ما عرفت من دون لزوم تكلف.

و مما ذكرنا يظهر الحال في مسألة اخرى و هي ما إذا زاحمت الطهارة المائية واجبا أهم لا لأجل الترتب المعروف الذي فرغنا عن إبطاله في الأصول، بل لأجل عدم امتناع تعلق الأمرين على عنوانين متزاحمين في الوجود، سواء كانا من قبيل الأهم و المهم أولا، لأن الأوامر متعلقة على نفس الطبائع من غير سراية إلى الخصوصيات الفردية، و ان الإطلاق بعد تمامية مقدماته ليس كالعموم في تعلق حكمه على الافراد، بل مقتضاه بعدها كون نفس الطبيعة تمام الموضوع بلا دخالة شي ء آخر من الخصوصيات الفردية و الحالات الطارية. و ان الأدلة غير ناظرة الى حال التزاحمات و لا حال علاجها، فإطلاق دليل المتزاحمين شامل لحال التزاحم من غير ان يكون ناظرا الى التزاحم و علاجه و ان الاحكام القانونية تعم

العاجز و القادر و العالم و الجاهل من غير تقييد لحال دون حال، و ان الأمر بكل من المتزاحمين أمر بالمقدور و الجمع غير مقدور، و هو ليس بمأمور به ففي المتزاحمين أمر ان كل تعلق بمقدور لا أمر واحد بالجمع الذي هو غير مقدور.

كتاب الطهارة (للإمام الخميني، ط - القديمة)، ج 2، ص: 73

فتحصل من تلك المقدمات التي فصلناها في محله ان لدليل المتزاحمين إطلاقا يشمل حال التزاحم من غير تقييد، و انما يحكم العقل بلزوم الأخذ بالأهم و ترك المهم مع كونه مأمورا به، فيكون المكلف بحكم العقل معذورا في ترك التكليف الفعلي بالاشتغال بالأهم و مع ترك الأهم و الإتيان بالمهم أتى بالمأمور به و يثاب عليه، و لم يكن معذورا في ترك الأهم فيستحق العقوبة على تركه، و مع تركهما يستحق العقوبة عليهما لتركه كلا من التكليفين المقدورين بلا عذر و التفصيل يطلب من محله.

ثم ان الصحة لا تتوقف على تصوير الأمر بل تصح العبادة مع عدمه، بل لا يبعد القول بها مع الالتزام بكون الأمر بالشي ء يقتضي النهي عن ضده لعدم اقتضاء النهي الغيري الفساد، و كيف كان لا إشكال في صحة الوضوء مع الابتلاء بالمزاحم.

هذا كله حال تلك المسائل من ناحية حكم العقل و اما حالها بالنظر الى الأدلة النقلية فلا بد لبيانها من إفراز بعض المسائل التي وردت فيها النصوص:

المسألة الاولى: الأقرب بطلان الوضوء و الغسل

في الموارد التي سقطا بدليل العسر و الحرج، و الدليل عليه التعليل المستفاد من الآية الكريمة الواردة في الصوم قال تعالى شَهْرُ رَمَضٰانَ الَّذِي أُنْزِلَ فِيهِ الْقُرْآنُ هُدىً لِلنّٰاسِ وَ بَيِّنٰاتٍ مِنَ الْهُدىٰ وَ الْفُرْقٰانِ فَمَنْ شَهِدَ مِنْكُمُ الشَّهْرَ فَلْيَصُمْهُ وَ مَنْ كٰانَ مَرِيضاً أَوْ عَلىٰ سَفَرٍ فَعِدَّةٌ

مِنْ أَيّٰامٍ أُخَرَ يُرِيدُ اللّٰهُ بِكُمُ الْيُسْرَ وَ لٰا يُرِيدُ بِكُمُ الْعُسْرَ و المحتمل بحسب التصور أن يكون مفادها حرمة صوم المريض و المسافر لجهة ارادة اليسر أو لجهة عدم إرادة العسر و أن يكون إبقاء اليسر و عدم هدمه واجبا، لا عنوان الصوم العسير حراما و ان يكون إيقاع العسر على النفس حراما بعنوانه، فعلى الاحتمالين الأخيرين لا يلزم بطلان الصوم لما مر من عدم بطلان العبادة المتحدة مع عنوان محرم، و كذا إذا كانت العبادة ضد الواجب، و على الاحتمال الأول يقع باطلا لتعلق الحرمة بنفس العبادة، و هنا بعض احتمالات أخر منفي بما يأتي.

و الأقرب من بينها هو الاحتمال الأول، اما لمفهوم قوله فَمَنْ شَهِدَ مِنْكُمُ

كتاب الطهارة (للإمام الخميني، ط - القديمة)، ج 2، ص: 74

الشَّهْرَ فَلْيَصُمْهُ بناء على كون مفهومه و من لم يشهد فلا يصمه، و أصل المفهوم و كذا كونه كذلك و ان كان محل مناقشة في الأصول، لكن لا يبعد مساعدة العرف عليهما، فيما إذا كان الجزاء من قبيل الهيئة لا المعنى الاسمي للفرق عرفا بين أخذ المفهوم من قوله: فمن شهد منكم الشهر فيجب عليه الصيام حيث ان المفهوم لا يجب عليه، و بين ما في الآية فلا يبعد أن يكون مفهومه فلا تصمه.

و تؤيده بل تدل عليه في المورد رواية عبيد بن زرارة التي لا يبعد أن تكون حسنة برواية الصدوق «قال قلت لأبي عبد اللّٰه عليه السّلام: قوله تعالى فَمَنْ شَهِدَ مِنْكُمُ الشَّهْرَ فَلْيَصُمْهُ؟ قال: ما أبينها من شهد فليصمه و من سافر فلا يصمه» «1» و في مجمع البيان فيه وجهان أحدهما: فمن شهد منكم المصر و حضر و لم يغب في الشهر، و

الالف و اللام في الشهر للعهد، و المراد به شهر رمضان فليصم جميعه و هذا معنى ما رواه زرارة عن أبى جعفر انه قال: لما سئل عن هذه الآية ما أبينها لمن عقلها قال من شهد شهر رمضان فليصمه و من سافر فيه فليفطر».

و اما لإطلاق قوله «فَمَنْ كٰانَ مِنْكُمْ مَرِيضاً أَوْ عَلىٰ سَفَرٍ فَعِدَّةٌ مِنْ أَيّٰامٍ أُخَرَ» حيث دلت على ان نفس المرض و السفر توجب عدة من أيام أخر من غير دخالة شي ء آخر من إفطار أو غيره فيه، فإذا كان المكلف مريضا أو مسافرا في الشهر تأتي على عهدته عدة أيام أخر بدل شهر رمضان، و لا شبهة في ان هذه العدة قضاء شهر رمضان لما يستفاد من الآية ان الواجب الأصلي هو صيام الشهر، و مع طرو العنوانين يتبدل بعدة من غيره، فإذا وجب القضاء بمجرد طروهما لا بد و ان يقع الصوم معهما باطلا، و الا فيلزم اما إيجاب البدل و لو على فرض إيجاد المبدل منه و صحته أو تقدير في الآية، و تقييد بلا دليل و حجة بأن يكون المعنى و من كان مريضا أو على سفر و أفطر.

و تؤيده رواية الزهري عن على بن الحسين عليهما السلام في حديث «قال: و اما صوم السفر و المرض فإن العامة قد اختلفت في ذلك فقال قوم: يصوم و قال آخرون:

لا يصوم و قال قوم: ان شاء صام و ان شاء أفطر و أما نحن فنقول: يفطر في الحالين جميعا فإن

______________________________

(1) الوسائل أبواب من يصح منه الصوم، ب 1، ح 8.

كتاب الطهارة (للإمام الخميني، ط - القديمة)، ج 2، ص: 75

صام في حال السفر أو في حال المرض فعليه

القضاء، فان اللّٰه عز و جل يقول «فَمَنْ كٰانَ مِنْكُمْ مَرِيضاً أَوْ عَلىٰ سَفَرٍ فَعِدَّةٌ مِنْ أَيّٰامٍ أُخَرَ» فهذا تفسير الصيام» «1» فحكم بوجوب القضاء عليهما و ان صاما مستدلا بالاية و مستظهرا منها من دون اعمال تعبد، و قد عرفت ان ذلك مقتضى إطلاقها.

فتحصل مما ذكرنا ان المستفاد من الآية ان صوم المريض و المسافر بعنوانهما محرم باطل و يظهر منها تعليله بإرادة اليسر و عدم ارادة العسر على الأمة، فيجب التعميم بمقتضى العلة المنصوصة.

ثم يقع الكلام في ان القضايا المعللة المعممة هل تكون ظاهرة في ان الحكم لحيثية العلة كما يقال في الأحكام العقلية ان الحيثيات التعليلية عناوين للموضوعات.

فيكون حكم العرف كحكم العقل أو أن الظاهر كون عنوان الموضوع ما أخذ في ظاهر القضية المعللة، و ما أخذ علة واسطة في ثبوت الحكم لموضوعه، فقوله: «الخمر حرام لانه مسكر» ظاهر عرفا في ان موضوع الحرمة هو الخمر و كونه مسكرا واسطة لتعلقها عليه؟ الأقرب هو الثاني، فإن الأول حكم عقلي دقيق برهاني لا عرفي عقلائي إذ لا إشكال في ان العرف يرى في تلك القضايا أمورا ثلاثة: الموضوع و الحكم و واسطة ثبوته له.

فتحصل مما ذكر أن المتفاهم من الآية ان صوم المريض و المسافر حرام بعنوانه لأجل إرادة اليسر، و الظاهر بحسب فهم العرف ان القضايا المفهومة من تعميم التعليل كالقضية الأصلية المعللة لها موضوع و حكم و وسط، فقضية تعميم التعليل في قوله «الخمر حرام لانه مسكر» ان الفقاع و النبيذ كذلك بعنوانهما لكونهما مسكرا، فان الحكم في الفرع تابع لأصله، فاحتمال كون الحكم في الفرع لحيثية الإسكار و كون الشي ء مسكرا بما هو كذلك ضعيف مخالف لفهم العرف و العقلاء،

فظهر مما مر ان مقتضى تعميم العلة بنحو ما مر ان ما يلزم منه الحرج و العسر بعنوانه حرام، فالوضوء

______________________________

(1) الوسائل أبواب من يصح منه الصوم، ب 1، ح 2.

كتاب الطهارة (للإمام الخميني، ط - القديمة)، ج 2، ص: 76

الحرجي و الغسل العسير بعنوانهما حرام فيقعان باطلا.

هذا مضافا الى أن قوله في آية التيمم «وَ إِنْ كُنْتُمْ مَرْضىٰ أَوْ عَلىٰ سَفَرٍ» الى قوله:

«فَتَيَمَّمُوا صَعِيداً طَيِّباً» كقوله في آية الصوم «وَ مَنْ كٰانَ مَرِيضاً أَوْ عَلىٰ سَفَرٍ فَعِدَّةٌ مِنْ أَيّٰامٍ أُخَرَ» فكما ان مجرد السفر صار سببا لعدة أخرى من غير دخالة شي ء آخر كما مر كذلك الظاهر ان المرض بنفسه سبب لإيجاب التيمم، و كذا في سائر الأعذار أن عممناها بالنسبة إليها.

بل يمكن الاستشهاد على المقصود بتمسك الأئمة عليهم السلام بآية الصوم للحرمة تارة بمفهوم قوله «فَمَنْ شَهِدَ مِنْكُمُ الشَّهْرَ فَلْيَصُمْهُ» كما في رواية الزهري و اخرى بقوله:

فَعِدَّةٌ مِنْ أَيّٰامٍ أُخَرَ كما في روايتي زرارة و ابنه مع كونها في مقام الامتنان و سياقها كسياق آية التيمم، فلو كان الأمر في الرفع امتنانا كما ذكره المتأخرون من عدم الدلالة على العزيمة و لا البطلان على فرض التخلف، لما كان وجه لتمسكهم عليهم السلام بها في مقابل من ذهب الى الرخصة فيستشعر منه ان جعل التيمم بدل الوضوء عزيمة كجعل عدة من أيام أخر بدل صوم المسافر، هذا كله في مفاد الآية الكريمة.

و يأتي الكلام المتقدم في مثل رواية يحيى بن أبي العلاء عن أبي عبد اللّٰه عليه السّلام، و سند الشيخ الصدوق اليه كالصحيح، لكن لم يرد في يحيى توثيق، و احتمل بعضهم ان يكون متحدا مع يحيى بن العلاء الثقة و هو غير

ثابت «قال: الصائم في السفر في شهر رمضان كالمفطر فيه في الحضر، ثم قال: ان رجلا اتى النبي صلّى اللّٰه عليه و آله فقال: يا رسول اللّٰه أصوم شهر رمضان في السفر؟ فقال: لا، فقال: يا رسول اللّٰه انه على يسير؟ فقال رسول اللّٰه:

ان اللّٰه تصدق على مرضى أمتي و مسافريها بالإفطار في شهر رمضان أ يحب أحدكم لو تصدق بصدقة ان ترد عليه صدقته» «1» فيأتي فيها الاحتمالات المتقدمة الا ان العنوان هاهنا رد الصدقة، و أقرب الاحتمالات هاهنا أيضا حرمة عنوان الصوم بعلية كونه رد الصدقة، و يأتي فيها الكلام في التعميم الذي ذكرنا في الآية.

نعم هنا كلام آخر: و هو ان ظاهر الآية ان العلة لحرمة الصوم ارادة اللّٰه اليسر

______________________________

(1) الوسائل: أبواب من يصح منه الصوم، ب 1، ح 5.

كتاب الطهارة (للإمام الخميني، ط - القديمة)، ج 2، ص: 77

على العباد، و ظاهر الرواية و بعض روايات أخر ان العلة كونه رد الصدقة و الظاهر عدم التنافي بينهما و لا مجال لتفصيله.

ثم اعلم ان هاهنا نكتة أخرى في باب التكاليف الحرجية و هي انه لو سلم عدم دلالة ما دل على نفى الحرج على بطلان متعلقات التكاليف النفسية الحرجية، اما بدعوى بقاء الجواز بل الرجحان مع رفع الإلزام لأجل أن الواجب عبارة عن الأمر بالشي ء مع عدم الرخصة بالترك، و دليل نفى الحرج يرفع عدم الرخصة، و بقي الأمر مع الرخصة فيه و هو الاستحباب أو لكفاية ما يقتضي الطلب و محبوبية الفعل لصحته، لكن إذا كان شرط المأمور به أو جزئه حرجيا لا يسلم ذلك لان مقتضى نفى الحرج نفى الشرطية و الجزئية فيكون المأمور به هو الفاقد لهما سواء

قلنا بإمكان تعلق الرفع و الجعل بهما استقلالا كما هو التحقيق، أو قلنا بامتناعه و لزوم رفع الأمر عن المقيد، و المركب الواجد و تعلق أمر آخر على فاقدهما.

و على اى تقدير يكون المأمور به فعلا هو الطبيعة الفاقدة و لو بدل الشرط أو الجزء بالآخر يكون المأمور به فعلا هو الطبيعة المتقيدة بالبدل أو المشتملة عليه لا المبدل منه فيكون الإتيان به مع الجزء الساقط زيادة في المأمور به الفعلي، و الاكتفاء به مع فرض التبديل غير مجز عن الواقع، و هو المأمور به الفعلي، و مجرد اقتضاء الجزئية أو الشرطية لا يوجب عدم الزيادة، و جواز ترك الشرط الفعلي و الجزء كذلك، و الاكتفاء بما فيه الاقتضاء فالصلاة المشروطة بالتيمم أو بالطهارة الحاصلة منه هي المأمور بها فعلا، و لم تكن مشروطة بالوضوء و الغسل و الآتي بها معهما آت بغير شرطها و كذا في تبديل الجزء.

و دعوى حصول الطهارة التي من الترابية من الغسل و الوضوء مع شي ء زائد لأنها مرتبة كاملة من الطهارة، غير متضحة الدليل، و مجرد كون المائية أكمل من الترابية في تحصيل الغرض لا يوجب وحدتهما واقعا، و اختلافهما بالشدة و الضعف لإمكان أن تكونا صنفين أحدهما أفضل من الأخر، فلا يحصل من أحدهما ما يحصل من الأخر، مع ان في أصل

كتاب الطهارة (للإمام الخميني، ط - القديمة)، ج 2، ص: 78

دعوى كون الشرط امرا معنويا حاصلا منهما كلاما، لقوة احتمال أن يكون الطهور عبارة عن الوضوء و الغسل و التيمم، لا أمرا حاصلا منها، و لا تبعد أقربية ذلك بظواهر الأدلة و كلمات الأصحاب، و مثل قوله التراب أحد الطهورين و يكفيك عشر سنين، لا يدل

على انه أمر معنوي و لا على وحدتهما ذاتا و اختلافهما رتبة، كما ان قوله: الوضوء نور أو نور و طهور لا يدل على كون الطهور امرا معنويا لو لم نقل بدلالته على الخلاف بل الظاهر من آية الوضوء ان نفس تلك الافعال أو العناوين شرط للصلاة، و ليس المراد بقوله «فَاطَّهَّرُوا» الا الغسل بحسب وحدة السياق و فهم العرف خصوصا مع قوله «حَتَّىٰ تَغْتَسِلُوا» في الآية الأخرى لا تحصيل طهارة معنوية.

فتحصل مما ذكرنا ان مقتضى دليل نفى الحرج رفع شرطية الطهارة المائية، و مقتضى جعل التيمم بدلا اشتراط الصلاة به فعلا، و قضيتهما بطلان الصلاة مع الاكتفاء بالمائية.

و لو قلنا بأن مقتضى دليل نفى الحرج رفع سببيته الوضوء و الغسل للطهارة، و مقتضى جعل البدل جعل السببية له، لكان البطلان أوضح مع الذهاب الى ان الشرط هو الأمر الحاصل بها.

المسألة الثانية- ما تقدم حال أدلة نفى الحرج و أما سائر الأدلة

الدالة على عدم الوضوء أو الغسل كما وردت في القرح و الجرح و الخوف على النفس مثل صحيحتي البزنطي و ابن السرحان و غيرهما، و ما وردت في مورد خوف العطش مثل صحيحة ابن سنان و موثقة سماعة و غيرهما، و ما وردت في الركية و فرض إفساد الماء مثل صحيحة عبد اللّٰه ابن يعفور، و ما وردت في مورد خوف فوت الوقت مثل صحيحة زرارة، بناء على ما قدمناه من الاستفادة منها، فالظاهر عدم استفادة بطلان المائية منها.

اما ما لا يتعلق النهى فيها على الغسل بل تعلق بعنوان خارج كافساد الماء أو عدم إهراقه فظاهر لان الظاهر منها ان الأمر بالتيمم لأجل ترجيح أحد المتزاحمين أي حرمة إفساد الماء، و وجوب حفظ النفس على الطهارة المائية فالأمر بالشرط الناقص ليس

كتاب الطهارة (للإمام

الخميني، ط - القديمة)، ج 2، ص: 79

لأجل تبديل الكامل به، و إسقاط شرطيته كما قلنا في نفى الحرج بل للمزاحمة الواقعة بين الأهم و المهم، فيأتي فيه ما مر في باب المتزاحمين.

و اما ما تعلق النهي في ظاهر الدليل على الغسل فهو أيضا كذلك، لان المتفاهم من مجموعها ان النهى عنه ليس لمبغوضية فيه بل للإرشاد إلى الأخذ بأهم التكليفين فسبيل قوله في فرض القروح و الجروح و المخافة على النفس: «لا يغتسل و يتيمم» سبيل قوله:

«لا تقع في البئر و لا تفسد على القوم مائهم» و قوله: «ان خاف عطشا فلا يهريق منه قطرة و ليتيمم بالصعيد» حيث لا يفهم منها مبغوضية الغسل و الوضوء بعنوانهما، بل الظاهر ان المبغوض هلاك النفس أو الواجب حفظها فلا يدل على البطلان و قد مر ان مقتضى القاعدة أيضا الصحة.

نعم ما ذكرنا من الصحة بمقتضى القاعدة أو بحسب سائر الأدلة انما هو حيثى، فإذا انطبق على مورد عنوان آخر يقتضي البطلان نحكم به، كما إذا انطبق عنوان الحرج على مورد الضرر أو الخوف على النفس لما عرفت ان مقتضى أدلة نفى الحرج البطلان فيفصل في الحكم به بين ما إذا انطبق على مورد عنوان الحرج و بين ما إذا انطبق عليه عنوان محرم كالغسل في آنية الذهب و الفضة و الوضوء ارتماسا فيها، فيحكم بالبطلان في الأول دون الثاني، و أوضح منه في الصحة ما إذا زاحم مع تكليف أهم كالوضوء في ضيق الوقت المزاحم لفعل الصلاة، فإنه صحيح من غير فرق بين ان يكون قصده امتثال الأمر المتعلق به من ناحية هذه الصلاة على وجه التقييد و غيره لما ذكرنا من ان ملاك عبادية الطهارات

ليس الأمر الغيري من ناحية الأمر بالصلاة لعدم وجوب المقدمة إلا عقلا، و لان الطهارات بما هي عبادة جعلت شرطا، فعباديتها مقدمة على تعلق الأمر الغيري على فرضه، و لا منافاة بين الأمر الاستحبابي الذاتي و الأمر الغيري لاختلاف العنوان.

(فح) لو جهل المكلف و قصد الأمر الغيري أو قصد التقرب به يقع قصده لغوا، و عبادته صحيحة لعدم اعتبار شي ء فيها الا الرجحان الذاتي و قصد كونه للّٰه.

كتاب الطهارة (للإمام الخميني، ط - القديمة)، ج 2، ص: 80

نعم لو كان من قصده عدم التعبد إلا بالأمر الغيري يقع باطلا و لو في سعة الوقت لعدم وجوده، و عدم كونه مقربا على فرضه، الا ان يقال انه نحو انقياد للمولى و هو كاف في الصحة (فح) لا يفترق بين السعة و الضيق.

الخامس لو قلنا في الموارد التي تعين عليه التيمم بالحرمة و البطلان،

فأتى بالمائية لعذر من غفلة أو جهل بالموضوع أو بالحكم قصورا و نحوها ففي صحتها مطلقا، أو التفصيل بين الموارد وجهان أقواهما التفصيل بين الموارد التي استفدنا من الأدلة تقييد المكلف به بغير المائية، و إسقاط شرطيتها كما قلنا في مورد الحرج فنحكم فيها بالبطلان لفقد ما هو شرط واقعا، و لا تأثير في العمد و غيره و العذر و غيره، و بين الموارد التي قيل ببطلانها لأجل أن المبعد القبيح لا يمكن ان يقع عبادة و صحيحا، و لو قلنا بجواز الاجتماع، لانه مع العذر لا يقع قبيحا و مبعدا، فلا مانع من مقربيته.

فالوضوء و الغسل صحيحان لرجحانهما الذاتي بل فعلية الأمر بهما، و عدم مانع آخر من صحتهما، فالوضوء في آنية الذهب و بالماء المغصوب صحيح.

هذا إذا قلنا بجواز الاجتماع و اما مع القول بامتناعه و ترجيح جانب النهي، فالصحة تتوقف على

وجود الملاك في المتعلق و إمكان مقربية الملاك المكسور، و قد ذكرنا في محله ان إمكان تحقق الملاكين للشي ء الواحد يهدم أساس الامتناع إذا كان ملاكه لزوم التكليف المحال لا التكليف بالمحال، فان وجود الحيثيتين لحمل الملاكين إذا كان رافعا للتضاد بينهما يكون رافعا للتضاد بين الحكمين قطعا، فالقائل بالامتناع لا بدّ و أن يقول بأن الحيثية التي تعلق بها الأمر عين ما تعلق به النهى حتى يتحقق التضاد الموجب للامتناع، و مع وحدة الحيثية لا يمكن تحقق الملاكين، و مع ترجيح جانب النهى يستكشف عدم ملاك الأمر في المتعلق فيقع باطلا حتى مع الجهل و سائر الأعذار.

نعم إذا كان ملاك الامتناع التكليف بالمحال أو أغمضنا عن الاشكال و التزمنا

كتاب الطهارة (للإمام الخميني، ط - القديمة)، ج 2، ص: 81

بوجود الملاك فالظاهر وقوعه صحيحا حتى مع العلم لوجود الملاك، و عدم تقوم العبادة بالأمر بل يكون حاله حال المتزاحمين.

و ما قيل: ان في باب التزاحم انما يتزاحم الحكمان في مقام الامتثال عقلا بعد إنشائهما من قبل المولى، و اما في باب الاجتماع تتزاحم المقتضيات لدى المولى فلا تأثير لعلم المكلف و جهله في وقوعه باطلا.

غير وجيه: لان تقييد المولى أحد التكليفين بحال قد يكون لفقدان الملاك في غير هذا الحال، و قد يكون لترجيح أحد الملاكين على الأخر، فإن كان من قبيل الثاني يكون حكمه كحكم العقل في ترجيح الأهم على المهم، و في مثله لا مانع من الصحة لو قلنا بكفاية الملاك، و الملاك المرجوح صالح للمقربية و التقييد في مقام ترجيح الملاكات كالتقييد في مقام التزاحم لو قلنا بان الشارع ناظر اليه أو ان العقل يقيد؟؟؟ الأدلة.

و ما قيل: ان الملاك المكسور

غير صالح للمقربية ان كان المراد من المكسورية رفع الملاك أو نقصانه عما هو عليه بواسطة التزاحم فهو ممنوع، لان حامل الملاكات الحيثيات، و لا يسرى حكم حيثية إلى حيثية أخرى. و ان كان المراد مرجوحيته فهي لا توجب البطلان بعد فرض كفاية الملاك و لو لم يكن مأمورا به، و التقييد بغير حال الاجتماع لا يستتبع نهيا فرضا، فالفعل و ان لم يكن مأمورا به لكن مشتمل على الملاك التام كاشتماله في غير مورد الاجتماع فيقع صحيحا.

المبحث الثاني فيما يتيمم به

اشارة

و يتم ذلك في ضمن أمور

الأول: لا إشكال في اشتراط كونه أرضا

فلا يجوز بما هو خارج عن مسماها، و هو مذهب علمائنا كما عن المنتهى و عليه الإجماع كما عن كشف اللثام و لا نزاع فيه عندنا كما عن مجمع البرهان. و ادعى عليه الإجماع في الخلاف و عن السرائر ان الإجماع منعقد على ان التيمم لا يكون إلا بالأرض

كتاب الطهارة (للإمام الخميني، ط - القديمة)، ج 2، ص: 82

أو ما يطلق عليه اسمها، و في الخلاف قال أبو حنيفة: كل ما كان من جنس الأرض أو متصلا بها من الثلج (و الشجر خ ل) و الصخر يجوز التيمم به، و به قال مالك «انتهى».

و في مفتاح الكرامة نسبة الجواز بالثلج الى أبي حنيفة و بالنبات الى مالك، لكن في كتاب الفقه على المذاهب الأربعة الحنفية قالوا: ان الصعيد الطهور هو كل ما كان من جنس الأرض فيجوز التيمم على التراب و الرمل و الحصى و الحجر و لو أملس، و السبخ المنعقد من الأرض، اما الماء المنعقد و هو الثلج فلا يجوز التيمم عليه، لانه ليس من أجزاء الأرض كما لا يجوز التيمم على الأشجار و الزجاج و المعادن «إلخ» و احتمال ان يكون مراده من الحنفية أصحاب أبي حنيفة و تابعيه لا نفسه بعيد، بل عن ابن رشد عدم تجويز أبي حنيفة التيمم بالثلج.

و كيف كان فلا إشكال في عدم جوازه بغير الأرض و ما خرج عن مسماها، بل و لا خلاف ظاهرا في حال الاختيار و سيأتي حال التيمم بالثلج عند الاضطرار.

ثم انه اختلفت كلمات أصحابنا بعد اشتراط كونه أرضا على أقوال: فقيل: انه التراب الخالص حكى ذلك عن السيد في شرح الرسالة و الكاتب

و التقى بل عن ظاهر الناصريات و الغنية الإجماع عليه، و قيل: انه كل ما يقع عليه اسم الأرض و هو المشهور تحصيلا كما في الجواهر و عن الكفاية و الحدائق، و عن الخلاف و مجمع البيان و ظاهر التذكرة الإجماع على الجواز بالحجر، و عن مجمع البرهان و المفاتيح و كشف اللثام هو مذهب الأكثر و عن مجمع البرهان: ينبغي ان يكون لا نزاع فيه و هو المشهور كما عن الكفاية، و عن جمع التفصيل بين حال الاختيار و الاضطرار و منشأ اختلافهم اختلاف اجتهادهم في الاستنباط عن الكتاب و السنة، و لا شبهة ان الشهرة و الإجماع في مثل هذه المسألة الاجتهادية المتراكمة فيها الأدلة و الآراء في دلالة الكتاب ليست حجة مستقلة فالأولى صرف الكلام الى ظواهر الأدلة.

اما الكتاب: فقد نزلت فيه آيتان كريمتان إحديهما في سورة النساء و هي قوله تعالى وَ إِنْ كُنْتُمْ مَرْضىٰ أَوْ عَلىٰ سَفَرٍ أَوْ جٰاءَ أَحَدٌ مِنْكُمْ مِنَ الْغٰائِطِ أَوْ لٰامَسْتُمُ النِّسٰاءَ فَلَمْ تَجِدُوا مٰاءً فَتَيَمَّمُوا صَعِيداً طَيِّباً فَامْسَحُوا بِوُجُوهِكُمْ وَ أَيْدِيكُمْ و ثانيتهما في المائدة

كتاب الطهارة (للإمام الخميني، ط - القديمة)، ج 2، ص: 83

بعينها مع زيادة لفظة «مِنْهُ» بعد «وَ أَيْدِيَكُمْ».

________________________________________

خمينى، سيد روح اللّٰه موسوى، كتاب الطهارة (للإمام الخميني، ط - القديمة)، 3 جلد، ه ق

كتاب الطهارة (للإمام الخميني، ط - القديمة)؛ ج 2، ص: 83

و قد اختلفت كلمة أهل اللغة و العربية في معنى الصعيد فعن العين و المحيط و الأساس و المفردات للراغب و جمع آخر انه وجه الأرض، بل عن الزجاج انه لا يعلم اختلافا بين أهل اللغة، و عن المعتبر حكايته عن فضلاء أهل اللغة و عن البحار ان

الصعيد يتناول الحجر كما صرح به أئمة اللغة و التفسير و عن الوسيلة قد فسر كثير من علماء اللغة الصعيد بوجه الأرض، و ادعى بعضهم الإجماع عليه، و استدل بعضهم بكونه وجه الأرض بقوله تعالى فَتُصْبِحَ صَعِيداً زَلَقاً و قول النبي صلّى اللّٰه عليه و آله، «يحشر الناس يوم القيمة حفاة عراة على صعيد واحد» «1» أي أرض واحد لعدم تناسب التراب.

و عن جمع من أهل اللغة انه التراب كالصحاح و الأصمعي و أبي عبيدة بل عن ظاهر القاموس و بنى الأعرابي و عباس و الفارس، بل عن السيد حكايته من أهل اللغة، و يظهر من بعضهم الاشتراك اللفظي بين التراب الخالص و مطلق وجه الأرض، بل و الطريق لا نبات فيه.

قال في مجمع البحرين: و الصعيد التراب الخالص الذي لا يخالطه سبخ و لا رمل، نقلا عن الجمهرة، و الصعيد أيضا وجه الأرض ترابا كان أو غيره و هو قول الزجاج، حتى قال: لا اعلم اختلافا بين أهل اللغة في ذلك، فيشمل الحجر و المدر و نحوهما، و الصعيد أيضا الطريق لا نبات فيها.

قال الأزهري: و مذهب أكثر العلماء ان الصعيد في قوله تعالى فَتَيَمَّمُوا صَعِيداً طَيِّباً انه التراب الطاهر الذي على وجه الأرض، أو خرج من باطنها انتهى ما في المجمع، بل في المنجد: الصعيد التراب، القبر، الطريق، ما ارتفع من الأرض.

و ما قيل: ان الاشتراك اللفظي كذلك اى بين مطلق وجه الأرض و التراب بعيد بل إذا دار الأمر بين اللفظي و المعنوي يقدم الثاني، ناش من تخيل ان وقوع الاشتراك اللفظي في الألسن من واضع واحدا و طائفة واحدة، لكن الظاهر ان الاشتراك

______________________________

(1) بحار الأنوار ج 3 ب 5، ح

4.

كتاب الطهارة (للإمام الخميني، ط - القديمة)، ج 2، ص: 84

حاصل من ضم الطوائف بعضها ببعض، و اختلاط اللغات كاختلاط لغة العرب بالعجم، لأجل سلطة الاعراب و اختلاطهم مع غيرهم، فربما نسي بعض اللغات من إحدى الطائفتين، و قامت اللغة الأخرى مقامه، و ربما بقيت اللغتان فبقي لمعنى واحد لفظان أو أكثر من اختلاط الطوائف، فيظن من ذلك الاشتراك اللفظي البعيد أو المرجوح.

و كيف كان لا يمكن لنا الاتكال في معنى الصعيد على قول أهل اللغة مع هذا الاختلاف الفاحش بينهم، فإن حجية قولهم أما لحجية قول أهل الخبرة فمع اختلافهم و تعارض أقوالهم تسقط عنها، أو للاطمئنان و الوثوق منه فلا يحصل معه، و دعوى الزجاج عدم الاختلاف بين أهل اللغة يردّها قول من عرفت من كونه التراب الخالص أو الاشتراك بينه و بين غيره.

كما ان الاستدلال على كونه مطلق وجه الأرض بقول اللّٰه تعالى صَعِيداً زَلَقاً و قول النبي صلّى اللّٰه عليه و آله في النبوي المتقدم، في غير محله، لعدم جريان أصالة الحقيقة مع معلومية المراد و الشك في الوضع، و انما هي حجة في تشخيص المراد بعد العلم بالوضع.

و كذا دعوى الانصراف الى التراب الخالص لكونه الفرد الغالب الشائع في غير محلها، لمنع تحقق الشيوع الموجب له كما ان الأرض لا تنصرف اليه.

و قد يستدل لتشخيص المراد من الصعيد في الآية التي في المائدة بلفظة «منه» بدعوى ان المتبادر منها هو المسح ببعض الصعيد، لظهور رجوع الضمير اليه و عدم إمكان المسح بجميعه، فلا بد من المسح ببعضه، و لا يمكن ذلك إلا بإرادة التراب منه لحصول العلوق به دون الحجر و مثله، سواء كان الاستعمال على وجه الحقيقة أو المجاز،

و المقصود في المقام إثبات المطلوب لا إثبات المعنى الحقيقي.

و فيه ان المحتمل بدوا فيها كون الضمير راجعا الى الصعيد و كون «من» ابتدائية و عليه يكون معنى الآية. «تيمموا و اقصدوا صعيدا فإذا انتهيتم اليه فارجعوا منه الى مسح الوجوه و الأيدي» فيكون الصعيد منتهى المقصود أولا، فإذا انتهى

كتاب الطهارة (للإمام الخميني، ط - القديمة)، ج 2، ص: 85

المكلف اليه صار مبدأ الرجوع الى عمل المسح، فاستفيد منها عدم جواز مسح الوجه و اليد على الأرض، و عدم جواز التمرغ و التمعك كما فعل عمار رضى اللّٰه عنه، فكأن رسول اللّٰه صلّى اللّٰه عليه و آله حين قال: «هكذا يصنع الحمار و انما قال اللّٰه عز و جل فَتَيَمَّمُوا صَعِيداً طَيِّباً أراد تفهيم ان المستفاد من الآية خلاف ما فعله، بل يستفاد منها كون اليد آلة المسح.

و طريق الاستفادة انه إذا أمر بالمسح بعد الانتهاء الى المقصد و هو الصعيد و الرجوع منه الى تمسح الوجه و الأيدي، يعلم ان المسح باليد فإنها الإله المتعارفة للعمل، و بهذا يعلم ان المسح بباطن الكف لكونه الإله المتعارفة، و بعد كون باطنها آلته يعلم ان الممسوح غيره تأمل.

نعم لا يستفاد منها ان الممسوح ظاهرها، و لعل هذا الوجه بالتقريب المتقدم أقوى الوجوه و أنسبها.

و يحتمل ان تكون «من» تبعيضية مع رجوع الضمير الى الصعيد، كما يدعى المدعى فيكون المعنى: و امسحوا بوجوهكم و أيديكم بعض الصعيد (فح) لا يتضح من الآية ان آلة المسح اليد لإمكان أن تكون الإله نفس بعضه بان يرفع حجرا أو مدرا و يمسح به أو يضع وجهه على الصعيد و يمسحه به لصدق مسح وجهه ببعض الصعيد، بل لما كان

بعض الصعيد هو الصعيد لصدق الجنس على الكثير و القليل بنحو واحد، فكأنه قال: أمسحوا بوجوهكم و أيديكم الصعيد، فيكون الصعيد آلة المسح أو الممسوح و الماسح الوجه فيكون مناسبا لما صنع عمار، لكنه تخيل ان ما هو بدل الوضوء عبارة عن وضع الوجه و الأيدي على الأرض، و ما هو بدل الغسل بالمناسبة المرتكزة في ذهنه عبارة عن مسح جميع البدن بالتراب كما يغسل بالماء.

و هذا الاحتمال مع بعده لان لازمة اعتبار زائد في الصعيد حتى يخرجه عن المعنى الجنسي الشامل للقليل و الكثير بنحو واحد، و هو لحاظه مجموعا ذا أبعاض و هو خلاف الظاهر، و لأن الأصل في «من» الابتدائية على ما قالوا، و الاستعمال في

كتاب الطهارة (للإمام الخميني، ط - القديمة)، ج 2، ص: 86

غيرها بضرب من التأويل، و لان ذكر المسح ببعضه غير محتاج اليه بعد عدم إمكانه بجميع ما يصدق عليه الصعيد، بل غير محتاج اليه مع الإمكان أيضا، لأن طبيعة المسح توجد بأول مصداقه عرفا، و الفرض ان الصعيد اسم جنس صادق على الكل و بعضه، لا يثبت مدعاهم، و هو كون المراد من الصعيد هو التراب.

أما أولا فلما عرفت من عدم دليل في ظاهر الآية بان الماسح الكف، بل يمكن ان يكون نفس الصعيد برفع بعضه الى الوجه، و هو يشعر بخلاف مطلوبهم، و ان يكون المراد مسح الوجه على الأرض نظير ما صنع عمار، و المنظور الان هو النظر الى نفس الآية لا الأدلة الخارجية و المرتكزات الحاصلة من معهودية كيفية التيمم، و الا يكون مطلوبهم واضح البطلان كما يأتي التنبيه عليه.

و اما ثانيا فلان وجه الأرض لا ينحصر بالتراب و الحجر حتى يثبت مطلوبهم،

بل كثير من الأراضي يكون لها علوق مع عدم كونها ترابا كالجص و النورة و الرمل بل و الحجر المسحوق و غيرها.

و يحتمل ان تكون «من» للتأكيد كقوله تعالى مٰا جَعَلَ اللّٰهُ لِرَجُلٍ مِنْ قَلْبَيْنِ فِي جَوْفِهِ و قوله وَ تَرَى الْمَلٰائِكَةَ حَافِّينَ مِنْ حَوْلِ الْعَرْشِ فيكون المعنى فامسحوا بوجوهكم و أيديكم الصعيد، و هذا الاحتمال ان لم يكن أقرب من الاحتمال المتقدم لعدم لزوم التصرف في الصعيد بما مر من لزومه على ذاك الاحتمال، فلا أقل من مساواته معه، و يأتي فيه ما مر آنفا في فرض ذاك الاحتمال.

و ما قيل ان مجي ء الحرف للتأكيد خلاف الظاهر، و الأصل ان تستعمل في معنى من المعاني، غير مسلم إذا كان سائر المعاني خلاف ما وضع له كما يظهر منهم هاهنا، من ان الأصل فيها الابتدائية، بل عن السيد ان كلمة «من» ابتدائية و ان جميع النحويين من البصريين منعوا ورود من لغير الابتداء.

نعم لو ثبت اشتراكها بين المعاني المذكورة لها يكون المجي ء للتأكيد خلاف الأصل لكنه غير معلوم، و يحتمل ان يكون بدلية مع رجوع الضمير الى

كتاب الطهارة (للإمام الخميني، ط - القديمة)، ج 2، ص: 87

الماء، و هذا الاحتمال أيضا لا يقصر من احتمال كونها تبعيضية، و يحتمل ان تكون ابتدائية و الضمير راجعا الى التيمم، و ان تكون سببية و الضمير راجعا الى الحدث المستفاد من سوق الآية، أو يكون مساقها مساق قوله: اغسل ثوبك من أبوال ما لا يؤكل لحمه الى غير ذلك من الاحتمالات التي بعضها أقرب من التبعيضية أو مساو لها.

و قد يستدل لتعيين المراد من الآية بصحيحة زرارة انه قال لأبي جعفر عليه السّلام:

«الا تخبرني من اين علمت

و قلت ان المسح ببعض الرأس و بعض الرجلين» الى ان قال: «فلما وضع الوضوء عمن لم يجد الماء اثبت بعض الغسل مسحا لانه قال: بوجوهكم ثم وصل بها و أيديكم ثم قال: منه اى من ذلك التيمم لانه علم ان ذلك اجمع لم يجر على الوجه لانه يعلق من ذلك الصعيد ببعض الكف و لا يعلق ببعضها» «1» بدعوى ان المراد من التيمم ما يتيمم به لبعد الرجوع الى ذات التيمم المستفاد من قوله: فتيمموا صعيدا» فيناسب التعليل مع تبعيضية «من» فكأنه قال: التيمم من بعض الصعيد لعدم اجراء جميعه على الوجه لعلوقه ببعض اليد لإتمامها، (فح) يتم المطلوب و هو كون الصعيد التراب.

و يرد عليه ما يرد على الاستدلال بالاية بعد تسليم تمامية جميع المقدمات، و هو عدم اختصاص العلوق بالتراب، فهذه الصحيحة و الآية الكريمة بعد تسليم ما ذكر تدلان على لزوم كون التيمم بما يصلح أن يعلق منه في الجملة على اليد بضربها عليه كالرمل و الجص و النورة و الحجر المسحوق، بل تدلان (ح) على لزوم كون المسح بما يصدق عليه الصعيد في الجملة، اى و لو لم يلزم الاستيعاب، فلا يجوز النفض اللازم منه عدم بقاء ما يصدق عليه الصعيد و التراب، ضرورة ان الغالب أن يكون الباقي بعد النفض أثر الأرض و التراب لا نفسهما و جنسهما، للفرق بين الأثر الباقي بعد النفض و بين التراب كالفرق بين النداوة و الماء و سيأتي الكلام فيه.

هذا مع ممنوعية كون المراد من التيمم ما يتيمم به لوضوح كون عناية أبي جعفر

______________________________

(1) الوسائل أبواب الوضوء، ب 23، ح 1.

كتاب الطهارة (للإمام الخميني، ط - القديمة)، ج 2، ص: 88

عليه السّلام

برجوع الضمير الى التيمم، و عدم رجوعه الى الصعيد فلو أراد الرجوع الى ما يتيمم به، لكان اللازم أن يقول من ذلك الصعيد مع ذكره في الآية لئلا يصير الكلام المعجز كاللغز، لان عدم رجوعه الى الصعيد المذكور في الكلام و الرجوع الى التيمم الغير المذكور و ارادة ما يتيمم به من التيمم، ثم ارادة الصعيد مما يتيمم به أشبه بالاحجية من الكلام المتعارف فلا محيص عن إرجاعه إلى نفس التيمم بناء على هذا التفسير، فلا محالة يكون ذلك لنكتة و لعلها إفادة ان المسح بالوجه و الأيدي لا بدّ و ان يكون من ذلك التيمم الذي كناية عن ضرب الأرض فكأنه لإفادة لزوم حفظ العلاقة العرفية و عدم التأخير أو الاشتغال بأمر رافع للربط بين المسح و الضرب على الأرض، فإن ضرب كفيه على الأرض و غسلهما مثلا، فمسح بهما وجهه لم يكن مسحه من ذلك التيمم، و كذلك لو فصل بين الضرب و المسح بما يقطع العلاقة العرفية.

و اما التعليل في الصحيحة فالظاهر أن يكون لعدم رجوع الضمير الى الصعيد حتى يتوهم منه لزوم المسح به مع عدم إمكانه، فكأنه قال: انما قلنا من ذلك التيمم لا من الصعيد لعدم إمكان المسح منه لعدم إجرائه على الوجه لانه يعلق منه ببعض الكف و لا يعلق ببعض.

و ما ذكرنا في توجيه الرواية و ان لا يخلو من بعد و ارتكاب خلاف ظاهر لكنه أهون من القول بأن المراد من التيمم ما يتيمم به، فان النفس لا ترضى بانتسابه الى متعارف الناس فضلا عن أفضلهم علما و فصاحة، فضلا عن الانتساب إلى الوحي المعجز، فلا بد من إبقاء التيمم بظاهره، و توجيه التعليل و مع

العجز فرد علمه إلى اهله.

و فيها احتمالات أخر يطول بنا البحث في الخوض فيها، لكن في الذهن شبهة و هي انه مع إبقاء ظاهر الآية بحاله و رجوع الضمير الى الصعيد، و ارادة الابتدائية من كلمة «من» يتضح ما يراد بالرواية بالتوجيه الذي ذكرناه، فلا تتوقف افادة ما ذكر برجوع الضمير الى التيمم، فلو كان المراد امسح من الصعيد اى مبتدئا منه الى

كتاب الطهارة (للإمام الخميني، ط - القديمة)، ج 2، ص: 89

تمسح الوجه يفهم منه عرفا ما يفهم من رجوعه الى التيمم، فلا بد من نكتة أخرى فيه غير ما تقدم، فلعلها لإفادة كون المسح على الوجه و الأيدي جميعا من ذلك التيمم، اى عدم لزوم تجديد الضرب أو عدم جوازه.

و لعل التعليل على هذا الاحتمال أقرب بأن يقال: ان المراد منه إفادة ان الضرب الثاني لا يحصل به الا ما يحصل بالضرب الأول، و لا يعلق الصعيد على جميع اليد حتى يجرى على الوجه، بل يعلق على بعضه فلا يلزم العلوق بل ما لزم هو كون المسح من ذلك التيمم، و هو حاصل بالضرب الأول.

و بالجملة ليس اللازم في المسح ان يكون بأجزاء الأرض لأنه غير ممكن في التيمم لان الاجزاء لا تعلق بجميع اليد حتى تجري على الوجه، بل اللازم ان يكون من التيمم و هو حاصل بالضرب الأول من دون تكرار.

و لعل هذا مراد الشهيد في محكي الذكرى في ذيل الرواية بقوله: و هذا الصحيح فيه إشارة الى عدم اعتبار العلوق و هو كذلك، لان فيها إشارة الى ان المعتبر هو العلاقة لا العلوق.

ثم ان الأقوى ما عليه المشهور من كون ما يتيمم به مطلق وجه الأرض لا التراب خاصة

لطوائف من الروايات فيها الصحيح و الموثق، ربما يستفاد منها ان المراد بالصعيد في الآية مطلق وجه الأرض.

منها النبوي المعروف: «جعلت لي الأرض مسجدا و طهورا» «1» و هي رواية مشهورة مستفيضة نقلا لو لم نقل بتواترها و لهذا نسبها الشيخ الصدوق (ره) إلى النبي صلّى اللّٰه عليه و آله على سبيل الجزم، و لا يمكن ذلك من مثله رحمه اللّٰه الا مع علمه بصدورها و قد ذكرنا ان جواز الاتكال بمثل هذا الإرسال بنفسه من مثله لا يخلو من قوة فضلا عن مثل المقام مع استفاضة النقل. فقد رواها الشيخ الكليني في الكافي، و البرقي في المحاسن و الصدوق في الخصال بسندين و في الأمالي و ابن الشيخ الطوسي في مجالسه و الطبرسي في بشارة المصطفى

______________________________

(1) الوسائل أبواب التيمم، ب 7 ح 2

كتاب الطهارة (للإمام الخميني، ط - القديمة)، ج 2، ص: 90

و الديلمي في إرشاد القلوب، و الشيخ حسن بن سليمان الحلي في ما رواه من كتاب المعراج و المسعودي في إثبات الوصية، و الراوندي في لب اللباب، و القاضي في دعائم الإسلام.

و من هنا قد ينقدح في الذهن وقوع اشتباه فيما روى الصدق (ره) بسند في غاية الضعف عن جابر بن عبد اللّٰه «قال: قال رسول اللّٰه صلّى اللّٰه عليه و آله: قال اللّٰه عز و جل: جعلت لك و لأمتك الأرض كلها مسجدا و ترابها طهورا» «1» و كذا في مرسلة غوالي اللئالي و اماما في مجالس ابن الشيخ في حديث «جعلت لي الأرض مسجدا و طهورا أينما كنت أتيمم من تربتها و أصلي عليها» «2» فلا يخالف الروايات لان عمله صلّى اللّٰه عليه و آله يمكن أن يكون لأجل

أفضلية التراب لا لتعينه، فلا ينافي صدرها و لا يصلح لتقييد إطلاقه فضلا عن سائر المطلقات.

ثم ان احتمال كون المراد من طهورية الأرض طهوريتها من الخبث، فإنها طهور منه في الجملة في غاية الضعف، بل الاختصاص مقطوع البطلان بعد معروفية التيمم، و كونه أحد الطهورين، و نزول الوحي به في آيتين مضافا الى التصريح بالتيمم في بعض الروايات فلا شبهة في إرادة خصوص التيمم منه أو الأعم، (فح) يمكن الاستشهاد به لكون المراد من الصعيد في الآية هو مطلق الأرض فإنه ناظر الى الآيتين الكريمتين، حيث جعل اللّٰه تعالى فيهما الصعيد طهورا فيكون بمنزلة المفسر للاية.

و منها ما وردت في قضية عمار بن ياسر رضى اللّٰه عنه ففي موثقة زرارة عن أبى- جعفر عليه السّلام «قال اتى عمار بن ياسر رسول اللّٰه صلّى اللّٰه عليه و آله فقال: يا رسول اللّٰه إنى أجنبت الليل فلم يكن معى ماء، قال: كيف صنعت؟ قال: طرحت ثيابي فتمعكت فيه، فقال:

هكذا يصنع الحمار انما قال اللّٰه عز و جل فَتَيَمَّمُوا صَعِيداً طَيِّباً فضرب بيديه على الأرض ثم ضرب إحديهما على الأخرى ثم مسح بجبينيه» إلخ «3».

و في صحيحة زرارة «قال: قال أبو جعفر عليه السّلام: قال رسول اللّٰه صلّى اللّٰه عليه و آله ذات

______________________________

(1) المستدرك أبواب التيمم، ب 5، ح 3.

(2) الوسائل أبواب التيمم، ب 7، ح 2.

(3) الوسائل أبواب التيمم، ب 11، ح 9.

كتاب الطهارة (للإمام الخميني، ط - القديمة)، ج 2، ص: 91

يوم لعمار في سفر له: يا عمار بلغنا أنك أجنبت فكيف صنعت؟ قال: تمرغت يا رسول اللّٰه في التراب، قال: فقال: كذلك يتمرغ الحمار أ فلا صنعت كذا؟ ثم أهوى بيديه إلى الأرض فوضعهما

على الصعيد ثم مسح بجبينيه» إلخ «1» الى غير ذلك و قد يتوهم دلالة الصحيحة على مخالفة الصعيد للأرض حيث قال فيها أهوى بيديه إلى الأرض فوضعهما على الصعيد، فلو كان الصعيد هو الأرض لقال فوضعهما عليها.

و فيه انه من المحتمل ان يكون ذلك لأجل إفادة أن الصعيد هو الأرض، و هذه الطائفة مضافا الى دلالتها على المذهب المشهور يمكن الاستشهاد بها على كون الصعيد في الآية هو الأرض لا التراب خاصة، فإنه لا شبهة في ان قضية عمار قضية واحدة حكاها الأئمة عليهم السلام بتعبيرات مختلفة نقلا بالمعنى، ففي رواية «فوضع يده على المسح» و في أخرى «فضرب بيديه على الأرض» و في ثالثة «أهوى بيديه إلى الأرض فوضعهما على الصعيد» فيظهر منها كون الأرض و الصعيد واحدا ليصح النقل بالمعنى.

اللهم الا ان يقال ان النقل بالأعم و الأخص غير مضر بعد ان لا تكون العناية بنقل ما يتيمم به بل بأصل القضية و لهذا قال أبو عبد اللّٰه عليه السّلام: فوضع يده على المسح.

لكن يظهر من أبى جعفر عليه السّلام في نقل القضية عناية بذكر ما يتيمم به، فراجع ما روعي عنه في القضية (فح) يتم المطلوب، و هو كون المراد بالصعيد في الآية هو الأرض لا التراب.

ثم انه يظهر من قوله: «أ فلا صنعت كذا ثم أهوى بيديه» إلخ و قوله: «هكذا يصنع الحمار انما قال اللّٰه عز و جل فَتَيَمَّمُوا صَعِيداً طَيِّباً» إلخ ان ما صنع عمار خلاف المتفاهم من الآية الشريفة، فيحتمل ان يكون مراده إفادة أن الآية تدل على ان المسح من الصعيد لا مسح الجسد على الأرض، فتدل على ظهور «من» في الابتدائية، و الا فمع التبعيضية كان

الظاهر جواز مسح الأعضاء بالأرض.

الا ان يقال: ان اعتراض رسول اللّٰه صلّى اللّٰه عليه و آله عليه لتمرغه على الأرض في بدل

______________________________

(1) الوسائل أبواب التيمم، ب 11، ح 8.

كتاب الطهارة (للإمام الخميني، ط - القديمة)، ج 2، ص: 92

الغسل بتوهم ان المناسب فيه ذلك فقال رسول اللّٰه صلّى اللّٰه عليه و آله: ان الآية تدل على ان للتيمم كيفية واحدة بدلا عن الوضوء و الغسل، فلم تمرغت مع دلالتها على المسح ببعض الوجه و الأيدي كما تشهد به رواية دعائم الإسلام عن على عليه السّلام و فيها «فقال له: يا عمار تمعكت تمعك الحمار قد كان يجزيك من ذلك ان تمسح بيديك وجهك و كفيك، كما قال اللّٰه عز و جل» لكن الظاهر حتى من رواية الدعائم انه ارجع عمارا الى ظاهر الآية، و انها دالة على ان آلة المسح هي اليدان، فان قوله فيها «يجز بك من ذلك ان تمسح الى ان قال كما قال اللّٰه» يدل على استفادة ذلك منها، و كذا قوله في صحيحة زرارة «أ فلا صنعت كذا ثم أهوى بيديه إلى الأرض» إلخ يدل على دلالة الآية على كيفية التيمم، و لا بعد في استفادته منها كما أشرنا إلى شمة من طريقها و لعله يأتي تتمة لذلك.

و منها عدة روايات أخر كصحيحة الحلبي «قال: سمعت أبا عبد اللّٰه عليه السّلام يقول:

«إذا لم يجد الرجل طهورا فليمسح من الأرض و ليصل و إذا وجد ماء فليغتسل و قد أجزأته صلوته التي صلى» «1» لكن احتمال كونها بصدد بيان أجزاء الصلاة التي صلى مع التيمم، لا في مقام بيان ما يتيمم به كاحتمال كونها بصدد بيان انه مع عدم وجدان الماء

يصح التيمم و لو في سعة الوقت، و لا يجب الصبر الى آخره و إهمال بيان ما يتيمم به غير بعيد.

و نظيرها صحيحة ابن سنان عن أبى عبد اللّٰه عليه السّلام، و كصحيحة المرادي «عن أبي عبد الهّٰ عليه السّلام في التيمم قال: تضرب بكفيك على الأرض مرتين ثم تنفضهما و تمسح بهما وجهك و ذراعيك» «2» و رواية زرارة عن أبى جعفر عليه السّلام «في التيمم تضرب بكفيك الأرض ثم تنفضهما و تمسح بهما وجهك و يديك» «3» و احتمال كونهما بصدد بيان كيفية التيمم اى المسحتين لا ما يتيمم به ضعيف.

______________________________

(1) الوسائل أبواب التيمم، ب 14، ح 4.

(2) الوسائل أبواب التيمم، ب 12 ح 2.

(3) الوسائل أبواب التيمم ب 11، ح 7.

كتاب الطهارة (للإمام الخميني، ط - القديمة)، ج 2، ص: 93

بل لو سلم يكون الضرب على الأرض من كيفياته، و داخل في ماهيته و مقوماته و كيف كان لا إشكال في ظهور مثل تلك الروايات في ان ما يتيمم به الأرض، بل لا تبعد استفادة كون المراد من الصعيد هو الأرض من مثلها، فان الظاهر ان كلها واردة لبيان مفاد الآية لا بيان تشريع آخر زائدا على مضمونها وصل إليهم من غير طريقها، بل يمكن رفع الإجمال عن كلمة «من» على فرض إجمالها، و ترددها بين الابتدائية و غيرها، و عن ذيل صحيحة زرارة المتقدمة و تعليلها، فإنه مع النفض لا يبقى من أجزاء الأرض على الكف، و ما بقي من الأثر الضعيف لا تصدق عليه الأرض، فمع كونها تبعيضية لزم المسح باجزاء الصعيد، فيقع التنافي بين الآية و الروايات فمع نصوصية تلك الروايات في مضمونها يرفع الإجمال المتوهم عن الآية و

الصحيحة و تعليلها.

و توهم ان لزوم النفض أو رجحانه دليل على وجوب كون التيمم بالتراب لا مطلق الأرض مدفوع بما مرّ من انه لا يدل على مدعاهم، بل لو سلم يدل على لزوم كون الأرض صالحا للعلوق مع انه وارد مورد الغالب، فإن الأراضي غالبا ذات أجزاء تعلق باليد حتى مثل أراضي الحجاز التي لا تكون ترابا أو ترابا خالصا، فلا تصلح مثلها لرفع اليد عن عنوان الأرض الظاهر في تمام الموضوعية.

و يمكن الاستدلال على المطلوب برواية زرارة عن أحدهما «قال: قلت رجل دخل الأجمة ليس فيها ماء و فيها طين ما يصنع؟ قال: يتيمم فإنه الصعيد» إلخ «1» فإن الظاهر منها ان الطين صعيد مع انه ليس بتراب لكن في مرسلة على بن مطر «قال: سألت الرضا عليه السّلام عن الرجل لا يصيب الماء و لا التراب أ يتيمم بالطين؟

قال: نعم صعيد طيب و ماء طهور» «2» و هي ظاهرة في ان أصل الطين صعيد بقرينة ماء طهور، فتكون ظاهرة في ان الطين ليس بصعيد، و لكن فيها احتمال آخر و هو ان السؤال عن الأراضي الممطورة التي صارت طينة و فيها الطين، و الاجزاء

______________________________

(1) الوسائل أبواب التيمم، ب 8، ح 5.

(2) الوسائل أبواب التيمم، ب 8، ح 6.

كتاب الطهارة (للإمام الخميني، ط - القديمة)، ج 2، ص: 94

المائية القليلة التي لا تضرّ بصدق عدم وجدان الماء، و لا بصدق كون الأرض طينة، فيكون المراد بقوله: «صعيد طيب» هو الطين، و بقوله: «ماء طهور» هو الاجزاء المائية كما تشاهد في الأراضي الممطورة، و الطرق المطينة، فتكون الرواية شاهدة على المشهور.

و هنا احتمال ثالث و هو ان المراد بقوله صعيد طيب و ماء طهور

ان ما يتطهر به اما صعيد طيب، و اما ماء طهور و الطين هو الصعيد الطيب فيجوز التيمم به، و مع هذه الاحتمالات لا يمكن رفع اليد عن ظاهر قوله في رواية زرارة فإنه الصعيد، هذا مع ان إطلاق الصعيد على التراب لا يدل على عدم صدقه على غيره، غاية الأمر إشعاره أو دلالته على ان الطين ليس بصعيد.

و مع ذلك يكون رواية زرارة أظهر في دلالتها على كون الطين صعيدا من دلالة هذه الرواية على نفيه.

و يمكن الاستشهاد على المطلوب بان أراضي الحجاز و ما حولها غالبا و غالب الأراضي الجبلية لا يوجد فيها التراب الخالص، بل ليس فيها الا الرمل و الأحجار الصغار فلو كان المراد من الصعيد في الآية التراب الخالص لكان التيمم حرجيا على سكان محل نزول الوحي، و هو ينافي شرع التيمم و النبوي المشهور: «جعلت لي الأرض مسجدا و طهورا» الذي هو في مقام بيان الامتنان بل لو كان ذلك لشاع و صار موردا للسؤال و الجواب كثيرا.

ثم انه قد يستدل لمذهب الخصم بعد إجماع السيد و الغنية بروايات:

منها صحيحة محمد بن حمران و جميل بن دراج «أنهما سألا أبا عبد اللّٰه عليه السّلام عن امام قوم أصابته جنابة في السفر و ليس معه من الماء ما يكفيه للغسل أ يتوضأ بعضهم و يصلى بهم؟ فقال: لا و لكن يتيمم الجنب و يصلى بهم فان اللّٰه عز و جل جعل التراب طهورا كما جعل الماء طهورا» «1» بدعوى انه في مقام بيان امتنان اللّٰه

______________________________

(1) الوسائل أبواب التيمم، ب 24- ح 2.

كتاب الطهارة (للإمام الخميني، ط - القديمة)، ج 2، ص: 95

على العباد، فلو كان مطلق الأرض طهورا كان

المناسب أن يذكرها فإنه أدخل في الامتنان مع إمكان ان يقال انها ناظرة إلى تفسير الآية.

و فيه ان الرواية بصدد بيان صحة تيمم المجنب و إمامته مع وجود المتوضي، و انما ذكر جعل اللّٰه تعالى التراب طهورا استدلالا على المقصود من غير نظر الى امتنان اللّٰه على العباد، و لا الى تفسير الآية فلا تدل على المطلوب الا بمفهوم اللقب.

هذا مع انه لو كان في مقام الامتنان لكان المناسب ذكر الأرض على اى حال لأنها طهور في الجملة.

و عن روض الجنان و الروضة لا قائل بالمنع مطلقا و الحق ما مر، و لهذا ترى ان الروايات التي بصدد بيان الامتنان ذكرت فيها الأرض و هي ما مر من الحديث المستفيض عن رسول اللّٰه صلّى اللّٰه عليه و آله: «جعلت لي الأرض مسجدا و طهورا».

و استدل أيضا بصحيحة رفاعة عن أبى عبد اللّٰه عليه السّلام قال: «إذا كان الأرض مبتلة ليس فيها تراب و لا ماء فانظر أجف موضع تجده فتيمم منه» إلخ «1» و نظيرها صحيحة عبد اللّٰه بن المغيرة، بدعوى ان فرض عدم التراب خاصة دليل على عدم جواز التيمم حال الاختيار بوجه الأرض و الإمكان عليه فرض عدم الحجر أيضا.

و فيه انه من القريب ان يكون فرض عدم التراب في الأرض التي لها بلة لم تصل الى حد الطين، لأجل أن البلة لم تنفذ الى باطن التراب، فمع وجود التراب في الأرض المبتلة بالمطر القليل مثلا يكون التيمم بالأرض اليابس ممكنا برفع ظاهر التراب، و التيمم باليابس من الأرض الذي لم تنفذ اليه البلة فالصحيحة سيقت لبيان مراتب التيمم بأنه إن أمكن بالأرض اليابسة فهو، و الا بأجف موضع منها فالاجف الى أن

لا يجد الا الطين فيتيمم به كما هو المفروض في ذيلها، فلم تكن بصدد بيان تقدم التراب على سائر وجه الأرض بل بصدد بيان تقدم اليابس على غيره، و الاجف على غيره فهي غير مربوطة بالمقام.

______________________________

(1) الوسائل: أبواب التيمم، ب 9، ح 4.

كتاب الطهارة (للإمام الخميني، ط - القديمة)، ج 2، ص: 96

و بالجملة فرض عدم التراب لفرض عدم وجود الأرض اليابسة لا لموضوعية التراب مقابل وجه الأرض (فح) إن أمكن الالتزام بمضمونهما فلا محيص عن اعتبار المراتب فيما يتيمم به ترابا كان أو غيره، فالتراب اليابس و الأرض اليابسة مقدم على غيرهما و الاجف مقدم على غيره، و مع عدم إمكانه كما هو الحق لا بد من حملهما على مراتب الفضل.

و ربما يأتي الكلام فيها، فتحصل من جميع ما ذكرنا ان مقتضى الأدلة صحة التيمم اختيارا بمطلق وجه الأرض، و انه المراد من الصعيد في الآية.

بقي الكلام فيما نسب الى ناصريات السيد من دعوى كون الصعيد هو التراب بل دعواه الإجماع عليه و كذا في إجماع الغنية و لا بأس بذكر عبارتهما حتى يتضح حال النسبة.

قال في الناصريات بعد كلام من الناصر: و الذي يذهب إليه أصحابنا ان التيمم لا يكون الا بالتراب أو ما جرى مجرى التراب مما لم يتغير تغييرا يسلبه إطلاق اسم الأرض عليه، و يجوز التيمم بغبار الثوب و ما أشبهه إذا كان ذلك الغبار من التراب أو ما يجرى مجراه، ثم حكى أقوال العامة و تجويز أبي حنيفة التيمم بالزرنيخ و الكحل، و النورة و مالك بالشجر و ما يجرى مجراه، ثم قال: دليلنا على صحة مذهبنا الإجماع المتقدم ذكره، و يزيد عليه قوله تعالى فَتَيَمَّمُوا صَعِيداً طَيِّباً و

الصعيد هو التراب، و حكى ابن دريد في كتاب الجمهرة عن أبى عبيدة معمر ابن المثنى ان الصعيد هو التراب الخالص الذي لا يخالطه سبخ، و قول أبي عبيدة حجة في اللغة، و الصعيد لا يخلو ان يراد به التراب أو نفس الأرض، و قد حكى انه يطلق عليها أو يراد ما تصاعد على الأرض، فإن كان الأول فقد تم ما أردناه و ان كان الثاني لم يدخل فيه ما ذهب إليه أبو حنيفة، لأن الكحل و الزرنيخ لا يسمى أرضا بالإطلاق كما لا يسمى سائر المعادن من الذهب و الفضة و الحديد بأنه أرض، و ان كان الصعيد ما تصاعد على الأرض لم يخل من ان يكون ما تصاعد عليها هو منها و تسمى

كتاب الطهارة (للإمام الخميني، ط - القديمة)، ج 2، ص: 97

باسمها أولا يكون كذلك فان كان الأول فقد دخل فيما ذكرناه، و ان كان الثاني فهو باطل لانه لو تصاعد على الأرض شي ء من التمر و المعادن أو مما هو خارج عن جوهر الأرض فإنه لا يسمى صعيدا بالإجماع، و أيضا ما روى عنه من قوله: «جعلت لي الأرض مسجدا و ترابها طهورا» و أيضا فقد علمنا انه إذا تيمم بما ذكرناه استباح الصلاة بالإجماع، و إذا تيمم بما ذكره المخالف لم يستبحها بإجماع و علم، فيجب ان يكون الاحتياط و الاستظهار فيما ذكرناه، و لك أيضا ان تقول انه على يقين من الحدث، فلا يجوز ان تستبيح الصلاة إلا بيقين و لا يقين الا بما ذكرناه دون ما ذكره المخالف «انتهى بطوله».

و أنت خبير بأن صدر العبارة صريح في ذهاب أصحابنا إلى صحة التيمم بالتراب و غيره مما يطلق

عليه اسم الأرض و لم يتغير تغيرا مخرجا عن إطلاق اسمها عليه رملا كان أو جصا أو حجرا و قوله: «مما لم يتغير» إلخ بيان لما يجرى مجرى التراب و موضح لمقصوده، فاحتمال كون مراده مما يجرى مجراه هو المسحوق من غير التراب، ضعيف، مع انه مثبت للمدعي في الجملة.

ثم انه ادعى الإجماع على ما ذكره من جواز الأرض بمطلق ما لا يخرج عن مسمى الأرض، أو على عدم الجواز بما يخرج عنه في مقابل أبي حنيفة و أشباهه ممن أجاز التيمم بالزرنيخ و الكحل أو الشجر و شبهه، فللسيد كما يظهر من صدر عبارته و ذيلها دعويان: إحديهما صحة التيمم بمطلق وجه الأرض و ثانيتهما عدم جوازه بما يخرج عن مسماها، فقد استدل على الاولى بالإجماع في أول العبارة و أثنائها و آخرها، و بقاعدة الشغل و الاستصحاب، و على الثانية بالاية الكريمة و الحديث النبوي، و ذكر محتملات الآية ردا لأبي حنيفة و أضرابه، لا لإثبات الدعوى الاولى، و ان كان في بعض فقرأتها إشعار بأن التراب ما يتيمم به، فلا ريب في لزوم رده الى ما هو صريح بصحته بمطلق الأرض و لا اغتشاش في عبارته كما ترى، و هو رحمه اللّٰه موافق للمشهور من صحة التيمم بالأرض.

كتاب الطهارة (للإمام الخميني، ط - القديمة)، ج 2، ص: 98

و توهم مخالفته له ناش من زعم انه استدل بالاية و الرواية لمذهبه فاستكشف منه مذهبه مع ان التدبر في عبارته موجب للاطمئنان بأن استدلاله بهما في مقابل الخصم، و لدعواه الثانية لا لمذهبه.

و قال في الغنية: و اما التراب فالذي يفعل به التيمم و لا يجوز الا بتراب طاهر و لا يجوز بالكحل و

لا بالزرنيخ و لا بغيرهما من المعادن، و لا بتراب خالطه شي ء من ذلك بالإجماع و قوله تعالى فَتَيَمَّمُوا صَعِيداً طَيِّباً و الصعيد هو التراب الذي لا يخالطه غيره.

و الظاهر ان دعواه الإجماع راجعة الى عدم الجواز بالكحل و الزرنيخ و غيرهما من المعادن و التراب المخلوط بشي ء منها لا إلى الجملة الاولى، و كيف يدعى الإجماع على عدم الجواز الا بالتراب مع ان السيد (ره) ادعاه على جوازه بما يجرى مجرى التراب أي الأرض، و هو مختار الشيخ بل لعله ادعى الإجماع عليه.

و ربما يشهد لذلك قوله: و لا بتراب خالطه شي ء من ذلك اى الكحل و ما بعده و الا كان عليه ان يقول: و لا بتراب خالطه شي ء من غيره، و كيف كان لم يظهر منه دعوى الإجماع على عدم الصحة إلا بتراب خالص، و لو سلم فهي موهونة بذهاب المشهور على خلافها.

و ربما يتمسك لذلك بقاعدة الشغل و هو انما يصح لو كان المأمور به أو الشرط هو الطهور المعنوي الذي تكون تلك الافعال محصلاته، و هو غير ثابت بل ظاهر الأدلة ان الشرط للصلاة هو الوضوء و الغسل و التيمم، و قوله: «لا صلاة الا بطهور» لا يدل على انه غير تلك العناوين نعم في بعض الروايات اشعار بما ذكر لم يصل الى حد الدلالة و لا يقاوم سائر الأدلة، هذا مع انه لو سلم فلا مجال للأصل في مقابل ما عرفت.

الأمر الثاني: لا يصح التيمم بما خرج عن مسمى الأرض

كالمعادن الخارجة عن مسماها مثل الزرنيخ و الملح و الكحل و الأحجار الكريمة و الذهب و الفضة، و كالنبات و الشجر بلا اشكال و لا خلاف. إلا المحكي عن ابن أبى عقيل من تجويزه بالأرض و بكل ما

كان من جنسها كالكحل و الزرنيخ لانه يخرج من الأرض، و الظاهر من قوله

كتاب الطهارة (للإمام الخميني، ط - القديمة)، ج 2، ص: 99

من جنسها ما لا يخرج عن مسماها فيوافق المشهور، و ان كان تمثيله بما ذكر و تعليله ربما ينافيان ذلك، و لعل مراده من الخروج من الأرض بنحو خاص منه بما لا ينافي كونه من جنسها فيكون موافقا للحكم الكلي للقوم، و تمثيله بما ذكر من تعيين المصداق لا الاختلاف في الفتوى و ان لا يخلو من بعد.

و كيف كان يدل على المطلوب الإجماعات المنقولة و الشهرة المحققة و ظواهر الأدلة الدالة على أن ما يتيمم به هو الأرض و الصعيد و ما خرج عن مسماها، و لا يكون صعيدا و أرضا لا يصح التيمم به.

و لا يخفى ان الميزان في عدم الجواز هو ما ذكرنا، و اما عنوان المعدن فليس في شي ء من الأدلة موضوعا للحكم بل يظهر من الإجماعات المنقولة ان المناط هو الخروج عن مسماها من غير دخالة لعنوان المعدن.

ففي المنتهى لا يجوز التيمم بما ليس بأرض على الإطلاق كالمعادن و النبات المنسحق و الأشجار الى ان قال: و هو مذهب علمائنا، ثم قال في الفرع الثاني من التفريعات و منع ابن إدريس من التيمم بالنورة و هو الأقرب، لأنها معدن فخرجت عن اسم الأرض، و عليه يحمل إجماع الخلاف و الغنية لأنهما مثلا بالكحل و الزرنيخ و بغيرهما من المعادن، و الظاهر من كلامهما ان مرادهما من المعادن من قبيل الكحل و الزرنيخ الخارجين عن مسمى الأرض، لا ان عنوان المعدن بما هو دخيل في الحكم حتى نحتاج الى تشخيص مفهومه و مصاديقه، فيجوز التيمم بما لم

يخرج عن مسماها و لو صدق عليه عنوان المعدن كالتراب الأحمر و حجر الرحى و المرمر و طين الرأس و الأرمني و غيرها من المعادن الصادق عليها الأرض.

و قد يستدل على جوازه بمطلق ما خرج من الأرض و كان أصله منها و ان تبدل بحقيقة أخرى، برواية السكوني «عن جعفر عن أبيه عن على عليهم السلام انه سئل عن التيمم بالجص؟ فقال: نعم، فقيل: بالنورة؟ فقال: نعم، فقيل: بالرماد؟ فقال: لا انه ليس يخرج من الأرض إنما يخرج من الشجر» «1» و في رواية الراوندي «قيل: هل يتيمم

______________________________

(1) الوسائل أبواب التيمم، ب 8، ح 1.

كتاب الطهارة (للإمام الخميني، ط - القديمة)، ج 2، ص: 100

بالرماد؟ قال: لا لان الرماد لم يخرج من الأرض» «1» و في رواية الجعفريات: «و لا يجوز بالرماد لانه لم يخرج من الأرض» «2» دلت تلك الروايات على ان العلة في عدم جواز التيمم برماد الشجر عدم خروجه من الأرض فلو خرج منها لم يكن مانع منه.

و أورد عليه بأنه لا يدل التعليل الا على المنع من كل ما لم يخرج من الأرض، و اما الجواز بكل ما خرج منها فلا، و الا لفهم منه جوازه بالنباتات.

و فيه بعد بطلان النقض بالنباتات فإنها نابتة من الأرض عرفا لا متبدلة منها و منقلبة عنها و المراد من الخروج منها في الرواية كخروج الرماد من الشجر لا كخروج النبات من الأرض و هو واضح، ان ذلك وارد لو أريد الاستدلال بمفهوم التعليل، بدعوى دلالته على الحصر و الانتفاء عند الانتفاء، ضرورة ان مقتضى إطلاق التعليل و ان كان تمام الموضوعية و العلية التامة، لكن لا يقتضي ذلك انحصار العلة، فيمكن أن يقوم

شي ء آخر مقامها في نفى الجواز، و اما لو أريد الاستدلال بأنه إذا كان عدم الخروج من الأرض المراد به بحسب ظاهر الروايات عدم الانقلاب منها علة لعدم جواز التيمم بالرماد، لا- يمكن أن يكون التبدل و الخروج من الأرض أيضا علة لعدم الجواز، فالاستدلال على عدم جوازه بالمعادن بأنها خارجة عن مسمى الأرض ينافي مفاد الروايات، و بعبارة اخرى:

ان التعليل و ان لم يدل على الانحصار و يمكن قيام علة أخرى مقامها، لكن لا يمكن قيام نقيض العلة مقامها في العلية لشي ء واحد فتدل الروايات على جوازه بكل ما خرج من الأرض و لا يكون الخروج منها مانعا عنه.

ان قلت: هذا إذا أريد بقوله: «لم يخرج من الأرض» انه لم ينقلب منها، و اما لو أريد منه انه لم تكن مادته من الأرض فلا ينافي قول الفقهاء، بتقريب ان عدم الجواز معلول لعلتين: إحديهما عدم كون مادة الشي ء من الأرض كما دلت الروايات و الثانية عدم كون صورته من الأرض أي الخروج من مسماها كما ذكره الفقهاء.

قلت: لا يمكن جعل الشيئين علة فعلية لشي ء إلا إذا أمكن افتراقهما في

______________________________

(1) المستدرك أبواب التيمم، ب 6، ح 2.

(2) المستدرك أبواب التيمم، ب 6، ح 2.

كتاب الطهارة (للإمام الخميني، ط - القديمة)، ج 2، ص: 101

الجملة، فإذا كان تبدل صورة الأرض و عدم الخروج عن مادتها علتين لعدم الجواز، لا بد من الالتزام بأنه إذا لم يخرج الشي ء من الأرض لا يجوز التيمم به، و لو صدق عليه مسماها و هو كما ترى ضرورة صحة التيمم بالتراب كتابا و سنة و إجماعا و لو كان أصله غير الأرض.

و لو قيل ان الخروج من غير الأرض أو

عدم الخروج منها علة في صورة خروج صورته منها، يقال: ان تبديل الصورة الأرضية بغيرها علة حسب الفرض، فعلية عدم الخروج من مادة الأرض غير معقول، و جعلها لغوا لو كانت مجعولة مضافا الى ان التعليل في الروايات بعدم الخروج من الأرض مع ان الرماد خارج عن مسماها و لا تصدق الأرض عليه، يدل على ان ما هو العلة هو عدم الخروج من الأرض لا عدم صدق الأرض عليه، و الا لكان الاولى بل المتعين التعليل به، بان يقال انه ليس من الأرض فترك التعليل ما بالصفة النفسية، و التعليل بأصله و مادته دليل على عدم علية الخروج عن مسماها له.

فلو كانت الروايات حجة معتبرة لكان اللازم الالتزام بعدم مانعية تبدل صورة الأرض، بل الاعتبار بالأصل و المادة لا بالصورة لا مكان أن يقال بحكومة تلك الروايات على الآية الكريمة، و الروايات الدالة على لزوم التيمم بالأرض، تأمل لكنها روايات ضعيفة سندا شاذة معرض عنها غير معول عليها.

الثالث لا يصح التيمم بالرماد

بلا اشكال و لا خلاف ظاهرا، لعدم كونه أرضا و تؤيده الروايات المتقدمة و كذا لا يجوز بالرماد الحاصل من الحجر و الأرض لعدم صدق الأرض عليه، و لا أقل من الشك فيه، و عدم حجية الروايات الدالة على الجواز و عدم جريان الاستصحاب فيه لا موضوعا و لا حكما، لعدم وحدة القضية المتيقنة و المشكوك فيها فان الرماد حقيقة غير حقيقة التراب و الحجر عرفا، و ليس تبدلهما به تبدل صفة مع بقاء الذات، بل تبدل حقيقة بالأخرى عرفا و عقلا، فما هو حاصل بعد الاحتراق لا يكون بعينه ما هو قبله.

كتاب الطهارة (للإمام الخميني، ط - القديمة)، ج 2، ص: 102

و لو قيل ان الرماد

كان حجرا فصار رمادا، يراد به انه كان حجرا قبل تبدله و قد تبدل بشي ء آخر أو يراد محفوظية المادة و الهيولى لا بقاء الحقيقة و التغير في الصفة نعم لو فرض في مورد عدم التبدل في الذات كالخزف و الأجر و نحوهما فلا اشكال فيه، و مع الشك فلا مانع من اجراء الاستصحاب الحكمي دون الموضوعي.

اما الأول فلان قوله صلّى اللّٰه عليه و آله: «جعلت لي الأرض مسجدا و طهورا» ظاهر في المقام في أنها مطهر و لا يراد منه أنها طاهرة و لا مبالغة في الطهارة كما احتمل في قوله: «خلق اللّٰه الماء طهورا» فالأجر و الخزف قبل طبخهما كانا طهورا بحكم الشارع، فشك في ذلك بعد طبخهما فيستصحب و لا يكون من الاستصحاب التعليقي، بل هو كاستصحاب كرية الماء و طهارته حيث كان الحكم الشرعي حصول الطهارة بالتيمم بهما، و لو كان المراد من قوله: «جعلت لي الأرض طهورا» انه ان يتيمم بها تحصل الطهارة، و بعبارة أخرى يكون مفاده حكما تعليقيا فلا مانع من استصحابه أيضا، لأنه في التعليقات الشرعية جار على ما هو المحقق في محله.

و اما عدم الجريان في الموضوعي فلان ذلك من قبيل الشبهات المفهومية، كتردد مفهوم اليوم بين كونه موضوعا لامتداده الى ذهاب الحمرة المشرقية أو الى سقوط الشمس، فان من المعلوم ان الخزف ليس بتراب، و معلوم انه خزف لكن يشك في صدق مفهوم الأرض عليه من جهة الشك في ان مفهومها شامل لما طبخ أولا و في مثله لا يجرى الاستصحاب لان مصب أدلتها هو الشك في بقاء الشي ء بعد العلم به، و كذا لا يجرى الاستصحاب في الشبهات الحكمية التي من قبيلها، كما لو

شك في ان الكر شرعا عبارة عن ثلاثة أشبار و نصف طولا و عرضا و عمقا، أو ثلاثة أشبار، فإذا كان الماء بالمقدار المتيقن من الكر، ثم وصل الى ثلاثة أشبار لا يجرى استصحاب بقاء الكر، لان الموضوع معلوم اى يعلم انه ليس بالحد الأول، و يعلم انه بالحد الثاني، فليس الشك في بقاء ما علم، بل في تطبيق العنوان عليه شرعا، و في ان الشارع جعل الكر اى الحدين و في مثله لا يجري الأصل.

كتاب الطهارة (للإمام الخميني، ط - القديمة)، ج 2، ص: 103

الرابع يجوز التيمم بالجص و النورة قبل احتراقهما

كما عن المشهور، لصدق عنوان الأرض عليهما و لا مضايقة في صدق المعدن عليهما، لما عرفت من عدم دليل على اعتبار عدم المعدنية، بل المناط عدم الخروج عن مسمى الأرض، فالمانع ان يدعى الخروج عن مسماها فهو محجوج بالعرف و اللغة، و ان يدعى معدنيتهما فهو محجوج بان المعدنية غير مضرة، و اما التفصيل بين حال الاختيار و الاضطرار فلا وجه له لأنهما لو خرجا عن صدق الأرض فلا يصح التيمم بهما مطلقا و الا فيصح كذلك، و لا دليل على التفصيل فيهما كما في مثل الطين و الغبار.

نعم قد ذكرنا سابقا ان صحيحة رفاعة تشعر بالتفصيل بين التراب و غير، لكن قد عرفت ان الأظهر كونها في مقام بيان الترتيب بين اليابس و الجاف و الاجف، و كذا يجوز التيمم بهما بعد احتراقهما لصدق عنوان الأرض و عدم الخروج عن مسماها بمجرد الطبخ، و مع الشك يرجع الى الاستصحاب الحكمي لا الموضوعي كما مر.

الخامس يشترط في ما يتيمم به ان يكون مباحا

فلا يجوز التيمم بالمغصوب إجماعا كما عن التذكرة، و عقلا ان كان الضرب على الأرض داخلا في حقيقته كما هو الظاهر، لعدم تعدد العنوان و الجهة معه، و ان أمكن أن يقال ان بين عنواني الضرب على الأرض و التصرف في مال الغير عدوانا عموما من وجه، فهما عنوانان متصادقان على موجود واحد فما هو الحرام التصرف عدوانا، و ما هو جزء التيمم هو الضرب على الأرض و هو عنوان آخر غيره، و لهذا يفترقان بالضرب على الأرض المباحة، و بالتصرف بغير الضرب في الأرض المغصوبة تأمل.

و كيف كان لو فرض صحته فبمقتضى القاعدة لكن الالتزام بها في غاية الإشكال بل غير ممكن لتسلمه بين الأصحاب، و للإجماع المدعى و

ان أمكن المناقشة في مثل هذا الإجماع الذي للعقل فيه مدخل، و يمكن اتكال المجمعين على حكمه اما بعدم جواز الاجتماع و ترجيح جانب النهي، أو دعوى ان المبعد لا يمكن أن يكون

كتاب الطهارة (للإمام الخميني، ط - القديمة)، ج 2، ص: 104

مقربا و لو مع جوازه أو جهات أخر مرّ بيانها و الجواب عنها، لكن مع ذلك لا محيص عما ذهب إليه الجماعة، الا ان ذلك فيما إذا كانت الأرض مغصوبة، و اما مع مباحيتها و مغصوبية الانية، أو المكان أو غيرهما فلا يبعد القول بالصحة على طبق القاعدة لبعد كون المسألة بالنسبة إلى تلك الفروع اجماعية و الاحتياط سبيل النجاة.

السادس يشترط في الأرض الطهارة،

فلا يصح التيمم بالتراب النجس إجماعا كما عن الغنية و التذكرة و جامع المقاصد و شرح الجعفرية، و عن المنتهى نفى الخلاف عنه و عن المدارك نسبته إلى الأصحاب و هو حجة.

و يدل عليه قوله تعالى صَعِيداً طَيِّباً بناء على كونه بمعنى الطاهر كما عن ابن عباس، بل عن جامع المقاصد نسبته الى المفسرين، و لا يبعد دعوى ظهوره فيه عرفا بعد عدم كون المراد منه المستلذ الذي قيل انه معناه الحقيقي بمناسبة الحكم و الموضوع، و بكونه على الظاهر مساوقا للنظيف عرفا، الذي جعل مقابل القذر في بعض الروايات، أو يكون المراد منه مطلق النظيف خرج منه غير النجس إجماعا و بقي ما هو المقابل للقذر.

و احتمال كونه مقابل الخبيث كما في قوله «وَ الْبَلَدُ الطَّيِّبُ يَخْرُجُ نَبٰاتُهُ بِإِذْنِ رَبِّهِ وَ الَّذِي خَبُثَ لٰا يَخْرُجُ إِلّٰا نَكِداً» فيكون المراد منه الأرض النابتة يبعده ما مر من كون الصعيد هو مطلق وجه الأرض بالشواهد المتقدمة، فلا يبعد دعوى أقربية ما ذكرناه أولا

و لو بضميمة فهم المفسرين و الفقهاء، مع ان الخبيث ليس لغة بمعنى الأرض الغير النابتة، بل بمعنى الردى و ما يساوقه و النجس أيضا خبيث و المناسبات المغروسة في الأذهان توجب تعين الطيب المقابل للخبيث في الطاهر المقابل له، و قد اشتهر النجاسات بالاخباث و الطهارة من الخبث في مقابل الطهارة من الحدث.

و يؤيد المطلوب بعض الروايات كمرسلة على بن مطر عن بعض أصحابنا «قال:

سألت الرضا عليه السّلام عن الرجل لا يصيب الماء و لا التراب أ يتيمم بالطين؟ قال: نعم

كتاب الطهارة (للإمام الخميني، ط - القديمة)، ج 2، ص: 105

صعيد طيب و ماء طهور» «1» بناء على ان المراد ان الطين صعيد طيب و ماء طهور.

فان الظاهر منها ان السؤال من حيث صحة التيمم لا صيرورة بدنه نجسا للصلاة و الجواب عن هذه الجهة، فالرواية دالة على صحته به لكونه كذلك و لو لا اعتبار الطهور في المتيمم به لا يكون وجه لتقييده بالطهور بل في نفس ذكر الطيب و الطهور اشعار بذلك و ما عن الفقه الرضوي: «الصعيد الموضع المرتفع عن الأرض و الطيب الذي ينحدر عنه الماء» و عن معاني الأخبار تفسير الطيب بما ذكر، و الاخبار الواردة في ان الأرض طهور اى طاهرة مطهرة أو مطهرة مع قضاء الارتكاز بان المطهر لا بد و أن يكون طاهرا، و الانصاف أن مجموع ما ذكر يوجب الاطمئنان و ان أمكن الخدشة في غالبها، فلا ينبغي الإشكال في الحكم.

السابع لو مزج ما يصح التيمم به بغيره،

فان خرج عن صدق الأرض باستهلاكه فيما لا يصح أو بالامتزاج على وجه لا يصدق عليه الأرض و ان لم يصدق عليه ما اختلط به أيضا فلا يصح التيمم به بلا اشكال و

لا خلاف ظاهرا و هو واضح، و ان لم يخرج عن مسماها باستهلاك غير الأرض فيها، كما إذا امتزج كف من الرماد بامنان من التراب جاز بلا اشكال، للصدق حقيقة عند العرف من غير مسامحة، و يلحق به بعض الأجزاء الضعيفة التي لا يستهلك عرفا مثل الشعرة، و بعض ذرات التبن و الحشيش مما لا ينفك عن الأرض نوعا للانصراف و عدم فهم العرف من الصعيد و الأرض الا تلك الأراضي المتعارفة لا لصدق الأرض على المجموع من التراب و غيره عرفا ضرورة ان الحبة الصغيرة كحبة الجاورس و الخشخاش و الاجزاء الصغيرة من التبن و غيره إذا كانت على وجه الأرض لا يطلق على المجموع الأرض أو التراب الا بنحو من المسامحة حتى في نظر العرف.

و قد مر ان تشخيص موضوعات الاحكام مفهوما و مصداقا و ان كان بنظر العرف لكن المعتبر لو لا القرائن هو الدقة العرفية لا مسامحتها، من غير فرق بين التحديدات

______________________________

(1) الوسائل: أبواب التيمم، ب 9، ح 6.

كتاب الطهارة (للإمام الخميني، ط - القديمة)، ج 2، ص: 106

و غيرها فإذا وجب التيمم على الأرض و لم تكن قرينة توجب الاكتفاء بالفرد المسامحي المجازي، لزم أن تكون الأرض خالصة عرفا، و يصدق عليها عنوانها من غير مسامحة تحكيما لأصالة الحقيقة.

و دعوى ان الاجزاء الصغار ليست ملحوظة لدى العرف بحيالها لكون المجموع مصداقا للصعيد في الفرض، و لا يعتبر أن يكون كل جزء جزء يفرض منه مما يقع عليه الاسم.

غير وجيهة ضرورة ان كل جزء إذا لم يكن أرضا عرفا لا يمكن أن يكون المجموع أرضا إلا بالمسامحة و التأول، و النقض بمورد الاستهلاك كالفرض الأول ليس على ما ينبغي، لأن

فرض الاستهلاك العرفي ينافي البقاء العرفي، و ان كان المستهلك باقيا بالبرهان و العقل البرهاني، أو ترى الاجزاء بآلات مكبرة لكن العرف لا يرى المستهلك موجودا و لو بالدقة كاستهلاك الماء في اللبن، و المراد بالاستهلاك في الفرض الأول ذلك، فلو رؤيت الاجزاء و ميزت يكون من قبيل الثاني، و بالجملة ان مصداق المفاهيم قد يكون عقليا برهانيا أو مشخصا بآلات غير عادية كالمكبرات و قد يكون عرفيا حقيقيا من غير مسامحة، و قد يكون عرفيا مسامحيا و الميزان هو تشخيص العرف بالنظر الدقيق العرفي، و لا ريب في ان الأرض إذا خالطها أجزاء صغار غير ارضية تدرك بالبصر لا يصدق على مجموعها الأرض حقيقة بل الإطلاق بنحو من المسامحة و تنزيل الموجود الصغير منزلة المعدوم.

و لهذا ترى ان العرف يفرق بين الموضوعات فيسامح في خليط التبن بما لا يسامح في خليط الحنطة و يسامح في خليطها بما لا يسامح في خليط الزعفران و الذهب و ذلك دليل على التسامح و غض البصر عن بعض الأمور، لا لان صدق التبن على الخليط حقيقي بخلاف الزعفران، لكن قد تقدم وجود قرائن في بعض المقامات على ان الموضوع للحكم الشرعي هو الموضوع الذي يتسامح فيه العرف مثلا إذا أوجب الشارع في زكاة الفطر صاعا من الحنطة أو الشعير لا ينقدح في ذهن العرف من وجوب

كتاب الطهارة (للإمام الخميني، ط - القديمة)، ج 2، ص: 107

صاع من الحنطة و الشعير في زكاة الفطر الا ما هو المتعارف منهما في سوق البلد، لا الخالص الغير المتعارف، فالتعارف يوجب الانصراف الى ما بين أيديهم من الافراد و تقع معاملاتهم عليه، كما ان بيع كر من الحنطة منصرف الى المصاديق

المتعارفة في سوق البلد، فلو كانت الافراد المتداولة مخلوطة بمقدار من غير الجنس لا يجب الأداء إلا ما هو المتعارف، لا لأجل صدق كر من الحنطة حقيقة و من غير تسامح على الناقص مع المتمم من غير جنسها، بل لأجل الانصراف الى المتعارف و عدم اعتناء العرف بمثل هذا الخليط، و ان لم يتسامح في الأجناس الغالية العزيزة.

و في المقام أيضا ينصرف الأمر بالتيمم على الصعيد و التراب الى ما هو المتعارف الذي لا ينفك عن الخليط بما ذكرناه و ان لم يصدق عليه التراب أو الصعيد عليه من غير تسامح، و لهذا لو كان الخليط غير متعارف مقدارا أو جنسا كوقوع ذرات من الذهب على الأرض لا يصح التيمم به لعدم تعارف مثل هذا الاختلاط بالأجنبي.

و هذا هو السر في الافتراق بين الاختلاط بغير الأرض مما هو متعارف و بين الاختلاط بغير المتعارف كالاختلاط بشي ء من النجس، أو الاختلاط الاختياري بشي ء غير الأرض لعدم المناط المتقدم، و كذا الحال في أشباه المقام كاختلاط مقدار من التراب اختيارا في الحنطة لتميم الصاع، فان هذا النحو من الاختلاط غير متعارف لا ينصرف اليه الدليل بخلاف الاختلاط الطبيعي الغير المنفك، و لهذا يفترق بين إعطاء صاع من الحنطة في زكاة الفطر، و صاع من التمر لاختلاف تعارف الخلط فيهما، فلو كان التمر مخلوطا بمثل خلط الحنطة أي الخلط بالتراب و الرمل لا يكتفى به في الزكاة، لأجل عدم التعارف، بخلاف اختلاطه بما هو المتعارف كالأخشاب الصغار من ساقاته و جذوعه.

فتحصل من ذلك جواز التيمم بالتراب و الأرض المتعارف مما هو مخلوط بصغار التبن و الحشيش و غيرهما مما لا ينفك منها غالبا، بخلاف الاختلاط بالأجنبي و ما

هو غير متعارف خلطا و مخلوطا و ان كان صغيرا و مما ذكرنا يظهر النظر في كلام بعض أهل التحقيق ممن قارب عصرنا فراجع.

كتاب الطهارة (للإمام الخميني، ط - القديمة)، ج 2، ص: 108

و ليعلم ان ما ذكرنا في المقام مبنىّ على لزوم استيعاب جميع الكف الأرض، لكن فيه كلام سيأتي التعرض له في محله.

الثامن: يجوز التيمم بغبار الثوب و لبد السرج و عرف الدابة

اشارة

عند فقد الأرض أو تعذر الاستعمال بلا اشكال نصا و فتوى، و عن المعتبر هو مذهب علمائنا و أكثر العامة و تدل عليه صحيحة زرارة «قال: قلت لأبي جعفر عليه السّلام أ رأيت المواقف ان لم يكن على وضوء كيف يصنع و لا يقدر على النزول؟ قال: يتيمم من لبده أو سرجه أو معرفة دابته فان فيها غبارا و يصلى» «1».

و موثقته عن أبى جعفر عليه السّلام «قال: ان كان أصابه الثلج فلينظر لبد سرجه فليتيمم من غباره أو من شي ء معه «2» و ان كان في حال لا يجد الا الطين فلا بأس ان يتيمم منه» «3» و صحيحة رفاعة عن أبى عبد اللّٰه عليه السّلام «قال: إذا كان الأرض مبتلة ليس فيها تراب و لا ماء فانظر أجف موضع تجده فليتيمم منه، قال: ذلك توسيع من اللّٰه عز و جل، قال: فان كان في ثلج فلينظر لبد سرجه فيتيمم من غباره أو شي ء مغبر، و ان كان في حال لا يجد الا الطين فلا بأس أن يتيمم منه» «4».

و صحيحة أبي بصير عن أبى عبد اللّٰه عليه السّلام «قال: إذا كنت في حال لا تقدر الا على الطين فتيمم به فان اللّٰه أولى بالعذر إذا لم يكن معك ثوب جاف أو لبد تقدر أن تنفضه و تتيمم به»

«5».

(و ينبغي التنبيه على أمور)

منها: انه يظهر من تعليل صحيحة زرارة

و إطلاق قوله

______________________________

(1) الوسائل أبواب التيمم، ب 9- ح 1.

(2) لا يبعد ان يكون «معه» مصحف مغبر و لقربهما في الكتب اشتبه الأمر على النساخ و يؤيده صحيحة رفاعة الآتية (منه عفى عنه)

(3) الوسائل أبواب التيمم، ب 9 ح 2.

(4) الوسائل أبواب التيمم، ب 9، ح 4.

(5) الوسائل أبواب التيمم ب 9 ح 7.

كتاب الطهارة (للإمام الخميني، ط - القديمة)، ج 2، ص: 109

أو شي ء معه في موثقته عدم اختصاص الحكم بالأمثلة المذكورة في النصوص بل لولاهما أيضا لا يفهم منها الا التمثيل و اختصاص تلك الأمثلة بالذكر، لأجل كون المحارب المفروض في الصحيحة الاولى، و المسافر الذي يكون ظاهرا مفروض سائر الروايات لا يكون معهم شي ء مغبر نوعا الا ما ذكر فيها، فلا يستفاد منها التمثيل، و تلغى الخصوصية عرفا بلا اشكال، كما ان الظاهر من النص و الفتوى عدم الترتيب بين المذكورات، فتقديم الثوب على اللبد أو العكس مما لا وجه له.

و منها هل جواز التيمم بالغبار مشروط بفقد التراب أو مطلق الأرض

كما نسبه في محكي التذكرة إلى علمائنا، و عن الكفاية انه ظاهر أكثر الأصحاب، و عن كشف اللثام كذلك تارة و اخرى نسبته إلى الأصحاب. أو لا فيصح التيمم به اختيارا كما عن السيد حيث قال: يجوز التيمم بالتراب و غبار الثوب، و عن المنتهى و إرشاد الجعفرية تقويته لكن لا يستفاد من عبارتهما المنقولة ذلك بل يمكن أن يكون مرادهما جمع الغبار بمقدار يصدق عليه اسم التراب، و هي هذه: ان الغبار تراب فإذا نفض أحد هذه الأشياء عاد إلى أصله فصار ترابا مطلقا، بل يمكن ان يكون مراد السيد من قوله المتقدم هو الجواز في الجملة و لم يكن بصدد بيان نفى الترتيب و عرضية الجواز، و كيف

كان فالمتبع هو الأدلة المتقدمة الخاصة.

و اما مقتضى الآية الكريمة و الروايات الدالة على ان التيمم بالأرض و التراب عدم صحته بالغبار مطلقا، و لو في حال الاضطرار، لعدم صدقهما عرفا على الشي ء المغبر أو الغبار الذي يعلو السرج و اللبد، بل هو أثر التراب لدى العرف كالرطوبة بالنسبة إلى الماء، فلا بد من النظر في تلك الروايات.

فنقول: اما صحيحة زرارة فلا حد ان يقول ان مقتضى عموم تعليلها جواز التيمم بما فيها الغبار مطلقا، و فرض الراوي عدم القدرة على النزول لا يوجب تنزيل التعليل عليه فان المورد لا يقيد و لا يخصص إطلاق التعليل أو عمومه فكما نتعدى بعموم التعليل أو إطلاقه الى كل ما فيه الغبار، و نتعدى الى كل عذر مع ان المورد عدم القدرة على النزول

كتاب الطهارة (للإمام الخميني، ط - القديمة)، ج 2، ص: 110

يمكن أن نتعدى بعمومه عن مورد التعذر الى غيره بعد كون فرض التعذر في كلام الراوي فهو بمنزلة أن يقول: إذا لم يكن عنده تراب كيف يصنع؟ فأجاب بأنه يتيمم بالحجر فإنه أرض، حيث لا يبعد استفادة ان الأرض كالتراب في صحة التيمم من غير ترتب بينهما.

نعم لو كان تقديره في كلام الامام، كان ظاهرا في التأخر كما في قوله: «إذا كنت لا تجد الا الطين فلا بأس أن تتميم به».

و احتمال التعدي و لو على هذا الفرض فلو قال إذا لم تجد التراب فتيمم بالحجر فإنه أرض نحكم بجواز التيمم بالأرض اختيارا.

ضعيف للفرق بين قوله: «لا تشرب الخمر لانه مسكر» و بين قوله: «إذا لم تجد التراب» إلخ فإن الظاهر من فرض عدم التراب انه مع وجوده لا يجوز التيمم بغيره، نعم لازم

التعليل التعدي من الحجر الى غيره، لا من فرض العجز عن التراب الى غيره، و هذا بخلاف ما يكون الفرض في السؤال و في كلام الراوي لا مكان القول بالتعدي و ان تمام الموضوع للجواز هو مورد العلة، تأمل.

هذا مع تسليم ان المفروض في الصحيحة عدم القدرة على التيمم بالأرض لكنه ممنوع، بل المفروض فيها بحسب الظاهر المتفاهم عرفا عدم التمكن من النزول للوضوء، فان قوله: «ان لم يكن على وضوء كيف يصنع و لا يقدر على النزول» ظاهر في انه لا يقدر على النزول للوضوء بقرينة ذكره.

و اما فرض عدم التمكن من النزول للتيمم أمر آخر لا بد من فرض فقدان الماء معه، و لم يفرضه مع ان فقدانه نادر، و عدم القدرة على النزول لصرف ضرب الكف على الأرض نادر أيضا، بخلاف عدم القدرة للوضوء لاحتياجه الى زمان معتد به.

فتحصل من ذلك ان المفروض فيها العذر عن الوضوء فكأنه قال: إذا تعذر النزول للوضوء يتيمم بلبد سرجه، لان فيه غبارا فيدل على انه عند فقدان الماء يجوز التيمم بالغبار، و مجرد كون المورد من الذي لا يتمكن من التيمم على الأرض

كتاب الطهارة (للإمام الخميني، ط - القديمة)، ج 2، ص: 111

لو فرض فقدان الماء على فرض تسليمه لا يوجب تقييد الإطلاق، و رفع اليد عن التعليل بعد عدم فرض فقدان الماء.

و اما قوله في موثقة زرارة: «ان كان اصابه الثلج فلينظر لبد سرجه فليتيمم من غباره» و ان كان ظاهرا بدوا في الترتيب لكن يحتمل أن يكون المقصود التنبه بفرد مغفول عنه، فيكون المراد إفادة صحة التيمم بالغبار لئلا يتوهم انه مع اصابة الثلج فاقد للمتيمم به لا لإفادة الترتيب.

و يؤيده بل

يدل عليه انه لو كان بصدد افادة الترتيب كان عليه ان يقول ان لم يجد التراب فإنه مع اصابة الثلج يمكن له تحصيل التراب و الأرض اليابس نوعا من غير حرج رافع للتكليف، خصوصا في المناطق الباردة التي تكون الأرض تحت الثلج يابسة لمنع البرودة من ذوبان الثلج، و صيرورتها مبتلة فضلا عن صيرورتها و حلة، مع ان التيمم بالأرض الندية جائز يدعى عليه اتفاق الأصحاب، و لا يصير تحت الثلج طينا أو وحلا إلا في أوقات خاصة فتجويز التيمم بالمذكورات مع اصابة الثلج مطلقا دليل على كونه بها مصداقا اختياريا، و كون اصابة الثلج كناية عن عدم وجدان التراب و الأرض خلاف الظاهر مع وجدانهما نوعا، فلا يبعد أن يكون التعليق باصابته للتنبيه على انه لا يلزم مع إصابته أن يتكلف برفعه من الأرض و يتيمم بما تحته، بل يجوز التيمم بغبار الثوب و نحوه، فان المكلف المأمور بالتيمم إذا أصابه الثلج يرى نفسه مكلفا و ملزما بتحصيل التراب و الأرض برفع الثلج، و سائر الموانع و التيمم بها، فيمكن ان يراد بذلك دفع توهم لزومه لا افادة الترتيب.

و يؤيد ما ذكرناه من احتمال كون التعليق للإرشاد بمصداق آخر اختياري مغفول عنه صحيحة رفاعة حيث أردف فيها قوله: «و ان كان في ثلج» لقوله: «إذا كان الأرض مبتلة ليس فيها تراب و لا ماء فانظر أجف موضع تجده فتيمم منه» فإنه لا يراد منه الترتيب بين أجف موضع من الأرض و بين التراب، كما عليه الفقهاء فيكون المراد دفع توهم عدم جواز التيمم بالأرض المبتلة، و الإرشاد إلى مصداق آخر مما يصح التيمم به اختيارا

كتاب الطهارة (للإمام الخميني، ط - القديمة)، ج 2، ص:

112

فيمكن الاستيناس به للفرض الثاني.

و يمكن الاستدلال عليه برواية ابن المغيرة «قال: ان كانت لأرض مبتلة ليس فيها تراب و لا ماء فانظر أجف موضع تجده فتيمم من غباره أو شي ء مغبر، و ان كان في حال لا يجد الا الطين فلا بأس ان يتيمم به» «1» فان الظاهر من عطف شي ء مغبر (بأو) انه مع فقد التراب و الماء في عرض الموضع الاجف، فمع البناء على ان الأرض الندية في عرض التراب و يجوز التيمم بها اختيارا يتم المطلوب، الا ان المظنون حصول تقطيع في تلك الرواية و ان أصلها هي صحيحة رفاعة المنقولة بتوسط ابن المغيرة، مع انها مقطوعة غير منسوبة إلى المعصوم و لعله فتواه.

و الانصاف انه لو لا مخافة مخالفة الأصحاب، و عدم ثبوت مخالف في المسألة حتى السيد كما عرفت لكان الجواز اختيارا غير بعيد، لكن بعد تسليم المسألة بينهم و بعد ظهور الآية الكريمة في تعين التيمم بالصعيد، و بعد ظهور الأخبار الكثيرة التي جملة منها ظاهرة في حصر المتيمم به بالأرض، يمكن دعوى ان التجويز بالغبار من جهة أنه ميسور الأرض لكونه أثرها، و لهذا ترى ان ما دلت على تجويزه به انما هي في موارد خاصة كالمواقف الغير القادر على النزول، و المصاب بالثلج و الخائف من سبع و غيره، و ليس في الروايات العامة إلا التيمم بالأرض و الصعيد و التراب، فلو كان في حال الاختيار جائزا لكان في تلك الروايات الكثيرة خصوصا ما وردت في مقام الامتنان ذكر منه، فيحصل الاطمئنان بما عليه المشهور.

مع إمكان ان يقال ان ما أنكرنا من دلالة الروايات على الترتيب مناقشات عقلية بعيدة عن الأذهان العرفية، و العرف يفهم

منها مع خلو نفسه عن المناقشات العقلية الترتيب، و يشهد به فهم الفقهاء و أرباب اللسان.

و بالجملة الظاهر من الروايات عرفا بعد تعليق الجواز على أمور عذرية، ان التيمم به متأخر عن التيمم بالصعيد الذي هو التكليف الاولى كتابا و سنة، و لا ينقدح

______________________________

(1) الوسائل أبواب التيمم، ب 9، ح 10.

كتاب الطهارة (للإمام الخميني، ط - القديمة)، ج 2، ص: 113

في الذهن كونها في مقام بيان توسعة المصداق الاختياري، فالقول المشهور كونه أحوط هو الأقوى.

و منها: انه لا إشكال في اعتبار كون الغبار محسوسا على ذي الغبار

بحيث يرى ظاهره مغبرا، و لا يكفى ضرب اليد على ما يكون الغبار كامنا فيه، و ان آثار الغبار منه بالضرب عليه لعدم صدق التيمم بالغبار كما أمر به في موثقة زرارة و صحيحة رفاعة، و مقتضى ظاهر صحيحة أبي بصير قال فيها: «إذا لم يكن معك ثوب جاف أو لبد تقدر ان تنفضه و تتميم به» فان الظاهر ان النفض لان يظهر غباره على ظاهره، لعدم وجود ثوب أو لبد يمكن ان ينفض منه مقدار من الغبار يصح التيمم به اختيارا، فحمل الاشتراط عليه مرجعه الى اشتراط لغو غير محقق المصداق فلا يفهم من قوله ذلك الا النفض لظهور الغبار و لو لأجل ندرة المصداق الاختياري أو فقدانه.

و دعوى صدق التيمم على الغبار إذا ضرب يده على ذي غبار كامن فأثار منه في غير محلها. ضرورة ان الظاهر من الأمر بالتيمم على الغبار أن يضرب يده عليه، و مع عدم كون ظاهره مغبرا لا يقع الضرب عليه، بل وقع على الثوب و بعده ظهر الغبار، نظير ما فرض ان يضرب على غير الأرض فصار بالضرب أرضا، فصيرورة الشي ء بعد الضرب مما يصح التيمم به لا يوجب صدق التيمم

به و هو ظاهر، و عليها يحمل التعليل في صحيحة زرارة ان لم يكن بنفسه ظاهرا في كون ظاهرها مغبرا، كما انه عليها يحمل إطلاق رواية زرارة الضعيفة بأحمد بن هلال مع ان ارتكازية كون الغبار ميسور الصعيد لا يبعد ان تمنع من إطلاقها، مضافا الى ان إطلاقها بمقتضى الجواز و لو لم يكن في اللبد غبار كامن و هو كما ترى.

و كيف كان لا إشكال في المسألة و لا تحتاج الى طول البحث، كما لا إشكال في لزوم كون الغبار مما يصح التيمم به، فلا يصح بغبار الدقيق و الأشنان لانصراف الأدلة و ارتكازية كون الغبار ميسور الأرض و أثرها فلا ينبغي الخلاف و الاشكال فيه، و مقتضى إطلاق الأدلة عدم الفرق بين مراتب ذي الغبار، و أكثريته لا توجب التعيين بعد اشتراك

كتاب الطهارة (للإمام الخميني، ط - القديمة)، ج 2، ص: 114

الكل في عدم صدق الأرض عليه و صدق الغبار، و الاحتياط حسن على كل حال.

التاسع لا اشكال نصا و فتوى في جواز التيمم بالطين إجمالا،

اشارة

و انما الإشكال في أمرين:

(أحدهما) في ان مقتضى الأدلة العامة و الخاصة هل هو جواز التيمم به اختيارا أو هو مترتب على مطلق وجه الأرض و مصداق اضطراري للمتيمم به، (و ثانيهما) ان مقتضاها هل هو تقدمه على الغبار أو تأخره و لنبحث عنهما مع قطع النظر عن فتاوى الأصحاب.

فنقول: مقتضى ظاهر الكتاب و النصوص الآمرة بالتيمم بالصعيد و الأرض جواز التيمم بما يصدق عليه عنوانهما، و لا ريب في ان الطين إذا كان غليظا غير رقيق يصدق عليه الأرض و ان لم يصدق عليه التراب، فالطين المتماسك الذي غلبت أجزاء أرضيته على مائيته أرض و صعيد بناء على ما تقدم من كونه مطلق الأرض و

مجرد خروجه عن صدق التراب لا يوجب خروجه عن الأرض، فاللبنة قبل جفافها و بعده أرض و ليست بتراب حتى بعد الجفاف كما ان الأواني المصنوعة من الطين قبل جفافها و بعده ارض و ليست بتراب.

نعم قد يكون رقيقا بحيث يخرج عن صدق الأرض عليه أو يشك فيه كالوحل فان في بعض مراتبه لا يصدق عليه الأرض و يشك فيه في بعضها، و لعل الطين أعم من الوحل.

و يشهد لما ذكرنا من صدق الأرض على الطين موثقة عمار عن أبى عبد اللّٰه عليه السّلام «قال: سألته عن حد الطين الذي لا يسجد عليه ما هو؟ فقال: إذا غرقت الجبهة و لم تثبت على الأرض» «1» فإن الظاهر منها جواز السجدة على الطين الغليظ المتماسك بحيث تستقر الجبهة عليه، و لا شبهة في ان جوازها لأجل كونه أرضا، بل لا يبعد دعوى استفادة كون ما تغرق الجبهة فيه أرضا منها، لجعل المانع منها عدم الاستقرار لا عدم الأرضية و كيف كان لا شبهة في دلالتها على أرضية الطين الذي تستقر عليه الجبهة لتماسكها.

______________________________

(1) الوسائل أبواب مكان المصلى، ب 9، ح 9.

كتاب الطهارة (للإمام الخميني، ط - القديمة)، ج 2، ص: 115

و تدل عليه رواية زرارة عن أحدهما عليهما السلام «قال: قلت رجل دخل الأجمة ليس فيها ماء و فيها طين. ما يصنع؟ قال: يتيمم فإنه الصعيد» «1» نعم ربما يشعر قوله في مرسلة على بن مطر «صعيد طيب و ماء طهور» «2» في خلاف ذلك لكن الظاهر منها أيضا جواز التيمم به لكونه صعيدا، و اما قوله: «و ماء طهور» فلا بد من رفع اليد عن ظاهره لعدم صدق الماء عليه بالبداهة، فلعل المراد انه صعيد

طيب فيه ماء طهور لا يمنع عن التيمم به. تأمل.

و كيف كان بناء على صدق الأرض على الطين ببعض مراتبه يجوز التيمم به اختيارا و لو كان بحيث تتلطخ اليد بالضرب عليه لظاهر الكتاب و السنة، فلا بد من قيام دليل على عدم الجواز يقيد إطلاقهما، و هذا بخلاف الغبار و الوحل الذي لا يصدق عليه الأرض فلا بد فيهما من قيام الدليل على صحته و يظهر مما ذكر تقدم التيمم بالطين على التيمم بالغبار بمقتضى الكتاب و السنة، للصدق في الأول دون الثاني.

هذا حال الأدلة العامة و اما الأدلة الخاصة فقد استدل على تأخر الطين عن الغبار فضلا عن الأرض بروايات كموثقة زرارة عن أبي جعفر عليه السّلام «قال: ان كان اصابه الثلج فلينظر لبد سرجه فليتيمم من غباره أو من شي ء معه، و ان كان في حال لا يجد الا الطين فلا بأس ان يتيمم منه» «3» و قريب منها صحيحة رفاعة و اما ما جعلها في الوسائل رواية أخرى عن زرارة عن أبى جعفر عليه السّلام و هي الرواية الثالثة من الباب، فالظاهر انها قطعة من الرواية المتقدمة لا رواية مستقلة.

و وجه الاستدلال بهذه الروايات قوله: «و ان كان في حال» إلخ حيث علق فيها جواز التيمم بالطين على عدم شي ء يتيمم به و لو مثل اللبد و الثوب، و مقتضاه تأخر رتبته عنه.

و فيه ان الظاهر من قوله: «ان كان أصابه الثلج» بعد عدم جواز الأخذ بإطلاقه كما

______________________________

(1) الوسائل أبواب التيمم، ب 9، ح 5.

(2) الوسائل أبواب التيمم، ب 9، ح 6.

(3) الوسائل أبواب التيمم ب 9، ح 2.

كتاب الطهارة (للإمام الخميني، ط - القديمة)، ج 2، ص: 116

مر في

المسألة السابقة، هو كونه بحيث يتعذر أو يتعسر التيمم معه بالأرض، أي لا يمكن رفع الثلج و التيمم بها، فيكون عدم إمكان التيمم بالأرض و لو كانت طينا مفروضا في الروايات، فكأنه قال: مع عدم المصداق الاختياري يتيمم بالاضطرارى و هو الغبار الذي مرّ أنه ليس بأرض (فح) لا يجوز حمل قوله: «و ان كان في حال لا يجد الا الطين» إلخ على تعليق التيمم به على عدم الغبار، بل هو محمول على فقدان الأرض غير الطين، بل بعد صدق الأرض على الطين عرفا لا ينقدح في الذهن تأخره عن الغبار الذي هو فرد اضطراري و ليس بأرض فيوجب ذلك ظهورا فيما ذكرنا لو نوقش في ظهوره ذاتا في ذلك، مع ان المناقشة في غير محلها ظاهرا.

نعم لو كان قوله: «ان كان اصابه الثلج» كناية عن فقدان الأرض غير الطين، لكان لما ذكر وجه لكن لو كان المراد ذلك لكان ذكر المطر أولى، فذكر الثلج خصوصا في تلك الافاق التي لا ينزل فيها الثلج و ترك المطر الذي هو أولى بالذكر لكثرة الابتلاء به و اسرعيته في تطيين الأرض دليل على ان له دخالة في الحكم و للإمام عليه السّلام عناية في ذكره، و ليس فيه ما يوجب الخصوصية الا حيلولته عن الوصول الى وجه الأرض، فكأنه قال: إذا لم يمكن التيمم بالأرض لاصابة الثلج و حيلولته يتيمم بالغبار، و ان امكنه لكن لا يجد الا الطين فلا بأس بالتيمم به، فتدل على تقدم الطين على الغبار.

و اما تقدم الأرض الجاف على الطين فمبنى على ان مفهوم «لا بأس» البأس بمعنى الممنوعية و اما إذا كان المراد التنزيه خصوصا في مثل التيمم بالطين مما يوجب

تلطخ اليد و الوجه، و ربما ينافي النظافة المطلوبة فلا، و مع احتماله و عدم ظهوره في الأول لا يمكن رفع اليد عن إطلاق الأدلة بها.

و تدل على تقدم الطين على الغبار و عرضيته مع الأرض رواية زرارة عن أحدهما عليهما السلام «قال: قلت رجل دخل الأجمة ليس فيها ماء و فيها طين ما يصنع؟ قال: يتيمم فإنه الصعيد، قلت فإنه راكب لا يمكنه النزول من خوف و ليس هو على وضوء؟ قال

كتاب الطهارة (للإمام الخميني، ط - القديمة)، ج 2، ص: 117

إذا خاف على نفسه من سبع أو غيره و خاف فوات الوقت فليتيمم يضرب بيده على اللبد و البرذعة و يتيمم و يصلى» «1» فقوله: فإنه الصعيد إشارة إلى جواز التيمم به اختيارا لكونه الصعيد الذي أمر اللّٰه تعالى بالتيمم منه، و لا ريب في ان قوله: «فإنه راكب» ظاهر في ان الداخل على الأجمة الكذائية راكب و يخاف على نفسه أن ينزل لكونها مأوى الأسد، و الحمل على سؤال مستأنف، خلاف الظاهر جدا (فح) تدل على تقدم الطين على الغبار.

و يدل عليه أيضا إطلاق مرسلة على بن مطر عن بعض أصحابنا «قال: سالت الرضا عليه السّلام عن الرجل لا يصيب الماء و لا التراب أ يتيمم بالطين؟ قال: نعم صعيد طيب و ماء طهور» «2» و الظاهر من قوله: «صعيد» إلخ أنه فرد اختياري لا منع من التيمم به و الماء الذي فيه لا مانع منه.

اما صحيحة أبي بصير عن أبى عبد اللّٰه عليه السّلام «قال إذا كنت في حال لا تقدر الا على الطين فتيمم به فان اللّٰه أولى بالعذر، إذا لم يكن معك ثوب جاف أو لبد تقدر أن

تنفضه و تتيمم به» «3» فمع قطع النظر عن سائر الروايات ظاهرة في ان الطين فرد اضطراري عذري متأخر عن الإفراد الاختيارية، و عن غبار الثوب أو اللبد الذي هو فرد اضطراري أيضا لكن لا يبعد أن يكون التصرف فيها بحمل القدرة على النفض على ما إذا حصل به مقدار من التراب يمكن إيجاد الفرد الاختياري معه، خصوصا مع قوله: «إذا لم يكن معك» إلخ عقيب قوله: «فان اللّٰه اولى بالعذر» فان ظاهره ان الطين مصداق عذري دون التيمم بما نفض فإنه مصداق غير عذري، أهون من التصرف في سائر الأدلة كقوله:

«فإنه صعيد» خصوصا مع بعد تقديم ما ليس بصعيد على الصعيد نعم ظاهرها ان التراب مقدم على الطين.

هذا كله إذا أريد بالطين في جميع الروايات معنى واحد، لكن يمكن الجمع

______________________________

(1) الوسائل أبواب التيمم، ب 9، ح 5.

(2) مرت بعينها في صفحة 115.

(3) مرت بعينها في صفحة 108

كتاب الطهارة (للإمام الخميني، ط - القديمة)، ج 2، ص: 118

بينها بوجه آخر و هو حمل ما دل على جوازه اختيارا على الطين الذي يصدق عليه انه صعيد بقرينة قوله في رواية زرارة: «أنه صعيد» و حمل صحيحة أبي بصير على الوحل الذي يكون مصداقا عذريا بقرينة قوله: «ان اللّٰه اولى بالعذر» لعدم تناسبه مع الطين الصادق عليه الصعيد خصوصا مع جعله في الصحيحة متأخرا عن الغبار الذي لا تصدق عليه الأرض بلا اشكال.

و ان شئت قلت: ان إطلاق صدرها و ان يقتضي كون المراد بالطين أعم من الوحل و يمكن جعل قوله: «ان اللّٰه أولى بالعذر» دليلا على ان مطلق الطين فرد اضطراري لكن كون التعليل بأمر ارتكازي، و هو انه مع عدم إمكان الصعيد و

العذر منه يتيمم بالطين يمنع عن إطلاقه فيفهم منه ان المراد به ما لا يصدق عليه الأرض أي الوحل، خصوصا مع بعد تأخر الأرض عن الغبار، فيكون مقتضى الصحيحة تأخر الوحل عن الغبار، و هي تصير قرينة على سائر الروايات كموثقة زرارة و صحيحة رفاعة و لو مع قطع النظر عن رواية زرارة و مرسلة ابن مطر.

فتحصل مما ذكر ان مقتضى الجمع المذكور جواز التيمم بالطين الصادق عليه الأرض اختيارا، و عند الاضطرار يقدم الغبار على الوحل الذي هو خارج عن مسمى الأرض حفظا لظهور صحيحة أبي بصير، و لعل تعبيرات الفقهاء في المتون بالوحل للجمع المذكور، مع تطابق النصوص جميعا بذكر الطين و كان المناسب تبعيتهم لها في التعبير كما هو بناؤهم في سائر الموارد غالبا خصوصا قدماء أصحابنا فرفع اليد عما في النصوص بعنوان مغاير في الجملة للطين، لا بد له من نكتة لا يبعد أن تكون ما ذكرناه من الجمع.

قال الشيخ في النهاية: فإن كان في أرض وحلة لا تراب فيها و لا صخر، و كانت معه دابة فلينفض عرفها أو لبد سرجها و تيمم بغبرته فان لم يكن معه دابة، و كان معه ثوب تيمم منه، فان لم يكن معه شي ء من ذلك وضع يديه جميعا على الوحل و يمسح إحديهما بالأخرى و ينفضهما حتى يزول عنهما الوحل ثم يتيمم، و لا يجوز التيمم بما لا يقع عليه اسم الأرض بالإطلاق سوى ما ذكرناه «انتهى».

كتاب الطهارة (للإمام الخميني، ط - القديمة)، ج 2، ص: 119

و هي كما ترى تدل على ان الوحل بما لا يصدق عليه عنوان الأرض لا يجوز التيمم به، فدلت على ان اختصاصه بالذكر لأجل عدم صدقها عليه،

فذكر الوحل الذي هو الطين الرقيق، و ترك ما في النصوص و تعليله ذلك دليل على عناية به و لعلها ما ذكرناه، و الا فلا وجه لرفع اليد عن النصوص بما يخالفها، و قد عبر بالوحل في المراسم و الوسيلة و الشرائع و النافع و القواعد و التذكرة و المنتهى قائلا و لو لم يجد الا الوحل يتيمم به و هو مذهب علمائنا، و ان عبر بالطين أيضا في خلال المسائل لكن الظاهر من تلك العبارة ان التيمم بالوحل مذهب علمائنا، و كذا عبر به في الإرشاد و الروض و عن الدروس و في مفتاح الكرامة في ذيل قول الماتن و لا بالوحل، قال: اى لا يجوز التيمم بالوحل اختيارا كما صرح به المصنف و غيره، و في مجمع البرهان عدم ظهور الخلاف فيه الى آخر ما قال، حيث يظهر منه ان معقد عدم ظهور الخلاف عنوان الوحل.

و لا اعتماد بتفسير المتأخرين المتون المشتملة على الوحل بالطين، فان الظاهر ان التفسير حسب اجتهادهم و على ما وجدوا النصوص كذلك. قال في مفتاح الكرامة: و الوحل هو الطين الرقيق كما نص عليه جماعة من الأصحاب، و هذا أيضا دليل على عناية منهم بذكر الوحل مقابل الطين.

و كيف كان لا ريب في ان تطابقهم على التعبير به ليس من باب الاتفاق بلا عناية منهم بمعنى الوحل، مع ما عرفت من حكاية تفسير جماعة منهم بالطين الرقيق، و لا يمكن حمل كلامهم على ان المراد به الطين مع ما عرفت، و مع تفسير أئمة اللغة الوحل بالطين الرقيق.

ففي الصحاح: الوحل الطين الرقيق. و في القاموس: الوحل- و يحرك- الطين الرقيق ترتطم فيه الدواب، فما في مفتاح الكرامة حكاية

عنه تفسيره بالطين مخالف لما فيه، و فسره في المنجد و المجمع بالطين الرقيق، و قد ذكر الفقهاء الموتحل و الغريق في باب صلاة الخوف قرينين، و المراد به من غرق في الوحل و هو الطين

كتاب الطهارة (للإمام الخميني، ط - القديمة)، ج 2، ص: 120

الرقيق الذي يغرق الإنسان فيه.

و مع ما عرفت لا يمكن دعوى الشهرة أو الإجماع على تأخر الطين الغليظ المتماسك الذي يصدق عليه الأرض عن الصعيد، فضلا عن تأخره عن الغبار، و لا أقل من الشك فيه و معه لا يمكن رفع اليد عن إطلاق الكتاب و السنة، و مقتضى الجمع بين الأدلة و ان عبر بعضهم بالطين كالشيخ في الخلاف، بل و لو نوقش في ظهور الأدلة فيما ذكرناه و في اقتضاء الجمع المذكور، فلا أقل من أن ما ذكرناه احتمال مساو لما ذكروه، و دعوى الظهور فيما قالوا ممنوعة، فلا يجوز رفع اليد عن إطلاق الآية و الروايات الصحاح، الا أن يمنع صدق الأرض على الطين بجميع مصاديقه، أو يدعى انصراف الأدلة إلى غيره و هما ممنوعان مردودان الى المدعى.

ثم ان مقتضى إطلاق الأدلة انه ليس للتيمم بالوحل كيفية خاصة بل كيفيته هي المعهودة المتداولة في التيمم بالأرض، نعم لا مانع من فرك الطين من اليد بل لا يبعد استحبابه ان قلنا باستحباب النفض بدعوى استفادته من أدلة النفض، و لعله مراد الشيخ المفيد (ره) كما انه ظاهر شيخ الطائفة في عبارته المتقدمة حيث قال: وضع يديه جميعا على الوحل و يمسح إحديهما بالأخرى و ينفضهما حتى يزول عنهما الوحل ثم يتيمم.

فما نسب اليه من مخالفته للأصحاب ليس على ما ينبغي، بل لا يبعد أن يكون ذلك أيضا

مراد صاحب الوسيلة، قال: فان لم يكن معه شي ء من ذلك و وجد وحلا يتيمم منه و ضرب بيديه عليه، و قد أطلق الشيوخ رحمهم اللّٰه ذلك على الإطلاق، و الذي تحقق لي منه انه يلزمه أن يضرب يديه على الوحل قليلا و يتركه عليها حتى ييبس ثم ينفض عن اليد و يتيمم به «انتهى».

فان الظاهر من تعليق جواز التيمم بالوحل على عدم وجود شي ء مما يتيمم به ان التيمم به بهذه الكيفية متأخر عن سائر المراتب، و لو كان مراده الحيلة إلى تحصيل التراب و التيمم به لم يكن وجه لذلك التعليق، فان التيمم بالتراب جائز كان أصله الوحل أولا، مع ان الظاهر منه ان كلامه في مقابل إطلاق الأصحاب في كيفية

كتاب الطهارة (للإمام الخميني، ط - القديمة)، ج 2، ص: 121

التيمم لبيان لزوم النفض، و الظاهر رجوع الضمير في قوله: «و يتيمم به» الى الوحل لا الى المنفوض تأمل.

و كيف كان فالمتبع هو إطلاق الأدلة، ثم ان في لزوم تلك الحيلة أو مثلها لتحصيل التراب كلاما ربما يأتي في ذيل مسألة جواز التيمم في سعة الوقت.

تتميم

الظاهر انحصار ما يتيمم به و لو اضطرارا بما ذكر، و مع فقده يكون فاقد الطهورين و حكى عن ظاهر السيد و ابن جنيد و سلار التيمم بالثلج و استدل عليه بصحيحة محمد بن مسلم عن أبى عبد اللّٰه عليه السّلام «قال: سألته عن رجل أجنب في سفر و لم يجد الا الثلج أو ماء جامدا؟ قال: هو بمنزلة الضرورة يتيمم و لا أرى أن يعود الى هذه الأرض التي توبق دينه» «1» بدعوى ان الظاهر منها عدم وجدان شي ء مما يتيمم به اختيارا و اضطرارا،

فيكون الظاهر من قوله «يتيمم» انه يتيمم بالثلج و يشهد له قوله: «و لا أرى أن يعود» إلخ فإن التراب أحد الطهورين و معه لا يوبق دينه.

و فيه: ان الظاهر من قوله «و لم يجد الا الثلج أو ماء جامدا» هو عدم وجدان الماء لا عدم وجدان الأرض و لا الطين و لا الغبار، و قوله: يتيمم في مقام الجواب أي إذا لم يجد ماء و كان الماء جامدا يتيمم. و عدم ذكر ما يتيمم به لأجل وضوحه بنص الكتاب و السنة و لو كان المراد التيمم بالثلج كان عليه التصريح مع كونه مخالفا لما ذكر، و قد مر دلالة ذيلها على عدم جواز تحصيل الاضطرار عمدا و التيمم بالتراب و قوله: «لا أرى أن يعود»، إلخ أي لا يعود إلى أرض لا يجد فيها ماء للطهارة، و مجرد كون التراب أحد الطهورين لا يوجب جواز تحصيل الاضطرار كما مر في أوائل هذه الوجيزة.

و اما التمسك بقاعدة الاحتياط و الشغل و قوله: «الصلاة لا تترك بحال» فهو كما ترى مع حكومة «لا صلاة الا بطهور» على مثل «الصلاة لا تترك بحال»، لو سلم وروده

______________________________

(1) الوسائل أبواب التيمم، ب 9 ح 9.

كتاب الطهارة (للإمام الخميني، ط - القديمة)، ج 2، ص: 122

مع انه لا يوجب طهورية ما ليس بطهور، بل مقتضاه عدم سقوط الصلاة مع فقد الطهور لا جعل ما ليس بطهور طهورا، و سيأتي تتمة لذلك في محله إن شاء اللّٰه.

و عن المفيد في المقنعة: و ان كان قد غطاها الثلج و لا سبيل الى التراب فليكسره و ليتوضأ به مثل الدهن «انتهى» و فيه: انه ان كان مراده بالتوضي مثل الدهن هو مسح

الأعضاء بدل الغسل بدعوى انه ميسوره فإنه عبارة عن إيصال الماء و إجرائه عليه، و مع عدم إمكان ذلك لا يسقط ميسوره، و هو إيصال رطوبة الماء و بلته الى العضو و مسحه به كما تشهد به رواية عبد الأعلى، «قال: قلت لأبي عبد اللّٰه عليه السّلام: عثرت فانقطع ظفري فجعلت على إصبعي مرارة فكيف اصنع بالوضوء؟ قال: يعرف هذا و أشباهه من كتاب اللّٰه عز و جل، قال اللّٰه تعالى مٰا جَعَلَ عَلَيْكُمْ فِي الدِّينِ مِنْ حَرَجٍ امسح عليه «1» فإذا كان المسح على المرارة ميسور المسح على البشرة لانحلال المسح عليها إلى الإمرار و مماسة الماسح للممسوح، فإذا رفعت المماسة للحرج بقي الإمرار على الملاصق بالعضو، لارتكازية قاعدة الميسور يكون المقام كذلك جزما.

فيرد عليه بعد الغض عن سند القاعدة و عدم ثبوت جبره و عدم ثبوت كونها عقلائية يتكل بها العقلاء في أمورهم، ان عنوان المسح مقابل بل مباين للغسل، و لا يكون ميسوره عرفا، و لا يعتنى العرف بهذه التحليلات العقلية، مع ان الغسل بالماء لا ينحل الى وصول الرطوبة التي ليست بماء، بل أثره عرفا و مغاير له ذاتا، فلا مجال للتمسك بالقاعدة في مثله.

و اما رواية عبد الأعلى و ان كانت موهمة لذلك لكن التأمل فيها يدفع التوهم فان المفروض فيها حكمان: أحدهما عدم لزوم المسح على البشرة، و الثاني لزوم المسح على المرارة و ما يعرف من كتاب اللّٰه، اى آية عدم جعل الحرج التي تمسك بها أبو عبد اللّٰه عليه السّلام هو الحكم الأول، ضرورة ان المستفاد منها ليس الا عدم جعل التكاليف الحرجية، و اما جعل البدل و بقاء الوضوء المركب من المسح و الغسل بعد تعذر

بعض اجزائه، فلا يكاد ان يستفاد و يعرف منها، مضافا الى وضوح عدم كون المسح على المرارة ميسور

______________________________

(1) الوسائل أبواب الوضوء ب 39، ح 5.

كتاب الطهارة (للإمام الخميني، ط - القديمة)، ج 2، ص: 123

المسح على البشرة، فلو صح التقريب و التحليل المتقدم لصح ان يقال ان المسح على البشرة منحل إلى أصل المسح، و كونه باليد و كونه على البشرة، و كونه بأثر الماء المنحل الى مطلق المائع و الخصوصية، فإذا تعذر الجميع يجب المسح و لو بأثر مائع غير الماء على غير البشرة و بغير آلية اليد و هو كما ترى.

و بالجملة ان المسح على الخرقة ليس ميسور المسح على الرجل، و لو كانت الخرقة متصلة و ملصقة بها، و الظاهر ان استناده على الآية انما هو للحكم الأول أي عدم لزوم المسح على البشرة، و قوله امسح عليه خصوصا عقيب التمسك بها حكم تعبدي آخر لا يمكن معرفته منها.

فتحصل مما ذكر ان التمسك بالقاعدة لتبديل الغسل بالماء بالمسح بالثلج في غير محله، و قد يتوهم دلالة طائفة من الروايات على جواز الاغتسال و التوضي مسحا بدل الغسل كصحيحة على بن جعفر و رواية معاوية بن شريح و سيأتي حالها عن قريب.

و ان كان مراده من التوضي بمثل الدهن الاكتفاء بأقل مراتب الغسل كما هو مقتضى الروايات في الوضوء، فيرد عليه انه مع إمكان الوضوء به بلا حرج كما هو كذلك في الوضوء نوعا، فلا وجه لتأخره عن التراب و مع حرجيته لا يجب و يكون فاقد الطهورين.

و قد يوجه قوله بان التيمم في موارد الحرج لما كان رخصة لا عزيمة يجوز تحمل المشقة بالوضوء و الغسل مع حرجيتهما، و يجوز تركهما

و التيمم، و جعل ما ذكر وجه الجمع بين طائفة من الروايات، كروايتي محمد بن مسلم و معاوية بن شريح و صحيحتي على بن جعفر، و بين صحيحة محمد بن مسلم المتقدمة بحمل ما عدي الأخيرة على جواز الوضوء و الغسل مع حرجيتهما و الأخيرة على جواز التيمم و عدم تعينه، و قد تقدم كون ما يرفع بدليل الحرج عزيمة لا رخصة بما لا مزيد عليه.

و الاولى في المقام نقل الروايات حتى يتضح حال التوهم المتقدم اى تبديل الغسل بالمسح، و الدعوى المتقدمة في توجيه كلام الشيخ المفيد رحمه اللّٰه

كتاب الطهارة (للإمام الخميني، ط - القديمة)، ج 2، ص: 124

فعن محمد بن مسلم «قال: سألت أبا عبد اللّٰه عليه السّلام عن الرجل يجنب في السفر لا يجد الا الثلج قال يغتسل بالثلج أو ماء النهر» «1» و عن معاوية بن شريح «قال: سأل رجل أبا عبد اللّٰه عليه السّلام و انا عنده فقال يصيبنا الدمق و الثلج و نريد أن نتوضأ و لا نجد إلا ماء جامدا فكيف أتوضأ ادلك به جلدي؟ قال: نعم» «2» و في صحيح على بن جعفر عن أخيه موسى بن جعفر عليه السّلام «قال: سألته عن الرجل الجنب أو على غير وضوء لا يكون معه ماء و هو يصيب ثلجا و صعيدا أيهما أفضل أ يتيمم أم يمسح بالثلج وجهه؟ قال: الثلج إذا بل رأسه و جسده أفضل فان لم يقدر على أن يغتسل به فليتيمم» «3» و قريب منها روايته الأخرى.

و قد يتوهم منها خصوصا من رواية معاوية وجوب المسح بالثلج في صورة فقدان الماء و عدم إمكان الغسل، و فيه ما لا يخفى، اما قوله في رواية

ابن مسلم «يغتسل بالثلج أو ماء النهر» فهو ظاهر في ان الاغتسال بهما سواء، و هو خلاف المطلوب مضافا الى ان مسح الثلج بالبشرة غير الاغتسال به بالبداهة، و الظاهر ان مراده من الاغتسال به هو دلكه على الجسد بنحو يحصل به أقل مراتب الغسل، و قد تقدم في باب الوضوء و الغسل ان المعتبر في ماهيتهما ليس إلا أقل مراتب الجريان و لو بإعانة اليد، و ليس الغسل فيهما كالغسل عن القذرات كما هو المصرح به في الروايات، و بالجملة ان المتفاهم من هذه الرواية اعتبار تحقق عنوان الغسل، و هو موقوف على اجراء ماء الثلج على البشرة في الجملة و لو بالدلك و اعانة حرارة البدن.

و اما رواية ابن شريح فليست في مقام بيان كفاية المسح عن الغسل بل بعد فرض ارادة الوضوء المعهود بين المسلمين المصرح به في الكتاب و السنة، و هو الغسلتان و المسحتان، سئل عن نحو تحصيله بنحو ذلك الماء الجامد على العضو، فالسؤال عما

______________________________

(1) الوسائل أبواب التيمم، ب 10، ح 1.

(2) الوسائل أبواب التيمم، ب 10، ح 2.

(3) الوسائل أبواب التيمم، ب 10، ح 3.

كتاب الطهارة (للإمام الخميني، ط - القديمة)، ج 2، ص: 125

يتوضأ به لا عن تبديل الوضوء بغيره كما لا يخفى على المتأمل، و لعل احتمال اعتبار كون ما يتوضأ به قبل الغسل به ماء مطلقا، أو احتمال لزوم اجراء الماء على العضو كاجرائه في باب غسل القذارات صار منشئا لسئواله.

و اما صحيحة على بن جعفر فلو لا ذيلها لكانت ظاهرة فيما يتوهم على تأمل فيه ناش من ان ارتكازية اعتبار الغسل في ماهية الاغتسال تمنع عن ظهور قوله: «إذا بل رأسه و جسده»

في الرطوبة التي لا يحصل منها أقل مراتب الغسل، لكن صراحة قوله: «فان لم يقدر ان يغتسل به فليتيمم» رافعة للتوهم و الإجمال على فرضه، بل هو حاكم على الظهور البدوي للصدر لو سلم ذلك هذا حال التوهم المتقدم.

و اما الدعوى المتقدمة فصحتها مبنية على أن يكون الموضوع في تلك الروايات فرض حرجية الوضوء و الغسل، فيقال ان تجويزهما مع فرضها دليل على كون السقوط رخصة لا عزيمة، فيحمل الأمر بالتيمم في صحيحة ابن مسلم عليه فيكون ذلك طريق جمع بين الروايات.

و فيه: منع كونها في مقام بيان حال حرجيتهما بل هي في مقام بيان حكم آخر بخلاف صحيحة محمد بن مسلم المتقدمة، أما رواية ابن مسلم و ان كان ظاهر صدرها السؤال عن تكليفه عند عدم وجدان غير الثلج فيكون مطابقا لصحيحته في ذلك، لكن الظاهر من الجواب بيان كون الاغتسال بالثلج و بماء النهر سواء، فهو في مقام بيان صحة الاغتسال به كالاغتسال بماء النهر. و اما لزومه أو جوازه فلا يفهم منه لعدم كونه من هذه الجهة في مقام البيان، فهو كقوله ابتداء: ان الوضوء بالثلج كالوضوء بماء النهر، لا يدل الا على التسوية بينهما، و اما مع حرجيته فيجوز أو يجب، فلا يستفاد من مثله.

مع انه على فرض تسليم شموله لحال الحرج يكون إطلاقا يجب تقييده بأدلة الحرج الحاكمة على المطلقات و دعوى كون المفروض حرجية الاغتسال ممنوعة و اما رواية ابن شريح ففي مقام بيان جواز الوضوء بذلك الثلج على العضو، و لا

كتاب الطهارة (للإمام الخميني، ط - القديمة)، ج 2، ص: 126

اشعار فيها على فرض الحرج كما لا يخفى مع ان الوضوء بالثلج ليس حرجيا نوعا، و كيف

كان لا يمكن الاتكال عليها للمدعى.

كما ان صحيحة على بن جعفر أيضا تكون في مقام بيان حكم آخر، و هو أفضلية التيمم أو المسح بالثلج فلا يكون المفروض فيها حرجية، و الاستدلال بقوله أفضل الظاهر في كون التيمم أيضا جائزا و لو كان مفضولا، و ان لا يخلو من وجه، لكن مع قرب احتمال ان ذكره لأجل وجوده في السؤال لا لأجل عناية بصحة التيمم في الفرض، و لهذا قال في ذيلها: فان لم يقدر أن يغتسل به فليتيمم الظاهر في ان التيمم انما هو مشروع مع عدم القدرة، كما هو المرتكز في الأذهان و المستفاد من الكتاب و السنة كما تقدم لا يفهم منه ما يدعى، و ليس الأفضل في هذه الرواية إلا كقوله في صحيحة ابن سنان الواردة في خوف العطش: «فان الصعيد أحب الىّ» و كقوله في رواية ابن أبي يعفور مع فرض كون الماء بقدر شربه «يتيمم أفضل».

و الانصاف انه لا يمكن رفع اليد عما تقدم من ضروب الاستدلال كتابا و رواية على كون السقوط في مورد الحرج عزيمة بمثل هذا الاشعار الضعيف، و بما ذكرنا يرفع التضاد و المعارضة المتوهمان بين تلك الروايات و بين صحيحة محمد بن مسلم الظاهرة في ان موردها حرجية الغسل بوجوه فتدبر.

المبحث الثالث في كيفية التيمم

اشارة

و ان كان الترتيب يقتضي أن يذكر أو لا ماله دخل في ماهية التيمم من الاجزاء المقومة لها، ثم ذكرت شروطها و ما هي خارجة عن حقيقتها، لكن وقع خلاف الترتيب تبعا لبعض المتون و الأمر سهل، و كيف كان يعتبر في التيمم أمور:

الأول النية

و قد فرغنا من المباحث المتعلقة بها في مبحث الوضوء و نتعرض في المقام لبعض المباحث المتعلقة بخصوص التيمم.

كتاب الطهارة (للإمام الخميني، ط - القديمة)، ج 2، ص: 127

منها ان مقتضى ما حقق في محله من أصالة التوصلية في الأوامر، أما للإطلاق اللفظي لجواز أخذ جميع القيود حتى ما تأتي من قبل الأوامر في متعلقاتها كما هو التحقيق، و اما للإطلاق المقامى بعد كون بيان جميع القيود الدخيلة في المتعلقات المؤثرة في حصول الغرض من وظائف المولى، و إمكان بيانها بدليل منفصل عدم وجوب شي ء في التيمم سوى الضرب و المسحات المأخوذة في الأدلة كتابا و سنة، و لا إشكال في إطلاق طائفة من الروايات.

كموثقة زرارة عن أبى جعفر في التيمم «قال: تضرب بكفيك الأرض ثم تنفضهما و تمسح بهما وجهك و يديك» «1» و قريب منها صحيحة المرادي «2» و كبعض ما وردت في قضية عمار بن ياسر و غيرها، بل الظاهر إطلاق الآية الكريمة أيضا كما يشهد به بعض ما ورد من تمسك المعصوم بالخصوصيات المأخوذة فيها مما لا مجال له الا للإطلاق، لكن يجب الخروج عن مقتضى الإطلاقات بقيام الإجماع بل الضرورة على عبادية التيمم و لزوم النية و الإخلاص فيه.

و قد مر في بعض المباحث السالفة و في بحث الأصول ان مناط عبادية الطهارات الثلاث ليس الأوامر الغيرية من غاياتها، و لو قلنا بوجوب المقدمة مع بطلانه

أيضا، و ان عباديتها في رتبة سابقة على تعلقها على الفرض.

و كيف كان لا شبهة في اعتبار النية في التيمم و قد تظافرت دعوى الإجماع عليه كما عن الغنية و نهاية الإحكام و الذكرى و إرشاد الجعفرية و المدارك و كشف اللثام بل عن المعتبر و التذكرة و جامع المقاصد و روض الجنان إجماع علماء الإسلام عليه.

و عن المنتهى لا نعرف فيه خلافا، و به قال أهل العلم سوى ما حكى عن الأوزاعي و الحسن بن صالح بن حي بل لزوم النية و قصد القربة و الإخلاص فيه و في أخويه ضروري في الفقه، و لزوم الإخلاص في العبادة مستفاد من السنة المستفيضة.

______________________________

(1) الوسائل أبواب التيمم، ب 11، ح 7.

(2) الوسائل أبواب التيمم، ب 12، ح 2.

كتاب الطهارة (للإمام الخميني، ط - القديمة)، ج 2، ص: 128

و اما اعتبار قصد الوجه و التنجيز في النية و غيرهما كقصد البدلية فلا دليل عليه بل مقتضى الإطلاق عدمه، و لو قلنا بان التيمم بدل عن الوضوء و الغسل، فان عنوان البدلية بناء عليه ثابت لنفسه من غير دخالة للقصد فيه بل في إمكان ذلك تأمل و اشكال مع انه لا دليل على كونه بدلا منهما، خصوصا ان أريد بالبدلية كون التيمم بدل الطهور فإنه مخالف للأدلّة و مجرد كونه أمرا ثابتا في حال الاضطرار و مصداقا اضطراريا لا يستلزم البدلية فإنها أمر زائد عليه، فان أريد بالبدلية كونه مصداقا اضطراريا و لهذا يقال انه بدل اضطراري. فهذا أمر لا معنى للنزاع فيه و لا مشاحة في الاصطلاح، و ان كان المراد بها أمرا زائدا على ذلك و عنوانا ملازما للمصداق الاضطراري فهو ممنوع، فان المصداق الاضطراري يمكن

ان يكون مستقلا في التأثير في ظرفه لا نائبا عن غيره و بدلا عنه فلا ملازمة بينهما عقلا و لا عرفا.

و دعوى استفادة ذلك من بعض الاخبار كصحيحة حماد بن عثمان «قال: سألت أبا عبد اللّٰه عليه السّلام عن الرجل لا يجد الماء أ يتيمم لكل صلاة؟ فقال: لا هو بمنزلة الماء» «1» و صحيحة زرارة عن أبى جعفر عليه السّلام «قال: قلت له: كيف التيمم؟ فقال: هو ضرب واحد للوضوء و الغسل من الجنابة» «2» و موثقة عمار عن أبى عبد اللّٰه عليه السّلام «قال:

سألته عن التيمم من الوضوء و الجنابة و من الحيض للنساء سواء؟ فقال: نعم» «3».

مدفوعة لأن كونه بمنزلة الماء في جواز إتيان الصلوات الكثيرة به لا يلازم كونه بدلا منه، فان وحدة منزلة شيئين في حصول أمر لو لم نقل بكونها دليلا على استقلال كل في حصوله، لا يكون دليلا على نيابة أحدهما عن الأخر أو بدليته.

و بالجملة لا يستفاد منه الا كون التيمم مثل الوضوء في الحكم المذكور أو مطلقا نظير قوله: «أنت مني بمنزلة هارون من موسى» فان كون أمير المؤمنين بمنزلة

______________________________

(1) الوسائل أبواب التيمم ب 20، ح 2.

(2) الوسائل أبواب التيمم، ب 12، ح 4.

(3) الوسائل أبواب التيمم، ب 12، ح 6.

كتاب الطهارة (للإمام الخميني، ط - القديمة)، ج 2، ص: 129

هارون عليهما السلام لا يستلزم نيابته عن هارون و أصالة هارون في نيابته عن موسى و عدم أصالة المولى عليه السّلام في نيابته عن رسول اللّٰه صلّى اللّٰه عليه و آله.

و اما الرواية الثانية فلا اشعار فيها للمدعي فإن كون التيمم للوضوء لا معنى له بحسب ظاهره، و الظاهر ان ذكر الوضوء و غسل الجنابة

لمجرد المعرفية عن التيمم الذي هو للحدث الأصغر و الأكبر فلا يستفاد منه البدلية بوجه.

و كذا لا تستفاد من الثالثة لأن قوله من الوضوء لو لا تعقبه بقوله و الجنابة و عن الحيض لا يبعد ظهوره في البدلية، و ان كان وقوعه في لفظ الراوي لا يفيد شيئا، و ليس قول الامام تقريرا لذلك، لكن مع تعقبه به يدفع ذلك و الانصاف ان تلك الروايات لا تكون في مقام افادة بدلية التيمم و أصالة الوضوء و الغسل، بل هي بصدد مجرد المعرفية نظير قوله في صحيحة محمد بن مسلم بعد بيان التيمم «ثم قال: هذا التيمم على ما كان فيه الغسل» إلخ بل الظاهر من مثل قوله: «التراب أحد الطهورين» و قوله: «ان اللّٰه جعلهما طهورا: الماء و الصعيد» عدم البدلية ثم انه لا يبعد أن يكون القائل بكون التيمم مبيحا لا رافعا هو القائل ببدليته بان يقول ان المعتبر في الصلاة هو الطهور، و هو لا يحصل الا بالوضوء و الغسل، و اما التيمم فبدل عن الطهور لا موجب له و رافع للحدث و الا فلو قيل بحصول الطهور منهما لا معنى للبدلية، و سيأتي في المسألة الآتية ما هو التحقيق.

ثم ان ما ذكرنا هاهنا من إنكار البدلية بالمعنى المتقدم لا ينافي ما سيأتي منا كرارا من التمسك بإطلاق البدلية و عموم المنزلة كما يظهر بالتأمل و منها صرح غير واحد بل ادعى الإجماع جماعة بأن التيمم ليس برافع للحدث بل هو مبيح فلا يجوز فيه نية الرفع، و قد استدل عليه بعد الإجماع ببعض وجوه عقلية سيأتي الكلام فيها و في حال الإجماع المدعى.

و ليعلم انه لا ريب في ان المستفاد من الاخبار

استفادة قطعية بأن التيمم طهور كما ان الوضوء و الغسل كذلك، كقوله: انه أحد الطهورين، و ان رب الماء هو رب الصعيد

كتاب الطهارة (للإمام الخميني، ط - القديمة)، ج 2، ص: 130

و ان اللّٰه جعلهما طهورا الماء و الصعيد و انه بمنزلة الماء، و جعلت لي الأرض مسجدا و طهورا و ان المتيمم فعل أحد الطهورين، و ان التيمم بالصعيد لمن لم يجد الماء كمن توضأ من غدير ماء، و ان الصعيد طهور المسلم ان لم يجد الماء عشر سنين، و ان التراب طهور المسلم و لو الى عشر سنين الى غير ذلك.

مع ظهور الآية الكريمة فيه صدرا و ذيلا فان الظاهر عرفا من جعل التيمم في مقام الضرورة شرطا للصلاة انه في حالها يفيد فائدة الوضوء و الغسل و لو بمرتبة نازلة منها، لا كونه أجنبيا منهما و من أثرهما، كما هو الظاهر في أمثال المقام، فلو قال الطبيب اشرب الدواء الكذائي و لو لم تجده اشرب كذا، يفهم انه يفيد فائدة الأول و لو بمرتبة ناقصة منه، و هذا واضح و لو مع الغض عن قوله تعالى:

وَ لٰكِنْ يُرِيدُ لِيُطَهِّرَكُمْ فإنه كالنص في ذلك و دعوى كونه مربوطا بالصدر اى الوضوء و الغسل كما ترى.

نعم في مقابل ما عرفت بعض روايات ربما يدعى دلالتها على عدم طهوريته كصحيحة الحلبي «قال: سمعت أبا عبد اللّٰه عليه السّلام يقول: إذا لم يجد الرجل طهورا و كان جنبا فليمسح من الأرض و ليصل فإذا وجد ماء فليغتسل و قد أجزأته صلوته التي صلى» «1» و مثلها صحيحة ابن سنان «2» فان التيمم لو كان طهورا لم يقل لم يجد طهورا مع إشعار الاجزاء به أيضا.

و

فيه- بعد كونه من قبيل مفهوم القيد الذي لا نقول بحجيته، و لما لم يكن التيمم طهورا مطلقا كالماء كان الكلام مصونا عن لغوية ذكره- أن مثله لا يقاوم الأدلة الناصة على طهوريته، و دعوى اشعار ذيلها بذلك كما ترى، بل يمكن دعوى الإشعار أو الدلالة بتحقق الشرط الذي هو الطهور.

و منه يظهر الحال في موثقة يعقوب بن سالم حيث قال فيها «قد مضت صلوته

______________________________

(1) الوسائل أبواب التيمم ب 14، ح 4.

(2) الوسائل أبواب التيمم، ب 14 ح 7.

كتاب الطهارة (للإمام الخميني، ط - القديمة)، ج 2، ص: 131

و ليتطهر «1» و كذيل صحيحة زرارة عن أبى جعفر عليه السّلام «و متى أصبت الماء فعليك الغسل ان كنت جنبا و الوضوء ان لم تكن جنبا» «2» و فيه عدم ظهوره في ان إطلاق الجنب عليه انما هو في حال التيمم فإنه كان جنبا قبل التيمم، فصح إطلاقه عليه بلحاظه، و لا ظهور له في اتصال زمان وجدان الماء لصفة الجنابة نعم ظاهره كونه قبل وجدانه جنبا فلا يصح الحمل على الجنابة الحاصلة بعد وجدانه.

و كموثقة ابن بكير عن أبى عبد اللّٰه عليه السّلام «قال: قلت: رجل أم قوما و هو جنب و قد تيمم و هم على طهور؟ فقال لا بأس» «3» بدعوى إطلاق الجنب عليه حتى مع تيممه، فان الظاهر منها انه أمهم مع كونه جنبا، و أيضا جعله مقابل القوم و هم على طهور، و فيه: أن قوله «و هو جنب و قد تيمم» ليس معناه انه جنب حتى مع التيمم، بل المراد انه جنب فتيمم، فأم قوما مع التيمم فلم يظهر منه انه جنب حتى حال التيمم و الصلاة.

و الانصاف ان

السائل انما هو بصدد استفهام جواز اقتداء المتوضي بالمتيمم من دون نظر الى بقاء جنابته حال التيمم أولا، و إجابة عن ذلك من غير نظر الى غيره، و قوله: «و هم على طهور» قد مر جوابه.

هذا مع ان إطلاق ابن بكير و جعله مقابلا لما ذكر ليس بحجة و الامام عليه السّلام ليس الا بصدد بيان حكم الاقتداء فلم يظهر منه تقريره لما فهمه، مضافا الى عدم مقاومة أمثال تلك الاشعارات التي لم تصل الى حد الدلالة لما تقدم.

و قد ورد في هذا الموضوع حسنة جميل بن دراج أو صحيحته تكشف المراد من مثل موثقة ابن بكير «قال: قلت لأبي عبد اللّٰه عليه السّلام امام قوم أصابته جنابة في السفر و ليس

______________________________

(1) الوسائل أبواب التيمم، ب 14، ح 14.

(2) الوسائل أبواب التيمم، ب 19، ح 4.

(3) الوسائل أبواب صلاة الجماعة، ب 17، ح 3.

كتاب الطهارة (للإمام الخميني، ط - القديمة)، ج 2، ص: 132

معه من الماء ما يكفيه للغسل أ يتوضأ بعضهم و يصلى بهم؟ قال: لا و لكن يتيمم الجنب و يصلى بهم فان اللّٰه جعل التراب طهورا كما جعل الماء طهورا» «1» فنفى البأس في موثقة ابن بكير انما هو لأجل كون التراب طهورا كالماء فلا إشكال في المسألة من هذه الجهة.

إنما الإشكال من جهتين أخريين (الأولى) هي الاشكال العقلي المعروف و هو ان التيمم إذا كان رافعا و مفيدا للطهارة لا يمكن ان ينتقض بوجدان الماء الذي ليس بحدث إجماعا، مع ان وجدانه لو كان حدثا لزم المساواة في الموارد. لانه اما حدث أصغر يوجب الوضوء أو أكبر يوجب الغسل، مع انه بانتقاض التيمم ترجع الحالة الأولى جنابة أو حيضا أو

حدثا آخر و هو دليل على عدم كونه رافعا.

و يمكن دفع الإشكالين بأن الظاهر من الاخبار في الأبواب المتفرقة ان الحدث مانع عن الصلاة سواء في ذلك الحدث الأصغر و الأكبر، و إيجاب الوضوء و الغسل لتطهير الحدثين، و منزلتهما كمنزلة الماء في تطهير القذارات الصورية، و عود المحل الى حالته الأصلية.

و هذا في الحدث الأكبر واضح، ضرورة ان المكلف الذي لم يحصل له أسباب الجنابة و غيرها من سائر الأحداث الكبيرة تصح صلوته، فلو كان شرط الصلاة أمرا وجوديا و كمالا نفسانيا يحصل بالغسل لكان اللازم على المكلف الغسل و لو مع عدم حصول الأسباب.

و القول بكونه واجدا له قبل حصولها و هي صارت موجبة لزواله و الغسل موجب لعوده كما ترى، و المتدبر في الروايات خصوصا ما تعرضت لعلل الغسل و الوضوء لا يكاد يشك في ان الجنابة حالة قذارة تحصل بأسبابها، و الغسل تطهير من الجنابة و تلك القذارة و كذا الحال في الوضوء، بل إطلاق الطهور على الغسل و الوضوء و كذا على الماء ليس إلا كإطلاقه على الماء بالنسبة إلى رافعيته للقذارات الصورية. لأن معنى التطهير التنظيف المساوق لإزالة القذارة، و الأشياء غير الأعيان النجسة نظيفة بحسب ذاتها، و

______________________________

(1) الوسائل أبواب التيمم، ب 24، ح 2.

كتاب الطهارة (للإمام الخميني، ط - القديمة)، ج 2، ص: 133

انما عرضت لها القذارة، بملاقاتها القذارات و الماء طهور لها و موجب لعودها إلى الحالة الأصلية و حال الوضوء و الغسل الطهورين من الاحداث، و القذارات المعنوية حال الماء الطهور من القذارات الصورية.

و يظهر ذلك بالتأمل في الآية الكريمة حيث قال تعالى وَ إِنْ كُنْتُمْ جُنُباً فَاطَّهَّرُوا اى من الجنابة. و كذا يظهر من

قوله إِذٰا قُمْتُمْ إِلَى الصَّلٰاةِ فَاغْسِلُوا إلخ المفسر بأنه إذا قمتم من النوم فيظهر منه ان الوضوء لرفع حدث النوم، و كذا يظهر ذلك من صحيحة زرارة عن أبى جعفر عليه السّلام «قال: لا صلاة الا بطهور و يجزيك عن الاستنجاء ثلاثة أحجار بذلك جرت السنة من رسول اللّٰه صلّى اللّٰه عليه و آله و اما البول فإنه لا بد من غسله» «1».

حيث ان إطلاقها يقتضي نفى الصلاة إلا بطهور من الاحداث و الأخباث، و ذيلها ظاهر في ان الاستنجاء بالأحجار، و غسل البول لإزالة القذر، و مقتضى وحدة السياق و الحكم أن يكون الطهور من الاحداث كذلك، فليست الصلاة مشروطة بالطهارة أي الأمر المعنوي الحاصل بالوضوء و الغسل، نعم الطهارات الثلاث عبادات مقربات الى اللّٰه تعالى، و بهذه الحيثية يطلق على الوضوء انه نور و الوضوء على الوضوء نور على نور، لكن لم يتضح كونها بتلك الحيثية شرطا للصلاة، بل الظاهر انها مع عباديتها رافعة للقذارات المعنوية التي هي مانعة عنها، و بالجملة الأقرب بالنظر الى مجموع الأدلة هو مانعية الاحداث و الأرجاس عن الصلاة و الطهور رافع لها. و المسألة تحتاج إلى زيادة تفصيل و تنقيح.

إذا عرفت ذلك نقول: يمكن ان يقال: ان الاحداث الحادثة بأسبابها إنما تعرض على المكلف و تصير كالحالة الأصلية الثانوية له و التيمم انما يرفع الحدث ما دام متحققا فإذا انتقض بوجدان الماء و غيره ترجع الحالة الأصلية الثانوية و هو بوجه نظير النظافة التي للأشياء فإنها نظيفة لو لا عروض القذارة عليها، و مع رفع القذارة عنها ترجع الى حالتها الأصلية

______________________________

(1) الوسائل أبواب أحكام الخلوة، ب 9، ح 1.

كتاب الطهارة (للإمام الخميني، ط - القديمة)، ج 2،

ص: 134

من غير تأثير سبب، فيمكن ان تكون الجنابة العارضة كالحالة الأصلية و ان كانت حالة اصلية اضافية و التيمم رافعا لها ما دام باقيا، و بوجدان الماء انتقض التيمم و ترجع الحالة الأصلية من غير لزوم تأثير سبب، فالماء ليس بحدث بل ناقض للتيمم الرافع للحدث و المانع عن فعليته حالة الجنابة.

و ان شئت قلت: ان أسباب الاحداث توجب مع الاحداث اقتضاء في الذات لا بقائها و الوضوء و الغسل رافعان لها و للاقتضاء و التيمم رافع لها لا للاقتضاء، و وجدان الماء ناقض للتيمم، و رافع لمانع تأثير المقتضى فيرجع الحدث بالاقتضاء الحاصل بالأسباب. تأمل.

و على اى تقدير يندفع كلا الإشكالين العقليين مع حفظ ظهور الأدلة في ناقضية الماء التيمم و كونه طهورا، و من غير مخالفة للإجماع المدعى على عدم كون الماء حدثا.

و ما ذكرنا في دفعهما أولى و أقرب الى ظهور الأدلة مما ذكره بعض المحققين:

من «ان الطهارة ان كانت امرا وجوديا كما هو الأظهر نلتزم بحصولها لموضوع خاص هو العاجز، و مع رفع العجز انتفى الطهور بانتفاء موضوعه لا لوجود المزيل، و ان كانت القذارة أمرا وجوديا فلا استحالة في ان يكون التيمم مزيلا لتلك القذارة على وجه يعد نظافة مع الضرورة، نظير مسح اليد بالحائط لدى الضرورة، بل من الجائز أن يكون رافعا لها بالمرة، و لكن يكون أسبابها المؤثرة لحدوثها مقتضيات لتجددها عند تجدد القدرة من استعمال الماء انتهى ملخصا».

و فيه مضافا الى ان ما اختاره من كون الطهارة أمرا وجوديا معتبرة في العبادات خلاف التحقيق كما أشرنا اليه، و ليس المقام جديرا بتحقيقه مستقصى: أن القول بان الطهور ينتفى بانتفاء موضوعه، لا بوجود المزيل مخالف للنصوص

المصرحة بناقضية الماء له كصحيحة زرارة و غيرها، و لكلمات الفقهاء فإنهم جعلوا التمكن من استعمال الماء ناقضا له بل عن جمع حكاية إجماع أهل العلم سوى شاذ من العامة عليه، و معلوم ان ناقضية الماء غير تبدل الموضوع.

كتاب الطهارة (للإمام الخميني، ط - القديمة)، ج 2، ص: 135

و يرد على فرضه الثاني أي كون القذارة أمرا وجوديا و التيمم يعد نظافة لدى الضرورة و هو عبارة أخرى عن حصول نظافة ناقصة غير كافية لدى الاختيار، ان هذا أيضا مخالف لما تقدم من الاخبار و كلمات الأصحاب، فإنه لو صار عاجزا فتيمم و وجد الماء مع القدرة على استعماله و لم يتطهر و فقد الماء لا يجب على ما ذكره تجديد التيمم لحصول النظافة الناقصة و عدم تجدد رافع لها، و اما ما ذكره أخيرا فيمكن إرجاعه الى ما ذكرناه أخيرا و ان كان خلاف ظاهره، فان الظاهر منه ان تلك الأسباب الموجبة للاحداث مقتضية للحدث عند وجدان الماء. مع انه مستحيل لو كان الاقتضاء على طبق التكوين مضافا الى انه التزام بحدوث حدث جديد و لو بالسبب الأول، و كيف كان لا يمكن رفع اليد عن ظاهر الكتاب و السنة القطعية بتلك الوجوه العقلية القابلة للدفع.

الجهة الثانية: دعوى الإجماع على عدم كون التيمم رافعا، و قد تكررت الدعوى في كتب القوم كالشيخ و المحقق و العلامة و الشهيد و المحقق الثاني و غيرهم، لكن معروفية الاستدلال بالدليل العقلي المتقدم بينهم من لدن عصر الشيخ تمنع عن كشف دليل شرعي تعبدي لقرب احتمال كون المستند هو الوجه العقلي لا غير كما ربما يظهر من الشيخ في الخلاف عدم الإجماع منا في هذه المسألة فإنه ادعى

عدم الخلاف في ان المتيمم إذا وجد الماء وجب عليه الغسل، و مع كون التيمم رافعا لم يكن واجبا فيظهر منه ان مستنده في هذا الحكم هو عدم الخلاف في تلك المسألة و الوجه العقلي.

قال: التيمم لا يرفع الحدث و انما يستباح به الدخول في الصلاة و به قال كافة الفقهاء الا داود و بعض أصحاب مالك، فإنهم قالوا يرفع الحدث، دليلنا: انه لا خلاف في ان الجنب إذا تيمم و صلى ثم وجد الماء وجب عليه الغسل، فلو كان الحدث قد زال بالتيمم لما وجب عليه الغسل لأن رؤية الماء لا توجب الغسل إلخ.

و مراده بكافة الفقهاء هو فقهاء العامة كما يظهر من تعبيراته عنهم و عنا في الخلاف

كتاب الطهارة (للإمام الخميني، ط - القديمة)، ج 2، ص: 136

و لذا استثنى منهم داود و بعض أصحاب مالك، و لم يستثن السيد منا المصرح بأنه رافع فعن الذكرى قال المرتضى في شرح الرسالة: ان الجنب إذا تيمم ثم أحدث أصغر و وجد ما يكفيه للوضوء توضأ به، لان حدثه الأول قد ارتفع و جاء ما يوجب الصغرى «انتهى» بل لا يبعد ظهوره من مقنع الصدوق أيضا.

و كيف كان فالشيخ لم يدع الإجماع في هذه المسألة و لهذا لم يدعه بعد قوله دليلنا كذا، بل جعل الدليل عدم الخلاف في مسألة اخرى جعلها مبنى المسألة و تمسك بالوجه العقلي المتقدم و لا يبعد ظهوره من منتهى العلامة أيضا، نعم ظاهر التذكرة ادعائه زائدا عن الدليل العقلي، و على اى تقدير لا يمكن الاتكال بالإجماع مع قوة احتمال ان يكون مرادهم ان التيمم لا يرفع الحدث كرفع الماء بحيث لا يحتاج الى الغسل عند وجدانه و

هو مسلم.

الثاني تعتبر في التيمم المباشرة حال الاختيار

فلو يممه غيره مع قدرته لم يصح بلا اشكال، و عن المنتهى لا خلاف عندنا في انه لا بد من المباشرة بنفسه و نفى عنه الريب في محكي المدارك و هو كذلك لظهور الأدلة فيها، فان المتبادر من هيئة الأمر هو بعث المأمور لإيجاد المأمور به، و الظاهر ان ذلك من دلالة اللفظ لا حكم العقل كالالزام الذي قلنا انه خارج عن مفاد الهيئة، و ان كان صرف البعث حجة عقلائية على لزوم الخروج عن عهدة التكليف ما لم يرد من قبل المولى ترخيص في الترك، لكن المباشرة مفهومة من ظاهر الهيئة لكن لا بمعنى دخول مفهوم اسمي في مفاد الهيئة، بل بمعنى وضعها لنفس الإغراء المتوجه الى الغير بوجه يكون المبعوث خارجا عنه كخروج القيد، و دخول التقيد بوجه، فتدل دلالة لفظية على الإغراء المتوجه الى الغير بحيث لا يكون جزء مفادها.

و لا إشكال في ان الصدور الحقيقي بلا تأول هو المباشري دون التسبيبى و النيابي المحتاجين الى نحو تأول و ادعاء، و كيف كان لا شبهة في ظهور الأوامر وضعا أو انصرافا أو عقلا مع قطع النظر عن القرائن في لزوم المباشرة، و مقتضاه سقوط الأمر عند

كتاب الطهارة (للإمام الخميني، ط - القديمة)، ج 2، ص: 137

تعذره لعدم دليل على تعدد المطلوب في نفس الأدلة الأولية، و لا يستفاد ذلك من الهيئة المتوجهة إلى المخاطب الباعثة إياه نحو المأمور به.

نعم لا إشكال في المقام في لزوم إيجاده تسبيبا، و جعل غيره آلة لإيجاده بلا خلاف كما في الجواهر، و عن المدارك تجب الاستنابة في الأفعال دون النية عند علمائنا فيظهر منه تسلم الحكم عندهم، مضافا الى صحيحة محمد بن سكين

في المجدور الذي غسلوه فمات ففي ذيلها «الا يمموه ان شفاء العي السؤال» «1».

و اما مرسلة ابن أبي عمير عن أبي عبد اللّٰه عليه السّلام «قال: يؤمم المجدور و الكسير إذا أصابتهما جنابة» «2» فمع كونها في نسخة الوسائل بدل (يؤمم) يتيمم، يمكن ان يكون مبنيا للفاعل فان يمم و تيمم بمعنى واحد فلا تدل على المطلوب، نعم لا يبعد ظهور مرسلة الفقيه في البناء للمفعول على تأمل «قال: و قال الصادق عليه السّلام: المبطون و الكسير يؤممان و لا يغسلان» «3» و ان كان المظنون فيهما البناء للمفعول لكنه ظن خارجي غير حجة.

و كيف كان لا إشكال في أصل الحكم كما لا إشكال في ان المباشر يباشر صورة العمل مقتصرا على مقدار يعجز عنه المكلف و يباشر النية نفس المكلف كما ادعى المدارك، كما ان المعتبر ضرب يدي العاجز مع الإمكان فإن ضربهما دخيل في ماهية التيمم جزءا أو شرطا، و ليس حاله حال الاغتراف للوضوء أو الغسل، و مع عدم إمكان ضرب يديه ينوب عنه الصحيح بان يضرب يده على الأرض فيمسح بها وجه العليل و يديه، و عن الكاتب يضرب الصحيح بيديه ثم يضرب بها يدي العليل، و فيه ما لا يخفى فإنه مع دوران الأمر بين سقوط ما يتيمم به و سقوط آلية اليد لا شبهة في سقوط الثاني، و ضرب اليد على اليد المضروبة على الأرض ليس ضربا عليها، الا ترى انه لو دار الأمر بين سقوط آلية اليد و التيمم بالحديد مثلا اختيارا لا يحتمل تقديم الثاني،

______________________________

(1) الوسائل: أبواب التيمم، ب 5، ح 1.

(2) الوسائل أبواب التيمم، ب 5، ح 10.

(3) الوسائل أبواب التيمم، ب 5، ح 12.

كتاب الطهارة

(للإمام الخميني، ط - القديمة)، ج 2، ص: 138

و ضرب اليد على اليد كضربها على الحديد، و مما ذكرنا يظهر صحة قول الشهيد انه لم نقف على مأخذ قول الكاتب و النظر فيما عن كشف اللثام من دعوى ظهور المأخذ.

الثالث يعتبر الترتيب بين أجزاء التيمم

بتقديم الضرب على الأرض على مسح الجبهة و هو على مسح الكف اليمنى و هو على اليسرى، فلو نكس استأنف بما حصل معه الترتيب و هو إجماعي كما عن الغنية و المنتهى و إرشاد الجعفرية و المدارك و المفاتيح و ظاهر التذكرة و الذكرى، و عن المرتضى ان كل من أوجب الترتيب في الوضوء أوجبه فيه، فمن فرق بينهما خرق الإجماع، و عن جامع المقاصد يجب تقديم اليمنى على اليسرى إجماعا، و عن الذكرى نسبته إلى الأصحاب، لكن ترك جمع منهم ذكر الترتيب بين الكفين كالشرائع و عن المراسم و السرائر و المقنع و جمل العلم و العمل، و عن بعضهم ترك ذكر الترتيب مطلقا أو ما في بدل الوضوء، فالاستناد إلى الإجماع مع ذلك لا يخلو من توقف.

لكن يمكن الاستدلال عليه بالسيرة العملية في مثل تلك المسألة التي تعم بها البلوى و تحتاج إليها طائفة من المكلفين في صلواتهم، فلا يبعد الجزم بأنه كان كذلك من لدن زمن الشارع، و كان الخلف أخذ من السلف كذلك الى عصر المعصوم عليه السّلام، بل لا يبعد جواز الاتكال على الشهرة المحققة في هذه المسألة التي يقتضي إطلاق الكتاب و السنة فيها عدم الترتيب بين الكفين كما يأتي الكلام فيه، و كيف كان لا ريب في تقدم الضرب على الأرض على سائر الأجزاء كتابا و سنة بل هو كالضروري، كما لا إشكال في دلالة النصوص على تقدم

المسح على الجبين على مسح الكفين، كموثقة زرارة الآتية و غيرها و بمثلها يقيد إطلاق الكتاب و السنة كبعض الروايات الآتية.

إنما الإشكال في استفادة الترتيب بين الكفين من الأدلة فقد استدل له بموثقة زرارة عن أبي جعفر عليه السّلام «قال: أتى عمار بن ياسر رسول اللّٰه صلّى اللّٰه عليه و آله فقال: يا رسول اللّٰه انى أجنبت الليل فلم يكن معى ماء. قال: كيف صنعت؟ قال: طرحت

كتاب الطهارة (للإمام الخميني، ط - القديمة)، ج 2، ص: 139

طرحت ثيابي و قمت على الصعيد فتمعكت فيه، فقال: هكذا يصنع الحمار انما قال اللّٰه عز و جل فَتَيَمَّمُوا صَعِيداً طَيِّباً فضرب بيديه على الأرض ثم ضرب إحديهما على الأخرى ثم مسح بجبينيه ثم مسح كفيه كل واحدة على ظهر الأخرى فمسح اليسرى على اليمنى و اليمنى على اليسرى» «1» و تقريبه ان حكاية أبي جعفر عليه السّلام قضية عمار انما هو لبيان الحكم الشرعي لا لبيان أمر تاريخي فلا تكون مثل الفعل في عدم افادة تقديم بعض الافعال على بعض وجوبه بعد عدم إمكان الجمع بين الفعلين، فلا بد من الأخذ بخصوصيات النقل الذي هو لإفادة الحكم.

فنقول: ان قوله: «فمسح كفيه كل واحدة على ظهر الأخرى» يكفي في مقام بيان الحكم لو كان الترتيب بينهما غير مراد، فيبقى قوله: «فمسح اليسرى على اليمنى» إلخ بلا نكتة، و حمله على بيان واقع القضية بلا نظر الى إفادة الحكم بعيد، و لا نكتة فيه الا بيان تقديم مسح اليمنى على اليسرى و هو المطلوب.

و فيه انه لو كان مراده من ذلك بيان لزوم تقديم اليمنى لكان عليه عطف اليمنى بثم أو الفاء كما ترى عنايته عليه السّلام بتخلل ثم

في الجمل السابقة فذكرها فيها و ترك ما يفيد الترتيب في الجملة الأخيرة، دليل على اعتبار الترتيب في غير اليسرى و عدم اعتباره فيها. بل يمكن ان يدعى ان دلالة هذه الموثقة على عدم اعتباره أوضح من الإطلاقات لأن عنايته بذكر خصوصيات ما فعل رسول اللّٰه صلّى اللّٰه عليه و آله لتعليم عمار و العطف بثم و الفاء في الجبهة و الكفين و تركهما في عطف اليمنى على اليسرى كادت أن تجعلها صريحة في عدم اعتباره في الكفين.

نعم عن العياشي عن زرارة «قال: سألت أبا جعفر عليه السّلام عن التيمم؟ فقال: ان عمار» ثم ساقها باختلاف يسير مع الموثقة و قال في ذيلها «ثم ذلك احدى يديه بالأخرى على ظهر الكف بدء باليمنى» و دلالتها واضحة خصوصا مع سؤاله عن كيفيته و نقل القضية

______________________________

(1) الوسائل أبواب التيمم، ب 11، ح 9.

كتاب الطهارة (للإمام الخميني، ط - القديمة)، ج 2، ص: 140

لتعليم الكيفية، و عنايته بحكاية بدية رسول اللّٰه صلّى اللّٰه عليه و آله باليمنى، فلا اشكال فيها الا من جهة الإرسال و عدم الجبر، فان مجرد مطابقة الفتاوى لها لا توجبه الا ان يعلم استنادهم عليها و بهذا يظهر النظر في الاستدلال بما في فقه الرضا و دعوى جبره بل الظاهر عدم فتوى جامع الكتاب بما أرسله، بل و لا غيره من الفقهاء، لان فيه المسح على ظهر الأصابع من أصولها فراجعه، و الأولى للقائل بالجبر بمجرد المطابقة التمسك برواية العياشي الموافقة لفتاوى الفقهاء لا مرسلة فقه الرضا المخالفة لها التي هي مرسلة في مرسلة لم يعمل بها مرسلها فضلا عن غيره.

و اما التمسك بذيل صحيحة جميل: «فان اللّٰه عز و جل جعل التراب

طهورا كما جعل الماء طهورا» «1» بدعوى ان مقتضى إطلاق التشبيه انه مثل الماء حتى في كيفيته الا ما خرج بدليل و ذيل صحيحة حماد «قال: سألت أبا عبد اللّٰه عليه السّلام عن الرجل لا يجد الماء أ يتيمم لكل صلاة؟ فقال: لا، هو بمنزلة الماء» «2» بدعوى استفادة عموم المنزلة منها حتى في كيفيته.

ففي غير محله ضرورة انهما في مقام بيان حكم آخر و لا إطلاق فيهما من الجهة المبحوث عنها كما لا يخفى.

و الذي يمكن ان يقال زائدا على ما تقدم من السيرة العملية و ارتكاز المتشرعة و حجية الشهرة في مثل المسألة التي دلت الأدلة إطلاقا على خلافها: ان المستفاد من الآية الكريمة مشفوعا بالارتكاز العقلائي أن فاقد الماء يتيمم و يقصد الصعيد لتحصيل الطهور الذي كان يحصل بالماء، و انه يجب ان يفعل معه ما يفعل مع الماء عند فقده، فلو لم تتعرض الآية لكيفيته و اختتمت الى قوله «فَتَيَمَّمُوا صَعِيداً طَيِّباً» يستفيد منها العقلاء انه انه عند عدم وجدان الماء يقوم الصعيد مقامه فيما يحتاج المكلف اليه، فيفهم منه ما فهمه عمار من التمعك على الصعيد للغسل، و مسح أعضاء الوضوء بالكيفية التي فيه للحدث الأصغر.

______________________________

(1) الوسائل أبواب التيمم ب 24، ح 2.

(2) الوسائل أبواب التيمم، ب 23، ح 2.

كتاب الطهارة (للإمام الخميني، ط - القديمة)، ج 2، ص: 141

و بالجملة المتفاهم منه وضع التراب موضع الماء من غير تغيير و تبديل في الكيفية، فبقي المتقدم و المتأخر في الغسل على حالهما من غير تصرف و تغيير الا فيما يتطهر به، نظير أن يأمر المولى بضيافة العلماء مقدما على الاشراف، و هم مقدما على التجار و عين محلا خالصا لها

و شرائط و قيودا، و قال أضفهم بالغذاء الفلاني و مع فقده بالفلانى، فإنه لا ريب في ان العرف لا يأخذ بإطلاق قوله و مع فقده كذا، و يرفع اليد عن الشرائط و القيود، بل يحكم بان التبديل انما وقع في الغذاء لا في سائر الكيفيات فلا بد من مراعاتها. و مقتضى هذا الارتكاز ان كل ما يعتبر في الوضوء و الغسل معتبر في التيمم الذي هو بدله، و القائل بالبدلية ان كان مراده ذلك فلا كلام، و ان كان مراده عدم حصول الطهور بل يحصل بدله فقد مر ما فيه.

و بالجملة لا شبهة في ان مقتضى ارتكاز العقلاء و الرجوع الى الأشباه و النظائر ان التبديل انما هو فيما يتطهر به لا في كيفية التطهير و العمل، فحينئذ نقول:

ان قوله «فَتَيَمَّمُوا صَعِيداً طَيِّباً فَامْسَحُوا بِوُجُوهِكُمْ وَ أَيْدِيكُمْ مِنْهُ» يدل على سقوط المسح على الرجل و الرأس، و عدم كونه الى المرفق و لا على جميع الوجه، لمكان الباء على ما أفاد أبو جعفر عليه السّلام، و اما سائر ما يعتبر فيه من الشرائط و الموانع فبقيت على حالها كالبدئة بالوجه و باليمنى المعتبرة في الوضوء، و طهارة المحال و غيرها من الشرائط، فلا بد من مراعاة ما يعتبر فيهما فيه أيضا، و لو لا دليل لقلنا بعدم اعتبار الموالاة في بدل الغسل، لكن سيأتي بيان استفادته من الأدلة حتى من الآية الكريمة.

و يؤيد ما ذكرناه قوله في صحيحة زرارة في تفسير الآية عن أبى جعفر عليه السّلام «ثم قال فَلَمْ تَجِدُوا مٰاءً فَتَيَمَّمُوا صَعِيداً طَيِّباً فَامْسَحُوا بِوُجُوهِكُمْ، فلما أن وضع الوضوء عمن لم يجد أثبت بعض الغسل مسحا» «1» فإنه مشعر أو ظاهر في

إثبات المسح ببعض المحال و إسقاط الغسل فقط من غير تصرف في سائر الشرائط و القيود كما

______________________________

(1) الوسائل أبواب التيمم، ب 13 ح 1.

كتاب الطهارة (للإمام الخميني، ط - القديمة)، ج 2، ص: 142

يشعر به ما في الرضوي «قال: و نروى ان جبرئيل نزل الى سيدنا محمد صلّى اللّٰه عليه و آله في الوضوء» الى ان قال: «ثم في التيمم بإسقاط المسح و جعل مكان موضع الغسل مسحا» «1» و كيف كان لا ينبغي الإشكال في أصل الحكم و ان فرض إمكان المناقشة في بعض ما ذكر، و مما ذكرنا من التقريب المتقدم يظهر الدليل على اعتبار كل ما يعتبر في الوضوء و الغسل جميعا كطهارة المحال و المباشرة و غيرهما مما يعتبر فيهما.

الرابع [التفصيل بين التيمم]

مقتضى التقريب المتقدم في بيان الترتيب التفصيل بين التيمم الذي للحدث الأصغر و ما للأكبر في الموالاة كما حكى عن الشهيد (ره) في الدروس، و كذا التفصيل بين الشرائط التي اعتبرت في أحدهما دون الأخر كالمسح من الأعلى، فيقال باعتباره في بدل الوضوء دون بدل الغسل، لكن مقتضى بعض الروايات مساواتهما.

كموثقة عمار عن أبى عبد اللّٰه عليه السّلام «قال: سألته عن التيمم من الوضوء و الجنابة و من الحيض للنساء سواء؟ فقال: نعم» «2» و موثقة أبي بصير «قال: سألته عن تيمم الحائض و الجنب سواء إذا لم يجد إماء؟ قال: نعم» «3» بناء على ان المراد بتيمم الحائض إذا لم تجد ماء ما تحتاج اليه من بدل الغسل و الوضوء.

و حملهما على صرف الكيفية دون سائر ما يعتبر فيهما، فاسد بعد اقتضاء الإطلاق سوائيتهما مطلقا (فح) لا يمكن التمسك بالاية للتفصيل، و لا لاعتبار الموالاة مطلقا و لا لعدمه

كذلك و كذا في سائر الشرائط التي اعتبرت في أحدهما دون الأخر فالقول بالتفصيل غير وجيه.

و الأقوى اعتباره مطلقا، و الدليل عليه مضافا الى الإجماعات المحكية عن الغنية و جامع المقاصد و الروض و مجمع البرهان و ظاهر المنتهى و الذكرى و المدارك و الى ما أشرنا إليه في الترتيب من السيرة المستمرة الكاشفة عن كونه كذلك من

______________________________

(1) المستدرك: أبواب التيمم، ب 9، ح 1.

(2) الوسائل أبواب التيمم، ب 12- ح 6- 7.

(3) الوسائل أبواب التيمم، ب 12- ح 6- 7.

كتاب الطهارة (للإمام الخميني، ط - القديمة)، ج 2، ص: 143

زمن الشارع المقدس و ان كان للإشكال في ذلك مجال، لاحتمال كونها لاقتضاء العادة و عدم الداعي إلى التفريق لا الاعتبار، و ان أمكن ان يقال ان في ارتكاز المتشرعة اعتباره- الآية الكريمة قال تعالى فَتَيَمَّمُوا صَعِيداً طَيِّباً فَامْسَحُوا بِوُجُوهِكُمْ وَ أَيْدِيكُمْ بناء على كون الفاء للترتيب باتصال كما هو المعروف، فيفيد قوله:

«فَامْسَحُوا» الترتيب باتصال عرفي بين المسح على الوجه و الأيدي، و بين وضع اليدين أو ضربهما على الأرض الذي هو المراد من قوله: «تيمموا» لان قصد الأرض ليس بنفسه موضوعا للحكم بلا اشكال، بل أخذ العنوان الطريقي الذي ليس مقصودا بالذات فيه لعله دليل على ان المراد منه المرئي و المقصود، خصوصا مع قيام القرينة عليه، فان قوله «فَتَيَمَّمُوا صَعِيداً» عقيب «فَلَمْ تَجِدُوا مٰاءً» ظاهر عرفا في ان المراد التوصل الى الصعيد للتمسح به الى الوجه، و المقصود هو الوضع أو الضرب على الأرض و لو بدليل خارجي، فكأنه قال: اضرب يديك على الأرض فتمسح بلا فصل بوجهك و يديك، فلو دلت الفاء على الترتيب باتصال تمت الدلالة بلا احتياج الى دعوى

عدم القول بالفصل، كما صنع المحقق الثاني على ما حكى عنه، لكن في دلالتها عليه تأمل، نعم لا إشكال في دلالتها على الترتب و التعقب و هي غير كافية.

فالأولى الاستدلال على المطلوب بلفظة «منه» فان «من» على ما تقدم ابتدائية لا تبعيضية، فالمعنى: فامسحوا بوجوهكم و أيديكم مبتدأ من الصعيد، و منتهيا الى الوجوه و الأيدي، و التمسح من الصعيد بهذا المعنى لا يصدق عرفا الا مع حفظ العلاقة بين الضرب على الأرض و المسح منها على الوجه و اليدين.

الا ترى انه لو قيل لمريض: تمسح من الضرائح المقدسة تبركا، لا ينقدح في ذهن العقلاء منه الا مع حفظ العلقة بين المسح عليها و المسح على موضوع العلة، فلو مسحها بيده ثم انصرف و ذهب الى حوائجه، ثم مسح يده على الموضع بعد سلب العلاقة العرفية، لم يعمل بقوله تمسح منها، لانه لا يكون إلا بعلاقة خاصة مقطوعة بالفصل المعتد به، كما ربما تقطع بغيره كما لو ضرب يده على الأرض فغسلها، فان

كتاب الطهارة (للإمام الخميني، ط - القديمة)، ج 2، ص: 144

الظاهر سلب العلاقة و عدم صدق التمسح منها، لا لاعتبار العلوق بل لاعتبار العلاقة الخاصة العرفية.

نعم لو قلنا بان المراد من قوله فامسحوا منه فامسحوا ببعضه أو أراد به العلوق و الأثر من الأرض لما تم الاستدلال لصدقه مع بقاء أجزاء الأرض على اليد أو أثرها عليها، لكنه خلاف التحقيق كما مر و سيأتي بعض الكلام فيه، و مما ذكرنا يظهر صحة التمسك للمطلوب ببعض الاخبار، كصحيح الحلبي «قال: سمعت أبا عبد اللّٰه عليه السّلام يقول: إذا لم يجد الرجل طهورا و كان جنبا فليمسح من الأرض» «1» و نظيرها صحيح ابن

سنان «2» لعدم صدق المسح منها لو قطعت العلاقة، بعد ظهور «من» في الابتدائية كما تقدم حكايته عن أئمة الأدب.

و لو قيل: لا تدل الابتدائية الا على لزوم كون ضرب اليد مبتدأ من الأرض و منتهيا الى الوجه، و اما اعتبار العلقة فلا، ألا ترى ان المسافر إذا سافر من بلده الى مكة المعظمة مع اشتغاله بين الطريق بأمور كثيرة بل مع تعطله عن السير في بعض البلاد التي بين الطريق، يقال سافر من بلده لي مكة من غير لزوم العلاقة.

يقال: مع ان القياس لعله مع الفارق كما يظهر من التأمل في مثل تمسح من التربة أو من الضرائح المقدسة و الأشباه و النظائر، ان ما ذكر من النقض حاله حال المقام، لانه لو فرض التعطل عنه بين الطريق بمقدار انقطعت العلقة بين قطعات سفره عرفا يخرج من صدق منه و اليه، لكن في مورد النقض و نظائره تعارف لكيفية طي الطريق و الإقامة في بعض البلاد للزيارة أو لسائر الحوائج، لا يوجب التلبس بها لأجله سلب العلقة.

فلو فرض خروجه عن التعارف كما لو سافر من بلده الى الحج فأقام في النجف الأشرف مدة لتحصيل العلم أو غيره بحيث سلبت العلاقة بين قطعات أسفاره، لخرج عن الصدق أيضا، فالعلاقة معتبرة و المقامات متفاوتة، و في المقام تنقطع

______________________________

(1) الوسائل أبواب التيمم، ب 14، ح 4- 7

(2) الوسائل أبواب التيمم، ب 14، ح 4- 7

كتاب الطهارة (للإمام الخميني، ط - القديمة)، ج 2، ص: 145

العلاقة بفصل معتد به، و بهذا ظهر الميزان في الموالاة فإنها عبارة عن بقاء تلك العلاقة العرفية و هي محفوظة مع عدم الفصل المعتد به عرفا بين الضرب و بين المسحات، و

اما التقدير بمقدار الجفاف في الوضوء أو بمقدار سلب الاسم فلا دليل عليه، نعم مع سلب الاسم عرفا لا تبقى العلاقة المذكورة، و ظهر أيضا لزوم الموالاة سواء قلنا بان الضرب على الأرض شرط أو جزء أو لا ذا و لا ذاك، بل هو مثل الاغتراف، فان التمسح من الأرض معتبر بلا اشكال و هو لا يصدق الا مع حفظ العلاقة، و عدم الفصل بين الضرب و المسح، و اما الاغتراف من الماء فلا يعتبر فيه شي ء، لأن الوضوء غسل الوجه بالماء، و هو يحصل و لو بقي الماء في كفه أربعين سنة، كما لو قلنا ان المعتبر في التيمم المسح ببعض الأرض أو بأثرها و الضرب مقدمة لذلك، لما كان يلزم حفظ العلاقة بل المعتبر صدق المسح ببعضها أو أثرها و هو صادق و لو بقيا ما بقيا.

فتأمل في أطراف ما ذكرنا و الموارد التي نظيره في العرف، و تدبر في الارتكازات العرفية حتى يتضح لك الحال و لا تحتاج الى التكلف بما ارتكبه بعض المحققين في إقامة الدليل عليه، مع ما ترى من تردده في صحة مقالته فيقدم رجلا و يؤخر أخرى.

الخامس هل يعتبر في التيمم ضرب اليدين على الأرض

اشارة

أو يعتبر وضعهما بناء على مباينته للضرب، أو يكفي مطلق التمسح عليها وضعا أو ضربا، أو لا يعتبر شي ء من ذلك، بل المعتبر وصول اثر الصعيد على الوجه و الكفين، فيكفي تعريضهما على الهواء المغبر ليصل إليهما، أو يعتبر المسح باليدين لكن لا يعتبر وضعهما أو ضربهما على الأرض، بل يكفى تأثرهما منها و لو بوضعها عليهما، أو استقبالهما للعواصف حتى تتاثرا كما حكى عن العلامة، لكن عن بعض تكذيبه و نسبة الحكاية إلى الغفلة، أو يعتبر الضرب أو الوضع على

الأرض لكن لا يعتبر ماسح خاص، بل يجزى بكل آلة يدا كانت أو غيرها و لو لا مخالفة الأصحاب و السيرة المستمرة المتقدمة لكان

كتاب الطهارة (للإمام الخميني، ط - القديمة)، ج 2، ص: 146

للاحتمال الأخير وجه معتد به.

توضيحه: ان الظاهر من الآية الكريمة، انه مع عدم وجدان الماء يقوم التراب مقامه، لكن مع تبديل الغسل ببعض المسح فقوله «فَتَيَمَّمُوا صَعِيداً طَيِّباً» اى اقصدوا و نحوا نحوه لتمسح الوجوه و الأيدي منه، فلا ينقدح في ذهن العرف منه، الا ان التمسح من الصعيد على الوجه و الأيدي تمام الموضوع و تمام حقيقة التيمم، و ان قصد الصعيد و الذهاب اليه انما هو لأجل التوصل الى هذا المقصود.

الا ترى انه لو قال: اذهب الى الماء و خذ غرفة منه فاغسل وجهك به، لا ينقدح في الذهن دخالة الذهاب و الاغتراف فيه، و يرى العرف و العقلاء ان ذكر الغرفة كذكر التراب لمحض التوصل الى غسل الوجه و المقام أولى به منه، لأن الأمر بالتيمم من الصعيد عقيب الأمر بغسل الوجه و الأيدي في الوضوء الذي يطلب فيه صرف غسلهما من غير دخالة للآلة يجعل الذيل ظاهرا، بل كالنص في ان منزلة التراب منزلة الماء، و ان المقصود حصول المسح من الصعيد، محل الغسل بأية آلة حصل، و عدم ذكر الإله مع كونها في مقام البيان يؤكد ما ذكرناه.

و تشهد به صحيحة زرارة المفسرة لها قال فيها: «فلما ان وضع الوضوء عمن لم يجد الماء أثبت بعض الغسل مسحا لانه قال بوجوهكم ثم وصل بها و أيديكم» فإنها ظاهرة في ان التصرف انما هو في إثبات المسح موضع الغسل، فكما ان الغسل لا يعتبر فيه آلة خاصة

كذلك ما أثبت محله.

فتحصل من ذلك ان الظاهر من الآية ان اللازم فيه هو التمسح من الصعيد على الوجه و الأيدي، و هو لا يحصل الا مع التوصل و التمسح على الصعيد و منه إليهما، و هو صادق بأية آلة كالغسل بالماء، فإذا علم ذلك لا بد من رفع اليد عنه من دليل صالح، و الأدلة الواردة في التيممات البيانية و غيرها تشكل صلاحيتها لذلك، فان وزانها وزان ما وردت في الوضوءات البيانية مما اشتملت على الأخذ بالغرفة و باليمين، حيث لا يفهم منها الا صرف الألية من غير دخالة في تحصيل الغسل.

كتاب الطهارة (للإمام الخميني، ط - القديمة)، ج 2، ص: 147

و بهذا يظهر الخدشة في دلالة مثل قوله: «تضرب بكفيك الأرض» فإنه مع كون اليد آلة للمسح لا يفهم العرف منها الخصوصية، كقوله: «يجزيك من الوضوء ثلث غرفات واحدة للوجه و اثنتان للذراعين» فكما لا يفهم منه اعتبار الاغتراف، و لا ينقدح في الذهن الا صرف آليتها، و لا يصلح لتقييد إطلاق الآية، كذلك حال الضرب بالكفين و ليست المدعى إلغاء الخصوصية حتى يقال لا طريق للعرف إليه في مثل هذا الحكم التعبدي، بل المدعى عدم إمكان رفع اليد عن ظهور الآية بمثله، مع عدم الانقداح في الذهن من ضرب اليد و الكف إلا الألية، فلا يحرز من مثله القيدية حتى يقيد به الإطلاق كما لا تحرز من الوضوءات البيانية.

و لعمري ان هذا الوجه وجيه لو لا الجهات الخارجية من مفروغية الحكم لدى الأصحاب و معهودية التيمم بين المتشرعة بحيث ما ذكرناه يعد كالشبهة في مقابل البديهة، و لهذا ترى انه مع كمال المناسبة بين البابين لم يتفوه أحد بذلك و هو كاف

في بطلانه.

و اما بعض الاحتمالات المتقدمة كالمنسوب إلى العلامة و ما قبله فهو مخالف لظاهر الآية و جميع الأدلة فلا داعي للتعرض له، بقي الكلام في ان المعتبر هو ضرب اليدين أو وضعهما بناء على مباينتهما أو لا يعتبر شي ء منهما بل المعتبر هو شي ء أعم أي مطلق المماسة و لو مسحا؟ مقتضى إطلاق الآية عدم اعتبار شي ء إلا كون المسح من الأرض أي مبتدئا منها، و قد قيدت بالإجماع بل الضرورة بلزوم كون الإله اليد، و بقي إطلاقها بالنسبة إلى الوضع و الضرب بحاله، بل بمناسبة كون الصعيد قائما مقام الماء عند فقده و الارتكاز المتقدم ذكره يتقوى إطلاقها، و يشكل رفع اليد عنه بمثل قوله: «تضرب بكفيك الأرض» في مقام بيان كيفية التيمم، و لو مع الغض عن الروايات المشتملة على الوضع لعدم فهم القيدية منه، بل لا ينقدح في ذهن العرف الا ان الضرب للتوصل الى التمسح من الأرض خصوصا من مثل قوله في صحيحة الكندي «التيمم ضربة للوجه و ضربة للكفين» «1» الظاهر

______________________________

(1) الوسائل أبواب التيمم، ب 12، ح 3

كتاب الطهارة (للإمام الخميني، ط - القديمة)، ج 2، ص: 148

في ان الضرب لصرف التمسح للوجه و لا موضوعية له، و بالجملة لا يحرز من مثله القيدية و لو مع قطع النظر عن سائر الروايات.

ثم ان الروايات التي في الباب منها ما هي مشتملة على حكاية عمار بن ياسر كصحيحة زرارة «قال قال أبو جعفر عليه السّلام: قال رسول اللّٰه صلّى اللّٰه عليه و آله ذات يوم لعمار» الى أن قال «فقال: كذلك يتمرغ الحمار أ فلا صنعت كذا؟ ثم أهوى بيديه إلى الأرض فوضعهما على الصعيد» إلخ «1».

و الظاهر منها

ظهورا كاد أن يكون كالنص ان قوله: «ثم أهوى» من تتمة كلام أبى جعفر عليه السّلام اى أهوى النبي صلّى اللّٰه عليه و آله، و الحاكي له أبو جعفر عليه السّلام، فلا يأتي فيه احتمال الاشتباه الا من الرواة في نقل القول و هو مدفوع بالأصل، و ظاهرها كفاية الوضع و لو لم يشتمل على خصوصية زائدة و هي الدفع و اللطم، إذ لو كانت دخيلة في ذلك لما أهملها أبو جعفر عليه السّلام في مقام بيان الحكاية لتعليم الحكم، نعم في موثقة زرارة عنه بعد حكاية القضية «فقال هكذا يصنع الحمار، و انما قال اللّٰه عز و جل فَتَيَمَّمُوا صَعِيداً طَيِّباً فضرب بيديه على الأرض» «2» إلخ و ظاهرها أيضا ان قوله: «فضرب» من كلام أبي جعفر عليه السّلام حكاية عن فعل النبي صلّى اللّٰه عليه و آله و ان احتمال ان كان العمل من أبي جعفر عليه السّلام فيها غير بعيد، و لا يبعد ان يكون وجه اختلاف الحكاية على فرض كونها منه عليه السّلام أو العمل و الحكاية على فرض آخر، ان واقع فعل النبي صلّى اللّٰه عليه و آله هو الضرب، لكن لما كان العنوان المفيد للأمر الزائد عن حقيقة الوضع غير دخيل في صحة التيمم و كان متقوما بمطلق الوضع كيف كان، ذكره أبو جعفر عليه السّلام لإفادة عدم دخالة شي ء غيره.

و لما كان الضرب وضعا أيضا مع قيد، لا يكون النقل خلاف الواقع، كما لو كان مجي ء إنسان موضوعا لحكم فجاء زيد مثلا، فيصح ان يقال: جاء زيد و ان يقال:

جاء إنسان، و بالجملة حكى أبو جعفر عليه السّلام تارة واقع القضية مع بعض الخصوصيات

______________________________

(1) الوسائل أبواب التيمم،

ب 11، ح 8- 9.

(2) الوسائل أبواب التيمم، ب 11، ح 8- 9.

كتاب الطهارة (للإمام الخميني، ط - القديمة)، ج 2، ص: 149

غير الدخيلة في صحة التيمم و كيفيته كقوله عليه السّلام: «أهوى بيديه إلى الأرض» و كقوله «ضرب بيديه» و اخرى ما هو دخيل في الحكم كقوله: «وضع يديه» افادة لعدم دخالة الخصوصية الزائدة و ليس هذا من قبيل المطلق و المقيد، بل هو حكاية قضية شخصية لا بد في ترك القيد الزائد الذي اشتملت عليه من نكتة. و المحتمل ان تكون ما ذكرناها و منها: ما اشتملت على بيان كيفية التيمم عملا، كرواية الخزاز الصحيحة على الأصح «عن أبى عبد اللّٰه عليه السّلام قال: سألته عن التيمم؟ فقال: ان عمارا» الى أن قال:

«فقلت له: كيف التيمم؟ فوضع يده على المسح» «1» و صحيحة داود بن النعمان: «قال: سألت أبا عبد اللّٰه عليه السّلام عن التيمم؟ فقال:

ان عمارا» الى أن قال: «فقلنا له: فكيف التيمم؟ فوضع يده على الأرض» إلخ «2».

و صحيحة زرارة «قال: سمعت أبا جعفر عليه السّلام يقول: و ذكر التيمم و ما صنع عمار فوضع أبو جعفر عليه السّلام كفيه على الأرض» إلخ «3» و موثقة سماعة أو صحيحته «قال: سألته كيف التيمم؟ فوضع يده على الأرض» إلخ «4» و احتمال الاشتباه من الرواة في حكاية الفعل لا يعتنى به، سيما مع تعددهم و تكرر الرواية و كونهم من قبيل زرارة و الخزاز و سماعة، فدار الأمر بين تقييد الإطلاقات كتابا و أخبارا و رفع اليد عن صحيحة زرارة المتقدمة الحاكية لفعل النبي صلّى اللّٰه عليه و آله بلفظ أبى جعفر عليه السّلام إذ عمل الإطلاق و التقييد غير وجيه بعد

الحكاية عن الفعل الشخصي تاركا لما هو دخيل في الحكم فرضا، و ان فهم من حكايته حكم كلى، و بين رفع اليد عن قيدية الضرب الوارد في الاخبار الكثيرة، و الأهون في المقام مع الخصوصيات المتقدمة هو الثاني، سيما مع كون المطلق و المقيد مثبتين، و الحمل في مثله متوقف على إحراز وحدة المطلوب و هو مع ما تقدم مشكل.

مضافا الى ان المقام ليس من قبيل المطلق و المقيد، فان المتفاهم العرفي من

______________________________

(1) الوسائل أبواب التيمم، ب 11، ح 2، 4، 5.

(2) الوسائل أبواب التيمم، ب 11، ح 2، 4، 5.

(3) الوسائل أبواب التيمم، ب 11، ح 2، 4، 5.

(4) الوسائل أبواب التيمم، ب 13، ح 3.

كتاب الطهارة (للإمام الخميني، ط - القديمة)، ج 2، ص: 150

قوله: «وضع يده على الأرض» في مقام تعليم التيمم، و بيان كيفيته انه كان وضعها بلا دفع و اعتماد، و الا كان على الرواة عدم إهماله، و الحمل على الغفلة قد مرّ ما فيه، فيظهر ان مقتضى هذه الروايات ان عمل المعصوم في مقام التعليم كان وضعا لا ضربا، و معه كيف يمكن عمل المطلق و المقيد.

فلا محيص عن الالتزام اما برفع اليد عن الروايات الصحيحة التي هي في مقام البيان و هو كما ترى. و اما البناء على ان للتيمم كيفيتين إحديهما وضع اليد، و ثانيتهما ضربها، و اما البناء على ان المعتبر فيه ليس الا لمس الأرض وضعا أو ضربا بل أو مسحا أخذا بإطلاق الآية و جمعا بين الروايات، و هو أهون لكونه جمعا عقلائيا بين جميع الروايات.

نعم لا يبعد الالتزام برجحان الضرب أخذا بظواهر ما دلت على الضرب و اشتملت على الأمر به.

هذا كله

إذا قلنا بعدم مباينة الضرب و الوضع، و اما لو قلنا بمباينتهما فيقع التعارض بين صحيحة زرارة و موثقته الحاكيتين عن أبى جعفر عليه السّلام نقل فعل رسول اللّٰه صلّى اللّٰه عليه و آله، حيث عبر في الأولى بالوضع و في الثانية بالضرب، و هو لا يوجب رفع اليد عن سائر الروايات الحاكية لفعل أبى عبد اللّٰه و أبى جعفر عليهما السّلام في مقام تعليم التيمم بعد السؤال عن كيفيته، فالأخذ بجميع الروايات و الالتزام بان للتيمم كيفيتين، و حمل ما اشتملت على الأمر بالضرب على الرجحان أولى و أهون من طرح الطائفة المقابلة مع صحة سندها، بل هو من قبيل حمل الظاهر على النص لان اخبار الضرب ظاهر في تعينه، و اخبار الوضع نص في الاجتزاء به مع موافقتها لإطلاق الكتاب.

و اما الشهرة المنقولة في المقام فليست من الشهرات المعتد بها، لان المسألة اجتهادية تراكمت فيها الأدلة، هذا مع ذهاب جملة من الأساطين إلى الاجتزاء بالوضع صريحا أو ظاهرا، كالشيخ في محكي المبسوط و النهاية، و المحقق في الشرائع، و

كتاب الطهارة (للإمام الخميني، ط - القديمة)، ج 2، ص: 151

الشهيد في محكي الذكرى، و عن جامع المقاصد و حاشية الإرشاد، لكن لا ينبغي ترك الاحتياط بعد اشتمال أكثر الروايات على الضرب و نقل الشهرة، و احتمال كون مراد بعض من عبر بالوضع الضرب منه. و تعارف الضرب بين المتشرعة و اللّٰه العالم.

تنبيه ظاهر الكتاب و السنة ان الضرب أو الوضع شرط لحصول المسح

من الأرض لا جزء للتيمم، فان قوله تعالى «فَتَيَمَّمُوا صَعِيداً طَيِّباً» متفرعا عليه قوله «فَامْسَحُوا بِوُجُوهِكُمْ وَ أَيْدِيكُمْ مِنْهُ» ظاهر في ان قصد الصعيد ضربا أو وضعا لأجل المسح و التوصل اليه، و لو لا الإجماع و التسلم بينهم لقلنا بعدم

مدخلية الإله الخاصة أيضا، لكن بعد القول باعتبارها لا ريب ان الظاهر منها ان الضرب لأجل المسح بالوجوه و الأيدي، كما هو الظاهر أيضا من مثل قوله: «التيمم ضربة للوجه و ضربة للكفين» و قوله: «مرتين مرتين للوجه و اليدين» و هذا ينافي الجزئية، و لا دليل على اعتبار الجزئية زائدا على اعتبار الشرطية، بأن يكون جزءا بالنسبة إلى المجموع و شرطا لسائر الاجزاء و قوله: «تضرب بكفيك الأرض ثم تنفضهما و تمسح بهما وجهك و يديك» لا يدل على الجزئية لو لم نقل بدلالتها على الشرطية خصوصا مع كون جميع الروايات كالتفسير للاية الكريمة.

فتوهم كون التيممات البيانية و كذا أشباه الرواية المتقدمة في مقام بيان ماهية التيمم و الاجزاء المقومة لها غير وجيه جدا، لان الظاهر انهم عليهم السلام بصدد بيان كيفية التيمم الصحيح من غير نظر الى ما يعتبر فيه شرطا أو جزءا، لو لم نقل بظهور بعضها كالرواية المتقدمة في الشرطية، فالأظهر هو الشرطية، و اما الثمرة بين القولين فغير ظاهرة، نعم لو قلنا بان دليل اعتبار الموالاة فيه هو ظهور الأوامر المتعلقة بالمركبات في إتيان اجزائها متوالية و مرتبطة كما استدلوا به له، يكون اعتبار الموالاة بين الضرب و المسح على الجزئية، و عدم اعتباره على الشرطية ثمرة بينهما، لأن غاية ما يمكن دعواه هو ظهورها في الموالاة بين الاجزاء لا بين الشرائط و الاجزاء أيضا كما لا يخفى، لكن قد عرفت ان وجه اعتباره غير ذلك، و مع ما ذكرناه لا تكون هذه ثمرة فراجع.

و يمكن ان يقال: انه على الشرطية لا دليل على لزوم قصد التقرب و التعبد به،

كتاب الطهارة (للإمام الخميني، ط - القديمة)، ج 2، ص: 152

بخلافه

على الجزئية لأن المتيقن من الإجماع على عبادية التيمم عبادية ماهيته، لا الأعم منها و من شرائطه، الا ان يقال مقتضى ارتكاز المتشرعة عبادية الضرب أيضا، و قد يقال في بيان الثمرة أمر ان آخر ان و هو غير سديد.

السادس لا اشكال نصا و فتوى في اعتبار كون الضرب بكلتا يديه

فلو ضرب بإحديهما بطل بل يمكن استفادته من الكتاب العزيز فضلا عن الاخبار الناصة به، و اما اعتبار الدفعة فغير ظاهر، بل مقتضى إطلاق الأدلة عدم اعتبارها، اما إطلاق الكتاب فظاهر، و اما إلا أخبار فلان الظاهر من قوله: «تضرب بكفيك» ليس الا اعتبار الضرب بهما، و انه تمام الموضوع للحكم، و اما الدفعة فأمر آخر غير ضربهما لا بد في اعتباره من بيان و تقييد مفقود في المقام، فمقتضى إطلاق مثله هو عدم الاعتبار.

و توهم دلالة الأدلة عليه انصرافا أو اشعارا كل واحد من الاخبار و بعد ضم بعضها الى بعض يستفاد الحكم غير سديد، نعم لا يبعد أن يكون العمل الخارجي المتعارف بين الناس موجبا لتوهم الانصراف، لكنه غير الانصراف في نفس الأدلة، (و الانصاف) ان رفع اليد عن ظاهر الأدلة و مقتضى إطلاقها مشكل، و ان كان ترك الاحتياط و البناء على عدم الاعتبار بعد كون العمل عليه مشكلا آخر.

ثم انه لا ريب في ان الظاهر من الأدلة و لو انصرافا ان المعتبر ضرب باطن الكفين خصوصا بعد ارتكازية مخالفة الماسح و الممسوح، بل يمكن ان يستدل عليه بعدها بمثل موثقة زرارة «1» «ثم مسح كفيه كل واحدة على ظهر الأخرى» و قوله في رواية داود «2» «فوضع يديه على الأرض ثم رفعهما فمسح وجهه و يديه فوق الكف» بعد كونه في مقام بيان كيفية التيمم و لا يمكن إلغاء الخصوصية بعد

ما عرفت من اعتبار الأدلة الخاصة فيه، بل اللازم مراعاة جميع ما يتفاهم من التيممات البيانية و غيرها المحتملة لدخالتها بعد كونها في مقام بيان كيفية التيمم و ما يعتبر فيه، كما لا ريب في جواز التيمم بالتراب و نحوه، و ان لم يكن متصلا بالأرض.

______________________________

(1) الوسائل أبواب التيمم، ب 11، ح 9.

(2) الوسائل أبواب التيمم، ب 11، ح 4.

كتاب الطهارة (للإمام الخميني، ط - القديمة)، ج 2، ص: 153

و يدل عليه مضافا الى السيرة القطعية و قوله: «التراب أحد الطهورين» و ما دل على جواز التيمم بالجص و النورة الصادق كل منهما على المنفصل من الأرض، ان الظاهر عرفا من قوله تعالى فَتَيَمَّمُوا صَعِيداً الى قوله «مِنْهُ» ان ما هو دخيل فيه هو محل الضرب و وقوع اليد، و اما سائر أجزاء الأرض التي لا تقع اليد عليها لإدخاله لها في المسح، و لو نوقش فيه فلا إشكال في أصل الحكم بعد كون التراب أحد الطهورين و قطعية عدم الفصل بينه و بين الحجر و غيره.

ثم ان المعتبر فيه ضرب مجموع باطن الكفين لكون الكف اسما له ظاهرا و بعضه جزء له لا كف على الإطلاق، نعم لو كانت ناقصة يكفى الضرب بها و لا يسقط التيمم بلا إشكال لقاعدة الميسور، و ضرورية عدم سقوط الصلاة بل لا يبعد فهمه من نفس الخطابات المتوجهة إلى المكلفين، كما ذكرناه في الوضوء، و قلنا ان قوله تعالى:

فَاغْسِلُوا وُجُوهَكُمْ وَ أَيْدِيَكُمْ إِلَى الْمَرٰافِقِ ليس مخصوصا بمن كان وجهه و يده سليما فمن قطعت يده من الأصابع و سمع قوله تعالى فَاغْسِلُوا وُجُوهَكُمْ وَ أَيْدِيَكُمْ إِلَى الْمَرٰافِقِ يرى لزوم غسل يده الناقصة إلى المرفق و لا ينقدح في

ذهنه توجه الخطاب الى السالمين.

نعم لو كان القطع من المرفق يكون خارجا منه و في المقام أيضا يرى العرف دخول مقطوع الإصبع تحت الخطاب، و لو قلنا بكون الكف اسما للمجموع، و ذلك لمناسبات مغروسة في الأذهان كما هو كذلك في الخطابات العرفية، بل لا يبعد أن يقال ان الكف كاليد و الرجل صادقة على الكل و البعض لكن ينصرف مثل قوله: «اضرب كفيك» الى ضرب جميعهما و هو يتم مع سلامة الكف، و مع نقصها يصدق انه ضرب كفيه على الأرض حقيقة، فلا إشكال في عدم سقوط التيمم و الصلاة مع نقصان الكف.

و اما لو قطعت كفاه من الزند فقد يقال بلزوم مسح الوجه بالذراعين، و مسح ظاهر كل بباطن الأخرى، و هو بالنسبة إلى مسح الوجه غير بعيد، و ان لا يخلو من شبهة لكن بالنسبة إلى ظاهر كل بباطن الأخرى، و قيامهما مقام الكف بعيد، لعدم شمول

كتاب الطهارة (للإمام الخميني، ط - القديمة)، ج 2، ص: 154

الخطابات له و هو واضح، و عدم كون مسح الذراعين ميسور مسح الكفين و لو حاول أحد شمول قاعدة الميسور لمثل ذلك لصح له أن يلتزم بلزوم مسح الرجل أو سائر الجسد بدل اليد، إذا قطعت يداه من الأصل، لأن المسح بظاهر الكف ينحل الى المسح، و كونه بظاهر الكف و كونه بالكف و كونه بالجسد، فمع تعسر كل مرتبة يجب قيام الأخرى مقامها و هو كما ترى.

و بالجملة ليست الذراعان مع الكف الا كاجنبى في باب التيمم، و ليس المسح عليهما ميسور مسح الكفين، و الانحلال العقلي غير معول عليه في مثل المقام، بل لزوم مسح الجبهة فقط ممن لم يكن له يد لكونه

ميسور التيمم أيضا لا يخلو من اشكال و الاحتياط لازم على اى حال في مثل الصلاة التي لا تترك بحال مع بعد عدم تكليف مثله بالصلاة التي هي عماد الدين الى آخر عمره، بل ليس المدعى للقطع بعدم ترك مثله سدى بمجازف.

ثم لو تعذر الضرب بباطن الكفين هل يقوم ظاهرهما مقامه بدعوى انه ميسوره و أقرب من غيره أو يقوم باطن الذراعين مقامه فيضرب بباطنهما و يمسح بهما الوجه و ظاهر الكفين أو يتخير بينهما أو يجب الجمع للعلم الإجمالي بحصول التيمم الواجب بإحدى الكيفيتين؟ وجوه. لا يبعد ترجيح الثاني، لأن أصل اعتبار كون الماسح هو اليد و الكفين غير مستفاد من الأدلة اللفظية كما مر، و انما قلنا باعتباره للسيرة و الإجماع و المتيقن منهما اعتباره حال عدم التعذر و في صورة الاختيار، و اما مع التعذر فالأصل و ان اقتضى عدم اعتبار احدى الخصوصيتين لكن المتفاهم من الأدلة كما مرت الإشارة إليه مخالفة الماسح للمم سوح، و ان آلة المسح موصلة لأثر الأرض و لو أثرا اعتباريا الى ما لم يلمس الأرض. و مع القول بالانتقال الى الظاهر لا بد من رفع اليد عن هذا الظاهر.

و بعبارة أخرى يعتبر في التيمم حال الاختيار كون المسح بباطن الكف و مغايرة الإله للممسوح، و في حال التعذر يرفع اليد عن الباطن و تحفظ المغايرة مع حفظ

كتاب الطهارة (للإمام الخميني، ط - القديمة)، ج 2، ص: 155

آلية اليد فيرجح الذراع على الظاهر، لكن ما ذكرناه لا يساعد كلمات القوم ممن تعرض للمسألة و الاحتياط بالجمع لا ينبغي تركه.

ثم انه مع نجاسة الباطن اما أن تكون سارية إلى الأرض لو تيمم أو الى الممسوح دون الأرض، كما

لو جرح العضو بعد الضرب أو لم تكن سارية مطلقا، فعلى الأول قد يقال ان ظاهر الأدلة اعتبار طهارة الصعيد عند ضرب اليد عليه، فإذا صار قذرا بالضرب لا يضر بالتيمم.

و فيه ان ظاهر الآية مع قطع النظر عن صحيحة زرارة اعتبار طهارته عند رفع اليد منه أيضا لمكان «مِنْهُ» فان الظاهر رجوع الضمير الى الصعيد الطيب، فمع ابتدائية «من» كما هي الأرجح يكون المعنى فامسحوا مبتدأ من الصعيد الطيب.

نعم بناء على رجوع الضمير الى التيمم، كما في صحيحة زرارة المفسرة للاية يشكل استفادة ما ذكر منها كما تقدم بعض الكلام فيها، الا ان يقال ان المراد من قوله: «ذلك التيمم» ذلك الضرب الواقع على الصعيد الطيب و مع قذارته بالضرب يخرج من ذلك العنوان، تأمل.

و يمكن استفادة اعتبار طهارة الأرض التي يمسح منها المحال، و كذا اعتبار طهارة المحال الممسوحة إذا فرض سراية نجاسة الكف إليها من الآية الكريمة، و صحيحة زرارة المتقدمة بالتقريب المتقدم مستمدا بارتكاز العرف في اعتبار كل ما يعتبر في الوضوء و الغسل جميعا في التيمم فراجع، و اما مع عدم سرايتها بأن يكون المحل جافا فالظاهر عدم الانتقال الى الظاهر، بل ينتقل الى الذراعين كما مر الكلام فيه.

و اما دعوى ان حفظ الذات أولى من حفظ الوصف، فمع الانتقال الى غير باطن الكف ترك الأصل و الذات حفظا للوصف بخلاف المسح مع الباطن النجس (ففيها) ان أمثال هذه الأمور الاعتبارية و الترجيحات الظنية غير معول عليها في الأحكام التعبدية البعيدة عن العقول، مع ما عرفت من ان اعتبار باطن الكف بل مطلق آلية اليد غير مستفاد من الأدلة لو لا الإجماع و السيرة المفقودان في مثل المقام، و الاحتياط

كتاب الطهارة (للإمام الخميني، ط - القديمة)، ج 2، ص: 156

في جميع صور الدوران لا ينبغي ان يترك، و ان كانت البراءة في كثير من الموارد محكمة بناء على جريانها في الطهارات الثلث كما هو الأقوى.

السابع هل يعتبر في التيمم العلوق مما ضرب عليه؟

و الكلام فيه يقع في موارد:

منها في اعتبار العلوق بمعنى لزوم مسح المواضع بالتراب و نحوه، و لا اشكال و لا كلام عندنا في عدم اعتباره، و هو الذي ادعى الإجماع عليه، فعن المنتهى لا يجب استعمال التراب عند علمائنا و حكى الإجماع عن غيره أيضا.

و الظاهر ان خلاف بعض المتأخرين ليس في ذلك كما يظهر من استدلالاتهم خصوصا جوابهم عن الروايات الدالة على النفض من عدم المنافاة بينه و بين لزوم العلوق لبقاء الأجزاء الصغيرة الغبارية بعد النفض، فيظهر منهم ان مرادهم بلزوم العلوق لزوم بقاء اثر التراب الذي لا يسمى ترابا.

و كيف كان يدل على عدم اعتباره بعد الإجماع الأدلة الدالة على استحباب النفض أو جوازه ضرورة أنه بعده لا يبقى من نفس الصعيد و الأرض على اليد شي ء و ما بقي عليها أحيانا هو أثرهما الذي لا يسمى ترابا عرفا و لا أرضا، و الآية الكريمة بعد البناء على كون «من» ابتدائية بشهادة صحيحة زرارة التي دلت على رجوع الضمير المجرور الى التيمم لا الصعيد، و كذا الأخبار المتقدمة، ضرورة انه لو كان الجار للتبعيض و المجرور راجعا الى الصعيد لزم منه وجوب حمل الصعيد الى الوجه و الكفين، مع انه بعد النفض لا يبقى بعض الأرض على اليد للوجه فضلا عن الكفين، فإذا لم تكن تبعيضية فلا محالة تكون ابتدائية لضعف الاحتمالات الأخر، فتدل على ان المعتبر في التيمم ان يكون المسح مبتدئا من الأرض

لا بالأرض، فتدل على عدم اعتبار العلوق بالمعنى المتقدم و لا بغيره كما يأتي، فلا ينبغي الإشكال في عدم اعتباره بهذا المعنى.

و منها اعتباره بمعنى لزوم ان يعلق على اليد من أجزاء الأرض و لو سقطت

كتاب الطهارة (للإمام الخميني، ط - القديمة)، ج 2، ص: 157

بالنفض بل و لو لم يبق أثرها، و لا ينبغي الإشكال في عدم اعتباره أيضا، بل هو أضعف من سابقه لا مكان التمسك له بالاية، و الصحيحة المتقدمة بتوهم تبعيضية «من» و بارتكازية بدلية التراب للماء، و ان ظهر ضعفهما مما تقدم حتى الثاني، فإن الارتكاز لا يقاوم الأدلة كتابا و سنة، و أما توهم اعتبار العلوق و كونه واجبا مستقلا لا للتمسح به على الأعضاء فهو خلاف الآية و الروايات جميعا، فان الظاهر منها عدم استقلاليته، بل لو كان معتبرا فلأجل المسح على الأعضاء، و الروايات المشتملة على النفض يظهر منها بمساعدة الارتكاز العرفي، ان النفض لعدم الاحتياج الى ما يعلق من الصعيد على اليد لمسحها و لا اشعار فيها على لزوم العلوق استقلالا من غير لزوم المسح به.

و لهذا ترى ان الروايات المشتملة على الوضع خالية عن ذكر النفض، بخلاف ما تشتمل على الضرب فإنها مشتملة عليه الا نادرا، و الظاهر ان الوجه فيه هو تحقق العلوق بالضرب دون الوضع خصوصا في أراضي الحجاز الغالب عليها الرمل و الأحجار الصغار التي تلصق باليد مع الضرب دون الوضع بلا اعتماد و لا قوة و لا مكث، و بالجملة عدم اعتبار العلوق بهذا المعنى أيضا واضح، و العمدة البحث عن النحو الثالث من العلوق و هو أثر التراب و الأرض و لا يبعد أن يكون ذلك موردا للكلام. و

مختارا لبعض المتأخرين كما مرت الإشارة اليه، و هو أيضا لا يقصر في الضعف عما تقدم فان «من» في الآية الكريمة ان كانت تبعيضية، تنطبق على العلوق بالمعنى الأول، و ان كانت ابتدائية لا تنطبق على العلوق بهذا المعنى أيضا، بل بعد البناء على الابتدائية تدل الآية بإطلاقها على عدم اعتبار العلوق للدلالة على ان تمام الموضوع لتحقق التيمم كون التمسح مبتدأ من الصعيد من غير دخالة شي ء آخر فيه.

و دعوى ان المسح منه على الوجه و الكف و لو بمناسبة الحكم و الموضوع منصرف الى انتقال أثر من الأرض على الأعضاء، (مدفوعة) بان ما هو المرتكز من قيام الصعيد مقام الماء هو قيام نفسه مقامه كما فعل عمار لا قيام أثره، و بعد قيام الدليل على عدم لزوم ذلك، لا مجال لدعوى قيام الأثر، فلا يجوز رفع اليد عن الإطلاق و لا دعوى

كتاب الطهارة (للإمام الخميني، ط - القديمة)، ج 2، ص: 158

الانصراف لأجل الارتكاز.

كما ان دعوى الانصراف أو عدم الإطلاق لأجل غلبة الأراضي في انتقال أثرها على اليد و بقائه بعد النفض، (مدفوعة) بمنع الغلبة الموجبة لعدم الإطلاق فضلا عن الانصراف، سيما في أراضي نزول الوحي و صدور الروايات، و خصوصا مع كون الصعيد مطلق وجه الأرض و بالأخص مع قرب أراضي الحرمين الشريفين من البحر الموجب لنزول الأمطار الغريزة في غالب الفصول فيها مع كيفية أرضهما الخالية عن التراب الموجب لعدم كونها مغبرة و عدم بقاء أثرها بعد النفض غالبا، و معه كيف تسوغ دعوى الغلبة و الانصراف، و كيف يمكن السكوت عنه مع فرض اعتباره، مضافا الى انه لو فرض بقاء أثر ضعيف بعد النفض فلا ريب في انه مع

إمرار اليدين على الوجه يرتفع و ينتقل اليه، فلا يبقى للكفين اثر منها فلا بد للقائل بلزوم العلوق، اما ان يلتزم بلزومه للوجه فقط، أو لزوم المسح ببعض اليد على الوجه بوجه بقي الأثر للكفين، أو لزوم ضرب آخر بعد مسح الوجه، و لا أظن التزامه بالأولين و يأتي الكلام في ضعف الثالث.

الثامن في تحديد الماسح و الممسوح و كيفية المسح،

اما الماسح

اشارة

فيقع البحث فيه من جهات.

[الجهة] الأولى [مسح الجبهة باليدين]

بعد وضوح لزوم كون المسح بما يضرب على الأرض نصا و فتوى هل يعتبر أن يقع مسح الجبهة باليدين كما عن التذكرة انه الأظهر من عبارات الأصحاب، و عن المدارك ان أكثر الأصحاب على كون المسح بباطن الكفين معا، و عن المختلف و الذكرى و كشف اللثام انه المشهور، أو يجتزى بيد واحدة كما عن التذكرة احتماله، و عن المولى الأردبيلي و المحقق الخوانساري اختياره؟ لا يبعد ترجيح ذلك لإطلاق الآية الكريمة و عدم صلوح الأدلة لتقييدها.

و دعوى كونها من المتشابهات التي يجب الرجوع فيها الى تفسير أهل البيت عليهم السلام كدعوى عدم إطلاقها لكونها في مقام أصل التشريع ضعيفة، ضرورة عدم

كتاب الطهارة (للإمام الخميني، ط - القديمة)، ج 2، ص: 159

إجمال و تشابه فيها، فان الظاهر من قوله: «تيمموا صعيدا» الواقع في ذيل بيان الوضوء و الغسل و انهما بالماء و بقرينة فامسحوا منه هو التلمس بالأرض بالالة المتداولة التي هي باطن الكفين، لعدم إمكان المسح على اليدين بكف واحد فيستفاد منها لزوم مسح بعض الوجه و اليدين من الأرض بالالة.

نعم لو لا الجهات الخارجية لقلنا بعدم لزوم كون اليد آلة كما تقدم فإطلاق الآية محكم ما لم يرد دليل على التقييد، و التقييدات الواردة عليها ليست بحد الاستهجان حتى نلتزم بإهمالها أو بقيام قرائن حالية لم تصل إلينا، و الذي يشهد على عدم إجمال أو إهمال فيها إرجاع رسول اللّٰه صلّى اللّٰه عليه و آله عمارا إليها لرفع خطائه بقوله: «هكذا يصنع الحمار انما قال اللّٰه عز و جل فَتَيَمَّمُوا صَعِيداً طَيِّباً» و في رواية إنما قال اللّٰه فَامْسَحُوا بِوُجُوهِكُمْ وَ أَيْدِيكُمْ و في أخرى «أ فلا

صنعت كذا ثم تيمم» «1» و تمسك أبي جعفر بها و بخصوصياتها لتعليم زرارة، فلا إشكال في إطلاقها و عدم تشابهها.

نعم الروايات الحاكية لفعلهم لا يكون فيها إطلاق معتد به من هذه الجهة، و اما عدم صلوح شي ء لتقييدها فلان أظهر ما في الباب في ذلك مما يمكن الركون عليه سندا موثقة زرارة عن أبي جعفر عليه السّلام في التيمم «قال: تضرب بكفيك الأرض ثم تنفضهما و تمسح بهما وجهك و يديك» «2» و صحيحة المرادي عن أبى عبد اللّٰه عليه السّلام في التيمم: «قال تضرب بكفيك على الأرض مرتين ثم تنفضهما و تمسح بهما وجهك و ذراعيك» «3» بدعوى ظهورهما بل صراحتهما في كون مسح الوجه باليدين.

لكن يمكن إنكار ظهورهما فضلا عن صراحتهما بان يقال: ان محتملات قوله «و تمسح بهما وجهك و يديك» كثيرة بدوا.

(أحدها) ان يكون المراد تمسح بهذه و هذه وجهك و يدك اليمنى و اليسرى جمودا

______________________________

(1) الوسائل أبواب التيمم، ب 12، ح 7.

(2) الوسائل أبواب التيمم، ب 11، ح 7.

(3) الوسائل أبواب التيمم، ب 12، ح 2.

كتاب الطهارة (للإمام الخميني، ط - القديمة)، ج 2، ص: 160

على ظاهر علامة التثنية من تكرير مدخولها. و ظاهر الضمير الراجع إلى طبيعة اليدين من غير اعتبار الاجتماع في المدخول و المرجع، فإنه يحتاج إلى مئونة زائدة، و لازم هذا الاحتمال لزوم مسح كل يد جميع الجبهة أو هي مع الجبينين، و كذا مسح كل من اليدين الماسحين كل واحد من الممسوحين و هو غير ممكن في الثاني، و لم يلتزموا به في الأول فهذا الاحتمال مدفوع لذلك.

(ثانيها) ان يكون المراد تمسح بمجموعهما وجهك و كل واحد من يديك، و لازمة لزوم مسح

كل من اليدين بمجموعهما و هو أيضا مدفوع لامتناعه.

(ثالثها) ان يكون المراد تمسح بمجموعهما وجهك و مجموع اليدين، و لازم ذلك ما هو المشهور.

(رابعها) تمسح بمجموعهما مجموع الوجه و اليدين اى بمجموع هذين مجموع الثلاثة، و لازم ذلك جواز مسح الوجه بيد واحدة كما اختاره المحققان المتقدمان، و لا ترجيح لأحد الأخيرين لو لم نقل بترجيح ثانيهما لأجل ارتكاز العرف بان المسح لإيصال أثر الأرض و لو أثرها الاعتباري إلى الوجه من غير دخالة مجموع اليدين في ذلك، و ضرب اليدين انما هو لتحصيل المسحات الثلاث لا لمسح الوجه بهما.

و بالجملة مع محفوفية الكلام بالقرينة العقلية و رفع اليد عن الظاهر الاولى لا يبقى ظهور في الاحتمال الثالث.

و دعوى ان الظاهر منها هو المسح بهما مطلقا، و قيام القرينة العقلية موجب لرفع اليد عنه بالنسبة إلى اليدين دون الوجه (مدفوعة) بأن الظاهر منها هو المسح بكل واحد منهما جميع الممسوح، و هو مخالف لإطلاق الكتاب و الفتوى و العقل، و مع رفع اليد عنه و دوران الأمر بين أحد الأخيرين فالترجيح مع ثانيهما، فيوافق إطلاق الآية و مع تساويهما أو الترجيح الظني لاولهما لا يترك الإطلاق حتى على الثاني، لعدم ظهور معتد به، و عدم كون الظن مستندا الى اللفظ و ظهوره حتى يكون حجة.

نعم ظاهر رواية الكاهلي «قال: سألته عن التيمم؟ فضرب على البساط فمسح بهما

كتاب الطهارة (للإمام الخميني، ط - القديمة)، ج 2، ص: 161

وجهه ثم مسح كفيه إحديهما على ظهر الأخرى» «1» هو مسح الوجه باليدين لكنها مع ضعفها سندا و إضمارها لا تصلح لتقييد الكتاب، و لا يعلم استناد المشهور إليها، و مجرد مطابقة فتواهم لرواية لا يجبر ضعفها، و

كون الناقل منه صفوان بن يحيى و صحة السند اليه غير مفيد، لعدم ثبوت انه لا يروى إلا عن ثقة و ان قال به الشيخ في محكي العدة، و الإجماع على تصحيح ما يصح عنه على فرض ثبوته لم يتضح إثبات ما راموا منه و التفصيل موكول الى محله.

و اما صحيحة محمد بن مسلم «قال: سألت أبا عبد اللّٰه عن التيمم؟ فضرب بكفيه الأرض ثم مسح بهما وجهه ثم ضرب بشماله الأرض فمسح بها مرفقه إلى أطراف الأصابع واحدة على ظهرها و واحدة على بطنها، ثم ضرب بيمينه الأرض ثم صنع بشماله كما صنع بيمينه، ثم قال: هذا التيمم على ما كان فيه الغسل و في الوضوء الوجه و اليدين الى المرفقين» إلخ «2».

فلا يتكل عليها لتقييد الكتاب بعد اشتمالها على عدة أحكام مخالفة للمذهب، و التفكيك في الحجية في مثلها غير جائز، بعد عدم الدليل على حجية خبر الثقة الأبناء العقلاء الممضى، و لا ريب في عدم ثبوت بنائهم على العمل بما اشتملت على عدة أحكام مخالفة للواقع لو لم نقل بثبوت عدمه.

نعم هنا روايات لا يبعد دعوى ظهورها في المطلوب كصحيحة زرارة عن أبى جعفر عليه السّلام حكاية لقضية عمار بن ياسر، و فيها: «ثم أهوى بيديه إلى الأرض فوضعهما على الصعيد ثم مسح جبينيه بأصابعه و كفيه إحديهما بالأخرى ثم لم يعد ذلك» «3» فان الظاهر من مسح جبينيه بأصابعه المسح بجميعها سيما بعد قوله «فوضعهما على الصعيد»

______________________________

(1) الوسائل أبواب التيمم، ب 11، ح 1.

(2) الوسائل أبواب التيمم ب 12، ح 5.

(3) الوسائل أبواب التيمم، ب 11، ح 8.

كتاب الطهارة (للإمام الخميني، ط - القديمة)، ج 2، ص: 162

و موثقته عن

أبى جعفر عليه السّلام قال في ذيل حكاية قضية عمار: «فضرب بيديه على الأرض ثم ضرب إحديهما على الأخرى ثم مسح بجبينيه ثم مسح كفيه كل واحدة على ظهر الأخرى» «1».

فإن الظاهر منها ان المسح وقع بعين ما ضرب على الأرض للمسح لا بإحدى يديه ضرورة انه لو ضرب بيدين و مسح بإحديهما على جبينيه لقال في مقام الحكاية فمسح بواحدة منهما لكون الضرب بهما و المسح بإحديهما مخالفا للمتعارف، و معه كان عليه حكايته، و مع عدم الذكر ينصرف الى المتعارف و هو المسح بما ضرب، الا ترى عدم احتمال كون المسح بغير اليدين مع عدم حكاية كونه بهما، و ليس ذلك الا للانصراف و الظهور في كونه بما وقع على الأرض.

و هذا نظير ان يقال أخذ الماء بغرفتيه، فغسل وجهه حيث يكون ظاهرا في صب ما في الغرفتين على وجهه و غسله بهما، و من هنا يمكن الاستدلال عليه ببعض روايات أخر، لكن يمكن المناقشة في صلوح مثل تلك الروايات لتقييد الآية الكريمة، فإن مجرد ظهورها في كون المسح باليدين و لو في مقام بيان الحكم و التعليم لا يكفي في التقييد إلا إذا دلت على التعيين و العمل الخارجي الذي لا يمكن أن يقع الا على وجه واحد و كيفية واحدة لا يكون ظاهرا فيه، و دالا على ان للتيمم كيفية واحدة، و ان تمام حقيقته كذلك، و معه لا يمكن تقييد المطلق الموافق له به.

و بعبارة اخرى ان المطلق و المقيد المثبتين غير متنافيين، إلا إذا أحرزت وحدة المطلوب و الكيفية و هي غير محرزة في المقام. و لعله الى ما ذكرنا يرجع ما عن المحقق الخوانسارى (ره) حيث قال: كما

يجوز حمل المطلق على المقيد يجوز القول بكفاية المطلق و حمل المقيد على انه أحد أفراد الواجب «انتهى».

الا ان يقال ان الظاهر من صحيحة داود بن النعمان «2» هو السؤال عن

______________________________

(1) الوسائل أبواب التيمم، ب 11، ح- 3.

(2) الوسائل أبواب التيمم، ب 11، ح 4.

كتاب الطهارة (للإمام الخميني، ط - القديمة)، ج 2، ص: 163

كيفية التيمم فعمل أبى عبد اللّٰه عليه السّلام في مقام جواب سؤاله عن الكيفية ظاهر في ان ما فعل هو الكيفية الفريدة، و تمام ماهية التيمم. فلو كان المسح بيد واحدة مجزيا لفعله في مقام بيان نفس الماهية لعدم دخالة ضم الأخرى في تحققها، و الظاهر منها مسح الوجه باليدين بالتقريب المتقدم، بل لا يبعد أظهريتها في ذلك مما تقدم لقوله:

«ثم رفعهما فمسح وجهه و يديه» و لا يخفى انه فرق بين هذه الصحيحة التي ندعي ظهورها في كون المسح بيدين و بين صحيحة المرادي، و رواية زرارة المتقدمة حيث منعنا ظهورهما فيه كما مر، لان الظهور المدعى في هذه الصحيحة لأجل حكاية الفعل كما تقدم وجهه فتدبر، بل الظاهر منها و من صحيحة الخزاز ان ما صنع أبو عبد اللّٰه عليه السّلام موافق لفعل رسول اللّٰه صلّى اللّٰه عليه و آله في مقام تعليم عمار، و بعد ضم ذلك الى رواية الكاهلي التي شهد شيخ الطائفة (ره) بوثاقته لرواية صفوان عنه، و قيام الإجماع المنقول على تصحيح ما يصح عنه، و هما و ان كانا موردين للمناقشة كما مر، لكن يوجبان ظنا معتدا به، فإذا ضم ذلك الى مرسلة العياشي عن زرارة عن أبى جعفر عليه السّلام «1» و فيها «ثم مسح يديه بجبينيه» و الى رواية فقه الرضا

«2» و الى صحيحة زرارة و موثقته «3» الحاكيتين لفعل رسول اللّٰه الظاهرتين في مسحه باليدين يتم المطلوب، و هو تعينه في كيفية واحدة.

و الانصاف أن الراجع الى الروايات يطمئن بان له كيفية واحدة، هي ما قال به المشهور، بل قيام السيرة القطعية المتصلة إلى زمان الأئمة من أقوى الشواهد على كونه بهذه الكيفية المعهودة، فيتقيد بها الآية الشريفة فلا ينبغي التأمل فيه.

الجهة الثانية [المسح باليدين دفعة]

مقتضى إطلاق الآية و بعض الروايات كصحيحة المرادي و رواية زرارة المتقدمتين عدم اعتبار المسح بهما دفعة فيجوز تدريجا، و اشعار الروايات الحاكية

______________________________

(1) مرت في صفحة 139.

(2) مرت في صفحة 142.

(3) مرتا في صفحة 161 و 162.

كتاب الطهارة (للإمام الخميني، ط - القديمة)، ج 2، ص: 164

لفعل رسول اللّٰه صلّى اللّٰه عليه و آله و أبي جعفر و أبى عبد اللّٰه عليهما السّلام أو دلالتها على ان عملهم كان بنحو الدفعة، لا يظهر منها التعيين للفرق الظاهر بين الإتيان باليدين الظاهر في الدخالة و بين الإتيان دفعة، لانه لو كان مجزيا باليد الواحدة لكان ضم اليد الأخرى إليها بلا وجه، لعدم تعارف ضم ما ليس بدخيل الى ما هو الدخيل بخلاف الدفعة، فإنها متعارفة بعد لزوم كون المسح باليدين، و التعارف يوجب عدم الظهور في التعيين كما ان السيرة على الدفعة لا تكشف الا صحته كذلك، و اما بطلان غيره فلا كما لا يخفى و هذا بخلاف السيرة على المسح باليدين فإنها كاشفة عن دخالة اليد، و ذلك لما مر من عدم تعارف ضم ما ليس بدخيل فلا تغفل لكن الاحتياط لا ينبغي تركه.

الجهة الثالثة الظاهر عدم اعتبار كون المسح بجميع الكف

لإطلاق الآية، و ظهور الأدلة في ان ضرب اليد على الأرض انما هو لإيصال أثرها و لو اعتبارا الى الممسوح و ليس للكفين إلا سمة الألية للمسح منها، فإذا حصل ببعض الكف سقط التكليف و بعبارة اخرى ان المسح منها الذي هو الواجب الأصيل يحصل بتحقق صرف الوجود من المسح، و يتحقق ذلك بأول مرتبة الإمرار، و الزائد يحتاج الى دليل، و لا دليل عليه الا توهم ظهور الأدلة في وجوب الضرب بجميع الكف، و لما كان ذلك للمسح لا

بد من كونه بجميعها.

و فيه ان تقليب ذلك الدليل أولى بحسب ارتكاز العرف بان يقال: ان الضرب لما كان للمسح و هو يحصل ببعض الكف، فهو دليل على عدم لزوم الضرب بجميعها، و الأولوية لأجل ان المطلوب الأصلي هو المنظور فيه، و التبعي منظور لأجله، و بعد اقتضاء الدليل كون الضرب للمسح الحاصل بأول وجود الإمرار لا ينقدح في ذهن العرف توسعة ذي الإله بل ينقدح فيه تضييق الإله.

هذا مع ان ظاهر الأدلة انصرافا هو المسح بوضع طول الماسح على عرض الممسوح في الكف، و هو أزيد منه بمقدار معتد به، بحيث يرى العرف زيادته عليه، و كذا يزيد عرض اليدين عن الجبهة و الجبينين، و مع لزوم الاستيعاب كان اللازم التنبيه عليه

كتاب الطهارة (للإمام الخميني، ط - القديمة)، ج 2، ص: 165

و عدمه دليل على عدم لزومه، هذا مع الغض عن صحيحة زرارة و الا فهي صريحة في جوازه، فالأقوى عدم لزوم الاستيعاب و ان كان الأحوط خلافه.

و من بعض ما ذكرناه يعلم كفاية مسح مجموع الممسوح بمجموع الماسح توزيعا، فلا يجب المسح بكل من اليدين على تمام الممسوح.

و اما الممسوح

اشارة

فيقع البحث فيه من جهات:

الاولى في تحديد الوجه
اشارة

و الكلام يقع فيه في مقامين:

________________________________________

خمينى، سيد روح اللّٰه موسوى، كتاب الطهارة (للإمام الخميني، ط - القديمة)، 3 جلد، ه ق

كتاب الطهارة (للإمام الخميني، ط - القديمة)؛ ج 2، ص: 165

(الأول) [مسح بعض الوجه]

في مقتضى الأدلة مع قطع النظر عن فتوى الأصحاب فنقول: ان مقتضى إطلاق الآية جواز مسح بعض الوجه اىّ بعض كان، بعد كون الباء تبعيضية، اما لقول السيد المرتضى ان الباء إذا لم يكن لتعدية الفعل الى المفعول لا بد له من فائدة، و الا كان عبثا و لا فائدة بعد ارتفاع التعدية به الا التبعيض، و هو من أهل الخبرة في صناعة الأدب تأمل، و اما لصحيحة زرارة المفسرة للاية عن أبى جعفر عليه السّلام «1» و استدل عليه السلام لتبعيض المسح في الوضوء و التيمم بالباء و اما الروايات فعلى طوائف: منها و هي الأكثر ما اشتملت على عنوان الوجه، و منها على الجبينين، و منها على الجبين مفردة، و في نسخة اخرى أو رواية أخرى بدل الجبين الجبهة، و بعضها و هي رواية زرارة عن تفسير العياشي على المسح من بين عينيه إلى أسفل حاجبيه، و في رواية فقه الرضا ذكر موضع السجود من مقام الشعر الى طرف الأنف، و روى فيه مسح الوجه من فوق الحاجبين و بقي ما بقي.

و يمكن الجمع بينها بالأخذ بإطلاق الآية و حمل الروايات على اختلافها على التخيير بين أعضاء الوجه، بدعوى عدم استفادة التعيين منها بعد ذلك الاختلاف، و حمل اخبار الوجه على الفضل في الاستيعاب، و فيه ما يخفى لان الالتزام بجواز مسح العارض أو الذقن بعد كونه مخالفا لجميع الروايات في غاية الإشكال، بل غير ممكن و ان

______________________________

(1) الوسائل أبواب التيمم،

ب 13، ح 1.

كتاب الطهارة (للإمام الخميني، ط - القديمة)، ج 2، ص: 166

يظهر من محكي المعتبر التخيير بين استيعاب الوجه و مسح بعضه بشرط عدم الاقتصار على أقل من الجبهة، و ظاهره جواز المسح على العارض مثلا إذا لم يقتصر على أقل منها مساحة.

و هو أسوأ من الجمع المتقدم لالتزامه بالتخيير بين الأقل و الأكثر، و هو لو لم يكن ممتنعا فلا أقل من عدم كونه من الجمع المقبول، مضافا الى ان روايات الجبين و الجبهة لو كانت صالحة لتقييد الآية فلا بد من التخيير بينهما و بين الوجه، أو تعين المسح بهما، و الا فلا وجه لعدم جواز الاقتصار على أقل من الجبهة.

و قد يقال بالجمع بين روايات الوجه و الجبينين بحمل الاولى على ارادة المسح في الجملة حملا للمطلق على المقيد، و هو من أهون التصرفات (و فيه) انه بعد تسليم دلالة روايات الوجه على كثرتها على لزوم الاستيعاب يقع التعارض بينها، و بين ما دل على المسح على الجبينين بالتباين.

و الانصاف انه لو سلم دلالة الروايات المتجاوزة عن العشرة و فيها الصحاح و الموثق على لزوم الاستيعاب و كونها في مقام بيان كيفية التيمم لا يتأتى الجمع بينها بما ذكر بل يقع التعارض بينها و بين غيرها، بعد عدم كونها من قبيل المطلق و المقيد. لان نسبة الكل و الجزء ليست من قبيلهما، لكن الشأن في ثبوت دعوى دلالتها عليه فان الناظر بعين التدبر يرى عدم سلامة الا النادرة منها من المناقشة أما سندا أو دلالة أو جهة فها هي الروايات:

اما ما دلت على ان التيمم ضربة للوجه و ضربة لليدين كصحيحة إسماعيل الكندي عن الرضا عليه السّلام «قال: التيمم ضربة

للوجه و ضربة للكفين» «1» و صحيحة محمد بن مسلم عن أحدهما «قال: سألته عن التيمم؟ فقال: مرتين مرتين للوجه و اليدين» «2» و صحيحة زرارة «3» عن أبى جعفر عليه السّلام قال: قلت له: كيف التيمم؟ فقال: هو ضرب

______________________________

(1) الوسائل أبواب التيمم، ب 12، ح 3- 1- 4.

(2) الوسائل أبواب التيمم، ب 12، ح 3- 1- 4.

(3) الوسائل أبواب التيمم، ب 12، ح 3- 1- 4.

كتاب الطهارة (للإمام الخميني، ط - القديمة)، ج 2، ص: 167

واحد للوضوء و الغسل من الجنابة تضرب بيديك مرتين ثم تنفضهما نفضة للوجه و مرة لليدين» فهي في مقام حكم آخر لا يمكن استفادة لزوم الاستيعاب منها كما لا يستفاد لزوم مسح تمام اليد منها، فهي لا تعارض اخبار المسح على الكف، و لا ما دلت على مسح الجبينين كما لا يخفى.

و الظاهر ان صحيحة المرادي من هذا القبيل و اما صحيحة محمد بن مسلم و موثقة سماعة «1» المشتملتان على مسح الذراعين الى المرفق فهما محمولتان على التقية، و استقر المذهب على عدم العمل بهما، و يمكن أن تكون صحيحة المرادي «2» أيضا كذلك و اما موثقة زرارة عن أبى جعفر عليه السّلام «قال: تضرب بكفيك الأرض ثم تنفضهما و تمسح بهما وجهك و يديك» «3».

فمن القريب أن تكون بصدد بيان عدم لزوم نقل التراب الى الوجه، حيث قد يدعي دلالة الآية على لزومه، و يظهر من فتوى الشافعي ان ذلك كان في تلك الأعصار مورد البحث و النظر. فلا تكون ناظرة إلى مقدار مسح الوجه و اليدين، و لذا ذكر فيها اليدان لا الكفان، و لو كانت بصدد بيان كيفية التيمم لم تهمل وظيفة اليد، فالأقرب

ما ذكرنا من كونها بصدد بيان لزوم كون المسح باليد المضروبة على الأرض لا بأجزاء التراب، و لهذا قال فيها: «و تنفضهما و تمسح بهما».

و اما روايتا داود بن النعمان و الخزاز «4» فيحتمل فيهما كون قوله:

«قليلا» قيدا للوجه أيضا، فيكون المراد مسح الوجه قليلا، و فوق الكف قليلا، مع احتمال أن يكون المنظور ضرب اليد على الأرض في مقابل عمل عمار تأمل،

______________________________

(1) الوسائل أبواب التيمم ب 13 ح 3 و 12 ح 2 و 5.

(2) الوسائل أبواب التيمم ب 13 ح 3 و 12 ح 2 و 5.

(3) الوسائل أبواب التيمم ب 11 ح 7- 4- 2.

(4) الوسائل أبواب التيمم ب 11 ح 7- 4- 2.

كتاب الطهارة (للإمام الخميني، ط - القديمة)، ج 2، ص: 168

و كيف كان مع اشتمالهما لما تصلح للقرينية لا يمكن إثبات الاستيعاب بهما.

و اما رواية الكاهلي «1» فضعيفة و لو قيل بحسنها لكن لا تكون صالحة لمعارضة الصحاح لا سندا و لا دلالة، فبقيت صحيحة واحدة هي صحيحة زرارة عن أبى جعفر عليه السّلام «قال: سمعت أبا جعفر عليه السّلام يقول و ذكر التيمم و ما صنع عمار فوضع أبو جعفر كفيه على الأرض ثم مسح وجهه و كفيه و لم يمسح الذراعين بشي ء» «2» و هي مع عدم بيان تفصيل القضية فيها حتى يعلم كون أبى جعفر عليه السّلام في مقام بيان أية جهة من جهات التيمم و كون المذكور فيها عمله و يصح لمن يرى مسح يده على جبهته أو جبينه أن يقول مسح يده على وجهه من غير تسامح و تجوز، لا تقاوم الكتاب، إذ لو كان المراد لزوم مسح يده على وجهه من غير تسامح

و تجوز، لا تقاوم الكتاب، إذ لو كان المراد لزوم مسح جميع الوجه تخالفه بالتباين بعد كون الباء للتبعيض، و لا تقاوم الروايات الحاكية لفعل رسول اللّٰه صلّى اللّٰه عليه و آله الناصة على مسحه بجبينيه، فتكون قرينة على ان ليس المراد بالوجه جميعه لا لتقييد الإطلاق كما قيل، بل لان الوجه يطلق على البعض و التمام بلا مسامحة.

و لا يبعد دعوى الفرق بين «اغسل وجهك» و بين «امسح بيدك وجهك» بأنه يفهم الاستيعاب من الأول دون الثاني فتأمل، و كيف كان لا شبهة في عدم وجوب الاستيعاب في الوجه حتى مع الغض عن فتاوى الأصحاب و مخالفته للكتاب و موافقته للعامة، هذا حال الأخبار المشتملة على الوجه.

و اما سائر الأخبار فالمعتمد منها و هي صحيحة زرارة و موثقته الحاكيتان لفعل رسول اللّٰه صلّى اللّٰه عليه و آله تعليما لعمار عن أبى جعفر عليه السّلام «3» كالصريح في كفاية مسح الجبينين من دون لزوم مسح الجبهة، فإن قوله عليه السّلام: «ثم مسح (اى رسول اللّٰه صلّى اللّٰه عليه و آله) جبينيه بأصابعه» أو «ثم مسح بجبينيه» في مقام بيان الحكم و ماهية التيمم ظاهر بل كنص في ان تمام

______________________________

(1) الوسائل أبواب التيمم ب 11- ح 1

(2) الوسائل أبواب التيمم، ب 11 ح 5- 8

(3) الوسائل أبواب التيمم، ب 11 ح 5- 8

كتاب الطهارة (للإمام الخميني، ط - القديمة)، ج 2، ص: 169

الدخيل فيه مسحهما فقط و ليس مسح غيرهما كالجبهة و غيرها دخيلا في ماهيته، و ليس هذا كنقل أحد من الرواة حتى يقال انه ترك ذكر الجبهة بتوهم ملازمة مسحها لمسحهما مع عدم الملازمة واقعا، أو احتمل فيه الخطأ في فهم كيفية العمل،

و كيف كان لو كان اللازم مسح الجبهة لمسحها رسول اللّٰه، و نقل أبو جعفر عليه السّلام، و تدل عليه أيضا رواية أبي المقدام أو حسنته لرواية صفوان عنه عن أبي عبد اللّٰه عليه السّلام «أنه وصف التيمم فضرب بيديه على الأرض ثم رفعهما فنفضهما ثم مسح على جبينيه و كفيه مرة واحدة» «1».

و ذكر الجبينين مثناة و ترك الجبهة دليل على عدم مسحه جبهته، و الظاهر ان موثقة زرارة المختلفة في النقل المرددة بين جبينه و جبهته كانت في الأصل جبينه أو جبينيه و اشتبهت في النسخ لغاية شباهتهما في الخط العربي سيما في الخطوط القديمة، و انما رجحنا الجبين على الجبهة لشهادة سائر الروايات المتفقة على الجبينين، بل المظنون وقوع تصحيف في عبارة الحسن بن عيسى العماني حيث ادعى تواتر الأخبار، بأنه حين علم عمارا مسح بهما جبهته و كفيه، و كان الأصل جبينيه، فاشتبهت و صحفت بجبهته لشدة المشابهة في الخط، و الا فكيف يدعى تواتر ما ليس بموجود الا نادرا، و ترك ذكر الجبينين مع ورود روايات كثيرة فيهما.

و اما قول المحقق في النافع: و هل يجب استيعاب الوجه و الذراعين بالمسح فيه روايتان أشهرهما اختصاص المسح بالجبهة، فليس المراد منه أكثرية الرواية كما توهم بل أشهريتها بحسب الفتوى و هو مبنى على حمل عبارات من تقدم عليه على اختصاص المسح بالجبهة و سيأتي الكلام فيها، و الا فروايات الوجه و الجبينين أكثر بلا اشكال، و لم تصل الى المحقق روايات أخر غير ما بأيدينا أكثر من روايات الجبينين جزما، و كيف كان فمراده أشهرية الفتوى و الشهرة الفتوائية هي الميزان في قبول رواية أوردها لا الأكثرية كما هو المقرر في

محله.

نعم هنا بعض روايات ضعاف تدل على وجوب مسح الجبهة كالفقه الرضوي الذي

______________________________

(1) الوسائل أبواب التيمم، ب 11 ح 6

كتاب الطهارة (للإمام الخميني، ط - القديمة)، ج 2، ص: 170

لم يثبت كونه رواية، بل الظاهر من عباراته انه مصنف فقيه أفتى بمضمون الاخبار، و فيه «ثم تمسح بهما وجهك موضع السجود من مقام الشعر الى طرف الأنف» ثم قال: «و اروى» الى ان قال: «ثم تمسح بأطراف أصابعك وجهك من فوق حاجبيك و بقي ما بقي» «1» و لعل المراد من هذه الرواية الأخيرة مسح جميع ما فوق الحاجبين و إبقاء بقية الوجه، و لا يبعد رجوع مرسلة العياشي الى ذلك «قال: و عن زرارة عن أبى جعفر بعد ذكر قضية عمار ثم وضع يديه جميعا على الصعيد، ثم مسح من بين عينيه إلى أسفل حاجبيه» «2» و هي موافقة لفتوى الصدوق في المقنع مع احتمال كون المراد مسح الجبهة إلى طرف الأنف المحاذي لأسفل الحاجبين و كيف كان فمقتضى الجمود على الروايات الصالحة للاعتماد كفاية مسح الجبينين و عدم الاجتزاء بمسح الجبهة خاصة، لأن ما دلت على الاجتزاء بها غير صالحة للحجية، الا ان ثبت استناد المشهور بها و هو غير معلوم، هذا كله حال الروايات.

و اما المقام الثاني [مسح الجبينين و الجبهة]

و هو حال فتاوى الأصحاب فالظاهر من فتاوى قدمائهم إلى زمان المحقق فيما رأيت إلا نادرا هو التحديد بمسح الجبينين و الجبهة عرضا، و من قصاص الشعر الى طرف الأنف طولا، لان الغالب منها التعبير بمسح الوجه باليدين من قصاص شعر رأسه الى طرف أنفه، و ليس في عباراتهم لفظة الجبهة، و الظاهر من مسح الوجه بهما اى باليدين مضمومتين كما هو المتبادر المتعارف تحديد العرض، و

من قصاص الشعر الى طرف الأنف تحديد الطول في مقابل العامة القائلين بالاستيعاب، أو مسح أكثر الوجه، و به يرجع قول السيد في الانتصار و الناصريات، قال في الأول: و مما انفردت به الإمامية القول بان مسح الوجه

______________________________

(1) مرت في صفحة 142

(2) مرت في صفحة 139

كتاب الطهارة (للإمام الخميني، ط - القديمة)، ج 2، ص: 171

بالتراب في التيمم انما هو الى طرف الأنف من غير استيعاب له، فإن باقي الفقهاء يوجبون الاستيعاب، و قال في الثاني بعد قول الناصر: و تعميم الوجه و اليدين واجب، بهذه العبارة: هذا غير صحيح، و قد بينا في المسألة التي قبل هذه الى أن قال: و قد أجمع أصحابنا على ان التيمم في الوجه انما هو من قصاص الشعر الى طرف الأنف «انتهى» و الظاهر من مسح الوجه الى طرف الأنف هو مسح جميع القطعة التي وقعت من الوجه فوق طرف الأنف، لا ما هو بحذاء طرفه فإنه أقل من عرض إصبع واحد، و لا ينطبق الا على أقل قليل من الجبهة، فاحتماله في عبارته و سائر عبارات القوم مقطوع الفساد بل الإجماع و الضرورة على خلافه، و إليها من هذه الجهة ترجع ظاهرا عبارة المقنع: فامسح بهما بين عينيك إلى أسفل الحاجبين، لاحتمال كون المراد التحديد عرضا باليدين و طولا إلى أسفل الحاجبين، سيما مع ذكر الحاجبين لا طرف الأنف.

و الظاهر رجوع قول الصدوق في الأمالي إليه، قال فيما وصف دين الإمامية:

فإن أراد الرجل أن يتيمم ضرب بيديه على الأرض مرة واحدة ثم ينفضهما فيمسح بهما وجهه الى أن قال: و قد روى ان يمسح الرجل جبينه و حاجبيه و يمسح على ظهر كفيه و عليه مضى

مشايخنا.

و قال في الفقيه: و مسح بهما جبينيه و حاجبيه، و الظاهر بقرينة إفراد الجبين في الأمالي و ضم الحاجبين الظاهر منه مسح تمامهما الملازم لمسح الجبهة ان مراده مسح الجبهة و الجبين، و يشهد له ان مسح الجبين فقط مخالف لكلمات الأصحاب هذا حال كلمات أصحابنا من زمن الصدوق الى عصر المحقق مما عثرت عليه من كتبهم كالامالى و الفقيه و المقنع و الهداية و الانتصار و الناصريات و النهاية و الخلاف و الوسيلة و المراسم و الغنية، و اشارة السبق، و عن أبى الصلاح و ابن إدريس كذلك.

و اما من عصر المحقق فقد تغيرت العبارات فقال في النافع: و هل يجب استيعاب

كتاب الطهارة (للإمام الخميني، ط - القديمة)، ج 2، ص: 172

الوجه و الذراعين بالمسح؟ فيه روايتان أشهرهما اختصاص المسح بالجبهة و ظاهر الكفين، و الظاهر ان مراده أشهرهما فتوى كما تقدم، و هو مبنى على ان مراد قدماء أصحابنا من العبارات المتقدمة هو مسح الجبهة بقرينة قولهم من قصاص الشعر الى طرف الأنف، لكن قد مر ان ذلك لتحديد الطول، فكما حددوا الوجه في الوضوء من قصاص الشعر الى مجاور شعر الذقن طولا، و بما اشتمل عليه الإبهام و الوسطى عرضا حدوده في المقام عرضا بقولهم مسح بهما الظاهر في تمام باطنهما متصلين و طولا بما ذكر في مقابل الاستيعاب.

و قد نسب في محكي المعتبر مسح الجبهة إلى مذهب الثلاثة و أتباعهم، فإن كان مراده اختصاصه بالجبهة كما صرح في النافع ففيه ما مر، و ان كان مراده لزوم مسحها أيضا مضافا الى الجبينين فهو حق، و ظاهر الشرائع اختصاصه بها كظاهر العلامة في القواعد و الإرشاد و هو ظاهر التذكرة

أيضا، و ان عبر فيها بمسح الوجه لتمسكه بقول الصادق عليه السّلام في رواية زرارة «قال: و لأن زرارة سأل الصادق عليه السّلام عن التيمم فضرب بيديه الأرض ثم رفعهما فنفضهما و مسح بهما جبهته و كفيه مرة واحدة» «1» و هي بعينها موثقة زرارة عن أبى جعفر عليه السّلام لكنه نسبها الى الصادق عليه السّلام، و لعلها رواية أخرى عثر عليها و ان كان بعيدا.

و قال في المنتهى: أكثر علمائنا على ان حد الوجه هنا من قصاص الشعر الى طرف الأنف اختاره الشيخ في كتبه و المفيد و المرتضى في انتصاره، و ابن إدريس و أبو الصلاح، ثم حكى قول على بن بابويه و غيره، و تمسك لمختاره بروايات الجبهة و الجبينين في مقابل القائل بالاستيعاب.

و الانصاف إمكان إرجاع كلامه فيهما الى ما ذكرناه و استظهرناه من كلام القوم، و عن الشهيد في الذكرى ان مسح الجبهة من القصاص الى طرف الأنف متفق عليه بين الأصحاب، و لعل مراده وجوب مسحها لا الاختصاص بها، و صرح ثاني الشهيدين في الروض بالاختصاص، و قال: هذا القدر متفق عليه بين الأصحاب الى

______________________________

(1) الوسائل أبواب التيمم ب 11 ح 3.

كتاب الطهارة (للإمام الخميني، ط - القديمة)، ج 2، ص: 173

أن قال: و زاد بعضهم مسح الجبينين و هما المحيطان بالجبهة، يتصلان بالصدغين لوجوده في بعض الاخبار.

و في مقابله الأردبيلي حيث قال: ان المشهور ان مسح الجبينين واجب و كاف.

و هو مصيب في وجوبه لا في كفايته، كما ان الشهيد مصيب في ان وجوب مسح الجبهة متفق عليه بين الأصحاب على تأمل، لما نقل عن المحقق من التخيير بين الوجه و بعضه بمقدار مساحة الجبهة، و غير

مصيب في انتساب الجبينين الى بعضهم.

و كيف كان فالأقوى وجوب مسح الجبينين و الجبهة وفاقا للمشهور بين المتقدمين كما عرفت، بل و المتأخرين فإنه المحكي عن جامع المقاصد و مجمع البرهان و المدارك و شرح المفاتيح و منظومة الطباطبائي و فوائد الشرائع و حاشية الإرشاد و شرح الجعفرية و حاشية الميسي و الروضة و المسالك و رسالة صاحب المعالم، و عن مجمع البرهان انه المشهور و عن شرح المفاتيح لعله لا نزاع فيه بين الفقهاء، و اما ما عن الأمالي من كونه من دين الإمامية، و مضى عليه مشايخنا فالظاهر ان ما نسب الى دين الإمامية غير ذلك نعم ظاهر قوله: و مضى عليه مشايخنا هو الرجوع الى ما ذكر كما مر، فراجع عبارته فإن النسخة التي عندي مغلوطة ظاهرا.

و بعد ما عرفت من الشهرة المحققة و السيرة القطعية لا بدّ من تأويل الروايات على ما تنطبق على القول المشهور أو ردّ علمها إلى أهله، و انطباقها عليه ليس ببعيد بدعوى ان مسح جبينيه بتمام أصابعه يلازم عادة مسح الجبهة، و كذا المسح باليدين عليهما كما هو ظاهر موثقة زرارة و رواية أبي المقدام.

و اولى منهما موثقة زرارة الأخرى برواية الكافي حيث قال فيها: «ثم مسح بها جبينه مفردة» و إطلاق الجبين على تمام القطعة التي فوق الحاجبين غير بعيد، بل شائع في مثل قولهم بكد اليمين و عرق الجبين، لكن يظهر من المجلسي في مرآته انه بلفظ التثنية لا المفرد، و في الوافي عن الكافي جبهته بدل جبينه، فيظهر من ذلك ان نسخ الكافي أيضا مختلفة، و معه لا يبعد ترجيح النسخة المشتملة على الجبهة على تأمل.

كتاب الطهارة (للإمام الخميني، ط - القديمة)، ج 2،

ص: 174

و قد يجمع بين الروايات الحاكية لفعل رسول اللّٰه صلّى اللّٰه عليه و آله و بين الروايات الظاهرة في مسح الجبهة كالموثقة على احدى النسختين و الرضوي حيث قال فيه: «ثم تمسح بهما وجهك موضع السجود من مقام الشعر الى طرف الأنف» «1» و مرسلة العياشي عن زرارة عن أبى جعفر عليه السّلام قال بعد حكاية قضية عمار «ثم وضع يديه جميعا على الصعيد ثم مسح من بين عينيه إلى أسفل حاجبيه» «2» بناء على ظهوره في الجبهة كما لا يبعد برفع اليد عن ظاهر كل من الطائفتين بصريح الأخرى، فإن الطائفة الثانية نص في اعتبار الجبهة، و ظاهر في عدم اعتبار غيرها من باب السكوت في معرض البيان، و الطائفة الأولى عكسها فيأول الظاهر بالنص فيحكم باعتبارهما، و هو كما ترى ضرورة ان واحدة من الطائفتين ليست نصا في الاعتبار معينا بل ظاهرة في التعيين.

و الأقرب في الجمع بينهما مع قطع النظر عن فتاوى الأصحاب هو الاجتزاء بكل من الجبهة و الجبينين، فيرفع اليد عن ظهورهما فيه، بل لو لا مخالفة الأصحاب لقلنا بعدم كون ذلك الجمع مخالفا للظاهر المعتد به، لان العمل ليس له ظهور في التعيين، و الروايات كلها إلا الرضوي حكاية أعمال بل ظهور الاعمال في الاجتزاء قوى يعارض ما لو دل دليل على اعتبار شي ء آخر، لكن لا مناص عن رفع اليد عن هذا الظهور بعد الإجماع على لزوم مسح الجبهة و ظهور كلمات الأصحاب كما عرفت في مسح الجبهة و الجبينين.

الجهة الثانية [المسح الى طرف الأنف الأعلى]

ان ظاهر تحديد الأصحاب إلى طرف الأنف هو الظرف الأعلى منه كما صرح به في المنتهى، و قال: انه المراد في عبارات المفيد و الشيخ و

السيد و ابن حمزة و أبي الصلاح و هو ظاهر من قال بمسح الجبينين و الحاجبين كالصدوق في الفقيه.

و قال في الأمالي: و قد روى ان يمسح الرجل جبينه و حاجبيه و عليه مضى

______________________________

(1) مرت في صفحة 142

(2) مرت في صفحة 139

كتاب الطهارة (للإمام الخميني، ط - القديمة)، ج 2، ص: 175

مشايخنا، بل في الجواهر صرح به بنو حمزة و إدريس و سعيد و العلامة و الشهيدان و غيرهم، لا الأسفل بل في السرائر و غيرها الإزراء على من ظن ذلك من المتفقهة «انتهى».

لكن لم يصرح ابن حمزة به و لعله رئي في غير وسيلته، كما ان ما نقل عن الأمالي من المسح الى طرف الأنف الأعلى و الى الأسفل أولى، و كذا ما نقل في مفتاح الكرامة عن الأمالي المسح من القصاص الى طرف الأنف الأسفل ليس شي ء منهما موجودا في النسخة الموجودة عندي.

و كيف كان مقتضى الأدلة و كلمات الأصحاب عدم لزومه إلى الأسفل.

و اما مسح الحاجبين فمقتضى تحديدهم الى طرف دخولهما في المحدود بعد الاستظهار المتقدم من كون المراد من قولهم: «يمسح بهما من قصاص الشعر إلى الأنف» تحديد الطول و العرض، ضرورة أن طرف الأنف الأعلى أسفل من الحاجبين، فيكون الحاجبان فوق الحدود داخلين في المحدود الممسوح.

و يشهد له قول الصدوق في الأمالي بعد نقل رواية مسح الجبين و الحاجبين: و عليه مضى مشايخنا، و قد أفتى به في الفقيه و الهداية أيضا، و يشهد له أيضا إرساله العلامة إرسال المسلمات، قال في المنتهى: لا يجب ما تحت شعر الحاجبين بل ظاهره كالماء، فيظهر النظر في محكي الكفاية من دعوى الشهرة على عدم وجوب مسح الحاجبين.

نعم ظاهر الأدلة الحاكية لتيمم

رسول اللّٰه صلّى اللّٰه عليه و آله و أبى جعفر و أبى عبد اللّٰه عليهما السّلام عدم وجوب مسحهما و في بعض روايات ضعيفة وجوبه كمرسلة العياشي على احتمال، و مرسلة الصدوق في الأمالي، فيكون حال الحاجبين حال الجبهة في كون لزوم مسحهما مشهورا، و ظاهر الأدلة المعتبرة على خلافه مع فرق بينهما، و هو ان لزوم مسح الجبهة صريحهم و مسح الحاجبين ظاهرهم.

و كيف كان فلا يبعد ترجيح وجوبه كما نفى عنه البأس في محكي الذكرى و اختاره جامع المقاصد، بل يمكن أن يقال ان مسح الجبينين و الجبهة ملازم لمسحهما خصوصا إذا كانت الجبهة محدودة بطرف الأنف الأعلى و الجبينان طرفاها، كما يظهر

كتاب الطهارة (للإمام الخميني، ط - القديمة)، ج 2، ص: 176

من اللغة، فتنطبق الاخبار على القول المشهور.

الجهة الثالثة المشهور بين الأصحاب وجوب مسح الكفين من الزند

و هو المفصل بين الساعد و الكف إلى أطراف الأصابع. بل عليه نقل الإجماع و الشهرة و المعروفية بين الأصحاب متكرر، و عليه جملة من العامة كما لك و احمد و الشافعي قديما على ما نقل و عن على بن بابويه وجوب استيعاب المسح الى المرفقين و هو المحكي عن أبي حنيفة و الشافعي ثانيا، و عن ابن إدريس عن بعض أصحابنا ان المسح من أصول الأصابع إلى رءوسها، و روى عن مالك أيضا ان التيمم على الكف و نصف الذراع و احتجاجه عليه من المضحكات، و عن الزهري يمسح يديه الى المنكب.

و تدل على المشهور صحيحة زرارة و موثقته الحاكيتان لفعل رسول اللّٰه و صريح صحيحة زرارة الحاكية عن فعل أبى جعفر عليه السّلام «قال: فوضع أبو جعفر عليه السّلام كفيه على الأرض ثم مسح وجهه و كفيه، و لم يمسح الذراعين

بشي ء» «1» و ظاهر غيرها مما اشتملت على الكف، بل ظاهر صحيحتي داود بن النعمان و الخزاز «2» حيث قال في الأولى: «فمسح وجهه و يديه فوق الكف قليلا» و قريب منها الثانية، لأن الظاهر من فوق الكف قليلا، و لو بجهات خارجية، هو حد المفصل أو فوقه قليلا، الذي يتعارف المسح منه لتحصيل مسح ظهر الكف احتياطا.

و احتمال كون المراد منه ظهر الكف لإفادة عدم لزوم مسح تمام الظهر ضعيف و مع احتمال كون المسح فوق الكف قليلا لأجل الاحتياط و اليقين بحصول مسح الكف لا يمكن الاستدلال بها للزوم مسح الفوق تعبدا لدخالته في ماهية التيمم، و اما روايات ليث المرادي و محمد بن مسلم و سماعة «3» المشتملات على مسح الذراعين أو هما مع المرفق فمحمولة على التقية، كما تظهر آثارها من ثانيها، و لو لا قوة احتمالها لكان

______________________________

(1) مرت في صفحة 161 و 162.

(2) راجع صفحة 149

(3) مرت في صفحة 149 و 159

كتاب الطهارة (للإمام الخميني، ط - القديمة)، ج 2، ص: 177

الحمل على الاستحباب غير بعيد، بل متعينا حملا للظاهر على النص، كما ان مرسلة فقه الرضا كمرسلة حماد بن عيسى الظاهرتين في اجتزاء المسح على الأصابع غير صالحتين للاحتجاج، فضلا عن المقاومة لما تقدم مع إمكان أن يقال ان المراد بموضع القطع ما هو المعروف عند العامة، فأراد أبو عبد اللّٰه عليه السّلام تعليم السائل طريق الاحتجاج معهم، و رواية فقه الرضا مجمل المراد، و لا داعي لبيان محتملاتها بعد عدم حجيتها.

و اما كيفية المسح فمقتضى إطلاق الآية و بعض الروايات و مقتضى سكوت أبي جعفر عليه السّلام عن الخصوصية الواقعية التي وقع بها تيمم رسول اللّٰه صلّى

اللّٰه عليه و آله في مقام تعليم عمار هو عدم دخالة كيفية خاصة في المسح، بل التيمم متقوم بمسح الوجه و الكفين باليدين بأية كيفية وقع من الأعلى أو إليه، وقع طول الباطن على عرض الظاهر أو طوله على طوله، بل و لو وضع جميع الباطن على جميع الظاهر، فجرّ الماسح في الجملة حتى وقع مسح جميع الظاهر به، و كذا لا خصوصية بمقتضاها في مسح الوجه.

اما إطلاق الآية فلما مرّ مرارا انها في مقام البيان و لا إجمال فيها، و لذا تمسك النبي صلّى اللّٰه عليه و آله و الامام بها و بخصوصياتها المأخوذة فيها لإثبات الحكم، فالقول بكونها مجملة نشأ من قلة التأمل فيها، و الا فغالب احكام التيمم مستفاد منها.

و اما إطلاق بعض الاخبار كموثقة زرارة و رواية المرادي و ان لا يخلو من المناقشة كما مرّ، لكن لا يبعد إطلاقهما، و اما سكوت أبى جعفر عليه السّلام فهو أقوى دليل على عدم الاعتبار، فان رسول اللّٰه صلّى اللّٰه عليه و آله قد كان في مقام بيان ماهية التيمم لعمار، بلا ارتياب و لا اشكال، و كان أبو جعفر عليه السّلام في مقام نقل القضية لإفادة الحكم بلا اشكال، و ان كان في تكرار القضية منه و من أبى عبد اللّٰه عليه السّلام فائدة أخرى أو فوائد أخر، كافحام المخالفين و التنبيه على جهل الثاني بالأحكام و بالقرآن الذي بين أيديهم أو تجاهله و مخالفته للّٰه و رسوله، و قد حكى عن كتاب سليم بن قيس الهلالي عن أمير المؤمنين، و العجب بجهله

كتاب الطهارة (للإمام الخميني، ط - القديمة)، ج 2، ص: 178

و جهل الأمة انه كتب الى جميع عماله ان

الجنب إذا لم يجد الماء فليس له أن يصلى و ليس له أن يتيمم بالصعيد حتى يجد الماء، و ان لم يجده حتى يلقى اللّٰه، ثم قبل الناس ذلك منه و رضوا به و قد علم و علم الناس ان رسول اللّٰه قد أمر عمارا و أمر أبا ذر أن يتيمما من الجنابة و يصليا، و شهدا به عنده و غيرهما، فلم يقبل ذلك و لم يرفع به رأسا، و كيف كان لو كان للمسح خصوصية من قبيل كونه من الأعلى أو وقوع طول باطن الكف على عرض الظاهر أو غيرهما لما أهملها أبو جعفر عليه السّلام في مقام نقل القضية لإفادة ماهية التيمم.

و اما التشبث بدليل التنزيل لإثبات كونه من الأعلى كما في الوضوء فقد مرّ ما فيه، و قلنا ان الآية الكريمة مع الارتكاز العرفي و ان يظهر منها اعتبار ما يعتبر في الغسل و الوضوء معا في التيمم أيضا كالترتيب و طهارة البدن من الأحكام المشتركة، لكن لا يمكن إثبات الشرائط المختصة بكل واحد منهما للتيمم بعد كونه بدلا منهما في الآية الشريفة بنحو واحد.

و اما التشبث بالشهرة فهو ناش من توهم ظهور كلمات الأصحاب في وجوب المسح من الأعلى حيث قالوا يمسح من قصاص الشعر الى طرف الأنف، و لا يخفى على الناظر في كلماتهم ان ذلك لتحديد الممسوح لا لبيان كيفية المسح، و لذا لم يتعرضوا بالنسبة إلى الكف، فيمكن أن يقال: ان خلو كلماتهم عن الكيفية دليل على عدم اعتبار كيفية خاصة فيه، نعم ان السيرة القطعية على هذه الكيفية المعهودة ربما توجب الوثوق بدخالتها لو لم نقل بأنها إنما دلت على صحته بهذه الكيفية لانحصاره بها.

فالأحوط عدم التعدي

عن الكيفية المعهودة لما ذكر، و لدلالة ما روى في الرضوي عليه بالنسبة إلى الكفين مع دعوى عدم الفصل بينهما، و اشعار مرسلة العياشي عن أبى جعفر عليه السّلام به «قال: ثم مسح من بين عينيه إلى أسفل الحاجبين» و احتمال انصراف مسح الوجه الى المسح من الأعلى.

التاسع اختلفوا في عدد الضربات في التيمم

اشارة

فعن المشهور التفصيل بين ما للوضوء و بين ما للغسل بضربة واحدة في الأول و ضربتين في الثاني، و عن جمع من

كتاب الطهارة (للإمام الخميني، ط - القديمة)، ج 2، ص: 179

المتقدمين و المتأخرين الضربة الواحدة فيهما، و عن جمع آخر منهما الضربتان فيهما، و ربما نقل عن بعض بل قوم من أصحابنا كما حكى عن المعتبر ثلث ضربات.

فالأولى أولا بيان مقتضى الأدلة و الجمع بينها، ثم النظر الى كلمات القوم، فنقول: مقتضى إطلاق الآية الكريمة الاجتزاء بالضربة الواحدة فيهما، سيما بعد ذكر التيمم عقيب الحدثين.

و اما الروايات فهي على طوائف منها و هي عمدتها ما هي ظاهرة في الاجتزاء بواحدة و فيها الروايات الحاكية لفعل رسول اللّٰه صلّى اللّٰه عليه و آله تعليما لعمار، حكاه أبو جعفر و لا ريب في ان رسول اللّٰه صلّى اللّٰه عليه و آله كان في مقام تعليمه و بيان ماهية التيمم كما يظهر من قوله: «أ فلا صنعت كذا ثم أهوى بيديه إلى الأرض فوضعهما على الصعيد ثم مسح» إلخ.

فهل يمكن أن يقال انه صلّى اللّٰه عليه و آله بعد قوله: «أ فلا صنعت كذا» و إتيانه بالتيمم الذي هو بدل الغسل الذي ابتلى به عمار أهمل في مقام البيان و التعليم ما كان معتبرا في ماهية التيمم، أو يقال ان أبا جعفر عليه السّلام أهمل ما فعله رسول

اللّٰه صلّى اللّٰه عليه و آله و كان دخيلا في ماهية التيمم، أو يقال ان أبا جعفر عليه السّلام أهمل ما فعله رسول اللّٰه صلّى اللّٰه عليه و آله و كان دخيلا في ماهيته. أو ان زرارة أو الرواة بعده أهملوا ما وصل إليهم، و لو فتح على الروايات باب هذه الاحتمالات لاختل الفقه، و انسدّ باب الاحتجاج على العقلاء، و أضعف شي ء في المقام احتمال كونه في مقام بيان كيفية قسم من التيمم، و هو الذي بدل الوضوء و هل هذا الا الإغراء بالجهل و الإيقاع في خلاف الواقع.

و مثلها قوله في موثقة زرارة «1» «هكذا يصنع الحمار انما قال اللّٰه عز و جل فَتَيَمَّمُوا صَعِيداً طَيِّباً فضرب بيديه الأرض» إلخ فإن تمسكه بالاية الكريمة و إتيانه بالتيمم بضربة واحدة مما جعل الكلام كالنص في عدم الاحتياج الى الضربتين في بدل الغسل الذي هو مورد الكلام و المتيقن في مقام التعليم، و مثلهما صحيحتا الخزاز و داود بن النعمان «2» حيث سألا أبا عبد اللّٰه عليه السّلام عن التيمم، فذكر قضية عمار «فقالا له كيف

______________________________

(1) مرت في صفحة 148

(2) الوسائل أبواب التيمم، ب 11

كتاب الطهارة (للإمام الخميني، ط - القديمة)، ج 2، ص: 180

التيمم؟ فوضع يديه على الأرض ثم رفعهما فمسح وجهه و يديه فوق الكف قليلا» و اللفظ من الثانية، فإن الاكتفاء بالمرة بعد حكاية قصة عمار و سؤالهما عن الكيفية كالنص في كفايتها عن بدل الغسل.

و يدل عليه إطلاق موثقة زرارة و أبى المقدام «1» و غيرهما من غير احتياج الى دعوى كون قوله مرة واحدة في ذيلهما قيدا للضرب لا للمسح أو قيدا لهما، بدعوى ان الضرب كان مورد البحث،

و الخلاف عند العامة و الخاصة لا المسح فكون القيد للثاني كاللغو، و كيف كان لا شبهة في قوة ظهور تلك الروايات في الاجتزاء بالمرة مطلقا، و في بدل غسل الجنابة بالخصوص.

و منها طائفة أخرى مشتملة على مرتين كصحيحة محمد بن مسلم عن أحدهما «قال سألته عن التيمم فقال مرتين مرتين للوجه و اليدين» «2» و محتملاتها كثيرة ككون المرتين قيدا للقول، أو لأمر مقدر كاضرب أو أحدهما قيدا للقول و الأخر للأمر، ثم على فرض كونهما من متعلقات الضرب يمكن أن يكون الثاني تأكيدا للأول، و يمكن ان يكون تأسيسا لبيان ان اللازم في التيمم أربع ضربات ضربتان للوجه و ضربتان لليدين.

و الأظهر هو الاحتمال الأخير، فكأنه قال: ضربتان للوجه و ضربتان لليدين و لا أقل من كون هذا الاحتمال في عرض احتمال التأكيد، مع انه ليس المورد من موارد التأكيد فهذه الصحيحة بما لها من الظهور خلاف فتوى الكل، أو هي مجملة في نفسها لا بد من رفع إجمالها بسائر الروايات.

و كرواية ليث المرادي عن أبى عبد اللّٰه عليه السّلام «في التيمم تضرب بكفيك الأرض مرتين ثم تنفضهما و تمسح بهما وجهك و ذراعيك «3» و الظاهر منها ان ضرب المرتين قبل المسح و بها يرفع الإجمال من هذه الحيثية عن الصحيحة المتقدمة، إذ لا يتضح منها

______________________________

(1) الوسائل أبواب التيمم، ب 11.

(2) الوسائل أبواب التيمم، ب 11، ح 1.

(3) مرت في صفحة 127.

كتاب الطهارة (للإمام الخميني، ط - القديمة)، ج 2، ص: 181

ان المرتين قبل المسح أو مرة قبل مسح الوجه و مرة قبل مسح الكفين، كما يرفع الإجمال بها عن صحيحة الكندي عن الرضا عليه السّلام «قال: التيمم ضربة للوجه و

ضربة للكفين» «1» لعدم ظهورها في الافتراق و ان كانت مشعرة به لكن ظهور رواية المرادي محكم و مقدم عليه، فهذه الروايات الثلث كما رأيت لا تدل على ما نسب الى المشهور، فان ظاهرها بعد ردّ بعضها الى بعض ضرب اليدين مرتين قبلا ثم مسح الأعضاء بهما، و فتوى القوم خلاف ذلك ظاهرا في بعض عباراتهم و نصا في الأخر فأوجبوا التفريق.

و اما صحيحة زرارة عن أبي جعفر عليه السّلام «2» التي هي العمدة في مستند القول بالتفصيل و جعلت شاهدة للجمع بين الطائفتين، فليست شاهدة له حتى بعد تسليم دلالة هذه الروايات على ما راموا من الضربتين، «قال: قلت له: كيف التيمم؟ فقال: هو ضرب واحد للوضوء و الغسل من الجنابة تضرب بيديك مرتين ثم تنفضهما نفضة للوجه و مرة لليدين، و متى أصبت الماء فعليك الغسل ان كنت جنبا و الوضوء ان لم تكن جنبا» لان الظاهر منها ان لتيمم الوضوء و الغسل كيفية واحدة و هي الضرب باليدين مرتين أولا ثم نفضهما نفضة، و المرتان تكونان للوجه ثم يجب مرة أخرى لليدين فتكون الضربات ثلاثة.

و لو أغمضنا عن هذا الظاهر المتفاهم عرفا و قلنا بان الواو في قوله: «و الغسل» للاستيناف و هو مبتدأ و تضرب خبره، فلا يمكن الإغماض عن ظهورها في ان الضربات ثلث كما مر، و هو مما لم يقل به أحد منهم، فلا يمكن الاستشهاد بها للجمع بين الروايات بجميع النسخ المختلفة الحاكية لها، لان كلها مشتركة في قوله: «تضرب بيديك مرتين ثم تنفضهما» الذي هو ظاهر في كونهما قبل مسح الوجه، و ان كانت مختلفة من جهات أخر في كتب الاستدلال، كالخلاف و التذكرة و المنتهى و

المدارك و محكي المعتبر لكن لا اعتماد في نقل الروايات على الكتب الاستدلالية غير المعدة لنقلها

______________________________

(1) مرت في صفحة 147.

(2) مرت في صفحة 149.

كتاب الطهارة (للإمام الخميني، ط - القديمة)، ج 2، ص: 182

بألفاظها، كما يظهر بالمراجعة إليها خصوصا بعض كتب المتأخرين.

هذا مع ان الجمع بين الطائفتين المتقدمتين بحمل الاولى على تيمم بدل الوضوء مع كونها غالبا في مورد الجنابة، و الثانية على بدل الغسل مع كونها في مقام بيان أصل الماهية ليس جمعا مقبولا عقلائيا كما لا يخفى، (فح) لو سلمت دلالة الرواية المتقدمة و دلالة صحيحة محمد بن مسلم الظاهر منها آثار التقية، مع وضوح عدم دلالتها على التفصيل بما قالوا بل ظاهرها المرتان مطلقا، و التفصيل في المسح من المرفقين و إليهما. و سلم ورود مرسلات أخر من جملة من الأعاظم، كالمحكي عن المعتبر، قال روى في بعض الاخبار التفصيل من ذلك رواية حريز عن زرارة، و في الغنية و قد روى أصحابنا ان الجنب يضرب ضربتين، و عن السيد: و قد روى ان تيممه ان كان من جنابة و ما أشبهها ثنى ما ذكرناه من الضربة، و عن الصيمري نسبة التفصيل الى الروايات.

لا يمكن الجمع بينها بما ذكر، بل لا بد من حملها على الاستحباب أو التقية مع عدم ثبوت كون تلك المرسلات غير الروايات التي في الباب، و ان يستشعر من عبارة السيد كون مرسلته غيرها. تأمل.

و كيف كان لا يمكن الاتكال عليها و انجبارها بالشهرة مع عدم ثبوت أصلها فضلا عن ثبوت الاتكال بها ممنوع، فلم يبق في المقام الا روايات المرة، و رواية الساباطي الدالة على التسوية بين التيمم من الوضوء و الجنابة و من الحيض، و

ليس في مقابلها ما دل على القول المنسوب الى المشهور، و قد أول صاحب الجواهر رواية التسوية بما لا يخلو من الغرابة.

و اما الشهرة في المسألة فليست بتلك المثابة التي ذكرها في الجواهر، و لأجلها فتح باب المناقشات على الروايات و كلمات الأصحاب، فأولها بما لا أظن ارتضاء نفسه الشريفة به لو لا اتكاله على الشهرة، حتى نسب الخلاف إلى الأردبيلي و الكاشاني مع ان ظاهر الصدوق في المقنع و الهداية و السيد في الانتصار و ابن زهرة في الغنية و المحكي عن ابن الجنيد و ابن أبي عقيل و المفيد في المسائل الغرية، و عن المعتبر و الذكرى

كتاب الطهارة (للإمام الخميني، ط - القديمة)، ج 2، ص: 183

و غيرهم اختيار الضربة في الجميع، بل حكى اشتهاره بين العامة عن على عليه السّلام و ابن عباس و عمار، و عن المعتبر عن قوم من أصحابنا اختيار ثلث ضربات.

و حكى عن المفيد في الأركان و عن التقى عن جماعة من القدماء في الكل ضربتان، و نسب ذلك الى الصدوق أيضا و هو موافق للنسخة التي عندنا من أماليه.

قال: فإذا أراد الرجل ان يتيمم ضرب بيديه على الأرض مرة واحدة ثم ينفضهما فيمسح بهما وجهه ثم يضرب بيساره الأرض فيمسح بها يده اليمنى من الزند إلى أطراف الأصابع ثم يضرب بيمينه الأرض فيمسح بها يده اليمنى من الزند إلى أطراف الأصابع و قد روى ان يمسح الرجل جبينيه و حاجبيه و يمسح على ظهر كفيه و عليه مضى مشايخنا انتهى.

و هذه النسخة و ان كانت مغلوطة لكن لم يفصل فيها بين التيمم بدل الوضوء و الغسل، فهي شاهدة على ان التفصيل لم يكن مشهورا في تلك

الأعصار بل مضى المشايخ على خلافه و يشهد له ان شيخ الطائفة في الخلاف لم يتمسك لمذهبه بالإجماع، مع ان دابة فيه ذلك و انما تمسك بصحيحة زرارة المتقدمة، فيعلم من ذلك ان اختياره له كان بتخلل اجتهاد لا لأمر آخر نحن بعيد منه.

و الانصاف أن الاتكال على الشهرة في مثل هذه المسألة التي تراكمت فيها الأدلة و أقوال أساطين الفقه، و رفع اليد لأجلها عن الأدلة كتابا و سنة مما لا مجال له.

ثم انه لا إشكال في اتحاد كيفية التيمم بدل الأغسال واجبة كانت أو مستحبة قولا واحدا كما في الجواهر. و يدل عليه كثير من الروايات حيث يظهر منها السؤال عن كيفية ماهية التيمم، كرواية الكاهلي و موثقة زرارة بل و صحيحتي الخزاز و ابن النعمان و غيرها «1» مضافا الى موثقة عمار الساباطي عن أبى عبد اللّٰه عليه السّلام «قال: سألته عن التيمم من الوضوء و الجنابة و من الحيض للنساء سواء؟ فقال: نعم» «2» و موثقة أبي بصير في حديث «قال: سألته عن تيمم الحائض و الجنب سواء إذا لم يجدا؟ قال:

______________________________

(1) الوسائل أبواب التيمم، ب 11.

(2) مرت في صفحة 128.

كتاب الطهارة (للإمام الخميني، ط - القديمة)، ج 2، ص: 184

نعم» «1» و معلومية عدم الفصل بل يمكن الاستيناس له بالتساوي في المبدل منه فلا اشكال فيه.

تتميم هل يكون التيمم كالغسل في الاجتزاء به

فيما إذا كان بدلا من غسل الجنابة عن الوضوء و الاجتزاء بتميم واحد عن الأغسال الكثيرة إذا كان فيها غسل جنابة و نوى الجميع أو مطلقا كان فيها جنابة أولا، نوى الجميع أو بعضها؟

و بالجملة هل يقوم التيمم مقام الغسل في جميع ما للغسل أولا مطلقا، أو يفصل بين ما هو بدل غسل الجنابة،

فيقوم مقامه في الاجتزاء عن الوضوء أو التيمم له دون غيره، فلا يكتفى بتيمم واحد عن الأغسال المتعددة أو يجتزى به حتى فيما لا يجتزى بالغسل الواحد، كما لو كان على المرأة غسل الحيض و قلنا بوجوب الوضوء عليها مع الغسل فيجزى تيمم واحد عن غسلها و وضوئها؟

وجوه أقواها كونه بمنزلة المبدل منه في جميع ماله، فيكتفى بتيمم واحد بدل غسل الجنابة عن الوضوء، و يتداخل كما تتداخل الأغسال، و لا يتداخل فيما لا تتداخل و لا يجتزى به فيما لا يجتزى بالغسل، فيجب تيممان على الحائض بدل الغسل و الوضوء.

اما الاجتزاء عن الوضوء في بدل غسل الجنابة فمما لا ينبغي الإشكال فيه، بل في الجواهر دعوى عدم وجدان الخلاف فيه، لكن لا للاية الكريمة بنفسها، فإنها مع قطع النظر عن الروايات لا تدل على الاجتزاء فان الظاهر من صدرها لزوم الوضوء للصلاة شرطا، و لزوم الغسل من الجنابة كذلك، فلا يستفاد منها غير ذلك، فلا تدل على اجتزاء أحدهما عن الأخر لو لم نقل ان الظاهر منها لزومهما عند تحقق سببهما.

و اما ذيلها فيتفرع على الصدر فلا يستفاد منه زائدا عليه، مع ان الظاهر من عطف «لٰامَسْتُمُ النِّسٰاءَ» بلفظ «أو» ان كل واحد من الحدث الأصغر و الأكبر سبب للتيمم و إطلاق السببية يقتضي تكرر المسبب و يكون مقدما على إطلاق المسبب كما حررناه في

______________________________

(1) مرت في صفحة 142.

كتاب الطهارة (للإمام الخميني، ط - القديمة)، ج 2، ص: 185

محله، و كيف كان لا يمكن استفادة الاجتزاء منها بنفسها، بل يستفاد بضم ما دل على على اجتزاء غسل الجنابة عن الوضوء، لان الظاهر منها ان التيمم عند فقدان الماء بمنزلة الوضوء و للمجنب بمنزلة

الغسل، فإذا علم ان الغسل كاف عن الوضوء قام التيمم مقامه في ذلك.

بل لنا دعوى استفادة عموم التنزيل بالنسبة إلى سائر الأغسال أيضا، اما بدعوى كون قوله «لٰامَسْتُمُ النِّسٰاءَ» كناية عن مطلق الحدث الأكبر، كما ان قوله «أَوْ جٰاءَ أَحَدٌ مِنْكُمْ مِنَ الْغٰائِطِ» كناية عن مطلق الأصغر و قوله «وَ إِنْ كُنْتُمْ مَرْضىٰ أَوْ عَلىٰ سَفَرٍ» كناية عن مطلق المعذور مع المناسبات المغروسة في ذهن العرف، و معلومية عدم ترك الصلاة بحال، و عدم سقوط شرطية الطهارة لها، أو بدعوى استفادة ذلك من قوله تعالى في ذيل بيان التيمم «مٰا يُرِيدُ اللّٰهُ لِيَجْعَلَ عَلَيْكُمْ مِنْ حَرَجٍ وَ لٰكِنْ يُرِيدُ لِيُطَهِّرَكُمْ» الظاهر منه ان التيمم طهور لدى فقدان الماء أو العذر في استعماله، فكأنه قال: التيمم أحد الطهورين.

فيستفاد منه و من قبله مع الارتكازات العقلائية ان كل ما للوضوء و الغسل عند الاحتياج إليهما للتيمم مع تعذرهما، فإذا اجتزى بغسل واحد عن الأغسال المتعددة و ان كان أحدها للجنابة اجتزى عن الوضوء أيضا يجتزى بالتيمم الذي هو بمنزلته، و هو الطهور في هذه الحالة و بالجملة حال البدل حال المبدل منه مطلقا و في جميع ماله من الآثار.

و يمكن استفادته عن الاخبار أيضا كصحيحة ابن حمران و جميل بن دراج بطريق جميل «أنهما سألا أبا عبد اللّٰه عليه السّلام عن امام قوم أصابته جنابة في السفر و ليس معه من الماء ما يكفيه للغسل أ يتوضأ بعضهم و يصلى بهم؟ فقال: لا و لكن يتيمم الجنب و يصلى بهم فان اللّٰه عز و جل جعل التراب طهورا كما جعل الماء طهورا» «1» فان الظاهر منها الاكتفاء بالتيمم للصلاة مع فرض وجدان الماء بقدر الوضوء، و مقتضى

تعليله عموم

______________________________

(1) مرت في صفحة 95.

كتاب الطهارة (للإمام الخميني، ط - القديمة)، ج 2، ص: 186

الحكم و المنزلة.

و اما ما قد يقال بالاجتزاء بتيمم واحد عن غسل الحيض و الوضوء، و ان لم نقل في المبدل منه فمبنىّ على كون التيمم للوضوء و الغسل بكيفية واحدة، و عدم قيد يوجب تباينهما و عدم إمكان اجتماعهما في المصداق الواحد، و استفادة جميع التيممات من الآية الكريمة بالتقريب المتقدم، و تقديم إطلاق الجزاء على إطلاق الشرط في الآية، لكن جميع المقدمات مسلمة إلا الأخيرة لما تقرر من تقديم إطلاق الشرط على الجزاء، مضافا الى بعد زيادة البدل عن المبدل منه و لأجله لا يستفاد ذلك في المقام و لو سلم في سائر المقامات فالأقوى هو تساويهما في الآثار مطلقا.

المبحث الرابع في احكامه و هي أمور

الأول لا خلاف ظاهرا بينهم في عدم صحة التيمم قبل الوقت

لصاحبته و عليه نقل الإجماع مستفيضا، لانه منقول عن ثلاثة عشر موضعا أو أكثر من زمن المحقق و من بعده و لو أضيف إليه فحوى الإجماعات المنقولة على عدم صحته في سعة الوقت يكاد يتجاوز العشرين، و هو الحجة لعدم إمكان ان يقال كل ذلك لأمر عقلي، سيما إذا ثبت ان الوضوء التأهبي المفتي به من قبيل التخصيص عندهم من عدم جواز الوضوء قبل الوقت لأن التأهب للفرض و التهيؤ له عبارة أخرى عن كونه له، و معه لا يكون منعهم لعدم المعقولية، لكن إثبات الخروج التخصيصى مشكل بل غير ممكن، لاحتمال أن يكون تخصصا لأجل الاتكال على الروايات الدالة على أفضلية إيقاع الصلوات في أول أوقاتها فاستكشف منها محبوبية تحصيل الطهور قبل الأوقات، و لو لأجل الكون على الطهارة.

و يمكن ان يقال: ان نفس التهيؤ للصلاة غاية أخرى غير الغيرية، و كيف كان ففي الإجماعات كفاية

بعد فساد توهم كون الاتكال على الأمر العقلي الغير التام، و تخطئة

كتاب الطهارة (للإمام الخميني، ط - القديمة)، ج 2، ص: 187

الكل في مثل هذا الأمر العقلي الذي ربما يطابق الوجدان خطأ فاحش، سيما مع ورود نظيره في الشرع كمقدمات الحج و ظهور الكتاب و السنة إلا بعض الروايات في كون الصلاة بالنسبة إلى الأوقات من قبيل الواجب المعلق لا المشروط كما سيأتي. مضافا الى عدم اتكال كثير من قدماء أصحابنا على مثل تلك العقليات التي كثرت و شاعت لدى متأخري المتأخرين كما لا يخفى.

و من هنا يمكن كشف كون الحكم معهودا من الصدر الأول، و اما لو أغمضنا عن ذلك فالاتكال على الدليل العقلي المتوهم في المقام غير ممكن بأن يقال:

ان الصلاة من قبيل الواجب المشروط بالأوقات فقبل مجي ء أوقاتها لا يكون التكليف بها فعليا، و مع عدم وجوب ذي المقدمة لا يمكن وجوب مقدمته لعدم إمكان تحقق المعلول قبل علته، و معه لا يمكن صحته لأجل الإتيان به بداعي الأمر المقدمي الموهوم.

و فيه: بعد تسليم كون الصلاة من الواجب المشروط و تسليم وجوب المقدمة شرعا و تسليم صلوح الأمر الغيري للعبادية، ان التحقيق إمكان وجوب المقدمة قبل وجوب ذيها لما حققناه في محله.

و مجملة ان الملازمة على فرض تسليمها ليست بين وجوب المقدمة و وجوب ذيها، و لا بين ارادتها و إرادته بمعنى نشو وجوب عن وجوب أو إرادة عن ارادة، لان البعث إلى ذي المقدمة لو كان علة تامة لبعث آخر متعلق بمقدمته بحيث يكون البعث إليها لازم البعث اليه و معلوله، لزم منه مقهورية الآمر الباعث لذي المقدمة للبعث الى مقدمته بلا حصول مقدماته، و ما يتوقف عليه من التصور

و التصديق بالفائدة و غيرهما و هو ضروري الفساد، كما ان معلولية ارادة المقدمة لا إرادة ذي المقدمة بذلك المعنى ضروري البطلان، ضرورة ان كل ارادة تحتاج في تحققها الى مباد تصورية و تصديقية لا يعقل تحققها بدونها.

نعم ما يمكن ان يقال في باب وجوب المقدمة إن ارادتها تحصل من مباد خاصة بها هي تصورها، و تصور توقف ذي المقدمة عليها و التصديق به، و إدراك لزوم حصولها

كتاب الطهارة (للإمام الخميني، ط - القديمة)، ج 2، ص: 188

بيد العبد و معها تتحقق ارادتها و البعث إليها، و هذه المقدمات كما هي حاصلة في مقدمات الواجب المطلق و المشروط بعد تحقق شرطه، حاصلة للمشروط قبل تحقق شرطه، فان المولى الأمر بشي ء مشروطا بوقت مثلا، إذا تصور مقدمته الوجودية قبل مجي ء شرطه و تصور توقفه عليها و صدق ذلك، و رأى ان مطلوبه في موطنه متوقف عليه، و ان لم يكن بالفعل مطلوبا له، و لا يمكن التوصل به الا بإيجادها فمع انحصارها تتعلق لا محالة إرادته بإيجادها للتوصل بها الى ما يصير واجبا و مطلوبا مطلقا في موطنه، لحصول مبادي الإرادة و عدم إمكان تفكيك مباديها عنها، و تبعية وجوب المقدمة عن وجوب ذي المقدمة ليست الا بهذا المعنى المحقق في الواجبات المشروطة قبل مجي ء شرطها أيضا، و مع عدم الانحصار يحكم العقل بالتخيير.

نعم لو كانت الملازمة بين الإرادة الفعلية أو الوجوب الفعلي المتعلق بذي المقدمة مع وجوب مقدمته لكان وجوبها قبل وجوبه ممتنعا لكن المبنى فاسد، بل وجوبها على فرض تسليم الملازمة تابع لوجوب ذيها بالوجه الذي عرفت، و قد عرفت عدم الفرق بين فعلية وجوب ذي المقدمة أو ما سيصير فعليا من غير

لزوم الالتزام بالوجوب التعليقي أو التفصيل بين المقدمات المفوتة و غيرها.

فتحصل مما ذكرناه ان الطهارات الثلث قبل حضور أوقات الصلاة واجبة بناء على القول بوجوب المقدمة، و لو قلنا بان الوقت شرط الوجوب و ان عباديتها تتوقف على الأمر الغيري المقدمي، مع ان كون الصلاة من قبيل الواجب المشروط بحضور أوقاتها محل منع لظهور الكتاب الكريم، و أكثر الاخبار في الوجوب التعليقي كقوله تعالى أَقِمِ الصَّلٰاةَ لِدُلُوكِ الشَّمْسِ إِلىٰ غَسَقِ اللَّيْلِ و قوله تعالى إِنَّ الصَّلٰاةَ كٰانَتْ عَلَى الْمُؤْمِنِينَ كِتٰاباً مَوْقُوتاً المفسر بكونها موجوبا و ثابتا و مفروضا في الروايات و قوله تعالى أَقِمِ الصَّلٰاةَ طَرَفَيِ النَّهٰارِ وَ زُلَفاً مِنَ اللَّيْلِ المفسر بصلاة الغداة و المغرب و العشاء.

و كقول أبى جعفر عليه السّلام في صحيحة زرارة: «إنما فرض اللّٰه عز و جل على الناس من الجمعة إلى الجمعة خمسا و ثلثين صلاة» فيكون الوجوب فعليا و الواجب

كتاب الطهارة (للإمام الخميني، ط - القديمة)، ج 2، ص: 189

استقباليا، و قد ذكرنا في محله إمكان المشروط بما ذكره المشهور و كذا المعلق.

و اما ما ذكره بعض المحققين من لزوم تعلق الخطابات قبل حضور زمان الفعل لعدم تعقل الأمر بإيجاد شي ء في زمان صدور الطلب و بذلك دفع الاشكال عن وجوب المقدمة قبل حضور وقت الواجب، و صح حرمة اراقة الماء قبل الوقت إذا علم بعدم إمكان تحصيله بعد الى غير ذلك.

ففيه: أنه ان كان المراد بعدم تعقل وحدة زمان الخطاب و إيجاد الفعل لزوم تقدم إنشاء الخطاب عن زمان العمل كما هو ظاهره، فهو غير ملازم للوجوب المعلق، فيمكن ان يصدر الخطاب المشروط بزمان العمل قبل مجي ء الوقت، و لا يكون الوجوب فعليا الا عند مجي ء

وقته و معه لا يدفع الإشكال في المقام و لا في سائر المقامات.

و ان كان المراد ان اتحاد زمان فعلية التكليف و العمل محال، فلا يمكن ان يكون الزوال شرطا للوجوب و ظرفا لأول جزء من الصلاة فهو ممنوع، لان ما هو المسلم لزوم تقدم باعثية الأمر على انبعاث المكلف، لكن لا يلزم منه أن يكون بينهما تقدم و تأخر وجودي، ضرورة ان المكلف إذا علم بخطاب أقم الصلاة إذا زالت الشمس مثلا ينبعث منه في أول الزوال، و ان شئت قلت ان التقدم رتبيّ لا خارجي، فلا يلزم ان يكون الخطاب فعليا قبل مجي ء وقت العمل.

و العجب منه ان في ذيل كلامه اعترف بان الوقت من الشرائط الوجوبية للواجبات الموقتة، و مع ذلك التزم بالوجوب التعليقي، فكأنه التزم بالوجوب المعلق و المشروط معا في الصلاة و هو كما ترى.

ثم ان في أصل وجوب المقدمة و صلاحية الأمر المقدمي للمقربية و كون عبادية الطهارات الثلث من قبل الأمر المقدمي و لو فرض صلوحه للتقرب، اشكالا و منعا ينافي التفصيل فيها لوضع هذا المختصر.

و بما ذكرناه من عدم الفرق بين قبل الوقت و بعده على فرض وجوب المقدمة، و بما حققناه في محله من عدم تعقل وجوب المقدمة رأسا يجب التصرف

كتاب الطهارة (للإمام الخميني، ط - القديمة)، ج 2، ص: 190

بوجه في مثل صحيحة زرارة عن أبى جعفر عليه السّلام «قال: إذا دخل الوقت وجب الصلاة و لا صلاة الا بطهور» «1» حيث يظهر منها وجوب الطهور عند دخول الوقت و مفهومها عدمه بعدمه، فان وجوب الطهور انما هو بملاك المقدمية لا غير، و قد حقق عدم تعقله و على فرض تعقله عدم تعقل الفرق

بين الوقت و قبله، و لذلك لا بد من رفع اليد عن مفهومها و التصرف في منطوقها بوجه، مضافا الى مخالفتها لظاهر الكتاب و صحيحة زرارة المتقدمة الدالتين على كون الصلاة واجبا معلقا.

ثم ان ما مر من الكلام انما هو مع المماشاة للقوم و الا فالتحقيق ان الطهارات الثلث بما هي عبادات جعلت مقدمة و شرطا للصلاة أو مقدمة لمقدمتها، ان قلنا بان الطهور شرط و هو محصل منها، فالارادة المتعلقة بالصلاة على فرض وجوب المقدمة موجبة بنحو ما مر لإرادة متعلقة بتلك العبادات بما هي عبادات، و صالحات للتقرب قبل تعلق الإرادة بها من قبل ذي المقدمة، و الا يلزم ان يكون سبيلها سبيل الطهارة الخبثية التي هي واجبة توصلا مع انه خلاف الضرورة، فالأمر المقدمي على فرضه لا يمكن ان يكون ملاك عباديتها بعد كونها مقدمة على تعلقه.

و توهم سقوط أوامرها النفسية الاستحبابية عند تعلق الأمر الوجوبي المقدمي قد فرغنا عن تضعيفه في محله.

ثم ان الأمر المقدمي على فرضه انما يدعو الى الغسل و أخويه لأجل ترتب الطهارة عليها أو كونها طهارات كما يظهر من الكتاب و السنة، و ان كان للتأمل في كون الطهارة بنفسها شرطا أو لأجل رفع القذارة الحاصلة بالاحداث التي هي الموانع مجال، و كيف كان لا يدعو الأمر المقدمي إلا إليها لأجل ترتب الطهارة عليها، فتكون الصلاة غاية ثانوية للطهارات و الغاية الأولى حصول الطهور، لا بمعنى ان حصول الطهور يتوقف على قصده فإنه محل اشكال بل منع عقلا ان رجع الى تقييد في العمل، بل المراد ان الطهور

______________________________

(1) مرت في صفحة 144.

كتاب الطهارة (للإمام الخميني، ط - القديمة)، ج 2، ص: 191

لما كان شرط الصلاة مثلا

و هو يحصل بتلك الاعمال إذا وجدت للّٰه تعالى. فلا محالة يتعلق الأمر المقدمي بتحصيله و إتيان الافعال للّٰه تعالى لتحصيله، فتقع دائما تلك الأعمال لأجل غاية هي الطهور و يدعو الأمر المقدمي اليه، (فح) يقع الإشكال في الإجماع المدعى على عدم صحة التيمم قبل الوقت مع دعوى إرسال الأصحاب صحة التيمم قبل الوقت لغاية أخرى حتى الكون على الطهارة إرسال المسلمات، مع ما عرفت ان الأمر المقدمي لا يدعو الا إليها لتحصيل الطهور، فلا تقع تلك الأفعال الا على وجه واحد هو الإتيان للّٰه تعالى لما يترتب عليها الطهور، فعليه لو كان الإجماع قائما على بطلان التيمم إذا أتى به لمحض الأمر الغيري و للصلاة مع تجريده عن كافة الغايات حتى الكون على الطهارة فهو صحيح لو رجع الى عدم قصد العبادية، لكن لازمة بطلانه و لو وقع في الوقت أو في ضيقه، كما انه لو قلنا بصحته و طهوريته إذا وقع بقصد التقرب و لو جرد عن قصد كونه طهورا لغفلة أو جهل لكان صحيحا، و لو قبل الوقت لان ترتب أثر الشي ء عليه لا يتوقف على قصده.

و لو قيل بقيام الإجماع على بطلانه للصلاة و لو كانت غاية الغاية، و تكون الغاية الأولى الطهور، فهو مناف لما ادعى من تسالمهم على صحته إذا قصد غاية أخرى الا أن يرجع مرادهم الى البطلان، إذا كانت الصلاة غاية الغاية و هو بعيد، و المسألة مشكلة و الاحتياط سبيل النجاة.

الثاني: لا اشكال و لا كلام في صحة التيمم في ضيق الوقت،

و اما في سعته فعن المشهور عدم الجواز مطلقا، و لازم مقابلته للتفصيل الآتي هو عدم الجواز حتى مع العلم باستمرار العجز، و ان كان شمول إطلاق معاقد الإجماعات و الشهرات المحكية لذلك محل تأمل،

و كيف كان قد نسب هذا القول تارة إلى الأكثر كما عن المنتهى و التذكرة، و الذكرى، و كشف الالتباس، و جامع المقاصد، و كشف اللثام، و اخرى إلى الأشهر كما عن الدروس، و ثالثة إلى المشهور كما عن المختلف و المسالك.

و جملة أخرى من الكتب، و رابعة إلى الإجماع كما في الانتصار. و عن الناصريات. و

كتاب الطهارة (للإمام الخميني، ط - القديمة)، ج 2، ص: 192

عن ظاهر الغنية. و شرح جمل السيد للقاضي، و احكام الراوندي.

و عن جماعة الجواز مطلقا كالعلامة في المنتهى و التحرير و الإرشاد و الشهيد في البيان و الأردبيلي، و الخراساني: و الكاشاني. و عن الذكرى حكايته عن الصدوق و ظاهر الجعفي، و البزنطي، و في مفتاح الكرامة الحاكي عن الصدوق جماعة من الأصحاب منهم العلامة في جملة من كتبه و المحقق في المعتبر و عن حاشية الإرشاد و المدارك انه قوى متين، و عن المهذب البارع انه مشهور كالقول الأول، و حكى أطباق جمهور العامة عليه.

و عن جماعة الجواز مع العلم باستمرار العجز و عدمه مع عدمه، و هو المحكي عن المعتبر و التذكرة و الفخرية و اللمعة. و جملة أخرى، و عن جامع المقاصد ان عليه أكثر المتأخرين، و عن الروضة انه الأشهر بين المتأخرين، و ربما يفصل بين العلم برفع العجز و عدمه كما اختاره جماعة من متأخري المتأخرين، و هو محتمل قول من قال بالجواز مطلقا بدعوى انصرافه عن هذه الصورة، و كيف كان فالمتبع هو الأدلة اللفظية إذ تحصيل الإجماع أو الشهرة المعتبرة في مثل تلك المسألة التي تراكمت فيها الآراء و الأدلة مشكل.

ثم ان لازم ما ذكرناه في الأمر الأول هو جواز التيمم

في سعة الوقت و صحته لكن لما وردت أدلة كثيرة في هذه المسألة لا بد من استيناف الكلام فيها و النظر في الأدلة و مقتضاها.

فنقول: يمكن الاستدلال للجواز مطلقا بإطلاق الآية الكريمة، و قد استشكل على الاستدلال بها علم الهدى في الانتصار بما ملخصه: ان المراد من قوله تعالى إِذٰا قُمْتُمْ إِلَى الصَّلٰاةِ إذا أردتم القيام بلا خلاف ثم اتبع ذلك بحكم العادم للماء، فمن تعلق بالاية لجواز التيمم في أول الوقت لا بد ان يدل على جواز إرادته القيام للصلاة، فانا نخالف ذلك و نقول ليس لمن عدم الماء أن يريدها أول الوقت، و ارادة الصلاة شرط في الجملتين و الا لزم وجوب التيمم على المريض و المسافر إذا حدثا و ان لم يريدا الصلاة و هذا

كتاب الطهارة (للإمام الخميني، ط - القديمة)، ج 2، ص: 193

لا يقول به أحد «انتهى» أقول: ظاهر الآية الشريفة ان ارادة القيام للصلاة على فرض شرطيتها للوضوء و الغسل و التيمم على نسق واحد، و ان في كل مورد أراد القيام للصلاة فيجب عليه الطهارة المائية، و مع فقدان الماء تقوم الترابية مقامها من غير تفكيك بين الموارد.

و لازمة انه إذا أراد القيام للصلاة في أول الوقت يجب عليه الوضوء أو الغسل و مع فقدان الماء يجب عليه التيمم، و التفكيك بينهما خلاف المتفاهم العرفي، مع ان قوله «إِذٰا قُمْتُمْ إِلَى الصَّلٰاةِ» ليس مسوقا لإفادة شرطية القيام إلى الصلاة للوضوء أو التيمم أو وجوبهما، بل مسوق لإفادة شرطية الطهور للصلاة، كما هو المتفاهم عرفا في مثل تلك التراكيب، سيما في مثل العناوين الألية و الطريقية المأخوذة في تلو الشرط، فلا يفهم من مثل «إذا أردت الصلاة أو

إذا قمت إلى الصلاة استر عورتك أو توجه إلى القبلة» إلا أنهما دخيلان في تحققها، لا ان القيام و الإرادة شرط لوجوبهما.

و بالجملة لا ينبغي الإشكال في إطلاق الآية الكريمة، و انه مع عدم وجدان الماء مطلقا يقوم التيمم مقام الوضوء و الغسل و التقييد بعدم وجدانه الى آخر الوقت يحتاج الى دليل.

و مما يوجب تحكيم إطلاقها قوله تعالى في ذيل حكم التيمم «مٰا يُرِيدُ اللّٰهُ لِيَجْعَلَ عَلَيْكُمْ مِنْ حَرَجٍ» حيث يدل على ان تشريع التيمم لدفع الحرج عن المريض و غيره و معه كيف يمكن تحميل لزوم الصبر على المريض و الفاقد الى نصف الليل أو آخره، و هل هذا الا تحريج و تضييق فوق تحميل الوضوء، و معه كيف يمن عليه بعدم جعل الحرج و إرادته.

و الانصاف ان إطلاق الآية في غاية القوة خصوصا مع ضم ذيلها اليه، و هو يقتضي عدم الفرق بين العلم بزوال العذر و عدمه، و دعوى الانصراف عن صورة العلم غير مسموعة، هذا حال الآية و أما الروايات فما دلت على صحته في السعة على طوائف:

منها ما دلت بإطلاقها عليها مع التصريح بعدم لزوم الإعادة كصحيحة الحلبي

كتاب الطهارة (للإمام الخميني، ط - القديمة)، ج 2، ص: 194

«أنه سأل أبا عبد اللّٰه عليه السّلام عن الرجل إذا أجنب و لم يجد الماء؟ قال: يتيمم بالصعيد فإذا وجد الماء فليغتسل و لا يعيد» «1» و صحيحته الأخرى «قال: سمعت أبا عبد اللّٰه عليه السّلام يقول: إذا لم يجد الرجل طهورا و كان جنبا فليتمسح من الأرض و ليصل فإذا وجد ماء فليغتسل و قد أجزأته صلوته التي صلى» «2» و مثلها صحيحة ابن سنان «3» و قريب منها غيرها.

و

منها ما دلت على صحته مع التصريح بسعة الوقت و عدم لزوم الإعادة، كموثقة أبي بصير «قال: سألت أبا عبد اللّٰه عليه السّلام عن رجل تيمم و صلى ثم بلغ الماء قبل أن يخرج الوقت؟ فقال: ليس عليه إعادة الصلاة» «4» و صحيحة يعقوب بن سالم أو موثقته عن أبي عبد اللّٰه عليه السّلام «في رجل تيمم و صلى ثم أصاب الماء و هو في وقت؟ قال: قد مضت صلوته و ليتطهر» «5» و رواية على بن سالم عن أبى عبد اللّٰه عليه السّلام «قال: قلت له: أتيمم و أصلي ثم أجد الماء و قد بقي علىّ وقت؟ فقال:

لا تعد الصلاة فإن رب الماء هو رب الصعيد» «6» و صحيحة زرارة «قال قلت لأبي جعفر عليه السّلام فإن أصاب الماء و قد صلى بتيمم و هو في وقت؟ قال: تمت صلوته و لا اعادة عليه» «7» و جعل قوله: هو في وقت متعلقا بصلى في غاية البعد خصوصا مع تعقبه بلا اعادة عليه الى غير ذلك كرواية معاوية بن ميسرة، «8» و مرسلة حسين العامري عمن سأله، «9» و العياشي عن أبي أيوب عن أبى عبد اللّٰه عليه السّلام «10» بل رواية داود الرقي التي لا يبعد أن تكون صحيحة، بل لا يبعد أن تكون صحيحة ابن مسلم و العيص «11» ظاهرتين في بقاء الوقت و منها ما دلت على صحته مع الأمر بالإعادة مع رفع العذر في الوقت كصحيحة

______________________________

(1) مرت في صفحة 144

(2) مرت في صفحة 144

(3) مرت في صفحة 144

(4) الوسائل أبواب التيمم ب 14، ح 11- 14- 17- 9- 13

(5) الوسائل أبواب التيمم ب 14، ح 11- 14- 17- 9- 13

(6)

الوسائل أبواب التيمم ب 14، ح 11- 14- 17- 9- 13

(7) الوسائل أبواب التيمم ب 14، ح 11- 14- 17- 9- 13

(8) الوسائل أبواب التيمم ب 14، ح 11- 14- 17- 9- 13

(9) الوسائل أبواب التيمم، ب 19، ح 2- 6.

(10) الوسائل أبواب التيمم، ب 19، ح 2- 6.

(11) الوسائل أبواب التيمم، ب 14، ح 15- 16.

كتاب الطهارة (للإمام الخميني، ط - القديمة)، ج 2، ص: 195

عبد اللّٰه بن سنان «انه سال أبا عبد اللّٰه عليه السّلام عن الرجل تصيبه الجنابة في الليلة الباردة و يخاف على نفسه التلف ان اغتسل؟ فقال: يتيمم و يصلى فإذا أمن من البرد اغتسل و أعاد الصلاة» «1» و نظيرها مرسلة جعفر بن بشير عن أبى عبد اللّٰه عليه السّلام «2» و صحيحة يعقوب بن يقطين «قال: سألت أبا الحسن عليه السّلام عن رجل تيمم فصلى فأصاب بعد صلوته ماء أ يتوضأ و يعيد الصلاة أم تجوز صلوته؟ قال: إذا وجد الماء قبل أن يمضي الوقت توضأ و أعاد فان مضى الوقت فلا اعادة عليه» «3» و موثقة منصور بن حازم عن أبى عبد اللّٰه عليه السّلام «في رجل تيمم فصلى ثم أصاب الماء؟ فقال: اما أنا فكنت فاعلا انى كنت أتوضأ و أعيد» «4» و لا يخفى تعين حمل الإعادة في الوقت على الاستحباب بقرينة نصوصية الطائفة المتقدمة في عدم وجوب الإعادة بل الرواية الأخيرة مشعرة أو ظاهرة في الاستحباب، (فح) تكون جميع تلك الطوائف من أدلة صحة التيمم في سعة الوقت كما ان أوجه المحامل في الروايات التي استدلت بها على عدم صحته في السعة الحمل عليه لو سلمت دلالتها على مقصودهم لكن يمكن الخدشة فيها.

اما صحيحة

محمد بن مسلم عن أبى عبد اللّٰه عليه السّلام «قال: سمعته يقول: إذا لم تجد ماء و أردت التيمم فأخر التيمم الى آخر الوقت فان فاتك الماء لم تفتك الأرض» «5» فلا مكان ان يقال فيها ان قوله: فان فاتك إلخ الذي هو بمنزلة العلة لقوله أخر التيمم ظاهر في ان التيمم في سعة الوقت مع عدم وجدان الماء محصل للطهور المحتاج اليه، لكن الأمر بالتأخير لاحتمال وجدان الماء الذي هو المصداق الأرجح، و بعبارة اخرى ان التراب إذا كان في سعة الوقت غير محصل للطهارة و يكون كالخشب في ذلك، و انما تختص طهوريته بآخر الوقت لا يناسب أن يقال: فان فاتك الماء لم تفتك الأرض، فإن هذا الكلام انما يقال فيما إذا كان المصداق المرجوح ميسورا في جميع الوقت

______________________________

(1) الوسائل أبواب التيمم، ب 14، ح 2- 6- 8- 10.

(2) الوسائل أبواب التيمم، ب 14، ح 2- 6- 8- 10.

(3) الوسائل أبواب التيمم، ب 14، ح 2- 6- 8- 10.

(4) الوسائل أبواب التيمم، ب 14، ح 2- 6- 8- 10.

(5) الوسائل أبواب التيمم، ب 22، ح 1.

كتاب الطهارة (للإمام الخميني، ط - القديمة)، ج 2، ص: 196

المضروب و مصداق الراجح محتمل الوجود.

و اما إذا كان المصداق المرجوح غير ميسور و غير صحيح الا آخر الوقت لا يقال بتلك العبارة الا ترى انه إذا قيل لأحد أخر الغذاء فإنه إذا فاتك اللحم لم تفتك الخبز كان ظاهرا في ان الخبز مصداق المطلوب مطلقا، لكن الأرجح تأخير الأكل لانتظار حصول المطلوب الأرجح، و لا يقال ذلك فيما إذا لم يكن الخبز صالحا للطعام إلا في آخر الوقت و المرجع في مثله العرف.

و به يجاب عن

موثقتي عمار، و ما ذكرناه و ان ثقل على بعض الاسماع لكن بالمراجعة إلى أشباهه في المخاطبات يرفع الاستبعاد فتأمل، و اما صحيحة زرارة عن أحدهما «قال إذا لم يجد المسافر الماء فليطلب ما دام في الوقت فإذا خاف أن يفوته الوقت فليتيمم و ليصل في آخر الوقت» «1» فالظاهر منها وجوب الطلب الى آخر الوقت، و هو مع مخالفته لتحديده بغلوة سهم أو سهمين مخالف لفتوى الأصحاب، فلا بد من حملها على الاستحباب أو تأويلها بأن يقال ان المراد منه انه يجب الطلب إذا كان في الوقت، و كان واسعا له من غير تعرض لمقدار الطلب و مع عدم سعته له يتيمم، (فح) تدل على جواز التيمم في سعته، لان قوله «فليطلب إذا كان في سعة» ظاهر في انه يتيمم بعد الطلب في سعته خصوصا مع مقابلته لخوف الفوت فكأنه قال: مع خوف الفوت يتيمم بلا طلب و مع سعته بعد الطلب، نعم بناء على رواية فليمسك تدل على المطلوب في الجملة.

ثم انه بناء على الغض عما ذكرنا في الروايات المانعة فلا شبهة في ان محطها هو فيما إذا احتمل العثور على الماء، اما فيما علل بقوله انه ان فات الماء لم تفتك الأرض فظاهر و اما صحيحة زرارة بناء على رواية فليمسك فلان العرف لا يفهم من لزوم الإمساك و التأخير إلى آخر الوقت، موضوعيته بعد كون الصلاة مع الوضوء و الغسل فرد المطلوب الأعلى، و بعد العلم بان المنظور الأصلي في تلك الروايات هو الصلاة مع الطهور أما

______________________________

(1) الوسائل: أبواب التيمم، ب 22، ح 2.

كتاب الطهارة (للإمام الخميني، ط - القديمة)، ج 2، ص: 197

بالماء أو بالتيمم، فمعه لا يشك العرف

في ان الأمر بالإمساك إلى آخر الوقت و التيمم عند خوف فوت الوقت ليس الا لاحتمال حصول المطلوب الأعلى، لا لمطلوبية الإمساك نفسا أو اشتراط التيمم بضيق الوقت.

و منه يعلم ان الروايات المشتملة على التعليل المتقدم لو لم تكن مذيلة به يفهم منها ان الأمر بالتأخير انما هو لأجل احتمال الوصول الى المطلوب الأعلى، و هو الصلاة مع المائية و هذا واضح لدى التأمل، (فح) قد يقال في مقام الجمع بين هذه الطائفة و الروايات المتقدمة بتقييدها بهذه الطائفة، فتحمل تلك الروايات و الآية الكريمة على مورد العلم بفقدان الماء، فيفصل بين رجاء رفع العذر و عدمه كما تقدم نقل اشتهاره بين المتأخرين من أصحابنا.

لكن الإنصاف ان هذا النحو من الجمع و التقييد في غاية الوهن لعدم إمكان حمل الآية و الروايات التي ربما بلغت عشرين كلها في مقام البيان و تعيين الوظيفة من غير إشارة الى هذا القيد النادر التحقق على هذا المورد، سيما ما اشتملت على التعليل بان رب الماء هو رب التراب، كصحيحة ابن مسلم «قال: سألت أبا عبد اللّٰه عليه السّلام عن رجل أجنب فتيمم بالصعيد و صلّى ثم وجد الماء؟ قال: لا يعيد ان رب الماء رب الصعيد فقد فعل أحد الطهورين» «1» و قريب منها رواية معاوية بن ميسرة و على بن سالم «2» و بالجملة تقييد الآية و الروايات المستفيضة بل المتواترة بهذا القيد من أبعد المحامل، و توهم ان محيط ورودها لما كان قليل الماء سيما في المسافرات البعيدة في البوادي التي قلت فيها المياه و المعمورة فلا مانع من الحمل على صورة العلم بالعدم لعدم ندرة الفرض، فاسد، بعد كون جزيرة العرب محاطة بالبحار، و في

معرض الأمطار الكثيرة الغريزة المعهودة فيها في كثير من الأوقات، فكيف يمكن دعوى شيوع العلم بذلك أو عدم ندرته بحيث لا يستهجن ورود المطلقات الكثيرة فيه في مقام البيان.

______________________________

(1) الوسائل أبواب التيمم، ب 14، ح 15- 13- 17.

(2) الوسائل أبواب التيمم، ب 14، ح 15- 13- 17.

كتاب الطهارة (للإمام الخميني، ط - القديمة)، ج 2، ص: 198

هذا مع ان السائلين لم يكونوا من أهل الجزيرة غالبا كزرارة و محمد بن مسلم و ليث المرادي و منصور بن حازم الكوفيين و الحلبي و يعقوب بن يقطين البغدادي و غيرهم، فالحمل المذكور غير وجيه بخلاف حمل الأخبار المانعة على الاستحباب حملا للظاهر على النص على فرض تسليم الظهور اللغوي في الوجوب، مع انه محل كلام كما قرر في محله فلا إشكال في هذا الحمل سيما مع وجود شواهد في نفسها عليه، ففي رواية محمد بن حمران عن أبى عبد اللّٰه عليه السّلام «قال: قلت له: رجل تيمم ثم دخل في الصلاة و قد كان طلب الماء فلم يقدر عليه ثم يؤتى بالماء حين تدخل في الصلاة قال: يمضى في الصلاة، و اعلم انه ليس ينبغي لأحد ان يتيمم إلا في آخر الوقت» «1» فان قوله و اعلم انه إلخ بعد الأمر بالإمضاء في الصلاة من غير استفصال كالنص في عدم الإلزام، فالتفصيل بين العلم باستمرار العذر و عدمه ضعيف كما ان الأقرب بحسب إطلاق الأدلة عدم الفرق بين العلم بزوال العذر و عدمه، و دعوى الانصراف إلى صورة عدم العلم برفعه في غير محلها.

نعم الانصاف انصراف الأدلة عن بعض الموارد بلا اشكال كما لو منعه الزحام عن الوصول الى الماء الا بعد ساعة أو كانت نوبته في

الاغتراف من الشريعة بعد اغتراف من سبقها و تقدم عليه و أمثال ذلك، بل لا يبعد أن يكون الأمر بالإعادة في موثقة سماعة «عن أبى عبد اللّٰه عليه السّلام عن أبيه عن على انه سئل عن الرجل يكون في وسط الزحام يوم الجمعة و يوم عرفة فأحدث أو ذكر انه على غير وضوء و لا يستطيع الخروج من كثرة الزحام قال يتيمم و يصلى معهم و يعيد إذا هو انصرف» «2» و قريب منها موثقة السكوني «3» لأجل العلم برفع العذر بعد انصراف الجماعة فيجب عليه الإعادة، و تدل على التفصيل المتقدم و الأمر بالصلاة معهم، لكون التخلف عن جماعتهم خلاف التقية، و الاعتذار بعدم الوضوء لعله كان غير مقبول عندهم، و الأمر بالتيمم و ان

______________________________

(1) الوسائل أبواب التيمم، ب 21 ح 3.

(2) الوسائل أبواب التيمم، ب 15 ح 2- 1.

(3) الوسائل أبواب التيمم، ب 15 ح 2- 1.

كتاب الطهارة (للإمام الخميني، ط - القديمة)، ج 2، ص: 199

كان ظاهرا في صحة صلوته في هذا الحال، و لهذا حملوا الإعادة على الاستحباب لكن حمل الأمر بالتيمم و الصلاة معهم عليه أولى من حمل الإعادة عليه بعد انصراف الأدلة عن مثل هذا العذر الذي يرفع بعد ساعة، و لهذا لو كان الزحام لأمر آخر يمنعه عن الوضوء مقدار ساعة لا يمكن الالتزام بصحة التيمم و الصلاة، و كذا لو منعه مانع منه مقدار ساعة.

نعم لو قلنا بوجوب الجمعة تعيينا فالظاهر صحته و صحة صلوته لخروج وقتها كما لو منعه زحام أو غيره عند ضيق الوقت صح تيممه و صلوته، لكن الروايتين ظاهرتان في جمعة الناس، و مع إقامتهم لا تجب علينا تعيينا بل في وجوبها

تعيينا حتى في زمان الحضور و بسط يد الوالي بالحق أيضا كلام، و ان أرسلوه ظاهرا إرسال المسلمات فالأقرب التفصيل بين العلم برفع العذر و عدمه و كونه في بعض الفروض النادرة موجبا للحرج غير مضر بعد رفعه بدليله.

ثم انه حكى عن صريح جماعة و ظاهر آخرين ان محل الخلاف في المسألة في غير المتيمم و اما من كان متيمما في أول الوقت لصلاة ضاق وقتها. أو لغاية أخرى صحت صلوته في أول وقتها لوجود المقتضى و رفع المانع، و يظهر مما ذكر ان المانع من تعجيل الصلاة هو فقدان الطهور و شرطية ضيق الوقت لصحة التيمم، و اما مع حصول الطهور بوجه آخر فلا يبقى مانع، فح لا ثمرة للنزاع كما لا يخفى.

و هذا النحو من البحث و ان أمكن احتماله في كلمات الفقهاء على بعد في خصوص الفرع بالنظر الى إطلاق كلماتهم ظاهرا بل الظاهر من السيد في الناصريات انه لا يجوز الصلاة بالتيمم إلا في آخر الوقت كما لا يجوز التيمم أيضا إلا في آخره، لكن غير ممكن في الروايات. اما أو لا فلان الظاهر من روايات المضايقة هو الأمر بتأخير التيمم التحصيل الفرد الأكمل الاختياري من الصلاة، لا لأجل عدم حصول الطهور، بل لو فرض اشتراط حصوله بتحقق الضيق أيضا يكون لأجل الصلاة لا للطهور و العرف الملتفت بان المنظور الأصلي هو الصلاة و الطهارات شرائط لها لا مطلوبات نفسية إلزامية، لا يفهم من الأمر الأمر بالتأخير

كتاب الطهارة (للإمام الخميني، ط - القديمة)، ج 2، ص: 200

إلا للتحفظ على الصلاة المطلوبة ذاتا مع الطهارة المائية، و لا ينقدح في ذهنه اشتراط الطهور بالوقت، بل لو صرح بالاشتراط لا ينقدح في

ذهنه إلا مراعاة حال الصلاة مع المائية، (فح) لو أخذنا بتلك الروايات الواردة في المضايقة، و أغمضنا عما تقدم لا محيص عن القول بلزوم تأخير الصلاة إلى آخر الوقت رجاء لتحصيل الطهارة المائية.

هذا مضافا الى ان الظاهر من قوله في صحيحة زرارة «فليتيمم و ليصل في آخر الوقت» «1» و قوله في موثقة ابن بكير «قال: سألت أبا عبد اللّٰه عليه السّلام عن رجل أجنب فلم يجد ماء يتيمم و يصلى؟ قال: لا حتى آخر الوقت» «2» ان الصلاة يجب ان تكون في آخر الوقت أيضا. تأمل، مع ان قوله في تلك الروايات «ان فاته الماء لم تفته الأرض» ظاهر في فوت المصلحة الصلاتية لا المصلحة النفسية للطهارة كما لا يخفى على المتأمل.

و اما ثانيا فلانه لو كان تحصيل الطهور بوجه آخر و غاية أخرى رافعا للمانع، و لم يكن للأمر بتأخير الصلاة و التيمم الى آخر الوقت موجب الا فقد الطهور الممكن الحصول بغاية أخرى، لما أمروا بتأخيرها مع الاهتمام العظيم بالتحفظ للصلاة في أوائل أوقاتها بما كاد أن يلحقه بالواجبات، فكان على الأئمة عليهم السلام لتنبيه على ذلك حفظا لاهمية أول الوقت لا الأمر بالتأخير بقول مطلق.

فيظهر من ذاك و ذا ان المهم في نظر الشارع مراعاة إيجاد الصلاة مع المائية و ليس الأمر بالتأخير لعدم حصول الطهور، فالأقوى بناء على القول بوجوب التأخير وجوبه مطلقا و لو كان الطهور محققا في أول الوقت.

نعم لا شبهة في عدم وجوب تجديد التيمم في آخر الوقت إذا وجد صحيحا في أوله أو قبله في ضيق الوقت مثلا كما صرحت به الروايات خلافا لبعض العامة.

ثم انه قد يقال ان المراد بآخر الوقت الذي يجب أو ينبغي

مراعاته هو آخره عرفا بحيث يقال انه اتى بها في آخره، فيصدق ذلك إذا اتى بها مع الآداب المتعارفة،

______________________________

(1) الوسائل أبواب التيمم ب 22 ح 2- 3.

(2) الوسائل أبواب التيمم ب 22 ح 2- 3.

كتاب الطهارة (للإمام الخميني، ط - القديمة)، ج 2، ص: 201

بل و اختيار الفرد الطويل مع التخيير بينه و بين القصير، بل و إتيان بعض المقدمات المتعارفة، و مستندهم فيه هو الاخبار الحاكمة بتأخير التيمم الى آخر الوقت المحمولة على الأخر العرفي، كما هو الشأن في جميع العناوين المأخوذة في موضوعات الاحكام.

و يمكن ان يقال: ان الاخبار الواردة في لزوم التأخير فرضا لا يفهم منها الا الإرشاد بما حكم به العقل، و هو مع قطع النظر عن الأدلة الخاصة يحكم بوجوب الصلاة بالفرد الاختياري من دلوك الشمس الى آخر الوقت، و مع التعذر عنه جزما لا احتمالا يجتزى بالاضطرارى، فيحكم فيما إذا كان للصلاة فرد طويل و قصير مع الاحتمال المعتد به برفع العذر الانتظار لا الإتيان بالطويل، كما انه يحكم بالاكتفاء بالواجبات و ترك الآداب حفظا للغرض الأعلى و الفرد الاختياري، و الظاهر ان الاخبار وردت للإرشاد لا للتوسعة عما يدركه العقل.

ثم ان ظاهر الاخبار ان اللازم هو التأخير إلى آخر الوقت، و هو الموضوع للحكم و الأمر بالتيمم و الصلاة مع خوف الفوت انما هو لترجيح الوقت على الطهارة المائية عند احتمال فوته لا لموضوعية في خوف الفوت، و معه لو انكشف سعة الوقت بقدر تحصيل المائية تجب عليه الإعادة، بل لا يبعد وجوبها لو وسع للترابية أيضا لعدم تحقق الشرط لو قلنا بان الضيق لها أو لصحة الصلاة أيضا، لكن الذي يسهل الخطب ان القول بالمضايقة ضعيف لكن

لا ينبغي ترك الاحتياط.

و لا يخفى ان القائل بالمضايقة لا يكون عاملا بالأخبار الدالة على عدم لزوم الإعادة و لو مع بقاء الوقت، اما بحملها على التقية لمطابقتها لجمهور الناس أو لغير ذلك، و معه لا وجه لرد قوله في هذه المسألة تشبثا بتلك الروايات، فقول بعض أهل التحقيق ردا على الشيخ القائل بالإعادة بأنه ضعيف محجوج بالأخبار المصرحة بعدم الإعادة كأنه وقع في غير محله.

الثالث من صلى بتيمم صحيح

لا يجب عليه الإعادة و لا القضاء، لاقتضاء الأمر

كتاب الطهارة (للإمام الخميني، ط - القديمة)، ج 2، ص: 202

الاجزاء و محل الكلام ما إذا قلنا بصحة صلوته مع التيمم، اما لأجل القول بالمواسعة أو للبناء على صحة صلوته مع التيمم لغاية أخرى، أو مع بقائه من الوقت السابق، و بعبارة أخرى بعد الفراغ عن المسألة السابقة ففي كل مورد صححنا تيممه و صلوته فصلى بتيمم لا يجب عليه الإعادة فضلا عن القضاء سواء قلنا بان الشرط قابل للجعل المستقل و لا يحتاج الى انتزاعه من الأمر بالمركب مقيدا به أولا.

اما على الأول فواضح، لان الظاهر من الآية الكريمة أنها بصدد جعل شرطية الطهور للصلاة المأمور بها مع الوضوء و الغسل، و مع فقدان الماء مع التيمم فتكون الصلاة طبيعة واحدة ذات أمر واحد، و لها مصاديق اختيارية و اضطرارية. فمع طرو الاضطرار يكون المكلف مخيرا مع سعة الوقت بين إتيان الصلاة المأمور بها بفردها الاضطراري، أو الصبر و الإتيان بالفرد الاختياري، و ليس المصداق الاختياري و الاضطراري مأمورا به بل لا يكون إلا أمر واحد متعلق بنفس الطبيعة، و لا يعقل بقائه مع الإتيان بمتعلقه سواء أتى بالفرد الاختياري منها أو الاضطراري. و مع فرض إمكان تعلق الجعل

المستقل بالشرطية و المانعية لا يجوز رفع اليد عن ظاهر الآية الدالة على جعل شرطية الوضوء و الغسل و لدى العذر التيمم.

و اما على الثاني فلا محيص عن أمرين يتعلق أحدهما بالواجد و الأخر بالفاقد لكن الضرورة قائمة بان الصلاة مطلوبة واحدة، و تعدد الأمر فرضا انما هو لضيق الخناق و امتناع افادة الشرطية إلا به، و في مثله لا يكون المتعدد كاشفا عن كونها مع المائية مطلوبة و مع الترابية مطلوبة اخرى مستقلة.

و هذا نظير ما إذا قلنا بامتناع أخذ ما يجي ء من قبل الأمر كقصده في متعلقه و التزمنا بأمرين فإن الأمر الثاني لا يكون لتحديد المطلوب الأول و لا استقلال له، فلا يكون تعدد الأمر في المقام إلا لإفادة الشرطية في الحالين و لتحديد المطلوب الأول فلا شبهة في استفادة الاجزاء من الآية، لان الظاهر منها ان المكلف إذا قام إلى الصلاة المأمور بها يجب عليه أن يأتي بها مع المائية، و مع العذر مع الترابية و مع الإتيان

كتاب الطهارة (للإمام الخميني، ط - القديمة)، ج 2، ص: 203

بالاضطرارى يكون آتيا بطبيعة المأمور بها.

و مقتضى إطلاقها و إلغاء الخصوصية عرفا كما مرّ عدم الفرق بين السفر و الحضر و لا بين أسباب حصول الجنابة و لا غيرها، فما عن القديمين من إيجاب الإعادة كما عن السيد الفرق بين الحاضر و المسافر فأوجبها في الأول ضعيف.

و الظاهر ان مراد السيد وجوب القضاء لا الإعادة لأن مذهبه على ما في الانتصار و الناصريات عدم صحة التيمم و الصلاة إلا في آخر الوقت، و لهذا أورد على الناصر حيث قال: فان وجد الماء بعد ما فرغ من صلوته و هو في بقية من وقتها

وجب عليه إعادتها بقوله: ان هذا الفرع لا يشبه أصل من ذهب الى أن الصلاة بالتيمم لا يجوز إلا في آخر الوقت، و انما يجوز ان يفرع هذا الفرع من يجوز الصلاة في سعة الوقت، أو قبل تضييق الوقت، و قد بينا ان ذلك لا يجوز، فلا معنى لهذا الفرع على مذهبنا و مذهب من وافقنا في ان الصلاة لا تجوز إلا في آخر الوقت «انتهى» و لعل وجه ذهابه الى التفصيل انه لم يعمل على اخبار المواسعة و ظن ان الآية الشريفة تختص بالمسافر الفاقد، و اخبار المضايقة لم تتعرض الا للزوم التأخير إلى آخر الوقت إلا صحيحة زرارة المختصة بالمسافر، و فيها عدم لزوم القضاء عليه بعد الوجدان خارج الوقت.

و فيه ان الآية و ان علقت على المريض و المسافر لكن العرف بالمناسبات المرتكزة في ذهنه يلقى الخصوصية كما مرّ مرارا كما يلقيها عن الصحيحة أيضا هذا مضافا الى ما تقدم من دلالة طوائف من الروايات على المقصود، و لا وجه لرفع اليد عنها بعد كون المسألة خلافية من لدن زمن قديم، و لم يثبت إعراض الأصحاب عنها لو لم نقل بثبوت عدمه، و تخلل الاجتهاد في البين.

ثم ان مقتضى إطلاق الآية و الرواية عدم الفرق في الاجزاء بين تعمد الجنابة و الخشية عن استعمال الماء و غيره، فما حكى عن كتب الشيخ و المهذب و الإصباح و روض الجنان من لزوم الإعادة على المتعمد، و عن المدارك ان فيه قوة غير متضح المدرك، و صحيحة عبد اللّٰه بن سنان «انه سال أبا عبد اللّٰه عليه السّلام عن الرجل تصيبه الجنابة

كتاب الطهارة (للإمام الخميني، ط - القديمة)، ج 2، ص: 204

في الليلة

الباردة فيخاف على نفسه التلف ان اغتسل؟ فقال: يتيمم و يصلى فإذا أمن البرد اغتسل و أعاد» «1» و مثلها مرسلة جعفر بن بشير «2» غير ظاهرة في المتعمد لو لم نقل بظهورها في غيره، مع ان ظاهرها صحة الصلاة مع التيمم في هذه الحال، و معها يكون مقتضى القاعدة الاجزاء، فتكون قرينة على حمل الأمر بالإعادة على الاستحباب لبعد كون الصلاة صحيحة و وجوب الإعادة تعبدا، و لو لم يسلم ذلك فلا بد من حملها على الاستحباب جمعا بينها و بين ما تقدم من الأدلة المتظافرة على عدم وجوب الإعادة و التفصيل بين فاقد الماء و المقام في غير محله، مع ان العرف يفهم من تلك الأدلة ان تمام المناط هو صحة صلوته مع التيمم و اقتضاء الأمر الإجزاء، مضافا الى صحيحتي داود بن السرحان عن أبى عبد اللّٰه عليه السّلام و البزنطي عن الرضا عليه السّلام «في الرجل يصيبه الجنابة و به جروح أو قروح أو يخاف على نفسه من البرد؟ فقال: لا يغتسل و يتيمم» «3» فإنه يفهم منهما جزما صحة الصلاة مع التيمم و عدم لزوم الإعادة لقاعدة الاجزاء.

فحمل الأمر بالإعادة على الاستحباب أولى من التصرف فيهما خصوصا مع جعل الخائف قرينا مع المجروح و المقروح مما لم ينقل من أحد وجوب الإعادة عليهما بعد الالتئام.

و مما ذكرنا يظهر انه لا مجال للتفصيل بين وجود الماء و خوف النفس عن استعماله و بين فقدان الماء بلزوم الإعادة بعد الصلاة مع التيمم في الأول، بدعوى ان ذلك مقتضى الروايات لاختصاص ما دلت على عدم الإعادة بفاقد الماء، و ما دلت على الإعادة أي صحيحة ابن سنان و مرسلة جعفر بن بشير بالواجد

الخائف.

و ذلك لما عرفت من ان الأمر بالتيمم و الصلاة في الروايتين دال على أن ما يأتي به في هذه الحال مع التيمم هي الصلاة التي كانت على المسلمين كتابا موقوتا لا صلاة اخرى وجبت على خصوص الخائف تعبدا و بقيت الصلاة المكتوبة على عامة المسلمين

______________________________

(1) مرت في صفحة 195.

(2) مرت في صفحة 195.

(3) الوسائل أبواب التيمم ب 5، ح 7- 8.

كتاب الطهارة (للإمام الخميني، ط - القديمة)، ج 2، ص: 205

بحالها يجب عليه إتيانها بعد رفع الخوف، و معه لا شبهة في سقوط الأمر عقلا لحصول المأمور به بمصداقه الاضطراري. الا ان يدعى ان خصوص الخائف مكلف من بين المسلمين بصلاتين إحديهما مع المائية و الأخرى مع الترابية، و الإتيان بالأولى موجب لسقوط التكليف عن الثانية دون العكس، و تكون الصلاتان في حق خصوص الخائف من الفرائض اليومية و هو كما ترى.

أو يلتزم بكون المكتوبة عليه كسائر المسلمين صلاة واحدة و هي ساقطة بإتيان الفرد الاضطراري، لكن يجب تعبدا إعادتها كاستحباب إعادة الصلاة جماعة بعد الإتيان بها فرادى، و هو أيضا بمكان من البعد لا يمكن الالتزام به و بعد بطلان الاحتمالات عقلا و عرفا لا محيص عن حمل الأمر بالإعادة على الاستحباب، و لو لم يكن غير الروايتين شي ء، في الباب.

مع ان الروايات الدالة على عدم لزوم الإعادة على الفاقد تدل عرفا على ان عدمها انما هو لأجل كون الصلاة مع التيمم مصداقا للمأمور به من غير دخالة للسبب فيه، و انما السبب دخيل في حصول موضوع التيمم لا في كون الصلاة معه مصداقا للمأمور به.

و ان شئت قلت: ان العرف يفهم مع إلغاء الخصوصية ان تمام العلة لعدم لزوم الإعادة انما

هو قيام التيمم مقام المائية و تحقق الطبيعة المأمور بها بإتيانها معه من غير دخالة أسباب العذر و الانتقال في ذلك.

هذا مع قطع النظر عن التعليلات الواردة فيها، و اما مع النظر إليها كقوله في صحيحة محمد بن مسلم «1» بعد الحكم بعدم الإعادة بعد وجدان الماء «ان رب الماء رب الصعيد فقد فعل أحد الطهورين» فالأمر أوضح، لأن الظاهر منه ان تمام العلة لعدم الإعادة هو فعل أحد الطهورين من غير دخالة شي ء آخر فيه، فح مع الأمر بالإتيان

______________________________

(1) مرت في صفحة 194 تحت رقم (11)

كتاب الطهارة (للإمام الخميني، ط - القديمة)، ج 2، ص: 206

بالصلاة مع التيمم عند الخوف على النفس لا مجال للتشكيك في حصول الطهور به و فعل أحد الطهورين، فيندرج تحت العلة المنصوصة، و لا شبهة في ان التصرف في الأمر بالإعادة بحمله على الاستحباب أهون من رفع اليد من كل واحد مما تقدم فضلا عن مجموعه، فلا إشكال في الحكم بحمد اللّٰه تعالى.

ثم ان مقتضى ما ذكرناه و ان كان البناء على استحباب الإعادة فيمن منعه الزحام عن الوضوء كما ذهب اليه جمع، بل لعله المعروف بينهم خلافا للمحكي عن النهاية، و المبسوط، و المقنع، و الوسيلة، و المهذب. و كشف اللثام فأوجبوا الإعادة بعد التيمم و الصلاة معهم، و مستندهم موثقة سماعة «عن أبى عبد اللّٰه عليه السّلام عن أبيه عن على عليه السّلام انه سئل عن الرجل يكون في وسط الزحام يوم الجمعة و يوم عرفة فأحدث أو ذكر انه على غير وضوء و لا يستطيع الخروج من كثرة الزحام قال: يتيمم و يصلى معهم و يعيد إذا هو انصرف» «1» و نظيرها موثقة السكوني «2»

لكن الالتزام بالانتقال الى التيمم مع العلم بزوال العذر بعد ساعة مثلا بعيد، و لو بنينا على الأخذ بظاهر الروايتين لكان الواجب على من منعه الزحام أو غيره عن الوصول الى الماء مطلقا الصلاة متيمما و الإعادة لعدم الخصوصية في زحام عرفة جزما.

و دعوى اختصاص الجواب بزحام الجمعة فيكون لها خصوصية في غير محلها لان الظاهر منها ان الزحام في يوم الجمعة منعه عن الوضوء لصلاتها و يوم عرفة منعه عن الوضوء لفريضة الظهر أو العصر، بل الظاهر منهما ان الجمعة للناس، و معه لا تجب علينا تعيينا بلا اشكال بل المكلف مخير بين الصلاة معهم جمعة و الفرادى ظهرا، و معه كيف تجب عليه الصلاة و الإعادة معا.

و لهذا قلنا ان الظاهر من الروايتين لزوم الصلاة معهم تقية و لعل الأمر بالتيمم لأجل ان الدخول في الصلاة صورة أيضا يجب أو يستحب ان يكون مع الوضوء أو

______________________________

(1) مرت في صفحة 198.

(2) مرت في صفحة 198.

كتاب الطهارة (للإمام الخميني، ط - القديمة)، ج 2، ص: 207

التيمم كما لعله تشهد به رواية مسعدة بن صدقة التي لا يبعد كونها موثقة «أن قائلا قال لجعفر بن محمد عليهما السّلام: جعلت فداك إني أمر بقوم ناصبية و قد أقيمت لهم الصلاة و أنا على غير وضوء، فان لم أدخل معهم في الصلاة قالوا ما شاءوا ان يقولوا أ فأصلى معهم ثم أتوضأ إذا انصرفت و أصلي؟ فقال جعفر بن محمد: سبحان اللّٰه أ فما يخاف ان يصلى من غير وضوء أن تأخذه الأرض خسفا» تأمل «1».

و كيف كان فالأقرب حملها على ان الصلاة معهم وجبت تقية، و يستحب أو يجب التيمم لها لكن لا تقع عن الفريضة

و تجب عليها الإعادة و عدم وقوعها فريضة ليس لكون الصلاة معهم لما قلنا في محله انها معهم مجزية، بل لعدم صحة التيمم مع العلم بوجود الماء و رفع المانع في الوقت خصوصا في مثل المفروض في الرواية.

ثم انه حكى عن النهاية و المبسوط ان من كان على ثوبه نجاسة غير معفوة و تعذر عليه إزالتها يتيمم و يصلّى ثم يعيد، و مستنده موثقة عمار الساباطي عن أبى عبد اللّٰه عليه السّلام «انه سئل عن رجل ليس عليه إلا ثوب و لا تحل الصلاة فيه و ليس يجد ما يغسله كيف يصنع؟ قال: يتيمم و يصلى فإذا أصاب ماء غسله و أعاد الصلاة». «2»

و لا يخفى ان هذه الموثقة غير مربوطة بالمقام سؤالا و جوابا، لوضوح ان سؤاله انما هو عن وحدة الثوب و عدم إمكان تطهيره فأجاب بالتيمم و الصلاة أي مع الثوب النجس ظاهرا، ثم إذا أصاب الماء أعادها بعد غسله، فالجواب عن هذه الحيثية، و لهذا تعرض لغسله و إعادتها لا للوضوء و الإعادة، و انما ذكر التيمم تطفلا لفرض فقدان الماء.

فهذه المسألة ليست من مستثنيات المسألة المتقدمة بل هي مسألة أخرى برأسها تأتي إن شاء اللّٰه في أبواب النجاسات، و قد كثرت الروايات فيمن كان ثوبه نجسا و اختلفت

______________________________

(1) الوسائل أبواب الوضوء، ب، 2، ح 1.

(2) الوسائل أبواب الوضوء، ب 30، ح 1.

كتاب الطهارة (للإمام الخميني، ط - القديمة)، ج 2، ص: 208

في وجوب الصلاة معه أو عريانا و المقام ليس مورد تنقيحها.

الرابع [حكم فاقد الطهورين]

المشهور كما عن كشف الالتباس و الرياض ان فاقد الطهورين تسقط عنه الصلاة، و عن روض الجنان و المدارك انه مذهب الأصحاب لا نعلم فيه مخالفا، و

عن جامع المقاصد انه ظاهر مذهب أصحابنا، لكن في الشرائع قيل يصلى و يعيد و عن التذكرة و غيرها ان بعض الأصحاب قال: يصلى و يعيد، و عن جد المرتضى وجوب الأداء لا الفضاء، و لا بأس بالإشارة إلى مقتضى القاعدة في مثل المقام، فنقول: لو علم بجزئية شي ء للمركب أو شرطيته في الجملة و شك في انه كذلك مطلقا أو مخصوص بحال التمكن فلا يخلو اما ان يكون لدليل المركب إطلاق دون دليل اعتبارهما أو العكس، أو لكل منهما إطلاق أو إهمال، فإن كان لدليل المركب إطلاق فقط يجب إتيانه مع العجز عن الجزء أو الشرط. أو لدليل اعتبارهما فقط فيسقط معه، و يلحق بإطلاق دليله فقط تقدم دليله على دليل اعتبارهما بحكومة أو غيرها لو كان لهما إطلاق و بإطلاق دليليهما تقدمهما على دليله كذلك، و مع إهمالهما أو إطلاقهما من غير ترجيح يرجع الى مقتضى الأصل العقلي أو النقلي، مع قطع النظر عن أدلة العلاج لو قلنا بشمولها لمثل المقام، و الأصل العقلي يقتضي البراءة مطلقا كما هو المقرر في محله.

و قد يتمسك بالاستصحاب في بعض الموارد بوجوه من التقرير و قد فرغنا عن تضعيفه و بقاعدة الميسور و هي ضعيفة المستند غير مجبورة، إذا عرفت ذلك فنقول:

ان مقتضى إطلاق آية الوضوء ان الصلاة مشروطة بالطهور مطلقا و لو مع العجز عنه.

و (توهم) قصور الأمر عن إثبات الشرطية حال العجز لعدم إمكان توجه الخطاب الى العاجز، (فاسد) لا لما قيل ان مثل تلك الأوامر إرشادية لا يعتبر فيها القدرة على متعلقاتها لان مفادها ليس إلا الإرشاد إلى دخل متعلقاتها في متعلق الخطاب النفسي ففي الحقيقة ان تلك الخطابات بمنزلة الاخبار لا بعث

فيها، و لا تحريك الى المتعلقات حتى تقتضي القدرة عليها، فلا فرق بين الشرطية المستفادة من مثل لا صلاة الا بطهور أو المستفاد من الأمر الإرشادي، و ذلك لما قررناه في محله من ان مطلق الأوامر

كتاب الطهارة (للإمام الخميني، ط - القديمة)، ج 2، ص: 209

نفسية كانت أو غيرية أو إرشادية إنما تستعمل في معناها، و هو نفس البعث و الإغراء فإن الهيئة موضوعة لذلك من غير أن يكون الوجوب أو غيره مفادها، لكن البعث إذا توجه إلى طبيعة من غير دلالة على انه لأجل مطلوب آخر ينتزع منه النفسية، و إذا تعلق بشي ء مع الدلالة على انه للآخر ينتزع منه الغيرية أو الإرشاد إلى الشرطية أو الجزئية حسب اختلاف المقامات.

فقوله تعالى إِذٰا قُمْتُمْ إِلَى الصَّلٰاةِ فَاغْسِلُوا وُجُوهَكُمْ إلخ لا ينسلخ عن البعث الى غسل الوجوه و الأيدي بحيث تكون الهيئة مستعملة في الاخبار باشتراط الصلاة بالوضوء، ضرورة ان هذا الاستعمال مع كونه غلطا لا مجازا مخالف لفهم العرف و العقلاء، بل الهيئة مستعملة في معناها و هو البعث و الإغراء، لكن لما كانت مسبوقة بقوله «إِذٰا قُمْتُمْ إِلَى الصَّلٰاةِ» تكون دالة على ان البعث إليه لأجل اشتراط الصلاة به، ففهم الشرطية أو انتزاعها انما هو من البعث و الإغراء مع خصوصية المورد و تصور ما ذكر يكفي مئونة عن تصديقه في مثل المقامات التي يكون الاتكال فيها الى العرف و الذوق السليم.

بل لما حققناه في مظانه ان الأوامر الكلية لقانونية غير مشروطة عقلا على صحة توجهها الى فرد فرد من المكلفين، و ليست الخطابات الكلية منحلة كل الى خطابات متوجهة إلى آحادهم، فيكون كل خطاب منحل منظورا فيه شرائط توجه الخطاب، و الا

لزم منه مفاسد كعدم تكليف العصاة و الكفار، و الجاهل بالحكم أو الموضوع، بل و اختصاص الوضعيات بمن يختص به التكاليف الى غير ذلك مما يطول ذكره، و الخلط بين شرائط الخطاب الجزئي الشخصي و الخطاب العام القانوني منشأ لكثير من الاشتباهات و الاختلاطات و التفصيل موكول الى محله.

و بالجملة ان إطلاق الآية يقتضي اشتراطها بالطهور مطلقا، و مقتضاه سقوط الصلاة مع تعذر الشرط، نعم لو كان الاتكال على صرف ظاهر الآية و إطلاقها لكان لتوهم إطلاق أدلة الصلاة سيما مثل قوله: «الصلاة لا تترك بحال» مجال، بل كان

كتاب الطهارة (للإمام الخميني، ط - القديمة)، ج 2، ص: 210

ذلك حاكما على ظاهر الآية لتعرضه لمقام الإتيان، و هو من أقسام الحكومة، لكن مضافا الى عدم إطلاق متعد به في أدلة تشريع الصلاة و عدم ثبوت قوله: «الصلاة لا تترك بحال» من طريقنا بحيث يمكن الاتكال عليه و على إطلاقه و حكومته على الآية.

و مقتضى الاستقراء و ان كان ان للوقت في نظر الشارع أهمية فوق غالب الاجزاء و الشرائط، فربما يحصل الظن منه بأن الصلاة لا تترك بحال، لكن ذلك ليس بمثابة يمكن الركون على كليته و إطلاقه، و ما ورد في بعض الروايات في باب النفاس كصحيحة زرارة و فيها «و لا تدع الصلاة على حال فإن النبي صلّى اللّٰه عليه و آله قال الصلاة عماد دينكم» غير مربوط بمثل المقام، و ليس قوله: «فإن الصلاة عماد دينكم» علة يمكن معها كشف صحتها لدى الشك في شرطية شي ء لها أو جزئيته.

ان قوله في صحيحة زرارة: «لا صلاة الا بطهور» حاكم على مثل قوله:

«الصلاة لا تترك بحال» على فرض ثبوته، لأن الصحيحة رافعة لموضوعها

و هو حاكم على عدم جواز الترك على فرض الموضوع بل من أوضح موارد الحكومة كقوله: «لا سهو لمن أقرّ على نفسه بالسهو» مثلا بالنسبة إلى أدلة الشكوك و كذا يكون قوله: «لا صلاة الا بطهور» حاكما على قاعدة الميسوران كان المراد من قوله: «الميسور لا يسقط بالمعسور» أن الطبيعة الميسورة لا تسقط لعين ما ذكر.

و اما ان كان المراد ان ميسور الطبيعة لا يسقط، فلا يبعد أن تكون القاعدة حاكمة عليه، لعدم لزوم صدق الطبيعة على ميسورها، فيمكن ان يكون شي ء ميسور شي ء عرفا لا نفسه بل لا منافاة (ح) بين الصحيحة و القاعدة، لأن مفاد الاولى ان فاقد الطهور ليس بصلاة، و مفاد الثانية ان ميسور الصلاة و لو لم تكن صلاة لا يسقط، لكن مضافا الى عدم ظهور القاعدة في الاحتمال الثاني لو لم نقل بظهورها في الأول لا أصل لتلك القاعدة لضعف سندها، و عدم ثبوت الجبر خصوصا في مثل تلك المسألة التي هي مظنة الإجماع على عدم وجوب الأداء و ان يمكن الإشكال في صحيحة زرارة بوجه آخر و هو أنها منقولة في الباب الأول من أبواب الوضوء من الوسائل عن محمد بن الحسن بإسناده عن الحسين بن سعيد عن حماد

كتاب الطهارة (للإمام الخميني، ط - القديمة)، ج 2، ص: 211

ابن عيسى عن حريز عن زرارة عن أبى جعفر عليه السّلام «قال لا صلاة الا بطهور» و رواها في الوافي عن الفقيه مرسلا و عن التهذيب بالسند المتقدم، و روى الحرفي الباب الرابع من أبواب الوضوء بالسند المتقدم عن أبى جعفر عليه السّلام «قال إذا دخل الوقت وجب الطهور و الصلاة و لا صلاة الا بطهور» و رواها في

الفقيه مرسلا و روى في الباب التاسع من أحكام الخلوة بالسند المتقدم عن أبى جعفر عليه السّلام أيضا «قال: لا صلاة الا بطهور و يجزيك عن الاستنجاء ثلاثة أحجار بذلك جرت السنة من رسول اللّٰه و اما البول فإنه لا بد من غسله» فيحتمل أن تكون الرواية واحدة هي هكذا: إذا دخل الوقت وجب الطهور و الصلاة و لا صلاة الا بطهور و يجزيك عن الاستنجاء إلخ فيكون الذيل قرينة على ان المراد من الطهور هو الطهور عن الخبث، و قد جزأها المحدثون و النقلة على الأبواب.

و يمكن دعوى الإطلاق في صدرها للطهورين، و ان كان الذيل يناسب ما ذكر و يحتمل كونها روايتين أو ثلاثا كما هو الظاهر من محكي التهذيب و الفقيه و مع ذلك اختصاص الطهور بالوضوء و أخويه بعيد و لو بلحاظ ذيل الصحيحة.

(فح) مقتضى إطلاقها تحكيمها على أدلة اشتراط الطهارة عن الخبث مع انه مخالف للنص و الفتوى، فيشكل الأمر من جهة ان ورود التقييد على مثل قوله لا صلاة الا بطهور مشكل لاستهجانه عرفا، فلا بد في رفعه من الالتزام بأنها مخصوصة بموارد بطلان الصلاة مع الخبثية، و معه يشكل التشبث بها و تحكيمها على مثل قوله «الصلاة لا تترك بحال» لكن ذلك لا يوجب التوقف في أصل المسألة، لإطلاق أدلة الشرط كالاية الكريمة، و عدم إطلاق في أدلة تشريع الصلاة كتابا و سنة، فالأقوى عدم وجوب الأداء.

و اما وجوب الذكر عليه مقدار الصلاة و الاكتفاء به عن الأداء و القضاء كما حكى عن رسالة المفيد الى ولده، و عن أبى العباس و صلاة الموجز و الصيمري في طهارة كشف الالتباس، فلم نعثر على مستنده بل و لا مستند

استحبابه بالخصوص، فهل يجب عليه القضاء عند ارتفاع العذر بعد الوقت قيل: نعم.

كتاب الطهارة (للإمام الخميني، ط - القديمة)، ج 2، ص: 212

و في الجواهر انه الأشهر بين المتقدمين و المتأخرين، و عن كشف الالتباس انه المشهور لعموم ما دل عليه كقوله: «من فاتته فريضة فليقضها كما فاتته» و قوله في النبوي المشهور كما في الرياض: «من فاتته فريضة فليقضها إذا ذكرها فذلك وقتها» و حكاه في المنتهى مع سقوط قوله: «فذلك وقتها».

و الاخبار المستفيضة من طريق الخاصة في الأبواب المتفرقة كصحيحة زرارة عن أبى جعفر عليه السّلام: «انه قال أربع صلوات يصليها الرجل في كل ساعة: صلاة فاتتك فمتى ذكرتها أديتها» إلخ «1»، و صحيحة الحلبي «قال: سأل أبو عبد اللّٰه عليه السّلام عن رجل فاتته صلاة النهار متى يقضيها؟ قال: متى شاء» «2» و مثلهما غيرهما، و صحيحة زرارة عن أبى جعفر عليه السّلام: «و متى ما ذكرت صلاة فاتتك صليتها» «3» و صحيحته الأخرى عنه «سئل عن رجل صلى بغير طهور أو نسي صلوات لم يصلها أو نام عنها؟ قال: يقضيها إذا ذكرها في أيّ ساعة ذكرها» «4» الى غير ذلك.

و دعوى تبعية الأداء للقضاء غير مسموعة، مع إمكان ان يقال: ان الأداء فريضة إما بدعوى صيرورة الفريضة اسما لتلك الصلوات لا وصفا لها كما احتمله الشهيد، و اما بدعوى أنها فريضة فعلا، و ان كان المكلف معذورا في تركها كما ذكرناه في محله. كدعوى عدم صدق الفوت ضرورة صدقه عرفا مع فوات المصلحة فضلا عما قلنا من فعلية الفريضة، لكن الأشبه مع ذلك عدم وجوبه وفاقا للمحقق و العلامة و الكركي و غيرهم، للأصل بعد عدم إطلاق أو عموم يمكن الركون

عليه، سيما في مثل الفرض الذي هو نادر الوجود بحيث يلحق بالعدم.

اما النبويان فمع عدم جبر سندهما بعد عدم ثبوت اتكال الأصحاب عليهما في

______________________________

(1) الوسائل أبواب قضاء الصلوات، ب 2، ح 1.

(2) الوسائل أبواب المواقيت، ب 39، ح 7.

(3) الوسائل أبواب المواقيت، ب 63 ح 1.

(4) الوسائل أبواب قضاء الصلوات، ب 1، ح 1.

كتاب الطهارة (للإمام الخميني، ط - القديمة)، ج 2، ص: 213

أبواب القضاء مع وجود روايات كثيرة من طرقنا يحتمل اتكالهم عليها، انهما في مقام بيان حكم آخر، اما الأول منهما ففي مقام بيان كيفية القضاء ان قصرا فقصرا و ان تماما فتماما، كما ان الأمر كذلك في طائفة من رواياتنا: مثل صحيحة زرارة «قال قلت: له رجل فاتته صلاة من صلاة السفر فذكرها في الحضر؟ قال: يقضى ما فاته كما فاته ان كانت صلاة السفر أداها في الحضر مثلها و ان كانت صلاة الحضر فليقض في السفر صلاة الحضر كما فاتته» «1» فهي كالتفسير للنبوي المتقدم الأول و تكون في مقام بيان حكم آخر فلا إطلاق لها و لا للنبوي المفسر بها.

و اما النبوي الثاني فمضافا الى احتمال اختصاصه بالناسي كما يشعر به قوله:

«إذا ذكرها» ففي مقام بيان جواز إتيان القضاء بلا كراهية في أيّ وقت من الأوقات فهو كطائفة أخرى من رواياتنا كالصحاح المتقدمة، و مما ذكرنا يظهر الكلام في الروايات التي هي من طرقنا فإنها جميعا في مقام بيان أحكام أخر لا إطلاق في واحد منها كما يظهر بالنظر إليها.

و دعوى انه يفهم منها و لو بملاحظة المجموع ان وجوب قضاء الفرائض على من لم يأت بها في وقتها كان من الأمور المعهودة لديهم، غير مفيدة، لان معهوديته في

الجملة ضرورية، و لزومه في الجملة منصوصة، لكن لا يثبت بها الحكم في الموارد المشكوك فيها، و ان رجعت الدعوى إلى معهودية القضاء مطلقا حتى في مثل المقام فهي فاسدة جدا.

و بالجملة لا يثبت بتلك الروايات إلا المعهودية في الجملة، و هي غير مفيدة و ما هي مفيدة غير ثابتة بها خصوصا في مثل فاقد الطهورين الذي تنصرف عنه الأذهان لغاية ندرته، بل هو من الفروع التي أبداها الفقهاء و لم يكن معهودا، بل يمكن التشبث لسقوط القضاء بالتعليل الوارد في المغمى عليه بأنه كلما غلب اللّٰه عليه فاللّه أولى بالعذر، الا ان يقال ان الأخذ بهذا العموم مشكل لورود تخصيصات كثيرة عليه.

______________________________

(1) الوسائل أبواب قضاء الصلوات ب 6، ح 1

كتاب الطهارة (للإمام الخميني، ط - القديمة)، ج 2، ص: 214

و الانصاف ان القواعد و ان تقتضي سقوطه الا ان الاحتياط لا ينبغي ان يترك لكن ينبغي الاحتياط بترك الصلاة مع فقدان الطهورين، لاحتمال الحرمة النفسية في الدخول فيها جنبا، بل و من غير وضوء لقوله تعالى لٰا تَقْرَبُوا الصَّلٰاةَ وَ أَنْتُمْ سُكٰارىٰ حَتّٰى تَعْلَمُوا مٰا تَقُولُونَ وَ لٰا جُنُباً إِلّٰا عٰابِرِي سَبِيلٍ حَتَّىٰ تَغْتَسِلُوا بناء على ان المراد من الصلاة نفسها لا محالها كما هو الأظهر في الآية، و لا ينافيه قوله «إِلّٰا عٰابِرِي سَبِيلٍ» لأنه اشارة ظاهرا الى المسافر الفاقد الذي يأتي حكمه في ذيلها، و لا يكون ذلك تكرارا بشيعا حتى يكون قرينة على ارادة محالها. بل هو من قبيل الإجمال و التفصيل و هو من فنون البلاغة.

و الظاهر من التعبير «ب لٰا تَقْرَبُوا» هو الحرمة الذاتية. و ليس سبيلها سبيل النواهي في المركبات التي تكون ظاهرة في الإرشاد إلى المانعية، للفرق

بين قوله لا تصل جنبا و لا تصل في وبر ما لا يؤكل و بين قوله: لا تقربوا الصلاة جنبا فان سبيله سبيل قوله «لٰا تَقْرَبُوا الزِّنىٰ» و «لٰا تَقْرَبُوا الْفَوٰاحِشَ» و «لٰا تَقْرَبُوهُنَّ حَتّٰى يَطْهُرْنَ» مما هي ظاهرة في مبغوضية الارتكاب و أهمية الموضوع.

و لرواية مسعدة بن صدقة الموثقة على الأصح و فيها «فقال جعفر بن محمد سبحان اللّٰه أ فما يخاف أن يصلى من غير وضوء ان تأخذه الأرض خسفا» «1» و صحيحة صفوان الجمال عن أبى عبد اللّٰه عليه السّلام «قال: اقعد رجل من الأحبار في قبره فقيل له: انا جالدوك مائة جلدة من عذاب اللّٰه» الى أن قال: «فقال: لم تجلدونيها؟ قالوا: نجد لك انك صليت يوما بغير وضوء» «2» فان الظاهر منها ان الجلدة لم تكن لترك الصلاة بل لإتيانها بغير وضوء، و ليست الحرمة النفسية ببعيدة بعد وقوع نظيرها في العبادات كصلاة الحائض.

نعم وردت رواية صحيحة من زرارة يظهر منها ان المراد من قوله تعالى:

______________________________

(1) مرت في صفحة 207.

(2) الوسائل أبواب الوضوء، ب 2 ح 2

كتاب الطهارة (للإمام الخميني، ط - القديمة)، ج 2، ص: 215

وَ لٰا جُنُباً إِلّٰا عٰابِرِي سَبِيلٍ هو المساجد و كيف كان فالاحتياط في ترك الاحتياط بإتيانها جنبا و من غير طهور.

الخامس: إذا وجد المتيمم الماء قبل دخوله في الصلاة

انتقض تيممه بلا اشكال نصا و فتوى، و المراد من الوجدان هو التمكن من استعماله عقلا و شرعا كما هو المحكي عن ظاهر معقد إجماع التذكرة أو صريحه، و صريح معقد إجماع المعتبر و الذكرى بل هو المتفاهم من جميع روايات الباب كما قلنا في الآية الشريفة، ان المراد من عدم الوجدان هو عدم وجدان ما يغتسل أو يتوضأ به، و الإصابة و

الوجدان في تلك الروايات و ان لم تكن مقرونة بما في رواية العياشي و كان يقدر عليه و نحوه، كانت ظاهرة في الإصابة و الوجدان على نحو يتمكن من رفع احتياجه به، و كون الإصابة مطلقا موجبة للتعبد بانتفاض التيمم، حتى يقال بالانتفاض مع اصابة ماء قليل لا يكفى للوضوء أو الغسل أو كان مغصوبا مع كفايته بعيد جدا، بل مقطوع الفساد فضلا عن مقارنة الروايات بما يجعلها كالصريح في المقصود، كقوله في صحيحة زرارة عن أبى جعفر عليه السّلام «و يصلى بتيمم واحد صلاة الليل و النهار؟ قال: نعم ما لم يحدث أو يصب ماء، قلت: فإن أصاب الماء و رجا أن يقدر على ماء آخر و ظن انه يقدر عليه كلما أراد فعسر ذلك عليه؟ قال: ينقض ذلك تيممه و عليه أن يعيد التيمم» «1» إلخ حيث يظهر من قوله: «قلت فإن أصاب» إلخ انه فهم من اصابة الماء في قول أبى جعفر هو اصابة ما يقدر على استعماله كما هو واضح بأدنى تأمل.

و كمرسلة العامري «2» قال فيها: «فان تيممه الأول انتقض حين مرّ بالماء و لم يغتسل» يظهر منها ان الانتقاض انما هو بالمرور بماء يتمكن من الاغتسال به و لم يغتسل.

و أظهر منهما قوله في رواية العياشي إذا رأى الماء و كان يقدر عليه انتقض تيممه» «3» فلو وجد الماء في ضيق الوقت الذي هو مأمور بحسب ما استظهرناه من الروايات بالتيمم

______________________________

(1) الوسائل أبواب التيمم، ب 19، ح 1- 2- 6.

(2) الوسائل أبواب التيمم، ب 19، ح 1- 2- 6.

(3) الوسائل أبواب التيمم، ب 19، ح 1- 2- 6.

كتاب الطهارة (للإمام الخميني، ط - القديمة)، ج 2، ص: 216

لم

ينتقض تيممه فلو فقد حين الصلاة أو بعدها بلا مهلة لم يجب عليه تجديده.

ثم ان الاخبار و ان وردت في وجدان الماء لكن يظهر منها بإلغاء الخصوصية حال رفع سائر الأعذار كما هو ظاهر. و لا فرق في وجدان الماء و رفع العذر بين قبل دخول الوقت و بعده، سواء قلنا بجواز الوضوء و الغسل للصلاة قبل الوقت كما هو الأقوى أولا، لإطلاق الروايات و حصول القدرة و لو لغاية أخرى، و قد مرّ حكم من وجد بعد الفراغ منها.

و ان وجد في الأثناء ففيه أقوال خمسة أو ستة، لكن العمدة منها القولان (أحدهما) انه يقطع ما لم يركع و هو المحكي عن مقنع الصدوق أو فقيهه، و مصباح السيد و جمله و شرح الرسالة و الجعفي و الحسن بن عيسى، و عن النهاية و مجمع البرهان و المفاتيح و شرحه و رسالة صاحب المعالم و شرحها، و قد بالغ في تشييده المحقق صاحب الجواهر بما لا مزيد عليه.

ثانيهما انه يمضى بعد التلبس بتكبيرة الإحرام و هو المحكي عن رسالتي على ابن بابويه و السيد و المقنعة و الخلاف و المبسوط و الغنية و السرائر و كتب المحقق و العلامة و غيرهم، و هو المشهور كما عن جامع المقاصد و المسالك و روض الجنان و مجمع البرهان، بل عن السرائر الإجماع عليه في بحث الحيض و الاستحاضة.

لا للأصل أو الأصول أو أدلة التنزيل و البدلية و كفاية عشر سنين و النهى عن إبطال العمل كتابا و سنة و عن الانصراف حتى يسمع الصوت و يجد الريح الى غير ذلك مما يطول ذكرها، لقطع ذلك كله بإطلاق أدلة بطلانه بوجدان الماء و اصابته مما قد مر

بعضها و دعوى الانصراف الى ما لم يشرع في المقصود في غير محلها كدعوى عدم إطلاقها لكون القدر المتيقن بعد ما حرر في مقامه من عدم إضراره بالإطلاق سيما أمثال ذلك مما يقطع بعدم الإضرار به.

و لا للشهرة و الإجماع المنقولين لعدم حجيتهما في مثل هذه المسألة التي نقطع بكون المدرك هو النصوص الموجودة، بل عدم ثبوتهما خصوصا الثانية بعد خماسيتها

كتاب الطهارة (للإمام الخميني، ط - القديمة)، ج 2، ص: 217

قولا أو سداسيتها و ذهاب من تقدم و غيرهم الى التفصيل.

بل لعدم دليل صالح للركون اليه للقول بالتفصيل أما صحيحة زرارة عن أبى جعفر عليه السّلام و فيها «قلت: ان أصاب الماء و قد دخل في الصلاة قال: فلينصرف فليتوضأ ما لم يركع و ان كان قد ركع فليمض في صلوته فان التيمم أحد الطهورين» «1» فلان حمل الأمر بالانصراف و التوضي قبل الركوع على الوجوب و الإرشاد العقلي على بطلان التيمم قبل الركوع، كحمل الأمر بالمضي على الإرشاد على الصحة بعد الركوع كما هو الشأن في مثل تلك الأوامر، غير مناسب، مع التعليل بان التراب أحد الطهورين فإن العلة المشتركة بين قبل الدخول في الركوع و بعده لا يناسب التفصيل بل قاطع له، هذا نظير ان يقال اشرب الخمر و لا تشرب النبيذ فإنه مسكر مع كون المسكرية مشتركة بينهما، ففي المقام لو كانت العلة للمضى كون التراب أحد الطهورين فقط كما هو الظاهر لم يكن للتفصيل وجه، و لو كان التفصيل إلزاميا حتى يستفاد منه ما تقدم كان عليه ان يعلل بأن حرمة الركوع مثلا مانعة عن نقض الطهور، فلا بد من حمل الأمر بالانصراف و التوضي على الاستحباب، و الأخذ بعموم

التعليل لصحة الصلاة مطلقا أو رفع اليد عن التعليل بلا جهة موجبة و الأول متعين، فتكون الصحيحة من أدلة القول المنصور، و لعله لذلك لم يجعلها المحقق في المعتبر دليلا على القول بالتفصيل مع كونها بمنظر منه، فقال فان احتج الشيخ بالروايات الدالة على الرجوع ما لم يركع فالجواب عنه ان أصلها عبد اللّٰه بن عاصم، فهي في التحقيق رواية واحدة و يعارضها روايتنا و هي أرجح من وجوه:

أحدها- ان محمد بن حمران أشهر في العدالة، و العلم، من عبد اللّٰه بن عاصم و الأعدل مقدم «انتهى» و نسبة المحقق إلى الغفلة عن صحيحة زرارة كأنها غفلة.

و اما رواية عبد اللّٰه بن عاصم فهي منقولة من طريق الكليني اليه، و في طريقه المعلى بن محمد الذي قال النجاشي فيه انه مضطرب الحديث و المذهب و كتبه قريبة و ذكره العلامة في القسم الثاني من محكي الخلاصة، و وصفه باضطراب الحديث و

______________________________

(1) الوسائل أبواب التيمم، ب 21، ح 1.

كتاب الطهارة (للإمام الخميني، ط - القديمة)، ج 2، ص: 218

المذهب و عن ابن الغضائري يعرف حديثه و ينكر و يروى عن الضعفاء، و يجوز ان يخرج شاهدا و عن الوجيزة انه ضعيف.

نعم قد يقال انه شيخ اجازة و هو يغنيه عن التوثيق، و لأجله صحح حديثه بعضهم و فيه ان كونه شيخ اجازة غير ثابت. و غناء كل شيخ اجازة عن التوثيق أيضا غير ثابت و من طريق الشيخ إليه تارة بسند فيه الحسن بن الحسين اللؤلوئى و قد ضعفه الصدوق و استثناء شيخه ابن الوليد من روايات محمد بن احمد بن يحيى، و نقل النجاشي استثناء ابن الوليد ثم قال: قال أبو العباس بن نوح:

قد أصاب شيخنا أبو جعفر محمد بن الحسن ابن الوليد في ذلك كله، و تبعه أبو جعفر بن بابويه على ذلك إلا في محمد بن عيسى بن عبيد، فلا أدرى ما رأيه فيه لانه كان على ظاهر العدالة و الثقة.

(أقول) يظهر من استثناء أبى العباس ان استثناء ابن الوليد انما هو لضعف في الرجال نفسهم، نعم وثقه النجاشي لكن سكت عند نقل عبارة ابن نوح و لعله لرضاه بما ذكره، و كيف كان يشكل الاتكال على توثيقه بعد تضعيف الصدوق و شيخه ظاهرا و ابن نوح، و احتمال كون تضعيف الصدوق للاتباع عن ابن الوليد، و ان كان قريبا لكن يؤيد ذلك بل يدل على ان ابن الوليد انما ضعف الرجال نفسهم، و هو مع تقدم عصره عن النجاشي و قول الصدوق فيه ما قال، لا يقصر عن قول النجاشي لو لم يقدم عليه و اخرى بسند فيه القاسم بن محمد الجوهري و هو واقفي غير موثق.

و اما عبد اللّٰه بن عاصم فهو مهمل في كتب الرجال كما عن الوجيزة، ان عبد اللّٰه ابن عاصم غير مذكور في كتب الرجال لكن يظهر مما سننقل من كلام المحقق توثيقه «انتهى» و العبارة المشار إليها هي ما في المعتبر في مسألتنا هذه، قال و هي (أي رواية محمد بن حمران) أرجح من وجوه:

أحدها ان محمد بن حمران أشهر في العدالة و العلم من عبد اللّٰه بن عاصم و الأعدل مقدم «انتهى» لكن المحقق لم يوثقه بنفسه و لم يعدله بل يظهر منه أشهرية عدالته من ابن حمران

كتاب الطهارة (للإمام الخميني، ط - القديمة)، ج 2، ص: 219

و هي شهرة منقولة بعدالته على اشكال لا وثاقته و

حجية مثلها مع إهمال الرجل في كتب الرجال المعدة لذلك محل اشكال بل منع، سيما مع كون الوثاقة غير العلم و العدالة.

و الانصاف أن الركون على مثل هذه الرواية مع ما عرفت مع الغض عن سائر الروايات مشكل بل غير جائز، نعم مع الغض عن سندها لا إشكال في دلالتها على مذهب المفصل، لكن بإزائها مضافا الى صحيحة زرارة المتقدمة بالتقريب المتقدم صحيحة أخرى عنه و عن محمد بن مسلم «قال: قلت في رجل لم يصب الماء و حضرت الصلاة فتيمم و صلى ركعتين ثم أصاب الماء أ ينقض الركعتين أو يقطعهما و يتوضأ ثم يصلى؟ قال: لا و لكنه يمضي في صلوته و لا ينقضهما لمكان انه دخلها و هو على طهر بتيمم» «1» تدل على ان تمام العلة لعدم النقض و المضي دخوله فيها و هو على طهر بتيمم و حمل الدخول فيها على الدخول في الركوع و تقييد التعليل بالدخول فيه طرحها في الحقيقة لا الجمع بينها و بين رواية عبد اللّٰه على فرض تسليم سندها، فان معنى دخلها اى شرع فيها و لا يكون صادقا على الدخول في الركوع، و مطلقا قابلا للتقييد لوضوح الفرق بين هذا التعبير و بين أن يقال انه داخل في الصلاة، فإن الأول لا يصدق الا على أول الجزء و حال الشروع بخلاف الثاني.

و رواية محمد بن حمران عن أبى عبد اللّٰه عليه السّلام «2» التي لا يبعد ان تكون صحيحة لقرب احتمال ان يكون محمد بن سماعة الواقع في سندها هو الحضرمي الثقة لقيام شواهد عليه كما يظهر من ترجمته و ترجمة ابنه جعفر بن محمد بن سماعة، و قرب احتمال أن يكون محمد بن

حمران هو النهدي الثقة بقرينة رواية محمد بن سماعة عنه و لو كان ابن أعين يكون ممدوحا لكونه من مشايخ ابن أبي عمير، لحديث في المجلس الثاني من مجالس الصدوق ان محمد بن أبى عمير قال: حدثني جماعة من

______________________________

(1) الوسائل أبواب التيمم، ب 21، ح 4.

(2) الوسائل أبواب التيمم، ب 21- ح 3.

كتاب الطهارة (للإمام الخميني، ط - القديمة)، ج 2، ص: 220

مشايخنا. و عدّ منهم محمد بن حمران تأمل، و يشهد بكونه النهدي قول المحقق انه أشهر في العلم و العدالة من عبد اللّٰه بن عاصم و من كان كذلك هو النهدي.

«قال: قلت له: رجل تيمم ثم دخل في الصلاة و قد كان طلب الماء فلم يقدر عليه ثم يؤتى بالماء حين يدخل في الصلاة قال يمضى في الصلاة، و اعلم انه ليس ينبغي لأحد ان يتيمم إلا في آخر الوقت» و هي كالنص في ان الإتيان بالماء في أول الشروع في الصلاة لقوله «حين يدخل» فان حين الدخول أول وقته، فإذا أضيف إلى فعل المضارع صار كالنص فيه، و إذا أضيف الى ذلك إعادته بعد قوله «ثم دخل في الصلاة» مع عدم الاحتياج الى التكرار ان كان المراد مطلق الدخول، يؤكد ذلك لان الظاهر انه لإفادة زائدة و هي بيان ان الإتيان به انما هو في أول الشروع فيها.

و حملها على بعد الدخول في الركوع طرح لها جزما لا جمع بينها و بين رواية عبد اللّٰه، و لهذا قال المحقق في مقام ترجيحها على رواية عبد اللّٰه ان مع العمل برواية محمد يمكن العمل برواية عبد اللّٰه بالتنزيل على الاستحباب، و لو عمل بروايته لم يكن لرواية محمد محمل «انتهى»، مع ان

حمل المطلق على المقيد من أوضح المحامل عندهم.

و الانصاف ان الجمع بين الروايات بحمل الأمر بالمضي قبل الركوع على الاستحباب متعين لا غبار فيه و لم نترقب من المحقق صاحب الجواهر ارتكاب ما ارتكبه في هذه المسألة الواضحة المأخذ بما لا ينقضي العجب منه من التمسك بما لا ينبغي التمسك به، و حمل الروايات بما لا ينبغي الحمل عليه مما يطول الكلام لو تعرضنا لموارد النظر في كلامه، و أعجب منه انه خالف المشهور مع تصديقه بتحصيل الشهرة مع ان بناءه على اتباعها و ارتكاب التأويل في الأدلة المخالفة لها كيف كانت، و في المقام خالفها و ارتكب التأويلات الغريبة في أدلتها الظاهرة الدلالة على المذهب المشهور فراجع ثم انه حكى عن التذكرة استحباب الاستيناف مطلقا و لعله لرواية الصيقل «قال قلت لأبي عبد اللّٰه عليه السّلام رجل تيمم ثم قام يصلى فمرّ به نهر و قد صلى ركعة قال فليغتسل و

كتاب الطهارة (للإمام الخميني، ط - القديمة)، ج 2، ص: 221

ليستقبل الصلاة، قلت: انه قد صلى صلوته كلها قال لا يعيد» «1» بل يمكن ان يقال باستحباب الإعادة مطلقا حتى بعد الصلاة لصحيحة عبد اللّٰه بن سنان «2» المتقدمة الآمرة بالإعادة بعد الصلاة إذا أمن البرد، و يحتمل أن تكون للاستحباب مراتب بحسب حالات قبل الركوع و بعده و بعد الصلاة.

و ربما يقال بالتنافي بين رواية الصيقل و ما دلت على وجوب المضي خصوصا ما فصلت بين قبل الركوع و بعده، و دعوى قصور الاخبار عن افادة وجوب المضي لكون الأوامر فيها في مقام توهم الحظر غير مسموعة بعد مغروسية حرمة قطع الصلاة، و كون النقض منافيا لاحترامها في أذهان المتشرعة.

و فيه ان

الأوامر الواردة في ذلك المضمار لا يستفاد منها الا الإرشاد إلى صحة العمل، و لهذا لا يجوز التمسك بمثلها على حرمة القطع كما ترى معروفية عدم الدليل على حرمته إلا الإجماع، مع ان أمثال هذه الروايات كثيرة، و ليس ذلك الا لعدم دلالتها على وجوب المضي.

فمع ارشاديتها إلى صحة العمل و عدم انتقاض التيمم لا مانع من الجمع بينها و بين الأمر بالإعادة بحمله على الاستحباب، و دعوى مغروسية حرمة القطع في أذهان المتشرعة في زمان صدور الروايات بل مطلقا، غير ثابتة خصوصا في مثل المقام الذي يمكن أن يقال فيه بارتكازية وجوب الاستيناف لكون التيمم طهارة اضطرارية، و لو لا ضعف الرواية و عدم إمكان التشبث بالتسامح في أدلة السنن في مثل المقام الذي هو مظنة الإجماع على حرمة القطع لكان القول بالاستحباب غير بعيد، الا أن ينكر الإجماع بدعوى ان القدر المتيقن منه في غير مثل المورد لكن الأحوط عدم القطع.

و اما توهم التنافي بين استحباب الانصراف قبل الركوع و بقاء التيمم مع عدم العذر و وجدان الماء ففي غاية السقوط بعد وجود الأدلة الصحيحة المعمول عليها.

ثم انه هل يختص الحكم بصحة الصلاة مع الدخول فيها بتيمم بالفرائض اليومية أو

______________________________

(1) الوسائل أبواب التيمم ب 21، ح 6.

(2) الوسائل أبواب التيمم ب 14، ح 2.

كتاب الطهارة (للإمام الخميني، ط - القديمة)، ج 2، ص: 222

يعم مطلق الفرائض أو يعم النوافل أيضا أو يعم مطلق المركبات المشروطة بالطهارة، قد يقال بالأول لاختصاص الأدلة بها و انصرافها إليها، و في غيرها يرجع الى أدلة نقض التيمم بوجدان الماء و في مقابله احتمال التعميم الى مطلق المركبات، بدعوى اقتضاء التعليل الوارد في صحيحة زرارة و محمد

بن مسلم ذلك «1» فإنه يظهر من قوله «لمكان انه دخلها و هو على طهر بتيمم» ان تمام العلة لعدم النقض و المضي هو وجدان الطهور حال الدخول في العمل من غير دخالة لكونه صلاة فريضة، بل و لا لكونه صلاة فكما يعمم العرف من قوله: لا تشرب الخمر لانه مسكر الحكم الى كل مسكر و لو لم يكن خمرا، و لا يعتنى بالمورد و لا بالضمير الراجع اليه كذلك في المقام، يستفاد من التعليل ان الدخول بتيمم في كل عمل مشروط بالطهارة يقتضي عدم النقض، و صحة العمل و بقاء الطهور من غير اعتناء الى الضمير الراجع الى الفريضة أو إلى الصلاة، فإنه لو كان لها دخالة فيه لما علل بالدخول و هو على طهر بتيمم بل كان المناسب التعليل بحرمة القطع و نظائرها.

و بالجملة هذه الجملة المعللة كاشباهها تدل على عموم الحكم و يلغى المورد و خصوصية الضمير الراجع اليه، و مما ذكرنا يظهر التقريب في تعليل الصحيحة الأخرى لزرارة «2» و هو قوله: «فان التيمم أحد الطهورين» فان مقتضاه و ان كان الصحة لو تيمم صحيحا و لو كان قبل الدخول لكن يرفع اليد عنه بالنسبة الى قبل الدخول بالروايات الدالة على نقضه إذا وجد الماء، فان الظاهر أو المتيقن منها هو النقض قبل الدخول في الصلاة و لو كان فيها إطلاق يرفع اليد عنه بالروايات المتقدمة، و معه لا يمكن تعميم العلة حتى بالنسبة الى قبل الدخول للزم طرح تلك الروايات، فيبقى العموم في غير موردها و يعمم الى غير الصلاة بالتقريب المتقدم، فنتعدى الى الطواف و غيره من غير احتياج الى التمسك بالنبوي: «الطواف بالبيت صلاة» «3» حتى يستشكل في

سنده و دلالته أيضا بدعوى عدم التنزيل من هذه الجهات.

لكن مع ذلك لا يخلو التعميم بهذه السعة من اشكال لاحتمال عدم مساعدة العرف

______________________________

(1) الوسائل أبواب التيمم، ب 21، ح 4.

(2) الوسائل أبواب التيمم ب 23 ح 5.

(3) المستدرك أبواب الطواف، ب 38، ح 2.

كتاب الطهارة (للإمام الخميني، ط - القديمة)، ج 2، ص: 223

للتعميم الى غير الصلاة، و ان كان الى مطلق الصلاة فريضة أو نافلة قريبا، بل دعوى انصراف جميع الروايات إلى الفرائض أو اليومية منها ممنوعة، ضرورة أن النوافل سيما الرواتب منها كانت معمولة في تلك الأعصار و لم تكن كاعصارنا مهجورة ينصرف عنها الأذهان، فمقتضى إطلاق الأدلة عدم الفرق بين الفريضة و النافلة.

و لو وجد الماء في أثناء الصلاة بمقدار يمكن معه الوضوء أو الغسل و فقد في الأثناء أو بعدها بلا مهلة فالأقرب بقاء الطهارة، و عدم الاحتياج إلى الإعادة، لعدم شمول الروايات الحاكمة بنقض الطهارة بوجدان الماء أو بالقدرة عليه لذلك، فان المراد منهما ليس مطلق الوجدان و القدرة عليه و لذا لو وجد و كان مغصوبا لا ينتقض به بلا ريب بل المراد ما يمكن رفع الاحتياج به شرعا و عقلا فينسلك المورد فيما دلت على جواز إتيان الصلوات المتعددة بتيمم واحد، و لو نوقش فيه يكفي الأصل بعد حصول الطهور و الشك في النقض بعد قصور أدلته.

السادس قالوا المتيمم يستبيح له ما يستبيحه المتطهر بالماء

اشارة

و الكلام فيه يقع في مقامين:

(أحدهما) انه لو تيمم لغاية جاز لأجلها التيمم

يباح له جميع ما يباح للمتطهر، فلو تيمم لصلاة فريضة جاز له فعل النافلة و مس الكتاب و الاجتياز عن المسجدين و اللبث في غيرهما و قراءة العزائم الى غير ذلك، و خالف في ذلك فخر المحققين.

و التحقيق ان الخلاف في هذه المسألة إنما يأتي بناء على كون التيمم مبيحا أو بناء على اعتبارية الطهور على فرض كونه رافعا، لا مكان أن يقال على الفرض الأول انه مبيح بالنسبة إلى غاية دون غاية أخرى، و على الثاني انه اعتبرت الطهورية كذلك بالنسبة إلى غاية دون اخرى.

و اما على القول بالرفع و كونه طهورا و كون الطهور امرا واقعيا كشف عنه الشارع ككون الحدث قذارة معنوية كشف عنها، فلا مجال للنزاع لعدم تعقل كون العاجز المتيمم طاهرا من الجنابة أو الحدث الأصغر بالنسبة إلى عمل و جنبا و محدثا بالأصغر

كتاب الطهارة (للإمام الخميني، ط - القديمة)، ج 2، ص: 224

بالنسبة إلى آخر، فهذا النزاع انما يتمشى بعد الفراغ عن مبيحية التيمم و لما فرغنا عن كونه طهورا و رافعا كما مرّ فلا يبقى وجه لذلك لضعف احتمال اعتبارية الطهور.

ثم انه على فرض المبيحية أيضا الأقوى ما عليه المشهور لأدلة البدلية و المنزلة، و لو نوقش في إطلاق بعضها فلا مجال للتشكيك بالنسبة إلى جميعها كذيل الآية الكريمة فإنها و ان وردت في الصلاة لكن يظهر منها بأتم ظهور انه طهور، و لأجل طهوريته أمر الشارع به للصلاة، فمع حصول الطهور يجوز معه الإتيان بكل ما يشترط فيه الطهور و يحتاج اليه.

و القائل بعدم حصول الطهور كما هو المفروض، لا محالة يقول في الآية انه بمنزلته، فيفهم منه عموم المنزلة،

لأن الذيل بمنزلة التعليل، و كأنه قال على هذا المسلك: لما كان التيمم بمنزلة الطهور تيمموا.

و كالروايات المتواترة لقوله صلّى اللّٰه عليه و آله في المستفيضة «1» «جعلت لي الأرض مسجدا و طهورا» و قوله عليه السّلام: «هو بمنزلة الماء» و قوله عليه السّلام «ان اللّٰه جعل التراب طهورا كما جعل الماء طهورا» و قوله صلّى اللّٰه عليه و آله «يكفيك عشر سنين» و قوله عليه السّلام: «ان رب الماء و رب الأرض واحد» و «انه أحد الطهورين» و «ان التيمم غسل المضطر و وضوئه» و «انه الوضوء التام الكامل في وقت الضرورة» الى غير ذلك مما يعلم منها ان التيمم بمنزلة الوضوء و الغسل في جميع ما لهما من الخواص و الآثار.

(المقام الثاني) انه هل يجوز التيمم لكل غاية

أو مخصوص بغايات خاصة؟ يظهر من بعضهم عدم وجوبه الا للصلاة أولها و للخروج من المسجدين أو مع زيادة الطواف.

و عن الفخر ان والده لا يجوز التيمم من الأكبر للطواف و مس كتابة القرآن و عنه أيضا عدم مشروعية التيمم لصوم الجنب و الحائض و المستحاضة، و يظهر من المحقق الأنصاري نوع تردد فيه، قال في صومه: لو لم يتمكن المكلف من الغسل فهل يجب عليه التيمم؟ فيه قولان من عموم المنزلة في صحيحة حماد هو بمنزلة الماء

______________________________

(1) الوسائل أبواب التيمم، ب 23- 24.

كتاب الطهارة (للإمام الخميني، ط - القديمة)، ج 2، ص: 225

و في الروايات هو أحد الطهورين. و هو مذهب المحقق و الشهيد الثانيين خلافا للمحكي عن المنتهى و لعله من ان المانع هو حدث الجنابة و التيمم لا يرفعه، و هو طهور بمنزلة الماء في كل ما يجب فيه الغسل، لا ما توقف على رفع الجنابة، فالتيمم يجب

في كل موضع يجب فيه الغسل، لا فيما يشترط بعدم الجنابة و يشعر به قوله في صحيحة ابن مسلم «فان انتظر ماء يسخن أو يستقى فطلع الفجر فلا شي ء عليه» «1» حيث انه لم يأمر بالتيمم الى أن قال: فالأحوط التيمم «انتهى».

و فيه (أولا) ما تقدم من ان التيمم رافع للجنابة في الموضوع الخاص، كما هو مقتضى الأدلة و قد دفعنا الاشكال العقلي فيما مر، (و ثانيا) لو فرض عدم رفعها فلا إشكال في ان مقتضى الأدلة رفع مانعيتها، فهو لو لم يكن طهورا بمنزلته و يقوم مقامه في كل ماله من الآثار بمقتضى عموم المنزلة، و ان شئت قلت: ان دليل عموم المنزلة حاكم على ما دل على ان الجنابة مانعة أو رفعها شرط.

و اما صحيحة محمد بن مسلم فهي عن أحدهما في حديث «انه سأله عن الرجل تصيبه الجنابة في رمضان ثم ينام قال: ان استيقظ قبل أن يطلع الفجر فان انتظر ماء يسخن أو يستقى فطلع الفجر فلا يقضى صومه» فالظاهر انها بصدد بيان حكم آخر و هو حكم طلوع الفجر حال انتظار تسخين الماء أو استقائه لا لتكليفه عند ضيق الوقت فالسؤال انما هو عن طلوع الفجر فجأة، و هو غير مربوط بالمقام، كرواية إسماعيل ابن عيسى عن الرضا عليه السّلام و فيها «قلت: رجل أصابته جنابة في آخر الليل فقام ليغتسل و لم يصب ماء فذهب يطلبه أو بعث من يأتيه بالماء فعسر عليه حتى أصبح كيف يصنع قال: يغتسل إذا جاء ثم يصلى» «2» فإنها أيضا في مقام بيان حكم آخر لا يمكن الاستشهاد عليها بسكوته في مقام البيان، لصحة الصوم مع ترك التيمم عمدا كما لا يخفى.

ثم ان

مقتضى إطلاق المنزلة و عمومها قيام التيمم مقام الوضوءات المستحبة حتى وضوء الحائض للذكر و الأغسال المستحبة حتى غسل الجمعة، و الاستشكال في الأول

______________________________

(1) الوسائل أبواب ما يمسك عنه الصائم ب 14، ح 1- 20.

(2) الوسائل أبواب ما يمسك عنه الصائم ب 14، ح 1- 20.

كتاب الطهارة (للإمام الخميني، ط - القديمة)، ج 2، ص: 226

بأنه غير رافع و في الثاني بذلك أيضا، بدعوى انصراف الأدلة إلى الرافع سيما بملاحظة ان الحكمة في شرع بعضها التنظيف مع سكوت روايات غسل الجمعة عن ذكر التيمم خصوصا الروايات المتعرضة لعدم التمكن من الغسل يوم الجمعة مع تعرضها لتقديمه و قضائه يوم السبت لعله في غير محله.

اما دعوى الانصراف فغير وجيهة خصوصا مع حصول نحو طهارة لمطلق الوضوء بل الغسل كما ورد في رواية أصبغ «كان أمير المؤمنين عليه السّلام إذا أراد ان يوبخ الرجل يقول و اللّٰه لأنت أعجز من تارك الغسل يوم الجمعة فإنه لا يزال في طهر إلى الجمعة الأخرى» «1» و في روايات استحباب الغسل لدخول مكة «2» ما يشعر بذلك، بل الظاهر ان كلا من الغسل و الوضوء ماهية واحدة موجبة لنحو طهارة، و ان كانت للطهارة مراتب و كيف كان لا تتجه دعوى الانصراف.

و اما التأييد للانصراف بأن الحكمة في شرع بعضها التنظيف، ففيه ان الظاهر من الروايات المشتملة على العلل ان الوضوء و غسل الجنابة و غسل الميت و غسل مسه للتنظيف و معه لا يسوغ دعوى الانصراف.

و اما عدم التعرض له في الروايات الواردة في من لا يتمكن من الغسل، ففيه ان تلك الروايات واردة فيمن نسي الغسل يوم الجمعة و فوته، و لم أر فيها عاجلا فرض فقدان

الماء الا في رواية واحدة، و لا يمكن رفع اليد عن إطلاق أدلة البدلية بمجرد عدم التعرض في رواية واحدة، و اما روايات التقديم فلا تشعر على المقصود، لانه مع شرعيته لا تبقى للبدلية مجال تأمل، و كيف كان فالأقوى ما ذكرناه و الأحوط الإتيان به رجاء.

السابع إذا اجتمع ميت و جنب و محدث بالأصغر،

و معهم من الماء ما يكفي أحدهم، فإن كان ملكا لأحدهم اختص به، و يحرم على غيره التصرف فيه من غير رضاه، فان كان المالك هو الميت تعين صرفه فيه لأنه أولى بماء غسله من غيره حتى وارثه.

______________________________

(1) الوسائل أبواب الأغسال المسنونة ب 7، ح 2.

(2) الوسائل أبواب مقدمات الطواف، ب 6، ح 1.

كتاب الطهارة (للإمام الخميني، ط - القديمة)، ج 2، ص: 227

و ان كان لغيره فلا يبعد القول بجواز إيثاره على نفسه، لا لما قيل من عدم الدليل على وجوب حفظه حتى مع العلم بعدم الإصابة في مثل المورد، لان المتيقن من الأدلة اللبية انما هو حرمة تفويت التكليف بإراقة الماء و نحوه، مما يعد فرارا من التكليف، و اما حرمة صرفه في مقاصده العقلائية التي من أهمها احترام موتاهم بتغسيلها فلا.

و ذلك لما عرفت في محله من دلالة الآية و غيرها على عدم جواز تعذير العبد نفسه، و مقتضى إطلاقها عدم الفرق بين المقامات، و دعوى استفادة الحكم من الأدلة المتفرقة في تجويز التيمم بخوف العطش و لو على الدواب، و في مورد الدخول في الركية و غيرهما من الموارد في غير محلها، كما ان دعوى جواز صرف الماء في مطلق المقاصد العقلائية في غير محلها، بل لان العقل الحاكم في مقام الإطاعة و كيفيتها لا يرى ذلك مخالفة لأمر المولى.

توضيحه ان المولى إذا أمر

عبيده بشي ء كتنظيف بدنهم حين الورود على محضره بحيث يكون في تنظيف كل واحد منهم غرض إلزامي و لم يوجد ماء كاف لجميعهم، و لم يكن حصول أغراض المولى لقصور الماء، و لم يكن في نظره فرق بين فعل النظافة منه و من غيره، و تركها كذلك لا يعد العقل من آثر غيره على نفسه بإعطائه مائه لا طاعة أمر المولى مخالفا لأمره، بعد كون المولى واحدا و العبيد كلهم موظفين باطاعته و بالجملة بعد كون العبيد من مولى واحد و عملهم لتحصيل غرضه لا يفرق العقل في مقام المزاحمة و عدم إمكان الجمع بين السقوط منه و من غيره، بل لو آثر غيره على نفسه لوصوله إلى المثوبة يكون مأجورا للإيثار.

و أوضح منه ما إذا كان الماء مباحا، فإن التخلية بينه و بين غيره و إيثاره على نفسه حسن عقلا، و ليس مخالفا لأمره بعد أن لا يكون غرضه الإهمال في أمره، و التواني في اطاعته.

و ان شئت قلت: ان حال العبيد بالنسبة إلى إطاعة المولى الواحد في المزاحمة كعبد واحد بالنسبة إلى تكاليف متعددة متساوية في مقام المزاحمة، فكما يحكم

كتاب الطهارة (للإمام الخميني، ط - القديمة)، ج 2، ص: 228

العقل بعدم الترجيح في الثاني يحكم بعدمه في الأول.

و ما ذكرناه و ان أمكن أن يكون بعيدا من الأذهان ابتداء لكن بالنظر و التأمل في الموالي العرفية و العبيد المأمورين بتحصيل أغراضهم يرفع الاستبعاد، و لا يبعد ان تكون الروايات الواردة في الباب و ترجيح الجنب في مقام الدوران بين رفع الجنابة و رفع الحدث الأصغر و غسل الميت، و ترجيح رفع الحدث الأصغر من جماعة و رفع الجنابة من واحد لأجل ما

ذكرناه من اعتبار المكلفين، كأنهم شخص واحد مأمور بتحصيل غرض المولى، و الا فلا وجه للترجيح في التكاليف المتعددة و الأشخاص المختلفة لعدم التعارض بينها الا باعتبار ما ذكر. تأمل.

ففي صحيحة عبد الرحمن بن أبي نجران «انه سأل أبا الحسن موسى بن جعفر عليه السّلام عن ثلاثة نفر كانوا في سفر أحدهم جنب و الثاني ميت و الثالث على غير وضوء و حضرت الصلاة و معهم من الماء قدر ما يكفي أحدهم من يأخذ الماء و كيف يصنعون؟ قال: يغتسل الجنب و يدفن الميت بتيمم، و يتيمم الذي هو على غير وضوء لان غسل الجنابة فريضة و غسل الميت سنة و التيمم للآخر جائز» «1» و قريب منها رواية الحسن بن النظر الأرمني «2» الا ان فيها فرض ميت و جنب و رواية الحسن التفليسي «3» و في ذيلها إذا اجتمعت سنة و فريضة بدء بالفرض، و في موثقة أبي بصير «قال: سألت أبا عبد اللّٰه عليه السّلام عن قوم كانوا في سفر فأصاب بعضهم جنابة و ليس معهم من الماء الا ما يكفى الجنب لغسله، يتوضأون هم هو أفضل أو يعطون الجنب فيغتسل و هم لا يتوضأون؟ فقال: يتوضأون هم و يتيمم الجنب» «4» و الظاهر ان وقوع المزاحمة و الترجيح بما ذكر انما هو لكون المولى واحدا و العبيد كأنهم واحد كما أشرنا إليه. تأمل.

______________________________

(1) الوسائل أبواب التيمم، ب 18، ح 1- 4- 3- 2.

(2) الوسائل أبواب التيمم، ب 18، ح 1- 4- 3- 2.

(3) لوسائل أبواب التيمم، ب 18، ح 1- 4- 3- 2.

(4) الوسائل أبواب التيمم، ب 18، ح 1- 4- 3- 2.

كتاب الطهارة (للإمام الخميني، ط - القديمة)، ج 2، ص:

229

ثم ان مقتضى ترك الاستفصال في الروايات عدم الفرق بين كون الماء مشتركا بينهم أو مختصا بأحدهم، كما ان الظاهر من التعليل هو كون الترجيح استحبابيا لا إلزاميا كما يظهر من المحقق الإجماع عليه على تأمل، لكن العمل على الروايات إذا كان الميت مالكا مشكل، نعم لا يبعد جواز العمل إذا كان شريكا لعدم لزوم إعطاء الشريك مائه لتغسيله و معه يكون مائه، مثل ما يفسد ليومه يجوز التصرف فيه و تقويمه أو يرجع الى ورثته و يجوز لهم التبرع به لغسل الجنب، و اما حمل الروايات على كون الماء مباحا أصليا فغير ممكن، و لا بأس بالعمل بموثقة أبي بصير بعد كون الترجيح استحبابيا، و اما مرسلة محمد بن على «1» فمع ضعفها و مخالفتها للمعتبرة و فتاوى الأصحاب لا يعول عليها.

الثامن إذا تيمم الجنب

بدلا من الغسل ثم أحدث بالأصغر فعن المشهور انه أعاد بدلا من الغسل و لا يتوضأ لو وجد ماء بقدر الوضوء، و عن السيد في شرح الرسالة ان المجنب إذا تيمم ثم أحدث حدثا أصغر و وجد ما يكفيه للوضوء توضأ لأن حدثه الأول قد ارتفع و جاء ما يوجب الصغرى و قد وجد من الماء ما يكفيه لها فيجب عليه استعماله «انتهى» و أجابوا عنه بقيام الإجماع على ان التيمم ليس برافع بل هو مبيح و الجنابة باقية، و زالت الإباحة بالحدث الأصغر فيجب عليه الغسل و مع فقد الماء التيمم بدله، و يظهر من الاستدلال و جوابه ان المسألة مبتنية على المسألة المتقدمة. و مع القول بالرافعية لا مجال للقول المشهور، و مع القول بالاستباحة لا مجال لقول السيد، و لكن الأمر ليس كذلك لا مكان القول بالرافعية إلى

غاية حصول الحدث، و إمكان القول بأنه مبيح لا ترفع إباحته من حيث الجنابة بحدوث الأصغر، فلا بد من النظر في الأدلة على كلا القولين.

فنقول: ان مقتضى إطلاق أدلة التنزيل و البدلية كتابا و سنة قيام التيمم مقام الغسل و الوضوء في جميع ما لهما من الآثار سواء قلنا بطهوريته أولا.

______________________________

(1) الوسائل أبواب التيمم، ب 18، ح 5.

كتاب الطهارة (للإمام الخميني، ط - القديمة)، ج 2، ص: 230

اما على الأول فواضح، لان الطهور من الجنابة لا ينتقض إلا بجنابة جديدة، نعم لو قام دليل خاص على انتقاضة بالحدث الأصغر لالتزمنا بكونه طهورا إلى غاية، و الا فمقتضى إطلاق الأدلة طهوريته مطلقا و انما قلنا بكونه طهورا للعاجز لقيام الدليل على الاغتسال بعد رفع العجز كما تقدم.

و اما على الاستباحة فلان غاية ما نرفع اليد عن إطلاق الأدلة و تنزيل التراب منزلة الماء بناء على قيام دليل عقلي أو غيره على عدم الرفع، هو عدم قيامه مقامه في الرافعية فيكون الدليل الخارجي قرينة على ان المراد بقوله هو أحد الطهورين هو أحد الطهورين تنزيلا، اى بمنزلة الطهور، فيكون مقتضى الإطلاق أنه طهور تعبدي تنزيلي في جميع الآثار، فنزل الشارع المقدس الجنابة منزلة العدم و التيمم منزلة الطهور و الغسل، فكما ان الغسل و الطهور من الجنابة لا ينتقض بالأصغر، كذلك ما هو بمنزلته بل هو هو في عالم التنزيل، فلا بد من قيام دليل على ذلك حتى ترفع اليد عن الأدلة.

و اما إنكار إطلاقها بدعوى ان أدلة التنزيل ناظرة إلى التنزيل في أصل التحقق لا في الناقض، فيمكن أن يكون البول مثلا ناقضا و لا إطلاق لها لرفع هذا الشك، ففيه انه ان كان المراد ان

مفادها حصول الطهور أو ما هو بمنزلته مطلقا للفاقد، و يكون البول موجبا لحدوث جنابة جديدة فهو مخالف للضرورة و الأدلة، فلا بد من الالتزام بحصول الطهارة لموضوع خاص، مثل من لم يحدث أو الى أمد خاص أي إلى حين الحدث فيرجع الى التقييد في موضوع الأدلة الدالة على انه طهور كما لا يخفى.

و قد يقال: لا يبعد الالتزام بمقالة المشهور حتى مع القول بطهورية التيمم، بدعوى ان الطهور الذي هو شرط في الصلاة صفة وجودية، و الحدث أيضا قذارة معنوية، فنلتزم بعدم المضادة بين الوصفين ذاتا، بل التنافي بين أثريهما، كما ان المسلوس طاهر و محدث حقيقة، و غسل الجنابة رافع لحدث الجنابة و مفيد للطهارة التي هي شرط الصلاة، و اما التيمم فإنما يقوم مقام الغسل و الوضوء في الطهورية المسوغة لاستباحة الغايات، اى المجامعة مع المانع لا بصفة المانعية، و اما كونه بمنزلتهما في إزالة ذات المانع

كتاب الطهارة (للإمام الخميني، ط - القديمة)، ج 2، ص: 231

فالأدلة قاصرة عن إثباته، اما ما دل على انه طهور فواضح و اما ما دل على ان التراب بمنزلة الماء، فهو و ان اقتضى عموم المنزلة، لكن العلم ببقاء الأثر في الجملة المقتضي لوجوب الغسل لدى القدرة موجب لصرف الذهن عن ارادة التشبيه في إزالة الذات انتهى ملخصا ثم تأمل و تردد و أمر بالاحتياط.

و لا يخفى ما فيه فإنه مضافا الى ان التضاد بين الصفتين ارتكازي بين المتشرعة، و ان القطرات غير الاختيارية في المسلوس و المبطون ليست سببا للحدث بمقتضى الجمع بين الأدلة كما حقق في محله، و ان الحدث مانع للصلاة لا الطهارة شرط على الأقرب، و انما أمر بالطهارة لإزالة الجنابة

و سائر الاحداث، و ان يوهم شرطيتها بعض الأدلة كقوله: «لا صلاة الا بطهور» لكن مع تذيله بقوله: «و يجزيك من الاستنجاء ثلاثة أحجار» «1» يدفع التوهم كما أشرنا إليه، كما ان قوله تعالى وَ إِنْ كُنْتُمْ جُنُباً فَاطَّهَّرُوا» ظاهر في ان الأمر بالاغتسال لإزالة الجنابة: ان إنكار دلالة الأدلة على ازالة ذات المانع في غير محله.

اما الآية الكريمة فمع تصديرها بقوله «وَ إِنْ كُنْتُمْ جُنُباً فَاطَّهَّرُوا» الذي هو كالنص في ان الغسل مزيل للجنابة و رافع له، و ليس ذلك الا للتضاد بين الوصفين، تكون ظاهرة جدا في ان التيمم أيضا رافع عند فقدان الماء، لما تقدم مرارا من استفادة عموم التنزيل منها، و لو لم تكن مذيلة بقوله «وَ لٰكِنْ يُرِيدُ لِيُطَهِّرَكُمْ» و معه لا يبقى مجال تشكيك فيه.

نعم لو كان الدليل العقلي المعروف بينهم تاما، لما كان بدّ من توجيهها و توجيه سائر الأدلة التي هي كالنص في الطهورية، و لعل اعراض القوم عن هذا الظاهر و التزامهم بالاستباحة لأجل المانع العقلي، كما هو المعول عليه من زمن شيخ الطائفة رضى اللّٰه عنه، و بعد ما تقدم من تصوير الرافعية من غير لزوم اشكال عقلي لا يبقى مجال لرد الأدلة.

و العجب من دعوى وضوح عدم دلالة مثل قوله: «التيمم أحد الطهورين» «و ان اللّٰه

______________________________

(1) مرت في صفحة 133.

كتاب الطهارة (للإمام الخميني، ط - القديمة)، ج 2، ص: 232

جعل التراب طهورا كما جعل الماء طهورا» «1» على كونه مزيلا لذات الجنابة، مع ان صرف مثل تلك الاخبار عن الدلالة على إزالة قذارة الجنابة كما هو شأن الماء الى كونه في حكمها كالطرح للأدلّة بلا موجب، و دلالة هذه الطائفة أوضح بمراتب من

دلالة قوله:

«هو بمنزلة الماء» «2» كما لا يخفى بأدنى تأمل، فالأدلة دالة على المقصود. و لو قلنا بمقالة المشهور في مسألة الاستباحة و الرفع.

نعم هنا بعض الروايات استدل بها للقول المشهور مما لا داعي لنقلها و الجواب عنها بعد وضوح عدم دلالتها.

ثم لو فرض قصور أدلة التنزيل عن إثبات الحكم فقد يقال بان مقتضى القاعدة الاحتياط، لكون الشك في المكلف به فيجب بعد الحدث الجمع بين التيمم بدلا من الغسل و بين الوضوء أو التيمم بدله.

و فيه ان المرجع بعد الشك الى استصحاب بقاء الطهور الحقيقي أو التنزيلي، و معه ينقح موضوع الأدلة الاجتهادية المستفاد منها بعد الجمع و التخصيص، ان الطاهر من الجنابة إذا أحدث بالصغرى يجب عليه الوضوء.

و لا يعارضه استصحاب عدم مشروعية الوضوء قبل التيمم، لان الشك في المشروعية و عدمها ناش عن بقاء الطهارة و عدمه، و استصحاب بقائها المنقح لموضوع الأدلة الاجتهادية حاكم عليه.

هذا فيما إذا قلنا بحصول الطهارة حقيقة واضح، و كذا إذا قلنا بالاستباحة لأن القائل بها لا يمكنه رفع اليد عن ظاهر الأدلة المتواترة إلا بما دل دليل عقلي أو نقلي على خلافه فمع قيامه على عدم حصول الطهارة واقعا تحمل الأدلة على حصول التنزيلية منها، فيكون معنى قوله: «التراب أحد الطهورين» انه أحدهما حكما، لكن بلسان تحقق الموضوع و هو من أوضح موارد الحكومة، فكما ان قوله: «التراب طهور» حاكم على مثل «لا صلاة الا بطهور» و لو قلنا بان الطهور تنزيلي، كذلك استصحابه ينقح موضوع الأدلة

______________________________

(1) الوسائل أبواب التيمم ب 23- 24.

(2) مرت في صفحة 128.

كتاب الطهارة (للإمام الخميني، ط - القديمة)، ج 2، ص: 233

الاجتهادية الحاكمة على ان الحدث الأصغر لغير الجنب موجب

للوضوء، فلا إشكال في المسألة سواء قلنا بالرافعية كما هو الأقوى أو بالاستباحة.

التاسع [انتقاض التيمم]

اشارة

لا اشكال نصا و فتوى في انتقاض التيمم مع التمكن من استعمال الماء و عدم العذر منه شرعا و عقلا، و مع فقده بعد ذلك افتقر الى تجديده، كما لا إشكال في عدم انتفاضة بخروج الوقت و لا بإتيان الصلاة. فما عن الشافعي من اختصاص أثر التيمم بصلاة واحدة ضعيف، كما لا يعول على رواية السكوني المخالفة للروايات و فتوى الأصحاب

و انما الكلام في بعض الفروع.

منها: لو تيممت الحائض أو المستحاضة تيممين بدلا من الغسل و الوضوء، فوجدت ماء يكفى لواحد منهما لا كليهما، فلا يخلو اما ان تعلم بأهمية أحدهما المعين المعلوم كالغسل أهمية إلزامية أو تحتمل ذلك أو تعلم بأهمية أحدهما المعين واقعا و لا تعرفه أو تحتمل ذلك أو تعلم بتساويهما.

فعلى الأول ينتقض ما هو بدل الأهم لحصول التمكن من استعمال الماء له، و لا ينتقض بدل المهم للعذر عن استعماله له.

و على الثاني ينتقض محتمل الأهمية بناء على انتقاضهما مع التساوي كما يأتي للعلم التفصيلي بانتقاضه، اما لكونه أهم فيختص بالانتقاض أو لتساويهما فينتقضان و الأخر محتمل الانتقاض فيستصحب بقائه.

و على الثالث و الرابع يحصل العلم بانتقاض أحدهما و بقاء أحدهما، فيجب عليها التيممان لو قلنا باختلاف كيفيتهما، و تكتفي بواحد بقصد ما في الذمة لو قلنا باتحادهما كيفية كما هو الأقوى، و كذا مع احتمال الأهمية في كل واحد منهما، و مع إحراز تساويهما ينتقض التيممان لكونها قادرة على كل واحد من الغسل و الوضوء، و ان لم تكن قادرة على الجمع، و القدرة عليه ليست موضوعة للحكم، بل القدرة على كل واحد موجبة لانتقاضه، و هي حاصلة و هذا بوجه نظير باب المتزاحمين حيث قلنا بأنه لو ترك المكلف إنقاذ الغريقين يستحق

العقوبة على ترك كل منهما للقدرة على إنقاذه، و ان

كتاب الطهارة (للإمام الخميني، ط - القديمة)، ج 2، ص: 234

لم يقدر على الجمع و هو ليس بمأمور به.

ثم انه قد يقال مع إحراز أهمية الغسل لو توضأت صح وضوئها لقاعدة الترتب و مقتضاها انتقاض ما هو بدل من الوضوء أيضا على تقدير ترك الغسل، و لو أتلفت الماء انتقض التيممان.

و فيه مضافا الى ما حررنا في محله من بطلان الترتب ان انتقاض التيمم في المقام نصا و فتوى متوقف على القدرة الفعلية على استعمال الماء للوضوء و عدم محذور فيه، و هي لم تحصل الا باستعمال مقدار من الماء للوضوء أو غيره أو إتلاف مقدار منه، بحيث خرجت البقية عن إمكان الاغتسال بها، فح لو استعملت الماء لغير الوضوء أو أتلفته ثم توضأت بالبقية صح وضوئها، لكن هذا الفرض خارج عن محط الكلام.

و اما لو استعملت في الوضوء فما لم يخرج الماء عن إمكان الاغتسال به لم ينتقض تيممها، لكونها غير قادرة على استعماله في الوضوء لبقاء العذر. و لزوم تقديم الأهم، و إذا تعذر بالاستعمال كما لو تعذر بعد غسل وجهها للوضوء انتقض تيممها، فلا يمكن أن يقع ذلك الوضوء صحيحا لحصول الانتقاض بعد غسل الوجه و صيرورتها محدثة بين الوضوء نظير حدوث الحدث بينه.

و بالجملة انتقاض التيمم حصل بالوضوء و في أثنائه فلا يقع صحيحا، و ذلك من غير فرق بين القول برافعية التيمم حقيقة أو حكما كما لا يخفى وجهه بالتأمل.

ثم ان إتلاف الماء لا يوجب انتقاض التيمم بدل الوضوء الا أن يكون تدريجيا بحيث تقدر على الوضوء بعد سلب قدرتها عن الغسل، و اما لو أتلفته دفعة فلا موجب لانتقاض

بدل الأصغر بعد فرض أهمية الأكبر، لأنها قبل التلف لم تكن قادرة على استعماله في الوضوء، و بالتلف تسلب القدرة عنهما دفعة، فلا وجه لانتقاض ما هو بدل الأصغر فإطلاق القول بانتقاضهما بالإتلاف محل اشكال و منع.

و قد يقال في فرض عدم الأهمية انهما ينتقضان ان تركت استعماله فيهما الى أن يمضي زمان تتمكن فيه من فعل كل من الطهارتين لقدرتها على كل منهما على تقدير ترك

كتاب الطهارة (للإمام الخميني، ط - القديمة)، ج 2، ص: 235

الأخر، و قد تحقق التقدير في الفرض و اما على تقدير استعماله في أحدهما فالظاهر عدم انتقاض ما هو بدل من الأخر لعدم قدرتها على الإتيان بمبدله على تقدير صرف الماء فيما استعملت بمقتضى تكليفها.

و فيه ان مضى الزمان بمقدار العمل لإدخاله له في قدرتها، بل هي حاصلة في أول زمان وجدان الماء الجائز الاستعمال شرعا و عقلا، فإن القدرة على كل منهما ليست معلقة على ترك الآخر، بل فعله رافع للقدرة لأجل المزاحمة عقلا بينهما، فالقدرة قبل الاشتغال بالعملين حاصلة بالنسبة الى كل من العملين، و بالاشتغال بأحدهما ترفع عن الآخر ما دام الاشتغال أو مع نقصان الماء بالاستعمال.

و منه يظهر النظر في كلامه الأخير أي عدم الانتقاض على تقدير الاستعمال في صاحبه، لأن القدرة كانت حاصلة لكل منهما قبل الاشتغال بالآخر، و لا يشترط في الانتقاض الا ذلك، فالأقوى انتقاضهما بمجرد الوجدان و القدرة على الاستعمال قبل الاشتغال بأحدهما و لا تأثير للاشتغال به في عدم الانتقاض.

و العجب ان القائل بالتفصيل في هذا الفرع لم يفصل في الفرع الأخر، فقال لو وجد جماعة ماء يباح لهم التصرف فيه، فان تمكن كل منهم من التصرف فيه على

وجه سائغ من غير ان يزاحمه غيره انتقض تيمم الجميع و الا انتقض تيمم المتمكن خاصة «انتهى».

و كان عليه التفصيل المتقدم من مضى زمان بمقدار العمل مع تركهم الاستعمال و مع استعمال أحدهم حين الوجدان يلتزم بعدم الانتقاض، الا ان يقال ان مراده ذلك و لم يصرح به لإيكاله على الوضوح بعد بيان الفرع المتقدم فيرد عليه ما تقدم.

و الحمد لله أولا و آخرا و ظاهرا و باطنا و قد وقع الفراغ من هذه الوجيزة في 11 شهر شعبان المعظم سنة 1376

________________________________________

خمينى، سيد روح اللّٰه موسوى، كتاب الطهارة (للإمام الخميني، ط - القديمة)، 3 جلد، ه ق

تعريف مرکز

بسم الله الرحمن الرحیم
جَاهِدُواْ بِأَمْوَالِكُمْ وَأَنفُسِكُمْ فِي سَبِيلِ اللّهِ ذَلِكُمْ خَيْرٌ لَّكُمْ إِن كُنتُمْ تَعْلَمُونَ
(التوبه : 41)
منذ عدة سنوات حتى الآن ، يقوم مركز القائمية لأبحاث الكمبيوتر بإنتاج برامج الهاتف المحمول والمكتبات الرقمية وتقديمها مجانًا. يحظى هذا المركز بشعبية كبيرة ويدعمه الهدايا والنذور والأوقاف وتخصيص النصيب المبارك للإمام علیه السلام. لمزيد من الخدمة ، يمكنك أيضًا الانضمام إلى الأشخاص الخيريين في المركز أينما كنت.
هل تعلم أن ليس كل مال يستحق أن ينفق على طريق أهل البيت عليهم السلام؟
ولن ينال كل شخص هذا النجاح؟
تهانينا لكم.
رقم البطاقة :
6104-3388-0008-7732
رقم حساب بنك ميلات:
9586839652
رقم حساب شيبا:
IR390120020000009586839652
المسمى: (معهد الغيمية لبحوث الحاسوب).
قم بإيداع مبالغ الهدية الخاصة بك.

عنوان المکتب المرکزي :
أصفهان، شارع عبد الرزاق، سوق حاج محمد جعفر آباده ای، زقاق الشهید محمد حسن التوکلی، الرقم 129، الطبقة الأولی.

عنوان الموقع : : www.ghbook.ir
البرید الالکتروني : Info@ghbook.ir
هاتف المکتب المرکزي 03134490125
هاتف المکتب في طهران 88318722 ـ 021
قسم البیع 09132000109شؤون المستخدمین 09132000109.